الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللطينية أوسع من اللغتين الاخريين، ومع ذلك فقد عاش الثلاثة بالوطن البربري، ولم تستطع اللطينية- على اتساعها ورقي أدبها- أن تتغلب على تينك اللغتين، بل كانت أقل منهما رواجا بين الطبقة السفلى من الأمة وأقل ذكرا في بعض الجهات التي لم يوقذها الاستعمار الروماني. قال بيروني:"وفي أيام القديس أغسطين - التي هي بعد الاستيلاء الحقيقي بقرون- كان الولاة الاداريون والرؤساء الدينيون يحتاجون الى ترجمان بينهم وبين البربر البادين. وكانت اللغة الفينيقية لغة الاكثرية البربرية. حتى ان العظماء الذين تخلقوا بالاخلاق الرومانية كانوا يتكلمون بها. "
ومما تقدم تتضحح لك نقطتان:
1 -
ان الرومان لم يؤثروا على البربر في اللغة والآداب مثل تأثير القرطاجنيين ولا قريبا منه. وذلك للفرق بين مقاصد الامتين في الشعب الجزائري. اذ القرطاجنيون مقاصدهم تجارية، والرومان مقاصدهم استعمارية بالمعنى العصري. فالبربر أقبلوا على من كانت مقاصدهم معهم حسنة، ونفروا من أصحاب المقاصد السيئة.
2 -
الذين تعلموا اللطاينية صبغوها بصبغة وطنهم وغيروها عن أصلها. وذلك دأب البربر في كل ما أخذوه من غيرهم. وبذلك حافظوا على جنسيتهم، وابتلعوا الامم التي احتلتهم وارادت ان تبتلعهم وتكثر بهم سوادها. وهي مزية لا تعرف لسواهم من الامم غير العرب.
17 - ديانة الرومان بالجزائر
قدمنا لك ما للرومان من كثرة الالهة، وما لهم من عناية بها، وانهم أخذوا من الامم التي استولوا عليها بعض آلهتهم. وقد كان
علماء رومة يرون ان الارباب المختلفة باختلاف الامم ليست الا مظاهر لاصل رباني عام. ومن ههنا نشأ التسامح الديني عند الرومان.
فلم يضغطوا على أي شعب استولوا عليه في ديانته ولا ألزموه بديانتهم. وانما كانوا يلزمون من تحت رايتهم بعبادة قيصر. وظاهر ان هذه العبادة سياسية لا دينية. ولذلك لم تكن لها هيئة خاصة تتحد الشعوب المحكومة لرومة على أدائها. بل كانت كل أمة أو قرية تعبده على الوجه الذي تراه عبادة.
وانت تعلم ان البربر ما أتوا بشيء من باب الاختيار الا قبلوه وأخذوا منه. فكان للبربر آلهة رومانية الى جنب آلهتهم البربرية وما أخذوه عن الفينيقيين. وهكذا عاشت الديانات الثلاث بين ظهراني البربر متآخية. غير انه لا بد ان يكون- بمقتضى طبيعة البربر- طابع البربرية على الجميع.
بقيت هذه الديانات في ظل التسامح المتبادل بين البربر والرومان حتى ظهرت الديانة المسيحية فتضادت معها، ولم يتسع التسامح الديني الروماني لها فعارضها، لان الاباطرة والعظماء رأوا في انتشار هذه الديانة ما يضعف عظمتهم وينقص من غلوائهم.
في سنة (303) أحدث امبراطور رومة قانونا باتخاذ بعض الايام لعبادة الآلهة الرومانية. لا يتخلف أحد عن حضور هذا اليوم المعلوم. ومراد الامبراطور مضادة المسيحية التي تنظره وأحقر انسان في امبراطوريته بعين واحدة. وتراهما في منزلة واحدة، بل تفضله لحقارته وفقره عليه لجلالته وغناه.
قام بتنفيذ هذا القانون والي نوميديا فلريوس، ولم يمتثل له كثير ممن تمكنت المسيحية من قلوبهم فقضى عليهم بالقتل. ولكثرة المقتولين دعى هذا العصر عصر الشهداء.