المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - أصل البربر - تاريخ الجزائر في القديم والحديث - جـ ١

[مبارك الميلي]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء الكتاب

- ‌إسداء شكر

- ‌رسالة من الأستاذ عبد الحميد بن باديسإلى المؤلف

- ‌الجزء الأول بين يدي الأميرشكيب أرسلان

- ‌شكر واعتذار

- ‌مقدمة الطبعة

- ‌الكتاب الأولفي تاريخ الجزائر قبل الإستيلاء العربي

- ‌تاريخ الجزائر قبل الإستيلاء العربي

- ‌جغرافية الجزائر الطبيعية

- ‌1 - تمهيد

- ‌2 - الحدود

- ‌3 - جو الوطن الجزائري

- ‌4 - الشاطئ الجزائري

- ‌5 - جبال الجزائر

- ‌6 - مياه الجزائر

- ‌7 - مناظر الجزائر

- ‌8 - الغابات والنباتات الطبيعية

- ‌9 - الحيوانات الوحشية

- ‌10 - المعادن

- ‌11 - الفلاحة

- ‌الباب الأولفي ذكر قدماء الجزائرأهل العصر الحجري

- ‌تمهيد

- ‌1 - أصل قدماء الجزائر

- ‌2 - آثار قدماء الجزائر

- ‌3 - حياة قدماء الجزائر

- ‌4 - ادوار مدنية قدماء الجزائر

- ‌5 - لغة قدماء الجزائر

- ‌6 - ديانة قدماء الجزائر

- ‌الباب الثانيفي ذكر البربر

- ‌تمهيد

- ‌1 - أصل البربر

- ‌2 - هجرة البربر الى ليبية

- ‌3 - أوصاف البربر وأخلاقهم

- ‌4 - القبائل البربرية الكبرى

- ‌5 - برابرة وطن الجزائر ومراكزهم به

- ‌6 - الحياة البربرية

- ‌7 - نظام المجتمع البربري

- ‌8 - لغة البربر وكتابتهم

- ‌9 - المعتقد البربري

- ‌الباب الثالثفي ذكر الفينيقيين

- ‌تمهيد

- ‌1 - أصل الفينيقيبين

- ‌2 - الفينيقيون بالجزائر

- ‌3 - تأسيس قرطاجنة

- ‌4 - ممتلكات قرطاجنة بالجزائر

- ‌5 - اللغة الفينيقية وخطها

- ‌6 - الديانة الفينيقية

- ‌7 - نظام الدولة القرطاجنية

- ‌8 - العمل القرطاجني في العمران والحضارة

- ‌9 - الحروب القرطاجنية

- ‌أ - حروب صقلية (536 - 306) ق. م

- ‌ب - الحروب البونيقية

- ‌ج - الحرب البونيقية الاولى (264 - 241)

- ‌د - الحرب البونيقية الثانية (218 - 202)

- ‌هـ - الحرب البونيقية الثالثة (149 - 146)

- ‌الباب الرابعفي ذكر البربرعلى عهد قرطاجنة وجمهورية رومة

- ‌1 - علاقات البربر مع القرطاجنيين

- ‌2 - الحضارة القرطاجنية بالجزائر

- ‌3 - تأثير قرطاجنة على البربر في الخط واللغة

- ‌4 - تأثير قرطاجنة على البربر في العقيدة

- ‌5 - نشوء الممالك البربرية العظمى

- ‌6 - ذكر بعض رؤساء البربر

- ‌1 - مطوس:

- ‌2 - نارفاس

- ‌3 - غولة:

- ‌4 - اصالساس:

- ‌5 - قولوسا:

- ‌6 - لكومسيس:

- ‌7 - صيفاقس

- ‌8 - فرمينة

- ‌9 - مصينيسميا

- ‌10 - مصيبسا

- ‌11 - هيمصال الاول

- ‌12 - آذر بعل

- ‌13 - يوغورطة

- ‌14 - غودا

- ‌15 - بوكوس الأول

- ‌16 - يرباص

- ‌17 - هيمصال الثاني

- ‌18 - ماصنته

- ‌19 - بوكوس الثاني

- ‌20 - يوبا الأول

- ‌21 - مصانسيس

- ‌22 - بوغيد الاول

- ‌23 - عرابيون

- ‌24 - بوكوس الثالث

- ‌25 - يوبا الثاني

- ‌26 - بطليموس

- ‌7 - انقراض الممالك البربرية

- ‌8 - ذكر العواصم الكبرى لملوك البربر

- ‌1 - قرطة

- ‌2 - صيغة

- ‌3 - يول

- ‌4 - هبون

- ‌الباب السادسفي ذكر الرومان وحكومتهم بالجزائر

- ‌1 - تمهيد

- ‌2 - أصل الرومان

- ‌3 - تأسيس دولة الرومان

- ‌4 - ديانة الرومان

- ‌5 - الحياة الرومانية

- ‌6 - الرومان في افريقية

- ‌7 - استيلاء الرومان على الجزائر

- ‌8 - حدود حكومة الرومان بالجزائر

- ‌9 - جند الاحتلال

- ‌10 - النظام الروماني بالجزائر

- ‌11 - جمهورية المدن الخمس

- ‌12 - الحياة الرومانية بالجزائر

- ‌13 - الحياة البربرية تحت السلطة الرومانية

- ‌14 - الثورات بالوطن البربري

- ‌15 - العمران الروماني بالجزائر

- ‌16 - اللغة والآداب الرومانية بالجزائر

- ‌17 - ديانة الرومان بالجزائر

- ‌18 - الديانة المسيحية

- ‌19 - الديانة المسيحية بالجزائر

- ‌20 - المسيحية والوثنية بالجزائر

- ‌21 - ذكر بعض رجال البربر في الدور الروماني

- ‌22 - سقوط حكومة الرومان بالجزائر

- ‌23 - الحضارة الرومانية والبربر

- ‌24 - ذكر اباطرة رومة مدة الاستيلاء على الجزائر

- ‌الباب السابعفي ذكرى الوندال ومدل امرهم

- ‌1 - تمهيد

- ‌2 - أصل الوندال

- ‌3 - ديانة الوندال

- ‌ استيلاء الوندال على الجزائر

- ‌5 - تأسيس حكومة الوندال

- ‌6 - نظام دولة الوندال

- ‌7 - ملوك الوندال وسياستهم

- ‌8 - اعمال الوندال

- ‌9 - ثورات البربر

- ‌10 - انتهاء دولة الوندال

- ‌الباب الثامنفي ذكرى دولة الروم

- ‌1 - تمهيد

- ‌2 - بيزنطة

- ‌3 - الروم في أفريقية

- ‌4 - الروم بالجزائر

- ‌5 - أمراء البربر في العصر الرومي

- ‌6 - حروب الروم والبربر

- ‌7 - البناءات والاستحكامات الرومية بالجزائر

- ‌8 - الحالة الدينية في العهد الرومي

- ‌9 - الحالة الاجتماعية بالجزائر

- ‌10 - السلطة الرومية وانقراضها من الجزائر

الفصل: ‌1 - أصل البربر

ولم تزل هذه الأمة النشيطة الحربية- قبل الإسلام وبعده- تقف في وجوه الهاجمين وتثور على الظلمة المستبدين وتنهض للتخلص من وطأة الاجنبي على حريتها وازاحة كابوس المستعمرين عن مقلتي حياتها.

ملأت بذلك تاريخها منذ سطوع فجر التاريخ ولكن لم تكن الحروب بما نعتها عن مجاراة الامم الاخرى في الحضارة والرقي والتخلق بالاخلاق الجليلة والخلال النبيلة، فقد عرف التاريخ لها حضارة عظمى ومدنية مثلى، وظهر منها علماء حكماء وعظماء خبراء في الدين والسياسة والعمران قبل الاسلام وبعده وسترى- ان شاء الله- في الصحائف التالية ما ينير امامك حقيقة هذه الأمة العظيمة.

‌1 - أصل البربر

الحديث في أصل البربر من اكثر الاحاديث اضطرابا واوسعها خلافا بحث فيه المؤرخون قديما وحديثا واطالوا البحث ولكن لم يحصلوا الا على روايات متضاربة وآراء متناقضة.

ولهم في البحث طريقان: طريق المتقدمين من مؤرخي اليونان والرومان والعرب تعتمد على الرواية والنقل، وطريق المتأخرين من مؤرخي الافرنج تعتمد على الدراية والنظر الى اللغة والخلقة والصناعة.

ونحن لا يسعنا أن نتتبع كل ما وقفنا عليه ولكننا نحرص على افادة المطالع باقرب طريق فنلخص أقوال الطائفتين ثم نتبعها بنظرة تؤيد ما كان من هاتيك الاقوال اقرب الى الصواب ونزيف ما كان منها خرافة او خيالا.

أ = الطريقة الاولى: انقسم اصحاب هذه الطريقة الى فرق:

1 -

فرقة ترى ان البربر نشأوا بالمغرب وليسوا منقولين من وطن

ص: 81

آخر. ومن هذه الفرقة افلاطون من القدماء وفورنال Fournal من المتأخرين.

2 -

وفرقة تقول انهم ايجيون من سكان ضفاف بحر ايجه Egée وهو بحر الارخبيل. ومن هذه الفرقة هيرودوتس، ديودور الصقلي، بلوتارك.

3 -

وفرقة تقول انهم ساميون انساب العرب. ثم اختلفوا من بعد. فذكر بروكوبس- وهو من مؤرخي الدولة البيزنطية عاش في المائة السادسة للميلاد- انهم من العبرانيين والبونيقيين، وروى الطبراني أنهم من نسل نقشان- او نفسات- بن ابراهيم عليه السلام. وهي موافقة لقول بروكوس.

وروى ابو عمر عبد البر عن بعض نسابة البربر انهم من ولد النعمان بن حمير ابن سبا. واذن فهم عرب.

وقيل انهم اوزاع من اليمن: قال المسعودي من غسان وغيرهم، وقال غيره من لخم وجذام.

وقيل من عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام. هذا ملخص اقوال الفرقة الثالثة.

4 -

وفرقة تقول انهم حاميون: قيل من مصراييم بن حام، وقيل من مازيغ بن كنعان بن حام.

5 -

وفرقة تقول أنهم من الفرس- وفارس قيل من سام وقيل من يافث- روى المؤرخ الروماني سالوستس Salluste عن كتب فينيقية: ان الميد والارمن والفرس جاءوا الى الاندلس في جملة جنود احد ملوك اليونان فلما توفي ذلك الملك عبر هؤلاء الاقوام الى أفريقية الشمالية- وكانت عامرة بالجيتوليين والليبيين- واختلط الارمن (وهم من يافث) بالليبيين وكذلك الميد (اخوان الفرس) فغيرت كلمة الميد

ص: 82

بكلمة "المور" وتنقل الفرس في هذا الوطن فلقبوا انفسهم "النوماد" ومعناه الرحل. ثم استولوا على البلاد القريبة من قرطاجنة واستوطنوها فسميت "نوميديا" نسبة اليهم. واندمج من كان قبلهم بهذه الناحية فيهم وامتزج بهم وسمي باسمهم. ومثل هذه الرواية رواية من روى ان البربر من ولد جالوت، فقد نسب ابن خلدون جالوت الى فارس.

6 -

وفرقة تقول انهم من الهند. منها استرابون من متقدمي المؤرخين.

7 -

وفرقة تقول انهم اخلاط من أصول: ففي بعض روايات الطبري انهم من العمالقة وهم ساميون ومن كنعان بن حام، وقال مالك بن المرحل: البربر من العمالقة وحمير ومضر وقريش (قبائل سامية) والقبط وكنعان (قبيلتان حاميتان باتفاق).

هذا ملخص اقوال اهل الطريقة الاولى وتركنا بعضا منها ايثارا للاختصار.

ب = الطريقة الثانية: وفي تبحث عن أصل البربر من طريق الخلقة واللغة والصناعة:

1 -

اما الخلقة فيوجد في كثير من البربر عرض الاكتاف وضيق الخصر وهذا الضرب قديم بأفريقية وموجود بالجزائر وتونس. وهذه الصفة معروفة بقدماء مصر والاسبان والباسك (قوم من السلتين يسكنون شمال الاندلس وجنوب فرنسا الغربي).

ويوجد فيهم الشقر بالجبال مثل جرجرة واوراس بالجزائر والريف بالمغرب. ادعى بعضهم ان اصحاب هذه الصفة من بقايا الرومان والفندال ولكن غسال يقول: انه لم يبق من هاتين الامتين عدد يمكن ان يؤثر في البربر بل الظاهر انهم بالمغرب من قديم. وقال مرسى ايضا انهم سكنوا هذا الوطن قديما، ثم قال ولهم مشابهات كثيرة- خلقا وخلقا- بامم اروبية.

ص: 83

ومنهم اقوام سمر اللون قصار القامة سخنوا الطبع. قال غسال: وهذه الصفات توجد في سكان الاندلس وايطاليا وجنوب فرنسا وجزيرتي الكورس وسردانيا.

2 -

اما الصناعة فمنها اوان طينية تصنع بوطن القبائل وينفش عليها تماثيل، قال غسال: وقد عثر على نظيرها في قبور مصرية يرجع تاريخها الى نحو اربعة او خمسة آلاف سنة قبل الميلاد. قال بيروني ويوجد نظيرها أيضا بجزر صقلية ومالطة. ومنها تماثيل للحيوانات تصنع بالجزائر ومراكش والصحراء. قال غسال: ويوجد نظيرها قديما بمصر والنوبة. ومنها بناءات للمعابد. قال بيروني: ولها شبه ببناءات معابد أروبا الغربية.

3 -

واما اللغة فانه لا مشابهة بين لغات البربر واللغات السامية نحوا وتصريفا، ولها مشابهة من حيث التركيب بلغة قدماء مصر والنوبة والحبشة والصومال والهوصا، وفيها الفاط اروبية وهندية.

وقد اعتنى رين بالبحث فيما بين لغة البربر وبقية اللغات من المشابهات اعتناء لم يشارك فيه غيره.

وصدر بحثه في أصل البربر بقوله: "ومن الادلة للبحث عن اصل امة لغتها" ثم أخذ يذكر الفاظا بربرية ويناظر بينها وبين سائر اللغات خصوصا لغات أروبا والهند، مثل لغة السكسونيين (الالمان والانكليز) ولغة السكندينافيين اهل شمال أروبا (السويد والنروج) ولغة الاترسك (قدماء ايطاليا) قال وتوجد قبائل من قدماء ايطاليا مسماة باسماء قبائل بربرية. ومعاني تلك الاعلام متعددة عند الفريقين وذكر أيضا قبائل اروبية من امتي الغوط والسكيت (ويقال ايضا السكلوت) اعلامها متحدة باعلام قبائل بربرية. ثم سرد تلك القبائل بأسمائها عند الفريقين.

وخلاصة بحث رين: ان اكثر البربر هنديون واروبيون اصلا

ص: 84

ولغة، وليس في الوطن البربري من الاصل السامي الا قليل، حتى ان بني هلال الذين جاءوا في العصر الاسلامي اكثرهم طورانيون وآريون!!

وملخص ابحاث هذه الطائفة ان البربر ليسوا امة مستقلة وانما هي مزيج من أمم شرقية واوربية وحد بينها الوطن.

ج = نظرة فيما تقدم من الروايات والابحاث.

قد علمت ان ابحاث المتأخرين تعتمد على الصفات والصنائع واللغة وليس شيء من ذلك بمفيد في معرفة اصالة أمة لاخرى او تفرعها عنها وذلك ان للامكنة دخلا في الصفات. فالاقوام الذين يسكنون اماكن متحدة في الطبيعة يتحدون او يتقاربون في الصفات وان اختلفت اصولهم وقد أشار بيروني الى هذه الحقيقة بقوله: "ان مسألة الاوصاف لم تفدنا في أصول البربر شيئا".

والصنائع اضعف من الصفات في ذلك لانها مما يسهل تعلمه وتنقله خصوصا بين الامم المتجاورة التي كانت بينها علاقات.

وقد اثبت التاريخ ان سكان ضفاف البحر الرومي شمالا وجنوبا تعارفوا ودخل بعضهم تراب بعض: فقد كان الجند الفينيقي مركبا من عدة اجناس كانت حوالي هذا البحر وكذلك من جاء بعد الفينيقيين من الدول، وقد أقام الجند النوميدي مع رئيسه حنبعل سنين بجنوب أروبا.

واللغات إنما تعتبر المشابهات بينها إذا كانت من حيث التراكيب لا من حيث وجود بعض المفردات فيها- خصوصا إذا احتيج في تقرير المشابهة الى تغيير بعض الحروف او حذفها وقد ذكر بيروني انه- وجد مشابهات بعيدة بين اللغة البربرية ولغات قدماء مصر والنوبة والحبشة والصومال والهوصا، وقال:"وهي ترجع الى أصل حامي" ريد ان المشابهة بين هذه اللغات كالمشابهة بين اللغات السامية من عربية وفينيقية وعبرية،

ص: 85

ولم يعتبر بيروني مشابهة اللغة البربرية للغات الاروبية وذلك لانها مشابهة في بعض الالفاظ. قال: "واللغة ايضا لا يمكن الاعتماد عليها في اصالة امة لاخرى".

ولم ار من اعتمد اللغة اصلا للبحث في جنس البربر مثل رين Rinn وقد بالغ في البحث والتنقيب مبالغة لا تجديه في الغرض الذي يقصد اليه شيئا ولكنها تدل على سعة اطلاعه على اللغات وقوة جراءته على الانساب. ناهيك انه لم يبال بوضوح أصل العرب وصراحة نسبها فجعل الهلاليين- على نصوع نسبهم العربي كسائر القبائل العربية- طورانيين وآريين. أي ثقة تبقى في كلام رين بعد اقدامه على العبث بنسب قبيلة من اصرح القبائل الحربية نسبا؟ وهل تثق النفس بما يبديه من المشابهات بين الالفاظ المختلفة الاصول؟ اما العربية- ولا اعرف غيرها- فقد رأيته عبث بكثير من معاني الالفاظ التي اوردها منها.

لم يكتف رين بالمقارنه بين الفاظ البربر والامم المجاورة لها على ضفاف البحر الرومي حتى طار الى روسيا واتانا منها بمفردات اتعب نفسه في تقريبها من مفردات بربرية!

أي أمة تستطيع ان تحصن وحدتها الجنسية للنجاة من تكلفات هذا الكاتب وفلسفنه اللفظية؟ إذا لم تستطع قبيلة الهلاليين ذلك فليس لاي قبيلة ولا شعب آخر طمع في النجاة من تفرقة هذه الفلسفة المتمحلة.

لو كان لي شيء من جرأة هذا الكاتب لاتهمته بانه لم يكتب ما كتب بقلم علمي وانما كتبه بقلم سياسي: يريد ان يمزق الجنس البربري كل ممزق ويفرقه شذر مذر ويوزعه على أمم اروبية- بالخصوص- كي تذهب وحدته ويسهل على البلعوم الاروبي ابتلاعه.

وتلك امنية يحلم بها بعض مرضى العقول من السياسيين ولكن لن يلج الجنس البربري في جنس آخر حتى يلج الجمل في سم الخياط.

ص: 86

وههنا اودع طائفة الاعتماد على الابحاث التي لا نتيجة لها غير الشكوك والاوهام، وارجع الى تمحيص تلك الروايات لاستخراج ما تطمئن اليه النفس منها.

1 -

اما القائلون باصالة البربر في افريقية وعدم انتقالهم اليه من وطن آخر فظاهر انهم لم يذهبوا هذا المذهب الا لكونهم لم يعرفوا للبربر وطنا قبل هذا الوطن. ولكن من المعلوم ان آسيا هي مهد الاصول الاولى للبشر، وانهم لما كثروا وضاق بهم وطنهم الاول أخذوا يتوسعون فيما حولهم من الاوطان ويكتشفونها وطنا بعد آخر.

فهذا غير صحيح ولا معقول الا ان يكون اصحابه لا يعترفرت بابوة آدم للبشر ولا باستقلال نوعهم وانما هم منحدرون او صاعدوت من سلالة القرود مثلا. وهو رأي أفن او حلم طائش لا يعقل الاخذ به بدلا مما تواتر في التواريخ القديمة ان الوطن الاصلي للبشر هو بعض جهات آسيا، او ايثارا له عما جاء في الكتاب الحكيم ان البشر من آدم.

2 -

واما القائلون بان البربر هنديون فهم ابعد عن الصواب من الاولين اذ البربر معروفون بأفريقية من قبل التاريخ- كما ذكره غير واحد من المؤرخين- فكيف يكونون منقولين من الهند؟ واي طريق سلكوها من الهند الى أفريقية؟

ان قالوا طريق البحر قلنا انها لطولها وعظمة البحر في بعضها يتوقف سلوكها على بسطة في علمي الجغرافية والنجوم ومعرفة مهاب الرياح وتقدم في صناعة المراكب البحرية. وكل ذلك مفقود في ذلك العصر السحيق.

وان قالوا طريق البر قلنا ان سلوكها يتوقف على جيوش جرارة واسلحة ممتازة ليتمكنوا من مغالبة الامم التي يمرون بها، ثم لا يصلون الى أفريقية الا بعد سنين طوال مملوءة من الحروب والاهوال. وذلك مما

ص: 87

تتوفر الدواعي لنقله وانتشاره ثم تدوينه في الكتب. ولم تحو كتب التاريخ شيئا عن هذه الرحلة الشعبية التي لا تتيسر حتى اليوم.

3 -

اما القائلون بأن البربر ايجيون فانما نسبوهم الى وطن ولم ينسبوهم الى أصل بشري. ثم انه وطن ضيق والبربر امة من اوفر الامم عددا. على ان افلاطون اليوناني أدعى- كما سبق- انهم اصليون بوطنهم فلو كانوا منقولين من جهات بحر هيجاي لما خفي ذلك عليه. واهل مكة ادرى بشعابها.

ويصعب على النفس تكذيب هذه الطائفة بتاتا فالذي يظهر أن عرقا ايجيا موجود بوطن البربر، وهو الذي اوقعهم في تلك الشبهة. ولكن البربر اقدم في هذا الوطن من الايجيين واكثر عددا وأعز نفرا.

4 -

واما القائلون بان البربر ساميون قد علمت اختلاف رواياتهم وقد رد ابن خلدون رواية الطبري انهم من ولد ابراهيم عليه السلام بما محصله: ان البر كانت لهم من الكثرة في زمن داوود عليه السلام ما يبعد كونهم من نسل ابراهيم لعدم طول المدة بين ابراهيم وداوود طولا يتشعب معه البربر ذلك التشعب.

ورواية بروكوبس بمعنى رواية الطبري وقد علمت ما فيها، ولو قال هؤلاء بإنه يوجد بين البربر عرق عبري لكان صحيحا فقد اثبت الباحثون وحققوا وجود طائفة من اليهود بين البربر من قديم، حتى انهم لقدمهم لا يعرفهم قدماء مؤرخي الاسرائيليين. ومعابدهم مخالفة تماما لمعابد سائر اليهود. وللعلامة شلوش اليهودي في هذا الموضوع كلام في غاية التحقيق.

والفينيقيون معلوم انهم طارئون على البربر وليسوا مجتمعين معهم في الاصل قصعا. وانكر ابن خلدون ايضا القول بانهم من ولد جالوت او عملاق وقال فيه، "قول ساقط يكاد يكون من احاديث خرافة".

ص: 88

ورواية ابن عبد البر عن بعض نسابة البربر انكرها هو نفسه، وانكرها ابن حزم ايضا وعمم- ابن حزم- في الانكار اذ لم يقبل كونهم من اليمن قائلا:"وهذا كله باطل لا شك فيه" وقال ابن خلدون "انه منكر من القول" ولكنه نقل عن المحققين من نسابة العرب مثل الطبري والسهيلي: ان قبيلتي كتامة وصنهاجة من حمير تركهما أفريقش بالمغرب لما قفل من غزوه. قال السلاوي: "وهو قول جميع النسابين من العرب (1) ".

5 -

واما القائلون انهم من الفرس فقد فسرت قولهم رواية سلوستس: ان ليبية (أفريقية) كانت عامرة بالبربر، وان الفرس إنما نزلوا في جوارهم بعد وفاة ملكهم اليوناني.

وعليه فلا تصح دعوى ان الفرس أصل للبربر، ولا انكار وجود الفرس بأفريقية اذ لا منافاة بين الامرين.

6 -

واما القول بانهم اخلاط من اصول فقول فاسد التعبير. وصواب الحديث ان يقال: ان الوطن البربري فيه أصول غير بربرية. وهذا مسلم لكن غير مفيد في معرفة أصل البربر.

7 -

واما القول بانهم حاميون من مصراييم فغير صحيح ايضا ولكنا لا ننكر وجود عرق منهم في الوطن البربري.

والصحيح من هذه الروايات كلها انهم حاميون من مازيغ بن كنعان ابن حام. هذا الذي صححه ابن خلدون قائلا: "والحق الذي لا ينبغي التعويل على غيره في شأنهم انهم من ولد كنعان بن حام بن نوح

وان اسم ابيهم مازيغ".

واعتمد كاريت رأي ابن خلدون: ان البربر أمة مستقلة منذ أجيال

(1) استقصاء ج1 ص29.

ص: 89

عديدة. وقال الجنرال دوماس: "ان لنا أدلة كثيرة على ان البربر من كنعان. نكتفني منها بدليل واحد: احد اعقاب حام يدعى مازيغ، والى يومنا هذا يسمى البربر انفسهم امازيغ. الا يكون هذا التواطؤ بين الاعلام مفتاحا لاصل البربر؟ ".

- خلاصة البحث:

يمكننا ان نستصفي من تلك الروايات ونستنتج من هاتيك الابحاث النقط الآتية:

1 -

الجنس البربري جنس مستقل في أصله يرجع الى مازيغ بن كنعان ابن حام. انتقل من الشام الى أفريقية في أزمان قديمة جدا فصح ان ينسب هذا الوطن لهم.

2 -

وقعت مهاجرات الى هذا الوطن في اوقات مختلفة من أمم متعددة منها ابناء مصراييم بن حام. قال دوماس: جاءوا مع البر واجتازوا الى أفريقية وتسموا "مور" ومعنى ذلك مغاربة. وتقدم عن سلوستس خلاف ما يقول دوماس في كلمة "مور".

ومنها قبائل فلسطينية فرت أمام يوشع. ذكر ذلك دوماس وفي ابن خلدون ما يؤيده.

ومنها الفينيفيون (وهم ساميون) وقد جاوروا البربر قرونا عديدة فقد أسسوا عوتيقة عاصمتهم الاولى سنة 1101 ق- م.

ومنها عرب يمنيون جاءوا مع افريقش. ومنها قوم ايجيون ومنها قوم من الفرس. ومنها العبريون على ما حققه شلوش Schlousch.

كل هذا تظافرت عليه اقوال جماهير من المؤرخين. وليس في العقل ما ينافي هذا النقل.

3 -

البربر أخذوا حظا من لغات هذه الامم وطبائعهم ولكن بعد صبغها صبغة بربرية. قال مرسيي: البربر تأثروا بعدة أمم نزلت بوطنهم

ص: 90