الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرّابع
طوائف من الشعراء
1 - شعراء الغزل
لعل موضوعا لم يشغل شعراء مصر طوال هذا العصر كما شغلهم الغزل، الذى يصور عاطفة الحب الإنسانية الخالدة، والذى طالما تغنّى به الشعراء مصورين حبهم للمرأة وهيامهم بها، وما شعروا به من سعادة حين أقبلت عليهم ولو بعض الإقبال وما شعروا به من شقاء حين كانت تعرض عنهم ولو بعض الإعراض. أما حين كانت تقبل فكأنها تناولهم شرابا هنيئا بل رحيقا صافيا لا يدانيه رحيق، وأما حين كانت تعرض فكأنها تلقى عليهم شواظا من نار يلذع قلوبهم وأفئدتهم، ويصور الشاعر كيف يتصل ذلك كله بقلبه وبنفسه وبأحاسيسه ومشاعره، يصور ما يجد فى حبه من لذة أو ألم ومن نعيم أو جحيم. ولا يكاد يوجد محب إلا وهو يخشى القطيعة والفراق إلى غير مآب، فإن حدث الفراق فإنه يشكو ويضرع ويستعطف. لقد حرم حتى من الإشارة واللمحة من بعيد، ولكن الأمل فى اللقاء يظل يراوده مهما تجرّع من الآلام واحتمل من ألوان العذاب، ويبدئ ويعيد فى تصوير عذابه وآلامه لعل صاحبته تعطف عليه وتعيد ما كان بينها وبينه من وصال. وحقا قد تلقانا فى تضاعيف ذلك صور من الحب الجسدى الذى تمليه الغرائز، وهو خليق بالازدراء، إنما الذى يملؤنا إعجابا هو الحب العذرى العفيف الطاهر الذى يشغف قلوب أصحابه ويملؤهم بوجد ليس بعده وجد، وجد لا يخجلون منه ولا يستخزون، لأنه لا يتعلق بمأرب مادى، فحسبهم الوصال واللقاء، وهنئ لهم عذابهم بهذا الحب الذى ليس بعده عذاب، إنه حب قوى حار، حب نقى صاف، حب يمتلئ حنانا. وسواء استحال هذا الحب نارا من اليأس أو نورا من الأمل فإن تعقبه عند الشعراء المصريين وعرضه فيه كثير مما يلذّ النفس ويمتعها، وخاصة ما نفذوا إليه من غزل وجدانى صادق فى وصف حبهم وما انطوت عليه قلوبهم من مشاعر الصبابة، مما سنراه واضحا عند ابن النبيه والبهاء زهير.
ويخيل إلى الإنسان كأنما أوقد الحب جذوة من النار لا تنطفئ أبدا فى قلوب الشعراء، فهم دائما يصلونها ويصلون معها البعد والفراق، وحتى مع القرب يصلون عذاب الحب، دون إشفاق أو عطف أو رحمة، على نحو ما يقول ابن هانئ (1).
فتكات طرفة أم سيوف أبيك
…
وكئوس خمر أم مراشف فيك
أجلاد مرهفة وفتك محاجر
…
ما أنت راحمة ولا أهلوك
يا بنت ذى السّيف الطويل نجاده
…
أكذا يجوز الحكم فى ناديك
عيناك أم مغناك موعدنا وفى
…
وادى الكرى ألقاك أم واديك
قد كان يدعونى خياثة طارقا
…
حتى خ عانى بالقنا داعيك
منعوك من سنة الكرى وسروا فلو
…
عثروا بطيف طارق ظنّوك
وهو لا يدرى كيف يتقى فتكات طرف صاحبته التى تشبه أتم الشبه فتكات سيف أبيها، وإنها جميعا لتصيبه فى الصميم دون أى رأفة، وإنه ليائس يأسا شديدا من رأفة أبيها وأهلها، فلا يأمل فى رؤية لها أو لقاء، ويتعلل بلقائها ورؤيتها فى الكرى والأحلام، ويألم ألما شديدا، فقد منعوا طيفها من الإلمام بعينيه فى الحلم، وإنه ليبيت خائفا منهم حذرا، أن تسفر له عن وجهها الباسم حتى فى النوم، فما أشقاه وما أشد عذابه، إذ لا يجنى من حبه لها سوى الألم والحرمان واللوعة.
ولم يكن تميم بن المعز الفاطمى أقل منه لوعة وأسى حين صور وداعه لصاحبته، وهى لا تقل عنه أسى والتياعا، يقول (2):
مازال فى الحبّ شوق موجع وأسى
…
مبرّح يقطع الأحشاء والكبدا
حتى رمى البين بالتفريق ألفتنا
…
وحلّ من وصلها ما كان قد عقدا
فآه من لوعة مشبوبة وجوى
…
فى الصدر لم يبق لى صبرا ولا جلدا
قالت وعبرتها مخلوطة بدم
…
تجرى وأنفاسها مرفوعة صعدا
لا تطلب النطق منى بالسّلام فما
…
أبقى فراقك لى روحا ولا جسدا
وهو يصور أساه فى حبه وكيف يفتت منه الأحشاء والكبد، وإذا البين ينعب بالفراق، فيلتاع لوعة تستعر بين جوانحه، ويتهالك ويفقد الصبر والجلد، بينما هى تذرف الدمع مدرارا مرسلة
(1) ديوان ابن هانئ (طبعته لزاهد على) ص 531.
(2)
ديوان تميم ص 131.
أنفاسا حارة ملتهبة، وتتلطف له قائلة لا تطلب منى النطق بالسلام، فلم أعد أستطيع الكلام، وتشعر كأن الفراق يكلفها من الجهد فوق ما يطيق جسدها وروحها، بل لكأنما لم يعد لها جسد ولا روح. ويعود إلى تصوير لوعة هذا الفراق لمحبوباته فى الديوان مرارا بمثل قوله (1):
قالت وقد نالها للبين أوجعه
…
والبين صعب على الأحباب موقعه
اجعل يديك على قلبى فقد ضعفت
…
قواه عن حمل ما فيه وأضلعه
كأننى يوم ولّت-حسرة وأسى-
…
غريق بحر يرى الشاطى ويمنعه
فقد ارتفع نبضها وعلت ضرباته، وتحس كأنما لم يعد فى قلبها فضل من قوة تستطيع به أن تحتمل صدمة الفراق المروعة، وتميم يبادلها نفس المشاعر ونفس الآلام والأوجاع، وإنه ليذوب حسرة وأسى لفراقها، ولا يستطيع أن ينقذها وينقذ نفسه من هذه المحنة، وكأنه غريق تلعب به الأمواج وهو يرى الشاطئ ولا يستطيع وصولا إليه. وعلى الرغم من أنه كان أميرا وكان ابن الخليفة المعز تلقانا عنده مشاعر الحب الحقيقية التى ترتفع عن أدران الحسّ، ومن طريف قوله فى بعض غزله (2):
قلت اسمحى لى بتقبيل أعيش به
…
قالت: وأىّ محبّ قبّل القمرا
ومرّ بنا فى ترجمة ظافر الحداد أن له غزلا رقيقا يطير عن الفم بخفة وأنشدنا له قطعتين، واشتهر بقصيدة له ذالية أو اختار أن تكون ذالية ليدل على قدرته فى النظم على هذه القافية التى يظن أنها تستصعب على الشعراء، وهى قصيدة غزلية، تجرى على هذا النمط (3):
لو كان بالصبر الجميل ملاذه
…
ما سحّ وابل دمعه ورذاذه
من كان يرغب فى السلامة فليكن
…
أبدا من الحدق المراض عياذه
لا تخدعنّك بالفتور فإنّه
…
نظر يضرّ بقلبك استلذاذه
يا أيها الرّشا الذى من طرفه
…
سهم إلى حبّ القلوب نفاذه
درّ يلوح بفيك من نظّامه
…
خمر يجول عليه من نبّاذه (4)
وقناة ذاك القدّ كيف تقوّمت
…
وسنان ذاك الّلحظ ما فولاذه
رفقا بجسمك لا يذوب وإننى
…
أخشى بأن يجفو عليه لاذه (5)
(1) الديوان ص 260.
(2)
الديوان ص 152.
(3)
ابن خلكان 2/ 540 والنجوم الزاهرة 5/ 376.
(4)
النباذ: صانع النبيذ
(5)
اللاذ: ثوب من حرير
والقصيدة على هذه الشاكلة تسيل رقة وعذوبة، حتى مع قوافيها الذالية، وتملأ صوره النفس بهجة، فهذا الرشأ أو الظبى الجميل الغرير يرسل سهامه وهى سهام حقيقية تنفذ إلى حبّ القلوب وسويدائها، ويخال درّا ملء فمها ويتساءل من نظمه فى هيئته البديعة، أما ما حوله من رضاب أو ريق فخمر حقيقية ويتساءل من النباذ الذى صنع هذه الخمر العجيبة، ويشتد به العجب وهو ينظر إلى قامة صاحبته واستوائها الرائع، ويتساءل أى فولاذ صلب اتّخذ منه سنان لحظها المرهف القاطع النافذ إلى الأفئدة. وإن جسد صاحبته ليذوب رقة ما بعدها رقة ونعومة ما تماثلها نعومة، حتى ليظن كأن اللاذ أو الحرير الذى تلبسه ينبو عليه لشدة لطفه ورهافته. وله يتغزل موجها الخطاب إلى معاتبه فى حبه وتهالكه فيه (1):
عتت ولكننى لم أع
…
وأين ملامك من مسمعى
وما قدر عتبك حتى يزيل
…
غراما تمكّن من أضلعى
ومادام لومك إلا وأن
…
ت تقدر أنّ جنانى معى
مضى كى يودّع سكّانه
…
غداة الفراق فلم يرجع
فؤادى فى غير ما أنت فيه
…
فخذ فى ملامته أودع
والقطعة تموج برقة الحسّ ولطفه إلى أبعد حدود الرقة واللطف اللذين يشتهر بهما أهل القاهرة من قديم، وليس فيها لفظة غريبة بل كأنه تعمد أن يختار ألفاظها أقرب ما تكون إلى لغة الحياة القاهرية اليومية. ولا نبعد إذا قلنا إنها تعد هى ونظيراتها عند ظافر مقدمة للغزل الوجدانى الصافى الذى سنعرضه عند ابن النّبيه ومعاصريه. وهو يقول لصاحبه فى القطعة بمنتهى الرقة والتلطف كفى عتابا فقد سلبت محبوبتى عقلى وسمعى، وملك حبها جنانى، بل لقد مضى وراءها منذ الفراق ولم يعد. فأنا لا أعقل ولا أسمع شيئا مما تقول، ويتلطف إليه غاية اللطف حين يترك له الخيرة فى أن يستمر فى لومه أو يكف عنه، وعادة المحبين أن يعنفوا بلائميهم فى الحب، وظافر لا يعنف بل يتلطف فى ود رقيق.
وربما كان من تتمة الرقة فى غزل الشعراء المعاصرين لظافر أن نجد ابن قادوس الدمياطى يتغزل بجارية سوداء، محاولا بكل ما استطاع أن يرد عنها ما يظنّ من قبح السواد، يقول (2):
(1) الخريدة (قسم شعراء مصر) 2/ 6
(2)
الخريدة 1/ 232.
وعاذل محتفل
…
مجتهد فى عذلى
يلومنى فى ظبية
…
مخلوقة من كحل
إن السّواد علّة
…
من نور هذى المقل
والحجر الأسود لم
…
يخلق لغير القبل
والقار-مذ كان-وعا
…
ء السّلسبيل السّلسل
فقد دافع عن تلك الجارية دفاعا بديعا. إذ جعلها مخلوقة من الكحل الذى تزدان به الحسان فى عيونها، بل جعلها مخلوقة من سواد العيون الذى تبصر به من حولها النور المنبثق فى الكون، وإنه ليذكر الحجر الأسود وإكباب الحجاج على تقبيله، كما يذكر القار أو القطران واتخاذه فى دعم الجدر لآنية الماء العذب. وهو ظرف بالغ من ابن قادوس، ظرف نعرفه دائما للشعراء المصريين. وكانوا يسندون هذا الظرف بكثير من الصور الخيالية المبتكرة، وقد يبالغون فى وصف هيامهم مبالغة بعيدة على نحو ما نقرأ للمهذب بن الزبير (1):
إذا أحرقت فى القلب موضع سكناها
…
فمن ذا الذى من بعد يكرم مثواها
وما الدمع يوم البين إلا لآلىّ
…
على الرّسم فى رسم الديار نثرناها (2)
وما أطلع الزّهر الربيع وإنما
…
رأى الدّمع أجياد الغصون فحلاّها
ولما وقفنا للوداع وترجمت
…
لعينى عما فى الضمائر عيناها
بدت صورة فى هيكل فلو انّنا
…
ندين بأديان النّصارى عبدناها
وهو يشكو من النار التى دلعتها صاحبته فى فؤاده، ويقول لها إنه مسكنك فإذا لم تبق عليه فأين يكون مثواك، استعطاف واسترحام، فقلبه ملئ بها فتونا بل نارا موقدة، وقد أزمعت البين والفراق وهو ينثر دموعه نثرا. ويمتد به الخيال فيظن أن الندى العالق بغصون الأشجار دموعه، ويعلن سحرها له وشغفه بها، وكيف يعبث جمالها بفؤاده، حتى لتبدو له وكأنها صورة فى هيكل تقدّم لها القرابين والتراتيل، ويوشك أن يعبدها كما يعبد النصارى المسيح. ونحس عند المهذب نقلة لشعر الغزل المصرى، إذ يستحيل وجدا وصبابة ورقة وخفة من مثل قوله (3):
(1) معجم الأدباء 9/ 61.
(2)
على الرسم: على العادة.
(3)
الخريدة 1/ 216.
هم نصب عينى أنجدوا أو غاروا
…
ومنى فؤادى أنصفوا أو جاروا (1)
فارقتهم وكأنهم فى ناظرى
…
مما تمثّلهم لى الأفكار
تركوا المنازل والديار فمالهم
…
إلا القلوب منازل وديار
واستوطنوا البيد القفار فأصبحت
…
منهم ديار الإنس وهى قفار
فلئن غدت مصر فلاة بعدهم
…
فلهم بأجواز الفلا أمصار (2)
أو جاوروا نجدا فلى من بعدهم
…
جاران: فيض الدمع والتّذكار
والدهر ليل مذ تناءت دارهم
…
عنى وهل بعد النهار نهار
إنه لن ينساهم أبدا مهما أنجدوا أو غاروا ومهما شرقوا أو غربوا، ومهما أنصفوه أو ظلموه، لقد فارقوه وصورهم مائلة فى خياله لا تبرحه، وحقا تركوا المنازل والديار، ولكنهم تركوا وراءهم منزلا عظيما، لا تزايله صورهم، إنه قلبه الملتاع المطوى على حبهم. وينظر إلى الديار والمنازل حوله بمصر فيظنها فلوات ومفازات، فقد غادروها قفرا يبايا خرابا إلى ديار كانت خالية موحشة فأصبحت بهم أمصارا، وليس من جار له فى قفره الخرب إلا جاران: تذكارهم ودموعه المنهلة التى لا ترقأ أبدا، وقد أظلمت الدنيا فى عينيه. حتى غدا النهار مظلما داجيا، فقد أخذوا معهم كل شئ حتى النهار وضياءه. وله أبيات غزلية خفيفة من مثل قوله (3):
لم يهن قطّ علينا بعدكم
…
مثلما هان عليكم بعدنا
لم تبالوا إذ رحلتم غدوة
…
أىّ شئ صنع الدهر بنا
وقوله (4):
أحبابنا ما بالكم
…
فينا من الأعداء أعدى
وحياة ودّكم وتر
…
بة وصلكم ما خنت عهدا
والرقة واضحة فى الأبيات، وواضح فى البيت الأخير الظرف المصرى، فالوصل مات وقبر والمهذب يحلف-كما يحلف المصريون حتى اليوم بأعزائهم وتربهم أو قبورهم-بتربة الوصل العزيز وما سكب عليه من الدموع الحارة.
(1) أنجدوا: دخلوا نجدا. غاروا: دخلوا الغور أى تهامة.
(2)
أجواز: جمع جوز: وسط
(3)
الخريدة 1/ 219.
(4)
الخريدة 1/ 214.
ويلقانا فى أوائل أيام صلاح الدين الأيوبى على بن الدباغ الإسكندرى، ومن بديع ماله فى الغزل أبياته المشهورة (1):
يا ربّ إن قدّرته لمقبّل
…
غيرى فللمسواك أو للأكؤس
ولئن قضيت لنا بصحبة ثالث
…
يا ربّ فليك شمعة فى المجلس
وإذا قضيت لنا بعين مراقب
…
فى السرّ فلتك من عيون النّرجس
وابن الدباغ يصور فى أبياته أنانية المحب وكأنه يحب نفسه كما يحب محبوبته، بل هو يرى فيها ظلال نفسه، ولذلك يتمنى لها ما يتمنى لنفسه من أن لا يقبّل شفتيها سوى المسواك للوضوء والأكؤس أو الأكواب للشراب، وأن لا يصحبهما ثالث إلا أن يكون شمعة تضئ المجلس، وإذا كان لا بد من عين لرقيب فلتكن من عيون النرجس.
وكان القاضى الفاضل وزير صلاح الدين يجنح إلى استخدام المحسنات البديعية وإلى صور مختلفة من التكلف، وكان قد نشأ بمصر وتنفس فى حياتها الأدبية ولعله لذلك يؤثر من حين إلى حين السهولة فى غزله وأن يمنح من المعين المصرى العذب كقوله (2):
يا طرف مالك ساهدا فى راقد
…
يا قلب مالك راغبا فى زاهد
من يشترى عمرى الرخيص جميعه
…
من وصلك الغالى بيوم واحد
عاتبته فتورّدت وجناته
…
والقلب صخر لا يلين لقاصد
والقطعة مكتظة بالطباق ولكن لا نكاد نحسه، لأن الألفاظ متداخلة متواصلة، وهو يصور فيها انصراف المحبوبة عنه، بينما هو واله بها واجد، وعاتبها فتضرجت وجناتها بالخجل، غير أنها ظلت منصرفة عنه لا تلين له ولا تعطف عليه، ومن غزله البديع قوله (3):
ترى لحنينى أو حنين الحمائم
…
جرت-فحكت دمعى-دموع الغمائم
وهل من ضلوع أو ربوع ترحّلوا
…
فكلّ أراها دارسات المعالم
لقد ضعفت ريح الصّبا فوصلتها
…
فمنّى لا منها هبوب السّمائم
وهو ترداد طريف، فهو لا يدرى أيحاكى السحاب فى قطره المنهل حنينه الملتاع أو هو يلبى
(1) الخريدة 2/ 133 وخزانة الأدب للحموى (طبع مطبعة بولاق) ص 246.
(2)
الخزانة ص 247.
(3)
الخزانة ص 246.
الحمائم وما ترسل من حنين شجى، وهو لا يدرى أيضا أى منازل رحل عنها أحبابه أهى الربوع أو الضلوع. فكلاهما أطلال دارسة، ويبلغ به الخيال أن يظن أنفاسه الحارّة امتزجت بنسيم الصبا، فأحالته سمائم لافحة.
ونلتقى بخدن القاضى الفاضل ورفيقه: ابن سناء الملك أكبر شعراء مصر فى العصر، وشعره يموج بوجد لا حدود له ولا ضفاف، وجد يشقى به تارة وينعم به تارة، إذ يذوق لذة الحب المؤلمة والحلوة، حتى إذا اختلس قبلة أو ضمّة كاد يطير من الفرح طيرانا، مهما تأبّت عليه محبوبته ومهما صدت عنه ونفرت منه، بل إنه ليلقى ذلك كله بحنان لا يماثله حنان، يقول (1):
لا أجازى حبيب قلبى بجرمه
…
أنا أحنى عليه من قلب أمّه
ضنّ عنى بريقه فتحيّل
…
ت إلى أن سرقته عند لثمه
وإلى اليوم من ثلاثين يوما
…
لم تزل من فمى حلاوة طعمه
إن قلبى لصدره ورقادى
…
ملك أجفانه وروحى لجسمه
يكسر الجفن بالفتور ومالى
…
عمل عند كسره غير ضمّه
والأبيات تموج بالعذوبة والظرف، فكله حنان لصاحبته، حتى ليفوق حنوّه عليها حنوّ الأم.
ومازال بها حتى اقتطف منها خلسة قبلة، ومرت الأيام ولا تزال حلاوتها فى فمه، ويشعر كأن كل شئ فيه لها: قلبه وروحه، وملك أجفانها رقاده وسهده. وتصنّع فى البيت الأخير لاستخدام مصطلحى الكسر والضم عند النحاة، ومع ذلك أوقعهما فى موضعهما، فلا نحس فيهما تصنعا ولا ما يشبه التصنع، ومن قوله (2):
نعم المشوق وأنعم المعشوق
…
فالعيش كالخصر الرقيق رقيق
خصر أدير عليه معصم قبلة
…
فكأن تقبيلى له تعنيق
ونعم لقد طرق الحبيب وماله
…
إلا خدود العاشقين طريق
فرشوا الخدود طريقه فكأنما
…
زفراتهم لقدومه تطريق (3)
وافى وصبح جبينه متنفّس
…
وأتى وجيد رقيبه مخنوق
(1) الديوان ص 664.
(2)
الديوان ص 502.
(3)
التطريق: تسهيل الطريق للمارة.
وهى لحظة من لحظات الحب الحلوة صورها ابن سناء الملك تصويرا بديعا، فقد سعد العاشق الولهان بما أنعم عليه المعشوق من لقاء، وأحس بابتهاج ما بعده ابتهاج، فقد زارته المحبوبة الفاتنة التى شغفت قلوب كثيرين، وإنهم ليفرشون طريقها بخدودهم لتطأ عليها، مرسلين زفراتهم، وكأنما يمهدون بها الطريق لها، وقد وافت بجبينها المشرق إشراق الصباح، وغصّ الرقيب بريقه حتى كأنه مخنوق. ومن طرائف غزله قوله (1):
سعدت ببدر خدّه برج عقرب
…
فكذّب عندى قول كلّ منجّم
وأقسم ما وجه الصباح إذا بدا
…
بأوضح منى حجّة عند لوّمى
ولا سيّما لما مررت بمنزل
…
كفضلة صبر فى فؤاد متيّم
وما بان لى إلا بعود أراكة
…
تعلّق فى أطرافه ضوء مبسم (2)
وقفت به أعتاض عن لثم مبسم
…
شهىّ لقلبى لثم آثاز مسم (3)
بكيت بكلتى مقلتىّ كأننى
…
متمّم ما قد فات عينى متمّم
وهو يقول إنه سعد برؤية هذا البدر وما سال على خده من عقرب الشّعر، مما جعله يكذّب قول المنجمين أن برج العقرب فى السماء إذ رآه على خد صاحبته الفاتنة. وإن فتنتها وما تدلع فى قلبه لأنصع برهان له عند لائميه، أنصع من الصباح فى وضوحه وضيائه. وقد مرّ بمنزلها الذى لا يكاد يبين، كما لا يكاد يبين الصبر فى فؤاد العاشق الولهان، وبان له بفضل عود أراك كانت تستاك به صاحبته قبل الوضوء، إذ تعلّق بأطرافه ضوء من مبسمها، واهتدى إليها وإلى منزلها على لألائه فوقف مبهوتا مشدوها ولا أمل له فى قبلة يقتطفها أو ما يشبه القبلة، وأقبل يلثم آثار منسمها أو طريقها باكيا بدموع غزار، باكيا بمقلتيه وكأنه يتمم بكاء متمّم بن نويرة على أخيه مالك وقد اشتهر بكثرة بكائه عليه، وكان أعور فمازال يبكيه حتى دمعت عينه العوراء. وعلى هذا النحو لا يزال ابن سناء الملك يتقلب بين لحظات حب مؤلمة مبكية وأخرى مفرحة مبهجة. وكان يذوب لطفا ورقة مما جعله يتغزل-كما أشرنا فى ترجمته، ببعض من فقدن بصرهن، وهو يحتال فى غزله بهن على إيراد ألوان من حسن التعليل ترفع عنهن هذا الضيم الذى نزل بهن، من مثل قوله (4):
فتنتنى مكفوفة ناظراها
…
كتبا لى من الجراح أمانا
(1) الديوان ص 698.
(2)
مبسم: ثغر
(3)
المنسم: طرف خف البعير ويريد راحلة الجيبة.
(4)
الديوان ص 846.
فهى لم تسلل الفتور حساما
…
لا ولم تحمل الّلحاظ سنانا (1)
وهى بكر العينين محصنة الأج
…
فان ما افتضّ ميلها (2) الأجفانا
قصرت عشقها علىّ فلم تع
…
شق فلانا إذ لم تعاين فلانا
لا ولم تبصر الرجال فتختا
…
ر على ملتحيهم المردانا
عميت من هواى وارتحل الإن
…
سان من عينها وأخلى المكانا
علمت غيرتى عليها فخافت
…
أن تسمّى غيرى لها إنسانا
وهو يعلن إليها فتنته بحسنها، وهى فتنة ممزوجة بغير قليل من الرضا والغبطة، إذ أمن عندها أن تصمى سهام عينيها قلبه، أو يصحبه حسام الفتور وسنان اللحاظ، ويصفها ببكارة العينين وطهارة الأجفان، إنها عذراء البصر، لم يمس ميل الكحل عينيها، وإنها لتفرده بالحب إذ لم تر ولم تبصر سواه، فهو دنياها غير مفكرة فى شيب وشبان، إذ لا تعرف الفرق بين أصحاب اللحى والمردان. وتبلغ به الرحمة والإشفاق والعطف عليها أن يقول إنها فقدت بصرها بسبب حبه، وبذلك خلا مكان إنسان العين منها، وكأنما عرفت غيرته عليها حتى من إنسان عينها، فنحّته عنها، حتى لا يكون لها إنسان سواه. وكل ذلك لطف من ابن سناء الملك ورقة ورحمة وعطف وحنان ما بعده حنان. وهو بحق يعد فى الذروة من شعراء العرب النابهين الذين يمتازون بدقة الحس ورهافة الشعور وروعة المعانى والتصاوير.
ويتفجر هذا الغزل الوجدانى البديع على كل لسان بعد ابن سناء الملك، وكان من أهم الأسباب فى ازدهاره الشعر الصوفى الذى ذاع وشاع منذ زمن الدولة الأيوبية، فإن الصوفية من أمثال ابن الكيزانى وابن الفارض أذاعوا فيه وجدا ملتاعا وكان لذلك أصداؤه الواسعة فى غزل الشعراء، فانفكوا من أصداف البديع ومن الأخيلة الجامدة المتحجرة، وأخذوا يصورون حبهم وما يذوقون فيه من الوجد والصبابة وما يثير فى قلوبهم من المشاعر والعواطف وما يصطلون فيه من العذاب والآلام: آلام الفراق وعذاب الإعراض، من ذلك قول الحسن بن شاور فى بعض غزله (3):
قلّدت يوم البين جيد مودّعى
…
دررا نظمت عقودها من أدمعى
(1) اللحاظ: مؤخر العين ممايلى الصدغ.
(2)
الميل: المكحل أو المرود وهو ما يوضع به الكحل فى العين.
(3)
فوات الوفيات 1/ 236.
وحدا بهم حادى المطىّ فلم أجد
…
قلبى ولا جلدى ولا صبرى معى
يا نفس قد فارقت يوم فراقهم
…
طيب الحياة ففى البقا لا تطمعى
هيهات يرجع شملنا بالأجرع
…
ويعود أحبابى الألى كانوا معى (1)
بحياتكم جودوا علىّ تكرّما
…
فعسى خيالكم يلمّ بمضجعى
فلقد عدمت الصبر يوم فراقكم
…
وتضرّمت نار الأسى فى أضلعى
يا نازحين فهل لكم من عودة
…
نزح التفرّق ما بقى من مدمعى
لو لم تعودوا للديار وترجعوا
…
لهلكت من شوقى وفرط توجّعى
وابن شاور فى أول الأبيات يبكى يوم البين والفراق شاعرا بأنه يعجز عن احتمال هذه المحنة التى خانه فيها صبره وتجلده، بل التى توشك أن تقضى عليه، لقد تفرق شملهم، ولم يعد هناك أمل فى لقاء بالأجرع: لقاء أحبابه ومهوى فؤاده. ويستحلفهم وقد حرموه طلعة وجوههم فى اليقظة أن لا يحرموه طيفهم فى المنام، لعله يخفف من نار الحب المضطرمة فى صدره. ويتمنى عودة لهم أو رجعة تردّ إليه روحه وتردّ عنه أوجاعه من الحب الملتهب وأوصابه.
ونلتقى بتقى الدين (2) السروجىّ المولود سنة 627 والمتوفى بالقاهرة سنة 693 ويقول عنه أبو حيان: كان مع زهده وعفته مغرما بحب الجمال وكان يغنّى بشعره الغرامى المغنون لرقة انسجامه وعذوبة ألفاظه، ومن غزله:
أنعم بوصلك لى فهذا وقته
…
يكفى من الهجران ما قد ذقته
يا من شغلت بحبّه عن غيره
…
وسلوت كلّ الناس حين عشقته
بالله إن سألوك عنى قل لهم
…
عبدى وملك يدى وما أعتقته
أو قيل مشتاق إليك فقل لهم
…
أدرى بذا وأنا الذى شوّقته
يا حسن طيف من خيالك زارنى
…
من عظم وجدى فيه ما حقّقته
فمضى وفى قلبى عليه حسرة
…
لو كان يمكننى الرّقاد لحقته
وهو يتضرع لمحبوبه أن ينعم عليه بالوصل بعد طول الهجران والعذاب فى حبه وانشغاله الدائب بعشقه، ويقول متذللا له إنه عبده وملك يده ولن تردّ إليه حريته، ويشكو لواعج الشوق،
(1) الأجرع: الأرض ذات الحزونة المشاكلة للرمل.
(2)
انظر فى ترجمة السروجى وشعره فوات الوفيات 1/ 466 وخزانة الأدب للحموى (طبع بولاق) ص 245.
ويأسى لنفسه إذ رأى طيفه فى المنام ولم يكد يحققه أو يتحقق منه حتى فرّ النوم من عينه، وهو لا يتمنى لقاء كعادة المحبين، ليأسه منه، وإنما يتمنى لو عادت له رؤيته فى منامه، أو لو طال حلمه وطال رقاده قليلا حتى يشفى منه غلّة حبه. ويعلق ابن حجة الحموى فى خزانته على هذه الأبيات بقوله:«ما نفثات السحر إذا صدقت عزائمها بأوصل إلى القلوب من هذه النفثات ولا لسلاف ثغر الحبائب مع حلاوة التقبيل عذوبة هذه الرشفات» . ومن غزله:
قصد الحمى وأتاه يجهد فى السّرى
…
حتى بدت أعلامه وقبابه
ورأى لليلى العامريّة منزلا
…
بالجود يعرف والنّدى أصحابه
قد أشرعت بيض الصّوارم والقنا
…
من حوله فهو المنيع حجابه
وعلى حماه جلالة من أهله
…
فلذاك طارقة العيون تهابه
كم قلّبت فيه القلوب على الثّرى
…
شوقا إليه وقبّلت أعتابه
وهو يرمز لصاحبته بليلى العامرية وكأنه مجنونها وعاشقها قيس الذى ملأ البيد بأغانى حبه، ويقول إنه ما زال يدأب فى السرى أو السير الليالى المتصلة حتى بدت أعلام حيّها وقبابه أو خيامه، ويا للهول لقد وجد من دون رؤيتها السيوف والرماح مشرعة وشعر بجلال وهيبة لا يماثلهما هيبة وجلال، وهناك رأى كثرة من العشاق يضمون الثرى إلى صدورهم مقبلين الأعتاب آملين أملا يائسا فى أن يرفع الحجاب. وكان يعاصر السروجى فخر الدين بن لقمان كاتب بيبرس وقلاوون، وله غزليات رقيقة مثل قوله (1):
كن كيف شئت فإننى بك مغرم
…
راض بما فعل الهوى المتحكّم
ولئن كتمت عن الوشاة صبابتى
…
بك فالجوانح بالهوى تتكلّم
أشتاق من أهوى وأعلم أننى
…
أشتاق من هو فى الفؤاد مخيّم
يا من يصدّ عن المحب تدلّلا
…
وإذا بكى وجدا غدا يتبسّم
أسكنتك القلب الذى أحرقته
…
فحذار من نار به تتضرّم
وهو راض من صاحبته بكل ما تصنع من إقبال وإعراض، وإنه ليخفى حبه عن الوشاة بل
(1) المنهل الصافى لابن تغرى بردى (طبع دار الكتب المصرية) 1/ 119.
يكتمه بينما جوانحه تنطق به وتعلنه، ويعجب أن يشتاق صاحبته ويود لقاءها، بينما هى مخيمة فى فؤاده لا تبرحه. وإنها لتمعن فى التدلل، وحتى إن بكى وجدا سرعان ما تبتسم. ويحذرها من هذا الدلال وما يطوى فيه من اللعب. فقد أسكنها قلبه الذى أحرقته، ولا تزال نار الحب فيه مضطرمة مندلعة. ولابن نباتة غزل وجدانى كثير من مثل قوله (1):
أهلا بطيف على الجرعاء مختلس
…
والفجر فى سحر كالثغر فى لعس (2)
والنجم فى الأفق الغربى منحدر
…
كشعلة سقطت من كفّ مقتبس
يا حبّذا زمن الجرعاء من زمن
…
كلّ الليالى فيه ليلة العرس
وحبّذا العيش مع هيفاء لو برزت
…
للبدر لم يزه أو للغصن لم يمس
محروسة بشعاع البيض ملتمعا
…
ونور ذاك المحيّا آية الحرس
يسعى ورا لحظها قلبى ومن عجب
…
سعى الطّريدة فى آثار مفترس
ليت العذول على مرأى محاسنها
…
لو كان ثنّى عمى عينيه بالخرس
وهو يصور فرحته بالطيف الذى رآه فى حلمه اختلاسا لأواخر الليل والفجر يبتلج فى الآفاق المظلمة تبلج الثغر فى لعس الشفاه، والنجم يسقط فى الأفق الغربى منحدرا سقوط شعلة من كف مقتبس. وتعاوده ذكرى ليالى الجرعاء المفرحة فرح ليالى العرس، وهو يعيش رانيا إلى حبيبته التى لو رآها البدر لغضّ من زهوه ولو رآها الغصن لغضّ من ميسانه وخيلائه. ويقول إنها ممنّعة محروسة بسيوف باترة، وآية حراستها هذا النور الذى يشعّه وجهها فى الآفاق، ويعجب أن يسعى قلبه وراء لحظها سعى طريدة الصيد وراء مفترسها، ويقول إن ضياءها أحال عينى العذول عشواءين، فهو لا يبصرها، ويتمنى لو ثنّى ذلك بخرسه وانعقاد لسانه، فلا يتحدث عنها أى حديث من قريب أو من بعيد.
وممن كانوا يكثرون من الغزل النّواجى (3) شمس الدين محمد بن حسن صاحب كتاب حلبة الكميت فى الخمر والندماء وآدابهم، ويعد أكبر شعراء القرن التاسع الهجرى، توفى سنة 859
(1) النجوم الزاهرة 11/ 96.
(2)
الجرعاء: الأجرع أو الحزن. اللعس: سواد الشفة.
(3)
انظر فى النواجى وشعره الضوء اللامع للسخاوى 7/ 229 والنجوم الزاهرة 16/ 177 والبدر الطالع للشوكانى 1/ 156 وصفحات لم تنشر من بدائع الزهور (طبع دار المعارف) ص 27. وبدار الكتب المصرية مخطوطة من ديوانه. ومن كتبه «عقود اللآل فى الموشحات والأزجال» .
للهجرة، ومن غزله قوله:
خليلىّ هذا ربع عزّة فاسعيا
…
إليه وإن سالت به أدمعى طوفان
فجفنى جفا طيب المنام وجفنها
…
جفانى، فيالله من شرك الأجفان
ونمضى فى قراءة مثل هذا الغزل الوجدانى الملتاع حتى إذا أظل لواء العثمانيين البلاد أخد يفيض معينه فى القلوب والنفوس وخاصة عند نور الدين على العسيلى، وسنخصه بكلمة، ومثله خرّيجه وتلميذه يحيى (1) الأصيلى، الذى يقول فى بعض غزله:
بدا بوجه جميل الوصف والشّان
…
يقول: سبحان من بالحسن وشّانى (2)
كأنه روضة غنّاء مزهرة
…
من دمع عاشقها تسقى بغدران
أشبهت فى حبّه ورق الحمى فغدا
…
كلّ يبثّ الجوى شجوا على البان
فالله جل شأنه زين وجهها بالجمال حتى كأنها روضة، أليس يشبه الشعراء الثغر بالأقحوان، والخد بالورد والشقيق والعين بالنرجس، لذلك جعل وجهها كأنه روضة تسقى من دموع العشاق بغدران، ومضى يستكمل خياله فورق الحمى وحمامه يبث جواه شجوا على أغصان البان وهو يبثه على من قامتها تحاكى قامة البان. وتخرّج على يد الأصيلى يوسف (3) المغربى، وغزله كغزل أستاذه يسيل عذوبة من مثل قوله:
جعلوا الصباح مباسما ثم الظلا
…
م ضفائرا ثم الرماح قدودا
والورد خدّا والغصون معاطفا
…
والبدر فرقا والغزالة جيدا
ورأت غصون البان أن قدودهم
…
فاقت فأضحت ركّعا وسجودا
وتشبيه قدود الحسان بالرماح وغصون البان لضمورهم واستقامتها مشهور. وكأن المغربى والأصيلى والعسيلى يكوّنون فى الغزل زمن العثمانيين مدرسة متماثلة فى رشاقة الموسيقى وجمال الصياغة، وإن كان التكلف قد أخذ يعم فى الغزل بعدهم وفى أيامهم. ولعبد الله الإدكاوى:
(1) راجع فى يحيى الأصيلى ريحانة الألبا 2/ 38 وسلافة العصر لابن معصوم ص 415 وخلاصة الأثر 4/ 480.
(2)
وشانى: زيننى.
(3)
راجع فى يوسف المغربى ريحانة الألبا 2/ 32 وما بعدها وخلاصة الأثر 4/ 501.