الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها ما لم يزل سوره قائما حتى اليوم. ويبلغ ارتفاع بعض الاسوار عشرين ذراعا وعرضه ست أذرع.
وقد أخذ الروم مواد الاسوار والحصون مما وجدوه من رخام وحجارة منحوتة وغيرها من بقايا مدن الرومان التي ضربها الوندال أو البربر. وإذا كان الوندال والبربر قد خربوا مدن الاحياء فان الروم لم يقفوا في تحصين مركزهم عند أخذ مواد المدن الخربة بل تعدوها الى نبش القبور وتخريب مدن الموتى لاخذ ما فيها من مواد صالحة للبناء.
وللروم من البناءات سوى الاسوار والحصون تشييد الكنائس. وليس لهم من البناءات العمومية غيرها. قال اغسال: "وهي مبنية بمواد مختلفة ومزينة بلا ذوق ولا فن".
وقد حافظ الروم- علاوة على ما أنشأوه- على ما بقي من آثار الرومان لم ينله الخراب. ورمموا منه ما وجدوه منثلما. وكل ذلك إنما قاموا به لحفط راحتهم. ولكن لم ينالوا بغيتهم، ولم تصد استحكاماتهم البربر عن غاراتهم. قال اغسال:"وآثار البيزنطيين الباقية بنوميديا- ما عدا التحاصين- تدل على بؤس شديد".
8 - الحالة الدينية في العهد الرومي
علمت سابقا ان الاسرائليين كانت لهم هجرات الى الشمال الأفريقي قبل الميلاد وبعده. وقد جاء الوندال- وهم أمة حربية- فالفوا بهذا الوطن الاسرائليين- وهم أمة تجارية- فقربوهم، واستعانوا بهم على استدرار خيرات الوطن. فاستحوذ الاسرائليون على التجارة، وراشوا، وكثر عددهم. واتفقوا مع الوندال على كراهية الارثذوكس وإذايتهم.
ولما جاء الروم وجدوا أنفسهم في ضيق مع الاسرائليين. فكان قوادهم يرهقونهم على الدخول في المسيحية ويبدلون بيعهم كنائس. وزال على الارثذوكس ما نالهم في الدور الوندالي، وأصبحوا معتزين دون سواهم من الموسويين والدنويين والاريويين.
وفي سنة (535) انتزعت الدولة الرومية من هذه الفرق جميع أملاكها، وأعدمتها حماية الشريعة، وحجرت عليها العمل بمذاهبها، وعزلتها مما كان لها من مناصب. كل ذلك جريا خلف داعي التعصب المذهبي.
واعترف يستنيان رسميا للكنيسة الارثذوكسية بحق مراقبة المدن وادارة العمالات. فلم تقف عند حد مراقبة الولاة وأهل الوظائف السياسية، بل صارت تأمرهم، وتتداخل في جميع الشؤون الدولية سياسية كانت أو مالية أو ادارية أو حربية. فكان من الاساقفة والقسوس من يشتغلون ببناء استحكامات حربية. وصار البابا برومة يرسل أوامره للقواد والولاة. قال اغسال:" وغمرت قوة الكنيسة قوات جميع المتوظفين".
تحت هذا الاستبداد الكنسي دخل بعض الموسويين في المسيحية لمجرد منافع مادية. والمادة عند الاسرائليين قبل الدين والجنس. ولكن مدة ارتدادهم لم تطل حيث ان السلطة الرومية ادركها الضعف قريبا. فعادوا الى دينهم الذي دخل فيه بعض القبائل البربرية ايضا. ورجعت قبائل اخرى من البربر الى الوثنية.
هكذا كان الوطن الجزائري في العصر الرومي يشتمل على أديان ومذاهب كلها متعادية متنافرة. فكانت من أقوى عوامل الخراب في هذا الدور، ولها أثرها السيء في الفوضى وفقد الامن. وانها لكذلك حتى جاء الاسلام على أيدي الفاتحين من العرب. فنظم ما اختل، ووحد ما تفرق، واستقر بالقلوب الاستقرار النهائي.