الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عشر الهجرى وشعرائه رسالة (1) هجا بها القاضى عمر المغربى هجاء أراد به إلى الفكاهة والضحك من مثل قوله:
والرسالة طويلة اقتطف منها المحبى مقتطفات فى نحو سبع صفحات أتبعها بقصيدة هجاء على غرارها للشهاب الخفاجى مؤلف ريحانة الألبا. وتظل المحسنات البديعية بارزة فى الرسائل، ولكنا نشعر فى العبارات بضعف الصياغة، وقلما نشعر بعاطفة فياضة أو إحساس مرهف أو معنى دقيق.
وحرى بنا أن نقف عند بعض النابهين من كتاب هذه الرسائل الشخصية على مدار العصر ومختلف أزمنته.
ابن (4) أبى الشخباء
وقيل ابن الشخباء، هو الحسن بن محمد بن عبد الصمد العسقلانى، ولا نعرف متى انتقل هو أو أسرته العسقلانية إلى القاهرة، ويبدو أنه التحق مبكرا بدواوين الدولة الفاطمية لعهد الخليفة المستنصر (427 - 487 هـ) وتخرج فيها على من كان يعمل بها من كبار الكتاب، ولمع اسمه فيها وتألق، غير أننا لا نمضى إلى سنة 482 حتى نراه يقتل بسجن مصر المسمى خزانة البنود، وأكبر الظن أن بدرا الجمالى وزير المستنصر هو الذى أمر بقتله كما أمر بقتل صهره القاضى إسماعيل بن على كما مرّ بنا آنفا فى الحديث عن حفيدهما الحسن بن زيد.
وكان
ابن أبى الشخباء
شاعرا بارعا كما كان كاتبا بارعا، ولذلك لقّب بالمجيد ذى الفضيلتين، وفيه يقول العماد:«المجيد مجيد كنعته، قادر على ابتداع الكلام ونحته، له الخطب البديعة، والملح الصنيعة» ، ويقول ياقوت عنه: «أحد البلغاء الفصحاء والشعراء، له رسائل مدونة مشهورة قيل إن القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانى منها استمّد، وبها اعتدّ. . كتب فى ديوان
(1) نفحة الريحانة للمحبى (تحقيق عبد الفتاح الحلو طبعة الحلبى) 4/ 605
(2)
رضوى: جبل بالمدينة
(3)
كرا: أجر
(4)
انظر فى ابن أبى الشخباء معجم الأدباء لياقوت 9/ 152 والذخيرة لابن بسام (طبع الدار العربية للكتاب بتونس القسم الرابع-المجلد الثانى) ص 627 وابن خلكان 2/ 89.
الرسائل للمستنصر صاحب مصر. . إلا أن أكثر رسائله إخوانيات وما كتبه عن نفسه إلى أصدقائه ووزراء وأمراء زمانه» ويقول عنه ابن خلكان: «صاحب الخطب المشهورة، والرسائل المحبرة، كان من فرسان النثر، وله فيه اليد الطّولى» . وبدون ريب كان أبرع كاتب قاهرى فى القرن الخامس الهجرى، كما تشهد رسائله الديوانية والشخصية، واحتفظ ياقوت وابن بسام فى الذخيرة بطائفة كبيرة منها، وأكثرها رسائل شخصية بديعة، من ذلك قوله فى رسالة استعطاف:
«المودّات إذا كانت متينة العقود، صادقة المشهود، موضوعة على أصل عريق، وأساس وثيق، لم تخترمها الشبهة المرمضة (1)، ولم تزلزلها الأباطيل المعترضة، وإن تناقلتها ألسن مختلفة، وعلتها برود من اللفظ مفوّفة (2)، ولما رأيت زيارة مولاى قد صارت مرقّعة، وجنوب (3) مودته قد عادت مروّعة، وصرت أرى قوله متناقضا، وماء البشر من وجهه غائضا، من بعد ما عهدته:
تنبى طلاقة وجهه عن وجهه
…
فتكاد تلقى النجح قبل لقائه
وضياء وجه لو تأمّله امرؤ
…
صادى الجوانح (4) لارتوى من مائه
لم أتجاسر على سؤاله عن العلة خوفا أن يعيب علىّ الارتياب بودّه، ويتطرّق سوء الظن على عهده، فسألت من يعلم دفائنه، ويخبر ظاهره وباطنه، فأخبرنى أن بعض الناس-ولم يسمّه- نقل إليه عنّى فشنّ الغارة على وفائه، وزلزل أواخى (5) وده وإخائه، فقلت: عتب، والله ولا ذنب، وشكاية ولا نكاية (6)، وأنا أحاكم مولاى إلى إنصافه، لا إسعافه، وعدله، لا فضله، وما كان أجدره برفض قول الماحل (7)، وتغليب الحقّ على الباطل. . والآن فقد أوضعت وأوجفت (8)، وتألفت مولاى واستعطفت، فإن عادت ظلال وده مديدة، وحبال كرمه محصوفة (9) جديدة، فحسن بتلك الشمائل، أن تجمع شمل الفضائل».
والسجعات تنزلق عن الفم بخفة ورشاقة، تشهد لابن أبى الشخباء بأنه كان كاتبا مجيدا حقا، وأن الكلم كان يطاوعه، ليحيله دررا مختارة. وكان يزين سجعاته بمحسنات البديع من جناس
(1) المرمضة: الموجعة.
(2)
البرود المفوفة: الثياب الرقيقة المخطّطة.
(3)
الجنوب: ريح لينة كالنسيم، والاستعارة واضحة.
(4)
صادى الجوانح: عطشان.
(5)
أواخى: أواصر.
(6)
نكاية: غلبة وقهر.
(7)
الماحل: الساعى بالنميمة.
(8)
أوضع: سار سيرا سريعا، ومثلها أوجف.
(9)
محصوفة: محكمة متينة.
وطباق. وتكثر عنده الاستعارات المبتكرة الطريفة، وكان يعرف كيف يغوص عليها ويستخرج لآلئها النفيسة من أصدافها البراقة، وطبيعى للقاضى الفاضل وللكتّاب من بعده أن يعنوا بحفظ كلامه ويستحضروه فيما يكتبون ويصوغون. وله من رسالة يعاتب فيها بعض القواد.
وهو عتاب مرير لهذا القائد الذى شمخ بأنفه عليه، وتعالى واستكبر استكبارا، فمضى يهزأ به ويسخر منه سخريات متعاقبة، فهو ليس نبيا مرسلا. ولا آمرا ناهيا، بل هو جاهل مغرور، لا يعرف قيم الناس ولا أقدارها، وكأنما ظن أنه الحاكم بأمره وأن عقله مجمع الفطن، بل لكأنما توهم أنه نبى تتشفع به الملائكة، وأن الحور العين تشكو تباريح حبه، وأن ثمار الجنة مدّ يده، ونار جهنم تقتبس من زنده الوارى المضطرم، ومن معينه يستمد نهر الجنة، أو أحد أنهارها:
الكوثر. بل لكأنما توهم نفسه رب الكون، وخال السموات مطويّات بيمينه. وعلى هذا النحو تتوالى سخرياته، يطعن بها هذا القائد فى الصميم، وفى آخر القطعة اقتباس واضح لآية سورة الزمر:(والسموات مطويّات بيمينه). ويكثر هذا الاقتباس لآيات القرآن الكريم وألفاظه فى رسائله، كما يكثر الاستشهاد بالشعر وإنشاده فيها مازجا له بكلامه. وكلّ ذلك وما تقدم من استخدامه للمحسنات البديعية وضعه الكتاب المصريون بعده شعارا لهم وسننا فى رسائلهم وله من رسالة فى هجاء مضيف ومائدته.
«ولجت منزلا قد استعار من قلب العاشق حرّا ورهجا (4) ومن أخلاق مالكه ضيقا وحرجا، كأنما زفرت فيه النار، ونقّط على جدرانه بالقار، فجلست طويلا إلى أن حضر الإخوان، وقدّم
(1) قطب: عبس وضم حاجبيه
(2)
عصب به: ضمّ إليه.
(3)
العين: جمع عيناء: واسعة العينين جميلتهما.
(4)
رهجا: غبارا