الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} واذن تكون عقيدة أريوس في عيسى مثل عقيدة الاسلام.
بعد وفاة ماربطرس انتصب اسكندروس مكانه بطركا. فأشاد بكفر أريوس. وكتب بذلك الى جميع النواحي. فبلغ الخبر قسطنطين. فاخضر أسكندروس وأريوس في أساقفة آخرين. وتناظروا أمامه. فمال الى أسكندروس. واذن له أن يشيد بكفر أريوس. وما أقبح تداخل القوة المادية في القوة الفكرية! وما أعجز فؤسها عن ايجاد قبر يعفي وجودها!
حاول أسكندروس ان يعفي مقالة أريوس فانتشرت على الرغم منه ومن قسطنطين حتى أن كثيرا من الملوك أخذوا بها وانتصروا لها. قال ابن خلدون: "وغلبت تلك المقالة على أهل قسطنطينة وانطاكية ومصر والاسكندرية".
بلغت االمسيحية في أواسط القرن الرابع إلى القوط على يد أتباع أريوس. وكان الوندال منهم كلهم أريويين. ويقيمون مراسم ديانتهم باللغة القوطية لا باللطينية. وكانوا على غاية من التعصب لمذهبهم حتى ان جل ما يجده المؤرخ من أحاديث الوندال بأفريقية هي اضطهاداتهم للارثذوكس. ومما زاد في تعصبهم واضطهادهم لغيرهم ان ملوك الارثذوكس في نواح أخرى كانوا يعذبون الاريويين أيضا. فكان الوندال ينتقمون لاخوانهم في الدين من أعدائهم الذين تحت سلطانهم. وليست يد السياسة ببعيدة عن تلك الاضطهادات.
4 -
استيلاء الوندال على الجزائر
ظهرت أمة الهون من التتر وأمم القوط بأروبا. وأخذت تلك الامم تنقص الامبراطورية الرومانية من أطرافها حتى بلغوا قلبها،
وصاروا يتحكمون في تنصيب الامبراطور. فأصابت أروبا والمملكة الرومانية منهم جوائح الفتن وارتفع الامن وذهب العمران.
والجزائر- كبقية الشمال الأفريقي- كانت في هرج من أجل تنافس الاحزاب المسيحية وثورات بعض المتطلعين الى الاستقلال من البربر والرومان. ولكنها لم تزل أحسن حالا من أروبا وانعم بالا منها.
ولما استقر الوندال بالاندلس اتخذوا سفنا لخوض لجج البحر الابيض المتوسط. فكانوا ينظرون الى شمال أفريقية من كتب. ومع علمهم بضعف رومة وجرأتهم على ولاياتها بأروبا لم يجرأوا على افريقة. فبقوا ينتظرون سنوح الفرصة لهم بفتحها، حتى وجدوا في الكونت بونيفاس تحقيقا لأمانيهم وانجازا لآمالهم.
في سنة (422) سمي بونيفاس واليا على أفريقية. وفي سنة (423) توفي هنوريوس، وتطلع الى خلافته أناس، ووقعت رومة لذلك في هرج، وكانت بيلاسيدية أخت هنوريوس بالقسطنطينية، ومعها ولدها من قسطانس قائد هنوريوس. تزوجته بعد قتل اتولف. وتداخل امبراطور القسطنطينية ثأدوسيوس بن ارقاديوس أخي هنوريوس في عرش رومة. فنصب به ابن عمته بلاسيدية باسم ولنتنيانس الثالث تحت كفالة أمه. وذلك سنة (424).
لما أفضى الامر الى بلاسيدية فوضت لبونيفاس في التصرف. فخدم دولته خدمة صادقة، وصار من عظماء الحكومة. فحسده لذلك بعض منافسيه. وقام بدور السعاية به مع بلاسيدية قائد عام يدعى ايتيوس. وأخذ يدس عليه الدسائس معها حتى أصغت اليه وعزلت بونيفاس من ولايته سنة (427).
كانت المصلحة الشخصية أغلب على بونيفاس من المصلحة العامة.
فلم يمتثل أمر العزل، ولم يبال بما يصيب دولته من شغبه عليها وهي على فراش الاحتضار. وصممت الامبراطورة على عزله. وعززت أمرها بالقوة العسكرية. فحاربها بونيفاس، وهزم جنودها. فعادت لحربه في السنة التالية. ووجد هو موقفه حرجا، البربر أهل الوطن ضده، ودولته تحاربه، وارادته أبت من الامتثال للعزل. فأراد أن يستعين على الخلاص من الازمة بالاجنبي. فاستنجد الوندال على أن يمنحهم غرب المملكة الرومانية بأفريقية الى وادي مساغا، ويسلموا له في شرق هذه المملكة، يبقى به مستقلا (1) فأسرع الوندال الاجابة.
وفي سنة (429) نزل الوندال والسويف والألان وغيرهم من أمم القوط بموريطانيا الطنجية. وأنبثوا في الوطن البربري كالجراد المنتشر. قال مرسيي: "وكان عددهم ثمانين ألفا المقاتلون منهم خمسون ألفا".
وفي هذه المدة كان القديس أغسطين يسعى في الصلح بين بونيفاس والامبراطورة. فأدركت أخيرا غلطها وتحققت الدسيسة. فرضيت عنه وأعادت عليه منصبه، ولكن بعد نزول الوندال بموريطانيا.
ولما عاد بونيفاس الى منصبه ندم على اتفاقه مع الوندال فأرسل اليهم أن عودوا الى الاندلس، واخرجوا من المملكة الرومانية! فلم يسرع الوندال الى اجابته هذه المرة، بل تمادوا في سيرهم. وعدوا أمر بونيفاس هذا ناقضا لاقفاقهم معه. فلم يقفوا عند حد وادي مساغا، وتعدوه الى نوميديا. وصدق على سياسة بونيفاس معهم المثل العربي:"لَا هَنَكِ أَنْقَيْتِ وَلَا مَاءَكِ أَبْقَيْتِ".
(1) اين الثرى من الثريا؟ أين بونيفاس من خالد بن الوليد (ض) الذي كان قائدا عاما وغازيا منصورا، فلما عزله عمر (ض) امتثل ورجع تحت لواء أبي عبيدة جنديا مخلصا؟
ولما رأى بونيفاس تقدم الوندال في الوطن تهيأ لحربهم، وجمع جموعه. فالتقى الفريقان قرب قالمة. ودارت الدائرة على بونيفاس، ففر الى بونة، وتحصن بها. وذلك سنة (430).
وبعد فراره قسم الوندال جنودهم قسمين: قسما تركوه للاستيلاء على نوميديا، وآخر وجهوه لحصار بونة. فكان الاول يفتح مدن نوميديا بمساعدة اتباع دونتوس، ويبطش بالارثذوكس، وكان الثاني يجمع جثث القتلى في خنادق حول المدينة ليفرق من منظرها المحصورون.
وفي سنة (31) أرسلت بيلاسيدية نجدة الى بونيفاس تشجع بها، وخرج لقتال الوندال. ولكنه انهزم أمامهم. فدخلوا المدينة، ونهبوها، وحرقوها. وايس بونيفاس من المقاومة، فترك الوطن لفاتحيه، وذهب الى الامبراطورة، فأكرمته، ورفعت منزلته، ولم تؤاخذه على خسارة وطن هو حياة رومة لعلمها بأن لها يدا في ذلك باصغائها للوشاة.
وبفتح بونة وذهاب بونيفاس تم للوندال فتح الوطن الجزائري (موريطانيا ونوميديا) وذلك في مدة عامين.
ويجب ههنا أن نتذكر سير الاستيلاء الروماني على الجزائر. فقد تقدم أنهم تعرفوا الى هذا الوطن سنة (213) ق. م وشرعوا في تحقيق استيلائهم عليه من سنة (46) ق. م الى سنة (42) للميلاد. أما الوندال فلم تتقدم لهم معرفة به، ولم يمكثوا في فتحه غير عامين. وهذا مما يبعث على البحث في سبب الفرق الكبير بين سير الاستيلاءين.
لا يصح أن ترجع سرعة الاحتلال الثاني وبطء الاول الى تفوق الوندال على الرومان في السياسة والجندية. فان الواقع يشهد
لخلاف ذلك. فلنبحث عن العلة في غير القوة الحربية والحنكة السياسية.
يقول بعض المؤرخين: أن الذي سهل على الوندال احتلال الوطن البربري وقرب أمده هو اتفاقهم والبربر طبعا ودينا. ذلك بأن طبع الجميع حب الثورات وهدم الحضارات، ودين الجميع كان على خلاف دين الرومان الارثذوكس. وليس ذاك عندي بصحيح. فان البربر إنما كانت ثوراتهم حبا في الاستقلال وتطهير هوائهم من سموم الانفاس الاجنبية، وكانوا أكثرهم وثنيين والمسيحيون منهم كانوا غير متفقين مذهبا مع الوندال.
ومن المؤرخين من يعترف بوجود فروق بين البربر والوندال من شأنها ان توجد الكراهية والبغضاء بين الامتين. وهذه الفروق هي: اللغة، القوانين، الاخلاق، العوائد، اللون. ويعلل هذا المؤرخ سرعة احتلال الوندال بأمرين: انتشار الفوضى في الوطن، وحسن سياسة القائد الوندالي.
وليس هذا بصحيح عندي أيضا. أما الفوضى البربرية فانما هي من حيث فقد أمير عام يلتفون حوله، لان الرجال الذين يصلحون لذلك قد قضت عليهم رومة، ولا يمنع ذلك من وجود رؤساء على عشائر يقومون بالدفاع عن وطنهم وتعطيل سير الوندال به، وأما حسن سياسة القائد الوندالي فليست هي التي استمالت اليه البربر، وانما نفعته في جمع كلمة من تحت رايته من قومه وتثبيت قدم دولته بعد الاحتلال.
وعندي أن لا سبب لسرعة احتلال الوندال غير مساعدة البربر لهم. وعلة مساعدتهم أنهم كانوا ينفرون من سلطة رومة، ويعشقون الاستقلال. وقد حاولوا مرارا أن يبلغوا مرادهم من طرد الرومان