الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقي لقرطة اسمها واستقلالها حتى ذهب الاثنان على يد قسطنطين سنة 312.
12 - الحياة الرومانية بالجزائر
كان بالوطن الجزائري على عهد رومة طائفة من الرومان الا أنها قليلة، ويوجد به عدد من الاجانب غير الرومان الا أنه قليل جدا.
قال بيروني: يوجد بأفريقية في سنة (200) نحو 200 أو 250 ألف روماني. وفي سنة (400) تقريبا بلغ عدد الرومان نحو مليونين أو مليونين ونصف الى ثلاثة ملايين. وهذا أكثر احصائية للرومان بأفريقية". واحصاء بيروني هذا يريد به رومان طرابلس وتونس والجزائر ومراكش. ومعلوم اق الاستعمار الروماني كان بطرابلس وتونس أوسع دائرة وأثبت قدما. وكلما تقدم الى الغرب ضاق نطاقه وقل تأثيره. وإذا نقول ان حظ الجزائر من ذلك الاحصاء قليل، وهو بعمالة قسنطينة أكثر منه بعمالتي الجزائر ووهران.
قرطة كان بها عدد من الايطاليان من عهد مصيبسا. ولما استولى ستيوس عليها وما يتبعها من الشمال النوميدي ترك بتلك النواحي جنودا بعضها من ايطاليا وبعضها من اسبانيا. وقد علمت ان يوليوس قيصر اشترط عليه أن يفتح أبواب مملكته في وجه الرومان ومن كان معه في حروب أفريقية. ولما اعتلى عرش رومة اكتافيوس الملقب أغسطس وجه جاليات من الرومان الى موريطانيا: بعضها الى قرطنه (تنس) وبعضها الى رسقونيا (مطيفو) وبعضها الى روصازو (أزفون) وبمفها الى صلداي (بجاية) والى أجلجي (جيجل) والى زكبار (مليانة) والى تبوسكتو (تكلات). ثم أرسل الى هذه المدن عساكر أكثرهم ايطاليون.
وعلى عهد قلوديوس (41 - 54) ووسبسيان (69 - 79) أو نربا (96 - 98) تكونت جاليات أخر من قدماء الجند في "أبدوم نفوم"(المدينة الحديثة وهي وادي الدفلة) وفي مدوروس وفي سيطيفس.
وقد كان أكثر الرومان بالجزائر من أبناء قدماء الجند.
علمت سابقا أن الحياة الرومانية بايطاليا كانت في غاية البساطة والسذاجة: شظف في العيش وتقشف في الملبس وكد في العمل. وقد نقلنا لك- الفصل الخامس - كلمة كاطون منهم فيمن يوجد بتركته انه ربح أكثر مما ورث. وفيها ترى شدة عنايتهم بالثروة وعجز وطنهم عن الوفاء برغبتهم، حتى صار يرى هذا الرجل ان سعة الثروة المكتسبة ليس لها طريق يفضي اليها البشر بفكره، وانما ذلك الهام من الالهة خارج عن متناول العقول البشرية.
ان أمة هذه حالها لجدير بها ان تترامى على الاوطان الخصبة بكل ضراوة، وخليق بها أن تجد في تلك الاوطان ليل نهار لتثأر من الثروة التي عزت عليها في وطنها.
لذلك لما حل الرومان بالجزائر استولوا على كثير من الاراضي وقاموا بخدمتها أحسن قيام فمنحتهم أحسن النتائج، فراشوا بعد الفقر وبذخوا بعد الشظف وأصبحت الحياة غير الحياة.
بنوا المنازل الشاهقة ووسعوا نطاق المدن التي حلوا بها. فكانت قرطة تشتمل على مدينتين: داخلية يحيط بها سور، وخارجية وهي أوسع نطاقا. ومساحتها تمتد غربا الى جنان الزيتون ومقبرة الاسلام، وجنوبا غربيا الى قشلة باردوا، وشمالا الى ضفة وادي الرمل الشمالية. قال بارس:"وذكر أبطات قديس ميلة: أنه كان ملاصقا لقرطة حارة عظيمة تدعى "موغاي". والظاهر انه المعروف اليوم بسيدي المبروك، وتمتد هذه الحارة الى ناحية المنصورة"،
الى ان قال: "بضواحيها نزلات متقطعة. وقد عثر على آثار بعضها بناحية الحامة).
وقد مر أن ميلة والسكيكدة والقل وجميلة كانت قرى صغيرة، ثم أصبحت مدنا عظيمة. ومن القرى التي عظمت على عهد الرومان وصارت مدنا: باغاية، مسكولة (خنشلة) لمبس، تمغادي، فتيرانروم (ديانة قدماء الجند) لمصبة (بالشمال الغربي من أوراس) جميلي، باديي (بادس).
والمدن التي كانت بالخط الصحراوي إنما رفع عمرانها الجند، لان الجندي الروماني إذا لم تثسغله الحرب فهو عامل نشيط.
والغرض من تأسيس المدن قرب مراكز الجنود المرابطة على الحدود المحافظة على تلك المراكز وتأمينها من روعات الهجمات الصحراوية.
والمدن الرومانية تنقسم خمسة أقسام:
1 -
المدن البحرية وهي تجارية.
2 -
المدن العسكرية يسكنها الجنود، ولها أزقة واسعة.
3 -
المدن الفلاحية، أكثر من يسكنها البربر العملة في أراضي السادة الرومانيين.
4 -
عواصم أولية وثانوية، سكنها كبار الولاة، وبناؤها أفخم وخيراتها أكثر وعمرانها أوسع.
5 -
مدن النزهة، وهي لاصطياف الاسر العظيمة. ومن هذه المدن جميلة. قال بيروني: كانت المدن الرومانية على غاية من الرقي في الحياة والعمران. تيمغادي كان بها من السكان (35) الف: وأكثر المدن يبلغ عدد سكانه نحو عشرة آلاف، أو خمسة أو ستة الى ثلاثين الفا. كل ذلك على سبيل التخمين. ولكل مدينة هيكلها
الوثني أو كنيستها المسيحية. ولها أسواق وحمامات. ومنها ما فيها المراسح للتمثيل والملاعب لمصارعة الحيوانات الضارية.
____
ـ[صورة]ـ (ش-17) مسرح تيمغاد
____
والبريد سائر بين المدن. ومواقع المدن يراعى فيها وجود الماء ومناعة المكان.
المباني الرومانية ممتازة بالعظمة غير أنها خالية من الدقة وجمال الفن. وفي كل مدينة ساحة عمومية للاجتماع تدعى: "الفوروم".
وكان من عادة الرومان إذا أرادوا تعمير مكان خطوا به خطين أحدهما من الشرق الى الغرب والآخر من الشمال الى الجنوب، ثم يجعلون شكلا مربعا حول نقطة التقاء الخطين، ويتخذون ذلك المربع ساحة للقرية (فوروم). ويحيطون هذه الساحة بدكاكين وأقواس جميلة. والساحة هي المحل الذي تقام فيه الحفلات وتجري به الانتخابات وتقرأ به على الأمة القرارات.