الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
او استولت عليهم ولكنهم بقوا بربرا. وقال بيروني: ان الوطن البربري جمع امما مختلفة ولكنها أصطبغت جميعا بصبغة بربرية.
واذن لا نقول في سكان أفريقية غير أنهم امة بربرية اذ لا يمكن تمييز ما عدا البربر عنهم لغلبة البربرية على غيرها. وهذا لا يخدش في أصل البربر شيئا بل انه يرشد تمسك البربر بجنسيتهم ولذلك لم يندمجوا في غيرهم، والى كثرتهم ووفور عددهم ولذلك ابتلعوا الجنسيات التي حلت بوطنهم.
وهكذا اصبحت الأمة البربرية بنجوة من وصمة التهاون بجنسها وحازت الشرف على الامم التي ابتلعتها، فان أمة لا تندمج في غيرها الا وقد سجلت على نفسها الوضيعة والحطيطة ونفت عنها كل وجه من وجوه الكرم والفضيلة، وكتبت للامة المندمجة فيها أسطرا من الفخر والشرف والميزة عليها لا يمحوها الا تداركها بنفسها لجمع شتات قوميتها والعمل باسم امتها.
2 - هجرة البربر الى ليبية
علمت من الفصل السابق ان البربر أمة ذات وحدة جنسية كباقي الأمم التي عرف التاريخ عصبيتها وعظمتها.
وكان موطنها الشام ثم انتقلت الى ليبية. ونزح ايضا الى هذا الوطن طوائف من أمم أخرى. وحصل الاختلاط والامتزاج بين جميع سكان هذا الوطن تحت اسم البربرية. واذ ذاك صارت الأمة البربرية ذات وحدة وطنية مركبة من عناصر متعددة ومفرغة في قالب بربري.
ليس العنصر البربري الاصلي اول من عمر ليبية فقد مر في الباب الاول ان أمة سبقت البربر الى هذا الوطن. وقد عبر ابن خلدون عن
البربر في ترجمة الكتاب الثالث من تاريخه الهام بقوله: "الامة الثانية من أهل المغرب".
اما الروايات في تاريخ هجرتهم الى ليبية فكثيرة واحسنها ما نقله يحي ابن خلدون عن ابن قتيبة: ان خروجهم كان ايام البلبلة (1) والبلبلة هي اختلاف اللهجات وتعدد اللغات فكأنه يقول: قبل حدوث الخط والكتابة.
وهذه الرواية متفقة مع ما يقوله متأخرو المؤرخين من ان البربر هاجروا الى ليبية قبل التاريخ. وهذا عذر من ظن انهم اصليون بهذا الوطن غير منقولين.
وقد ذكر عبد الرحمن بن خلدون روايات اخرى نعرض عن بعضها لظهور سقوطه، وننقل بعضها ثم نقفي عليه بما يزيل شبه الاعتماد عليه.
1 -
نقل عن المسعودي والطبري والسهيلي: "ان افريقش استجاشهم لفتح أفريقية وسماهم البربر. وينشدون من شعره:
بربرت كنعان لما سقتها
…
من اراضي الضنك للعيش الخصيب (2)
2 -
ونقل عن بعضهم: ان يوشع رئيس بني اسرائيل بعد موسى عليه السلام هو الذي اخرجهم من الشام.
3 -
ويقول بعضهم: ان داوود عليه السلام هو الذي اخرجهم وان الله هو الذي أوحى اليه بذلك: "قيل يا داوود اخرج البربر من الشام فانهم جذام الارض (2) ".
وقد ابطل ابن خلدون نفسه قول من قال: ان أفريقش هو الذي اخرجهم من الشام الى المغرب بأن هناك رواية أخرى تقول: "انه وجدهم به وانه تعحب من كثرتهم وعجمتهم وقال ما اكثر بربرتكم"
(1) بغية الرواد: ج1 ص91، وقد عبر فيها بلفظ البلية وفي نسخة بلفظ البلبة. وكل ذلك تحريف البلبلة.
(2)
ج6 ص94.
وافريقش هذا من ملوك اليمن التبابعة وهو مختلف في زمنه ففي بعض المواضع من ابن خلدون ما يدل على انه قريب من عهد موسى عليه السلام، وفي بعضها ما يدل على انه بعد سليمان عليه السلام وبين هذين الرسولين نحو من سبعة قرون. وذكر ابن خلدون عن ابن حزم: ان التبابعة "في انسابهم اختلاف وتخليط وتقديم وتأخير ونقصان وزيادة"(1) وسواء ارتقى عهد هذا الملك الى ما يقرب من عهد موسى أم تأخر الى ما بعد سليمان فان البربر بوطنهم الثاني اقدم من ذلك كله وفاقا لرواية ابن قتيبة المؤيدة بآراء الاثريين المتأخرين.
ومن قال ان يوشع هو الذي اجلاهم الى المغرب فقد اخطأ واشتبه عيه الامر. ذكر دوماس ان من القبائل التي اضيفت الى البربر قبائل فلسطينية فرت أمام يوشع وفلسطين وذكر ابن خلدون (2) انهم اخوان البربر.
وبهذا يتبين ما في هذه الرواية الثانية حيث خلط اصحابها بين البربر وفلسطين.
واما قول من قال ان داوود (ص) هو الذي اجلى البربر إلى افريقية بالوحي فقول ساقط ورواية سخيفة، لان داوود عليه السلام عاش في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وقد علمت ان الفينيقيين كانوا أسسوا عاصمتهم الاولى عام (1101)، وهم إنما جاءوا بعد الفلسطينيين، والفلسطينيون إنما جاءوا بعد البربر. وايضا فان البربر ليسوا جذام الارض، بل هم أمة عاملة نشيطة من اقدر الامم على تعمير الارض واستدرار خيراتها. ومن نظر الى ما كانت عليه إفريقة من المعمران المستبحر: مدن عظيمة، مياه مطردة، بساتين متصلة، حقول مزروعة، علم سخافة تلك الرواية التي لم يستح واضعها حتى جعلها وحيا.
(1) ج2 ص58.
(2)
ج6 ص97.