الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - انقراض الممالك البربرية
قد رأيت كيف نشأت الممالك البربرية العظمى على عهد قرطاجنة، وكيف تعرفت اليها رومة. وقد عجمت هاتان الدولتان القويتان عود ملوك البربر. فووجدتاه صلبا لا يلين لكل غامز ورأتا هدم أستقلالهم "دونه خرط القتاد)، فاكتفت قرطاجنة منهم بأن يكونوا معها- بحق الجوار- على رومة ذات المطامع الأشعبية. اما رومة فانها بعد ما انتصرت بمن نصرها منهم لم تنفك تتداخل في شؤونهم وأذكاء جذوة التنافس بينهم والزيادة في عددهم بتجزئة ممالكهم وشغلهم عن مهماتهم الداخلية بالاستنصار بهم في حروبها أو تقسيمهم على زعمائها المتحاربين. فقد رأيت انهم- أيام تنازع مريوس وصيلة- منهم من كان مع الاول ومنهم من كان مع الثاني. وكذلك كانوا في تحارب بمبيوس وقيصر وعراك وكتافيوس وانطونيوس.
مهما امعن الباحث في علل سقوط تلك الممالك وانعم النظر الفى ان علة العلل هي تداخل رومة في شؤونها بتلك الصفة التي ذكرنا. حتى اني عندما أريد من الفكر جولة في علل سقوط هاتيك الممالك يذهب الى البحث عن أسباب بقائها وطول أمدها. فيجد السبب الوحيد هر ثروة الوطن البربري وغناه بكثرة رجاله الاحرار أولى الشجاعة وحدة الافكار. فقضاء رومة على يوغورطة لا يعجز أن يظهر مثل يرباص ويوبا الاول وعرابيون. ولكن لكل بداية نهاية ولكل شيء جدة وبلاء. فانتهى عمر الممالك البربرية بانتهاء حياة عرابيون ووفاة بوكوس الثالث. وجاء يوبا الثاني وبطليموس بعدهما مجردين من الروح البربرية التواقة الى الاستقلال. فكان عصرهما عصر تثبيت لقدم السلطة الرومانية شمالا واقامة سد على الجهات
الجنوبية التي ربما تنبعت منها أشعة للحياة الاستلالية بالجهات الشمالية.
حقا ان رومة كانت تعمل لاسقاط الملك البربري، وحقا ان تداخلها هو الذي اسقطه، وحقا ان استمرار حياته- مع استمرار ذلك التداخل- امدا غير قصير مما يدعو الى العجب والتنقيب عن السبب. ولكن هل نعفي البربر من تبعة ذلك السقوط؟ وهل تستطيع رومة ان تخرب ملكهم لو لم يخربوا هم أنفسهم بيوتهم بأيديهم: وأيدي أعدائهم؟
نرجع الى الصحائف السابقة نجد فيها جواب هذين السؤالين.
ذلك أن تداخل رومة أخذ يتزايد في عصر يوغورطة واشتد بعده. وفي هذه المدة كانت ملوك البربر من أسرتين: أسرة نوميديا قديمة أسسها نرافاس، وأخرى موريطانية مبلغ علمنا عنها أنها حديثة أسسها بوكوس الاول.
ومن الاسرة الاولى كان ابطال الاستقلال البربري. ومن وجد منها مؤيدا للرومان- مثل مستنابعل وهميصال الثاني- على الاحرار من جنسه لم نجد له ضررا كبيرا ولا أثرا عميقا في هدم الملك البربري. أما الاسرة الثانية فقد كان مؤسسها بوكوس عاملا في القضاء على يوغورطة، وحفيده قتل يرباص، وابناه اعانا قيصر وتسببا في انتحار يوبا الاول.
واذن نقول: ان على البربر تبعة سقوط تلك الممالك، وهم الذين أعانوا الرومان على بلوغ غايتهم، وان زعماء هذه الطائفة المارجة هم بوكوس وعقبه. غير أنا لا نقول: أنهم تسببوا في السقوط قصدا، وأعانوا الرومان حبا فيهم وبغضا لجنسهم. ولكن نرى أن سياستهم مبنية على الجبن وخشية الرومان، والطمع في بسط
النفوذ وسعة السلطان. أما خوفهم من الرومان ففي غير محله: لان البربر بوطنهم ومعاقلهم الطبيعية أمنع من أن تأخذهم أمة بالقهر والغلبة. وأما طمعهم في التوسع على حساب غيرهم فانما يحققه ويستفيد منه من جمع بين القوة والدهاء والشجاعة. وهؤلاء الملوك لم يكونوا كذلك. ولذالك استغل الرومان أعداؤهم الحقيقيون جهودهم، وقضوا بهم وطرهم.
وقد جاء يوبا الثاني بعد سقوط الملك البربري- وهو من الاسرة الاولى- فكان عليه ان يعمل لتجديده وتحقيق ما كان يأمله سلفه. خصوصا وهو يعلم أن قيصر هو الذي قضى على حياة والده، وقسم مملكته يبن أعدائه، وتربى في رومة، ودرس تاريخها. ولكنه رجل انهمك في المعارف وانقطع للعلوم ووقذته الحضارة. فلم تكن له روح مصينيسا ومصيبسا التي جمعت بين العلم والمحافظة على القومية. ولذلك صار يرى لرومة فضلا عليه ان منحته بعض ما كان يرثه من أبيه. فخدمها باخلاص. وهيأ لها الوطن البربري كي يتولى ادارته بنوها من غير واسطة. فكان عصره ومدة ابنه خاتمة لذلك الملك وتتمة لذلك السقوط.
أقدم من عرفاه من ملوك بربر الجزائر نرافاس. وكان موجودا سنة (238) ق. م. وآخرهم بطليموس المقتول سنة (40) م. فكان عمر الممالك البربرية العظمى نحوا من ثلاثة قرون.
لم ننسب ملوك البربر الى قبائلهم لان الباحثين في هذا الدور من مؤرخي اليونان والرومان الذين أخذ عنهم مؤرخو الافرنج لا عناية لهم بالبحث في القبائل. وانما فعل ذلك مؤرخو العرب. وهم إنما عرفوا البربر ودونوا اخبارهم وفصلوا قبائلهم بعد الفتح على عهد الاسلام.