الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو كالعيون فهذى حظّها حول
…
يغصّ منها وهذى حظّها حور
وكان قد ظل عند ياسر نحو سنتين وعاد فى شوال سنة سبع وستين، وركب البحر إلى عيذاب ثغر قوص على بحر القلزم، وكأن الموت كان فى انتظاره، فلم يكد ينزلها حتى لبّى نداء ربه وهو فى الخامسة والثلاثين من عمره.
ابن سناء (1) الملك
هو القاضى السعيد هبة الله بن القاضى الرشيد أبى الفضل جعفر بن القاضى المعتمد سناء الملك السعدى ولد سنة 550 بالقاهرة فى بيت يسار ونعمة، إذ كان أبوه وجده من كتّاب الإنشاء فى الدولة الفاطمية، كما يدل على ذلك تلقيبهما بلقب القاضى الذى كان يمنح لكبار الكتاب، وكانت قد انعقدت صلة وثيقة بين جده وأبيه وبين القاضى الفاضل حين كان يعمل معهما فى الدواوين الفاطمية. ولما تطورت الظروف وأصبحت مقاليد الحكم فى مصر بيد صلاح الدين واتخذ القاضى الفاضل وزيرا له ومستشارا قرّب الفاضل منه جعفر بن سناء الملك وتوثقت الصلة بينهما حتى كان ينيبه عنه فى غيبته مع صلاح الدين بالشام. وعنى جعفر بتربية ابنه هبة الله منذ نعومة أظفاره، فعهد إلى بعض القرّاء بتحفيظه القرآن الكريم، حتى إذا حفظه اختلف إلى حلقات العلماء وخاصة حلقة ابن برّى أكبر أئمة اللغة والنحو المصريين حينئذ. وأكبّ يقرأ كتب الفقه وعلم الكلام والمنطق على نحو ما يشهد بذلك استظهاره فى أشعاره لبعض مصطلحات هذه العلوم فى الحين بعد الحين. ودفعه طموحه العلمى إلى الارتحال إلى الإسكندريد لسماع الحديث على السّنّى الكبير الحافظ السّلفىّ أحمد بن محمد، وفيه يقول:
وجئت إلى الإسكندريّة قاصدا
…
إلى كعبة الإسلام أو علم العلم
إلى أحمد المحيى شريعة أحمد
…
فلا عدمت منه أبا أمّة الأمّى
(1) انظر فى ترجمة
ابن سناء الملك
وأشعاره الخريدة (قسم شعراء مصر) 1/ 64 ومعجم الأدباء 19/ 265 والمغرب لابن سعيد (قسم القاهرة) ص 273 وابن خلكان 6/ 61 وعبر الذهبى 5/ 29 والشذرات 5/ 35 وحسن المحاضرة 1/ 243 وبدائع البدائه لعلى بن ظافر وخزانة الأدب للحموى فى مواضع متفرقة ومقالنا: «الروح المصرية فى شعر ابن سناء الملك» بكتابنا: «فصول فى الشعر ونقده وابن سناء الملك: حياته وشعره لمحمد إبراهيم نصر» ومقدمة محمد عبد الحق لنشرته للديوان فى الهند، ونشره وحققه فى القاهرة محمد إبراهيم نصر.
وقد أكبّ على دواوين الشعراء يلتهمها كما أكبّ على الموشحات الأندلسية فى طليعة عمره كما يقول فى مقدمة كتابه النفيس «دار الطراز» الذى سبق أن تحدثنا عنه وقلنا إنه وضع فيه عروض الموشحات، وإنه يقوم فى ذلك مقام الخليل بن أحمد فى وضعه عروض الشعر العربى، ونراه يختم بعض موشحاته بأقفال أعجمية مما يدل على معرفته بالفارسية. ويشهد وضعه لعروض الموشحات وضعا نهائيا بذكاء خارق.
وقد تفتحت موهبة ابن سناء الملك الشعرية مبكرا تفتحا راع القاضى الفاضل كبير أدباء زمنه، فاستاذن أباه فى أن يتخذه كاتبا بين يديه، وأذن له، وأضفى عليه من إعجابه بشعره وودّه ما أصبح به أبا روحيا له ولفنّه. ومن خير ما يصور هذه الأبوة الروحية كتاب ابن سناء الملك المسمى «فصوص الفصول» ومنه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية، والكتاب فى جمهوره مراسلات بين ابن سناء الملك وأبيه جعفر من جهة وبين القاضى الفاضل من جهة ثانية حين كان يذهب إلى الشام فى رفقة صلاح الدين، فيكاتب الشاعر وأباه، وخاصة حين يرسل إليه ببعض مدائحه فيه أو فى صلاح الدين. وهى ليست مكاتبات إخوانية فحسب، بل هى أيضا ملاحظات نقدية على الشعراء السالفين والمعاصرين وخاصة ابن سناء الملك نفسه وأشعاره. وتموج رسائل الفاضل فيها بثناء غدق عليه من مثل قوله عن بعض قصائده:«ما يرينا من آية إلا هى أكبر من أختها، وما يجلو علينا عروسا إلا وقد جمع بين حسنها وبختها، وقلما يجمع بين الحسن والبخت» ويفضّلها على المعلقات. ويمدحه مرة ثانية فيقول: لله درّ تلك الأنفاس التى تستخف عقول الرجال، بل عقود الجبال. . ولقد أبقى للآباء ذكرا، وللأبناء فخرا، وأرسلها مقلّدات، فأرهفها مجرّدات، وأثارها أوابد، فنظمها قلائد». ويشيد الفاضل بموشحاته كما يشيد بأشعاره رافعا منزلته فيها على منزلة الأندلسيين درجات. ويهمنا ما يسجله كتاب فصوص الفصول من أنه كان ناقدا كما كان شاعرا.
واختصر ابن سناء الملك كتاب الحيوان للجاحظ، باسم روح الحيوان، ويقول ابن خلكان إنها تسمية لطيفة، ويذكر له كتابا ثانيا باسم مصايد الشوارد. وكان ناثرا بارعا كما كان شاعرا مبدعا، يقول ابن خلكان:«ومن نثره فى وصف النيل فى سنة كان ناقصا، ولم يوف الزيادة، التى جرت بها العادة: «وأما أمر الماء فإنه نضبت مشارعه، وتقطعت أصابعه، وتيمم العمود (عمود المقياس) لصلاة الاستسقاء، وهمّ المقياس من الضعف بالاستلقاء» . يقول ابن خلكان: «وهذا من أحسن ما يوصف به نقصان النيل» . وزعم ابن سعيد فى كتابه المغرب أنه
كان غاليا فى التشيع، وربما دفعه إلى ذلك أنه وجده يمدح القاضى الفاضل فى يوم عاشوراء ذاكرا مقتل الحسين الشهيد فيه يقول:
يوم يساء به وفي
…
هـ كلّ شيعىّ وسنّى
ولم يكن القاضى الفاضل شيعيا، بل كان سنّيّا ومثله ابن سناء الملك، وهو لذلك يقول إن ذكرى هذا اليوم تحزن السنيين والشيعة معا. وقد أشار فى رثائه لبعض العلويين من أصهاره إلى نوم الخلق عن ثأر الحسين. وفى رأينا أنه ليس فى ذلك ما يعارض سنيته، فإن مصرع الحسين يأسى له الطرفان المتعارضان من أهل السنة والشيعة جميعا، وقد صرح فى مدحه للقاضى بأنه سنى رغم حبه وتشيعه له يقول:
وغدوت فى حبى له متشيّعا
…
من ذا رأى متشيّعا متسنّنا
وليس من المعقول أن ينال حظوة القاضى الفاضل وصلاح الدين شاعر شيعى غال فى تشيعه.
ويبدو أن الصفدى قرأ هذه التهمة عند ابن سعيد، وأكدها عنده أنه قرأ فى ديوان ابن الساعاتى هجاء له فى ابن سناء الملك حين سقط عن جواد له كان يسمى الجمل، فزعم أنه إنما سقط عنه لبغضه أم المؤمنين السيدة عائشة وأباها الصدّيق أبا بكر، يقول:
أبغضت بالطبع أمّ المؤمنين ولم
…
تحبب أباها فجاءت وقعة الجمل
وهو هجاء لابن الساعاتى جرّه إليه أن اسم الجواد الجمل، وله فيه أهاج مختلفة كما يشهد ديوانه، وكأنه ذكر ذلك كيدا له. وقد أشاد فى مقدمته لفصوص الفصول بالصحابة جميعا، ولم يخص على بن أبى طالب بتنويه. ومر بنا أنه تتلمذ على الحافظ السلفى أكبر سنىّ فى عصره.
وكان ابن سناء الملك يعيش فى رغد من العيش، لثراء أبيه، وفى الديوان أنه أهداه مرة بستانا ومرة فندقا. وظل موظفا فى ديوان الإنشاء منذ بواكير حياته، وبعد وفاة صلاح الدين واستعفاء القاضى الفاضل من عمله ظل يعمل فى الديوان مع السلطان العزيز ثم أخيه السلطان الأفضل ثم السلطان العادل وابنه الكامل، حتى إذا كانت سنة 606 عهد إليه السلطان الكامل بتدبير ديوان الجيش، غير أنه استعفاه فأعفاه. ولم يلبث أن توفى سنة 608. ولم يكن يعمل مع كل أولئك السلاطين فحسب، بل كان يقدم إليهم مدائحه وكانوا يجزلون له فى العطاء، وبالمثل كان يجزل له فى العطاء أمراء البيت الأيوبى حين كان يمدحهم، وفى ديوانه مدائح كثيرة لهم ولصفى الدين بن شكر وزير السلطان العادل. فالأموال كانت تغدق عليه بالإضافة إلى راتبه
وما ورثه عن أبيه مما يؤكد أنه عاش مترفا منعما. وفى ديوانه أشعار كثيرة يصف فيها داره التى كانت تطلّ على النيل وحديقتها وما كان بها من نافورات، وكانت منتدى للشعراء من أصدقائه وكانت تجرى بينهم فيها محاورات ومفاكهات طريفة.
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن ابن سناء الملك، أكبر شاعر ظهر بمصر قبل العصر الحديث، وقد أوضحنا فى مقال عنه بكتابنا فصول فى الشعر ونقده تمثيله فى أشعاره للروح المصرية، من ذلك ما يجرى فى أساليبه من السهولة التى تعد انعكاسا لما يشعّ منها فى روح المصريين أبناء النيل وأوديته وسهوله وما أسبغ على ساكنى ضفافه من حياة سهلة، مما دفعه إلى استخدام بعض الكلمات العامية المألوفة فى ألسنة المصريين مثل «ياما بمعنى كثير جدا، ومثل «ودينى هو علىّ أكثر» ومثل «على عينى» . ومن ذلك الرقة فى ألفاظه ومعانيه وما يتصل بها من اللين والدماثة، مما جعله يكثر من التغزل بمن فقدن أبصارهن من الفتيات والنساء كقوله فى إحداهن:
شمس بغير الليل لم تحجب
…
وفى سوى العينين لم تكسف
مغمدة المرهف لكنها
…
تفتك بالغمد بلا مرهف (1)
فهى شمس منيرة تحجبها غلالة من الليل، شمس أصابها فى عينيها كسوف، ونورها يغمر كل ما حولها وإن جفونها لتطبق على عينيها إطباق الغمد على سيفه، ومع ذلك تفتكان بمن يبصرهما كما يفتك السيف القاطع. ويتجسّد تمثل ابن سناء الملك للروح المصرية فى تعلقه الشديد-مثل المصريين جميعا-بوطنه ونفوره من الغربة حين يذهب إلى القاضى الفاضل بالشام فى إحدى القضايا المهمة، حتى ليقول:
ووالله ما أشرى الشآم وملكه
…
وغوطته الخضرا بشبرين من شبرا
فغوطة دمشق بمشاهدها الساحرة بل الشام وملكه وصولجانه، كل ذلك لا يشتريه بشبرين من شبرا: إحدى ضواحى القاهرة. وصفة مصرية رابعة ماثلة بالقوة فى شعره هى حبه لأبويه وأسرته حيّا يملك عليه كل شئ من أمره، مما نراه ماثلا فى مراثيه لأمه وأبيه وجده وزوجه وأخته وإخوته. وله فى أبيه مدائح بديعة من مثل قوله وكأنه يمدح بعض السلاطين:
يا سائلا عن معاليه ليشهرها
…
البدر فى الأفق يستغنى بشهرته
(1) المرهف: السيف الفاتك
ذاك الذى يبسم الدهر العبوس به
…
تيها وتبتهج الدنيا ببهجته
ونحسّ فى مديحه لأبيه بسعادته سعادة غامرة وهو يتحدث عن منزلته وأدبه وعلمه وشيمه فى إجلال وإكبار يفوقان الوصف. وأيضا ما تمتاز به مصر من تعلق بالدين نجده مصورا فى أشعاره.
وأهم من استنفد مدائحه صلاح الدين والقاضى الفاضل، ومعروف أن صلاح الدين قضى على أسطورة الصليبيين وما كان يقال عن بأسهم وما أسّسوه فى الشام من ممالكهم فقد مزق جموعهم تمزيقا، وردّ فلولهم إلى البحر المتوسط وما وراءه. وقد مضى ابن سناء الملك يمدحه مدائح رائعة منذ إعداده لحرب الصليبيين ومدّ سلطانه على حلب وغيرها من ديار الشام، وجمعه للعرب تحت لوائه، حتى ينقضّ بهم على حملة الصليب، وله يقول:
بدولة التّرك عزّت ملّة العرب
…
وبابن أيوب ذلّت شيعة الصّلب
وفى زمان ابن أيوب غدت حلب
…
من أرض مصر وعادت مصر من حلب
وكأنه كان يستشعر فى عمق أمنية توحيد العالم العربى. وله فى صلاح الدين مدائح كثيرة يصور فيها بطولته وبطولة جيوشه وسحقهم للصليبيين. ومازال صلاح الدين ينزل بهم الدمار ويأخذ منهم الحصون والبلاد حتى كانت هزيمتهم الكبرى فى موقعة حطّين، وفيها جرت دماؤهم أنهارا وتعمّ الفرحة الديار العربية، ويهنئ ابن سناء الملك صلاح الدين بهذا النصر المبين قائلا:
لست أدرى بأىّ فتح تهنّا
…
يا منيل الإسلام ما قد تمنّى
أنهنّيك إذ تملّكت شاما
…
أم نهنّيك إذ تملّكت عدنا
قد ملكت الجنان قصرا فقصرا
…
إذ فتحت الشآم حصنا فحصنا
لك مدح فوق السموات ينشا
…
ومحلّ فوق الأسنّة يبنى
حملوا كالجبال عظما ولكن
…
جعلتها حملات خيلك عهنا (1)
لم تلاق الجيوش منهم ولكن
…
ك لا قيتهم بلادا ومدنا
وتصيّدتهم بحلقة صيد
…
تجمع الّليث والغزال الأغنّا (2)
(1) يشير إلى الآية الكريمة: (وتكون الجبال كالعهن المنفوش). والعهن: الصوف.
(2)
الغزال الأغن: الذى يخرج صوته من خياشيمه.
والقصيدة مديح رائع وتحمل كثيرا من الصور المبتكرة، وقد مضى فيها يصور أخذ صلاح الدين لصليب الصلبوت الذى يزعم المسيحيون أن المسيح صلب عليه، ويغريه بإحراقه، كما يصور أخذه لطبرية وعكا ونابلس وبيت جبريل وتبنين وغيرها من مدن الشام وحصونه، وذكر فتكه بأرناط صاحب الكرك بيده جزاء وفاقا لسوء فعله وقوله لتعرضه القبيح للحجاج المصريين ولإعداده أسطولا-كما مر بنا-لغزو مكة والمدينة، ولما نقل إليه عنه من استخفافه بالرسول عليه السلام.
ومدائحه فى القاضى الفاضل كثيرة حتى لتعدّ بالعشرات، إذ كاد لا يترك مناسبة دون أن يهديه من أشعاره، فهو يهديها له فى الأعياد وفى القدوم من الشام ومن الحج وفى انتصارات صلاح الدين، إذ كثيرا ما ينوّه بها فى مدائحه له، وهو فيها يبالغ مبالغات كثيرة من مثل قوله:
صوّر الله ذلك الشخص نورا
…
وجميع الأنام ماء وطين
وقوله:
وما الدهر إلا خادم أنت ربّه
…
وما الخلق إلا عالم أنت فاضله
وقوله:
الدهر مدّ إليه كفّ مفتقر
…
فمدّ للدهر منه لحظ محتقر
فى كفّه قلم إن شئت أو قدر
…
يصرّف الخلق بين النفع والضرر
وهو يكرر معنى البيت الثانى ويطيل فيه، وله يقول:
بميمون رأيك كان الفتوح
…
ومنصور عزمك كان الغلب
وكثيرا ما يردد هذا المعنى وكأنه يشير إلى قولة صلاح الدين المشهورة: لم أنتصر على الأعداء بسيفى وإنما انتصرت بقلم القاضى الفاضل، وفيه يقول واصفا كرمه الفياض:
لا يستقرّ المال فوق بنانه
…
حتى كأن بنانه مخروق
يا طالبين ذرى علاه توقّفوا
…
ومؤمّلين ندى يديه أفيقوا
وهما بيتان رائعان فى وصف الجود، وبحق كان القاضى الفاضل يستحق منه كل ثناء وكل تكريم فقد رعاه أعظم رعاية، ونوه بأشعاره تنويها ليس وراءه غاية وبحقّ، يقول له:
شكرى لنعماك شكر الأرض للمطر
…
أولا فشكر سواد العين للنظر
فهو يشكره شكر الأرض المجدية للغيث المدرار الذى يحيى مواتها، بل شكر سواد العين لنور البصر الذى يصلها بالوجود ومشاهده. وله فيه صور كثيرة مبتكرة مثل قوله فى جوده المنهمر على الناس:
وقصّر البحر عنه فهو مكتئب
…
أما تراه بكفّى موجه التطما
وولّت السحب-إذ جارته-باكية
…
أما ترى الدمع من أجفانها انسجما
فالبحر يشعر إزاء كرمه بقصوره حتى ليندب حظه ويلطم وجهه بكفى موجه، وإن الغيث ليبكى بدموع غزار لا تزال تنهمل. ونحسّ بفرحة تسرى فى كثير من مدائحه للفاضل كما نحس خفة الظل التى يشتهر بها المصريون وخاصة فى تخلصاته من الغزل إلى المديح كقوله:
ضنّت بطرف ظلّ يعدى سقمه
…
أرأيتم من ضنّ حتى بالضّنا
إنى رأيت الشمس ثم رأيتها
…
ماذا علىّ إذا هويت الأحسنا
وسألت من أىّ المعادن ثغرها
…
فوجدت من عبد الرحيم المعدنا
أبصرت جوهر ثغرها وكلامه
…
فعلمت حقّا أن هذا من هنا
وضنّ صاحبته بالطرف وعدواه وضنّها حتى بالسقم أو بالضّنا غريب، وتلطّف فى التخلص من الغزل إلى مديح القاضى الفاضل عبد الرحيم ما شاء له التلطف والرشاقة وخفة الروح وعذوبة الكلم. وله فى غزله كثير من هذه التصاوير المبتكرة، كقوله:
أقمت على عاشقيك القيامه
…
بورد لخدّ وغصن لقامه
فمن ورد خدّك كيف النّجاة؟ !
…
ومن غصن قدّك كيف السلامه
وقوله:
وأشكو إلى ليل الغدائر غدرها
…
وأملى عليه وهو فى الأرض يكتب
وقوله:
ألقى حبائل صيد من ذوائبه
…
فصاد قلبى بأشراك من الشّعر
وقوله:
لا تخش منى فإنى كالنسيم ضنا
…
وما النّسيم بمخشىّ على الغصن