الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع ابن عمه. ففاوضه في رفع الحصار وأذعن لحكمه واستأمنه على نفسه. فأمنه ودخل المدينة. ولكنه خان العهد. فقتل ابن عمه ومن فيها من شيعته حتى الايطاليين.
وهكذا انتهت حياة هذا الملك الذي يظهر من التجائه الى رومة في كل ما يعرض له من الصعوبات انه وقدته الحضارة. فاصبح لا يريد الا استغلال جهود آبائه. وان وطنا كالوطن البريري جعلته دولة قوية كرومة نصب عينها لاستعماره لا يصلح أن يكون على رأس حكومته إلا مثل يوغورطة شجاعة حربية ودهاء سياسيا.
13 - يوغورطة
JUGURTHA (118 - 104)
يوغورطة بن منستابعل، يقول مرسيي: انه لغية. كان فارسا من أشهر فرسان البربر وقائدا من أعظم قوادهم. وقد عرف له عمه مصيبسا مقدرته وغناءه فقربه اليه وأشركه مع ولديه في شؤون الدولة. ثم عرف جرأته وخشيه على ابنيه فوجهه ذات مرة قائد جيش بعثه الى رومة اعانة لها في بعض حروبها. ورجا أن يهلك في تلك الحرب ويستريح منه.
خاطر يوغورطة بنفسه في هذه الحرب وأظهر شجاعة نادرة. وعرف كيف ينجو بنفسه من الهلاك مع المحافظة على عظمته. فأعجب به الناس كلهم في هذه الحرب. وأحبه البربر حبا شديدا. ورجع الى وطنه يحمل لقب بطل عظيم. فزاده ذلك تأثيرا على البربر. واكتسب شرفه وصيته من حيث أراد عمه حتفه.
كان هذا البطل العظيم متقمصا روح مصينيسا وعاملا على تحقيق برنامج كان ذلك السلف يعمل له. وهو الاستقلال بالوطن البربري
في حدود مملكة أسلافه وطرد الرومان من أفريقية نظير ما كان ينويه مصينيسا من طرد قرطاجنة. فلما توفي عمه لم ير في ابنيه أهلية لتحقيق هذا البرنامج. لانهما لم يعرفا رومة كما عرفها. فهما يخشيان سطوتها. ويريدان التمتع بلذة الملك تحت ظلها.
ابتدأ يوغورطة في تحقيق برنامجه الاستقلالي بمنازعة ابني عمه على الملك حتى اقتسموه بينهم. ثم اغتال هيمصال. وتخلص لحرب آذر بعل حتى قتله سنة (112) واستقل إذ ذاك بملك سلفه. وأصبح لا يد فوق يده.
لم تكن مقاصد يوغورطة في الاستقلال بوطنه وطرد النفوذ الروماني منه واضحة للرومان. فانه كان يسترها أحيانا بالخداع السياسي وأخرى باشتراء ذمم رجالهم. فلما دخل قرطة واستأصل منها شيمة ابن عمه من البربر والايطاليين الذين هم في الواقع شيمة رومة اتضحت للرومان مقاصده وأدركوا أنه كان يسوسهم بالختل والمراوغة. فعزموا على المبادرة لحربه وعدم امهاله في هدم آماله.
لما عزمت رومة على حربه أرسل إليها ولده واثنين من خواصه لعرض طاعته. فلم يأذن شيوخها بمقابلة رسله ولا قبلوا طاعته لعلمهم أن ذلك خداع سياسي فقط لا حقيقة له.
كان بوكوس مصافيا لصهره. فلما بلغه ما آل اليه أمره مع رومة خشي أن يكون له على ولائه له حد من غضبها. فمال عنه وأظهر طاعته للرومان.
أرسلت رومة جنودها تحت قيادة بستيا. فجاء هذا القائد على طريق صقلية. ودخل في الحرب مع يوغورطة. واشتبكت القوتان
بجهات باجة. وانتصر بستيا في تلك المعارك انتصارات باهرة. فازداد خوف بوكوس من غضب رومة. وأرسل إليها يؤكد طاعته لها.
كان يوغورطة يعتقد- عن بصيرة- أن رجال رومة خربوا الذمم لا يمتنعون من الرشوة. فكان إذا أعجزته القوة التجأ إلى المال. فاستمال بهذا الوجه بستيا لما انتصر عليه. فتساهل معه هذا القائد في الصلح. واتفق معه على أن يأخذ منه أفيالا وخيلا وأنعاما وأموالا. وخرج يوغورطة من ورطة هذه الحرب بسلاح الرشوة. وذلك سنة (111).
علمت رومة بالصلح فلم ترضه. وأرسلت الى يوغورطة بالحضور ليشرح لدى مجلس شيوخها حقيقة هذا الصلح. ووجهت لسيوس كيوس اليه ليستصحبه معه. فذهب يوغورطة الى رومة ولم يمتنع عن الحضور أمام مجلس شيوخها بعد ما كان محاربا لجنودها. ولما بلغها وجد حوله دسائس شتى. ولكنه أبرع رجل يحسن العوم في مثل هذه اللجج. فتوصل الى استمالة نائب من نواب الشعب. ولما مثل بين يدي مجلس الشيوخ لم يكتف هذا النائب بالمحاماة عنه. بل أمره باحتقار التهم الموجهة اليه وعدم الاجابة عنها. وذلك لئلا يطالب بالبينة على صحة ما يقول. وهو ما لا يجده بحال.
لم يجد شيوخ رومة من استحضار يوغورطة أدنى فائدة. ولم يضره هو حضوره بل استفاد منه. وذلك أنه كان لعمه غولوسة ابن يدعى مصيفا ذهب الى رومة مطالبا بحقه في المملكة، ومشاغبا عليه. فدس له من قتله بواسطة بوملكار. ونجا من تبعته أيضا. وسهل لبوملكار طريق الفرار.
بعد ذلك أمر يوغورطة بالخروج من ايطاليا. فقال عند خروجه من رومة كلمته الخالدة: "إن رومة مدينة مباعة لمن يريد
اشتراها " (1) وزاد بنجاته من بطش رومة بعد ما مثل بين يديها جرأة وأصبح لا حد لاقدامه.
بقيت صدور الرومان وغرة على يوغورطة. فأرسلوا إلى ألوس- وكان قائدا بأفريقية- يأمرونه بالهجوم على يوغورطة، وأنهم لم يرتضوا الاتفاق الواقع بينه وبين بستيا. امتثل هذا القائد وهجم على يروغورطة. ولكن ذلك الهجوم أعقبه انهزام. فإن يروغورطة هجم بجنوده على ألوس وجيوشه على حين غفلة وقد كان ألوس طامعا في فتح ستول (قالمة) وأخذ ما فيها من أموال يروغورطة ومؤنه وذخائره. خاب أمل ألوس وخضع ليوغورطة خضوعا شائنا لشرف رومة: إذ أجله عشرة أيام للخروج من نوميديا، وأبقى جنده تحت الذمة. وذلك سنة (109). واعتذر لخيبة ذلك القائد بأنه كان ضعيف الرأي والوقت وقت شتاء. وارى ان ضعفه إنما هو بالقياس إلى يوغورطة، وإلا فكيف تعتده دولته لقيادة حرب ضد رجل لا تخفى عليها مهارته الحربية؟
ساء رومة انكسار قائدها وبقاء جنودها تحت ذمة من كانت ترجو أن يكون تحت ذمتها. فعين شيوخ دولتها مكان ألوس أخاه ألبينبوس. فلم يجد هذا القائد أيضا نفعا لعجزه أو جهله أو تقصيره.
بعد هذه الخيبات التي كل واحدة منها تربو على ما قبلها جد جد الدولة. فاختارت من بين رجالها رجلا مخلصا لدولته نزيها عن الرشوة عارفا بمهمته الحربية من أهل الطبقة العليا. هذا الرجل هو ميتلوس. وكان يوغورطة يعرفه ويعرف منه تلك الصفات. وكانت
(1) المباعة من اباع الشيئ عرضه للبيع. وعلى هذا المعنى حمل قول الشاعر:
وَرَضِيتُ آلَاءَ الْكُمَيْتِ فَمَنْ يُبِعْ
…
فَرَساً فلَيْسَ جَوَادُنَا بمُبَاعِ
الدولة تريد باختيارها لهذا الرجل أن تغسل عنها عار تلك الانهزامات وتحافظ على شرف عظمتها وتؤيد سمعتها الرهيبة.
نزل ميتلوس عوتيقة. فوجد الجنود قد ساءت حالتهم الأدبية وتمردوا عن الطاعة. فأخذ في تنظيمهم. وأراد يوغورطة- على معرفته به- أن يعجم عوده. فأرسل اليه يلاطفه ويداهنه. فلم يكن بضاعته هذه المرة رائجة لاخلاص ويقظة هذا الروماني. ولم يكن هو يعتقد رواجها فاستعد للحرب.
جمع يوغورطة بكل نشاط جنوده وقسمهم إلى فرسان تحت قيادته ومشاة معهم الأفيال تحت قيادة بوملكار. وكان الجيش الروماني على قسمين أيضا: أحدهما برئاسة ميتلوس، والآخر برئاسه مريوس.
في سنة (108) تقابل الجيشان بشمال تبسة، بعدما استولى ميتلوس على باجة، واشتد القتال من الجانبين. وأخيرا دارت الدائرة على يوغورطة. وشعر بعجزه عن مقاومة الرومان بالقوة. فجبر عجره ذلك بقوة دهائه. وأخذ يتقهقر بانتظام نحو الصحراء والقفر. وعلم البربر ضربا جديدا في القتال لئلا يجر عليه تقهقره انهزاما عاجلا: أوصاهم بعدم الكف عن اقلاق الرومان بالغارات من دون انقطاع، وان لا يصطفوا لهم بل يكونون جماعات متفرقة تكر إذا رأت في العدو غرة وتفر ان رأت الفر خيرا. ومن هذا الحين تعلم البربر حرب الكر والفر. وبهذا الاسلوب الحربي الجديد لم يتمكن لميتلوس أن يتمادى في انتصاراته على يوغورطة.
جبر يوغورطة انهزامه باختراع حرب، الكر والفر. وصار يتأخر نحو الصحراء، كي يبعد عدوه في القفر ثم ينقلب عليه فيشتت شمله. ولكن ميتلوس شعر بذلك. فلم يتتبعه. وبقي جيشه بشمال تبسة
مشتغلا بتخريب عمران البربر وافساد فلاحتهم وحصار المدن التي لم تخضع لقوتهم. وقد ثبت أهل زامة في مقاومة الرومان حتى أدرهكم يوغورطة وأجلاهم عنهم وفك حصارهم. ولم تثبت المدن التي احتلها الرومان في هذه الحرب تحت نفوذهم بل خرجت من قبضتهم.
ولما رأى ميتلوس ان قوته لا نجديه أمام دهاء يوغوطة، وان انتصاره عليه لم يجن منه أي فائدة عدل عن الهجوم واختار أن يقابل دهاء يوغورطة بالخداع وان يأخذه بسلاح الخيانة. وكان الشتاء قد حل وحال بينه وبين أعماله التخريبية. فعاد الى الولاية الرومانية. وتفرغ لتدبير مكيدة ليوغورطة. فأرسل الى قائده بوملكار يطمعه في دولة ملكه ان هو أعانه على خديعته. فحدثت بوملكار نفسه بخلافة يوغورطة في عظمته. وانخدع ليتلوس.: وطابت نفسه بخيانة ملكه ووطنه. فأخذ يشير على يوغورطة بترك الحرب وطلب المفاوضة في الصلح حتى أثر عليه وتفاوض مع الرومان. وتمت المفاوضة بالاتفاق على مواد الصلح. وأخذوا في تنفيذها. وكان منها تسليم عدد عظيم من الافيال والاموال والاسلحة، ورد الفارين من الجيش الروماني. ونفذت هذه المواد. ثم صار ميتلوس يلح على يوغورطة في زيارة مركزه. وإذ ذاك شعر بالمكيدة واتضحت له خيانة بوملكار. فمثل به وقتله. وهكذا فليكن سلم الخيانة: لا يبعد صاحبه فيه المرتقى حتى يسقط على أم رأسه من غير أن يفوز بأمنيته.
ولما خاب ميتلوس في هذه السياسة ولم يقع بشركه قنصه عاد الى الحرب. واستأنف أعمال التخريب والتدمير. فذهب الى باجة وافتتحها من جديد ومثل بأهلها.
وفي سنة (107) هجم ميتلوس على نوميديا وفر أمامه يوغورطة إلى قرطة. فلحقه وافتتحها. ففر يوغورطة الى الجنوب. ثم عاد
بأهله وأمواله إلى تالة. فتصحن بها. فذهب اليه ميتلوس وأخرجه منها. فلحق بالجيتوليين: وتحصن بهم. وأخذ قي تنظيمهم. وأرسل الى صهره بوكوس - وكان ميالا للرومان- يستميله اليه. ففتل له في الذروة والغارب. وخوفه استيلاء الرومان على مملكته ان هم جاوروه بنوميديا. فجلبه اليه. وجعلا موعدا للملاقاة. فالتقيا واتفقا على حرب الرومان. فقصدا بجنودهما قرطة. وبلغ الخبر ميتلوس. فخرج منها. ونزل مركزا يليق للدفاع عنها وعن سائر نوميديا.
وفي هذا الحين بلغ ميتلوس ان مريوس رفعته الأمة الى رتبة قنصل بأفريقية. وأعطي رجالا وأموالا ليتمم حرب يوغورطة. فترك الجنود على حالها. وذهب الى رومة. ولم نزل أثناء سنة (107).
جاء مريوس بطائفة من العساكر. ونزل عوتيقة. وانضافت جنوده الى الجنود التي بأفريقية من قبل. فبلغ جيشه نحو خمسين ألفا. وباشر الحرب حينا.
لم يخرج ميتلوس من أفريقية حتى أفسد بوكوس على يوغورطة فصار غير واثق بنصرته. فلما برز له مريوس لم يصطف له. بل استمر على حرب الكر والفر: يهجم بفرسان جيتوليا على الرومان حتى يصل الى مراكزهم، ثم يعود الى أماكن بعيدة قبل أن يستمدوا لمقاومته. وفي هذا الوقت كان خط الصحراء جميعه تحت طاعته. ووضع أمواله وذخائره بقفصة. فعلم بها مريوس. فذهب اليها ودخلها وأخذ تلك الأموال والذخائر وأحرق المدينة.
كان غرض مريوس أن يلجيء يوغورطة الى الناحية الغربية لتكون قرطة تحت يده ويتخذها مركزا عاما للجيش. فلما احتل قفصة نال غرضه. وانتقل يوغورطة الى الناحية الغربية. فسار مريوس اثره
وحاربه بالزاب والحضنة وجبالهما شمالا وغربا. حتى أنه استولى على مدينة حصينة فوق جبل عال. وهي من قلاع البربر التي يحسنون وضعها على الكهوف الصعبة المرتقى. وكان بهذه المدينة بقية أموال يوغورطة. كل هذا وبوكوس على الحياد.
لما انتقلت الحرب الى الناحية الغربية أعاد يوغورطة خطابه لبوكوس في التعاون ضد الرومان. ووعده على نصرته ثلث نوميديا. فلباه والتقيا. واجتمع باتحادهما عدد عديد من الجنود بارزا بها جنود مريوس. واشتد القتال يوما كاملا. وأحاط البربر ليلا بالرومان. وأوقدوا النيران يغنون عليها ويرقصون واثقين بانتصارهم على عدوهم. وفي الغد أخذهم تعب السهر. فهجم عليهم الرومان في هذه الحال. وفتكوا بهم فتكا ذريعا. ومن نجا من الموت ركب متن الفرار.
ذهب مريوس الى قرطة بعد هذا الانتصار. فاعترضه البربر في الطريق. وهم من جنود يوغورطة وبوكوس. وأنقسموا أربعة أقسام. ودامت المعركة بشدة ثلاثة أيام. وكانت غرب سطيف. وجاء صيلة لددا لمريوس. وأسفرت هذه الواقعة عن انتصار مريوس. فأتم سيره حتى دخل قرطة. كل هذا ولم تتم سنة (107).
لم ير بوكوس انتصارا يشجعه وهو من رجال الاستغلال من أبطال الاستقلال. فأرسل رسله الى مريوس في طلب الصلح. ولما بلغوا قرطة وجههم مريوس الى رومة ليقدموا مطلب أميرهم الى مجلس الشيوخ. ووجه صيلة رسولا إلى بوكوس. وبعد مسير صيلة خمسة أيام التقى في الطريق بفولوكس بن بوكوس الذي وجهه والده لملاقاة رسول مريوس.
لما وصل صيلة الى بوكوس وجد عنده رسولا من قبل يوغورطة.
فأجس في نفسه خيفة. ولكنه فاز بدهائه وجبن بوكوس على
رسول يوغورطة. واتفق هذا الرسول الروماني وذلك الملك البربري على خديعة يوغورطة. وتجدد بذلك دور ميتلوس وبوملكار. وإذا كان يوغورطة قد نجا إذ ذاك؛ قد قدر عليه أن لا ينجو هذه المرة. ولا ينفع حذر من قدر.
ابتدأ دور الخداع بمراسلة يوغورطة بطلب الاجتماع للمفاوضة في الصلح. فلم ينس دور ميتلوس وبوملكار. وأراد أن يتوثق لنفسه. فأرسل الى بوكوس يجيبه الى المفاوضة بشرط تسليم صيلة له بصفة ضمان. فتردد بوكوس أياما بين أن يسلم صيلة ليوغورطة أو يوغورطة لصيلة. وأخيرا اختار- وبئسما اختار- أن يسلم ابن جنسه وبعل ابنته للرومان ترضية لهم. فاقتطع ليوغورطة عهودا على الامان. فانخدع له. وما كان لينخدع لمن هو أدهى منه لولا المصاهرة والجنسية.
اتفق الاثنان على الاجتماع بصيلة بشرط أن يكون الجميع مجردين من السلاح. ودس صيلة عساكر مسلحة. ولما اجتمعوا انهالت تلك العساكر على يوغورطة وأوثقوه! ثم ذهبوا به الى مريوس. وذلك سنة (106).
وفي أول سنة (104) ذهب مريوس الى رومة في أبهة النصر وأمامه يوغورطة بلباسه الملوكي موثقا بالأغلال. فأودع السجن الى أن مات به من شدة الجوع وكلب البرد!.
وهكذا ختمت حياة بطل الحرب وداهية السياسة ورجل الاستقلال. شغل رومة مدة نحو سبع سنوات بحروب تعبت فيها تعبا شديدا. ولم تر منذ نزلت بأفريفية حروبا تضاهي حروب يوغورطة التي اشتهرت في عالم التاريخ القديم حتى خصت بالتأليف. ولم تحصل من خوضها لغمرات هذه الحروب على طائل سوى أخذ شخص يوغورطة بالخديعة والخيانة.
وكما شغل هو رومة شغلته هي أيضا عن ترقية وطنه. فان ذلك الذكاء النادر لو وجد في عمره هناء مصيبسا لأربى عليه في رفع مستوى دولته من حيث العمران والحضارة ولحصن استقلالها بأكثر مما حصن به سلفه قرطة.
ليس في انتصار رومة على يوغورطة أدنى شرف لها أو ضعة له. بل ما لها فيه إلا العار والشفار، وما له منه إلا المجد والفخار.
وقد جلب بوكوس بمصافاته للرومان تكدير حياة البربر بالقضاء على زعيم استقلالهم وتشجيع الرومان على امتلاك وطنهم. ومن نظر خاتمة يوغورطة مع صهره وجده أحق الناس بقول الشاعر العربي:
واخوان حسبتهمو دروعا
…
فكانوها، ولكن للاعادي
وخلتهمو سهاما صائبات
…
فكانوها، ولكن في فؤادي
____
ـ[صورة]ـ (ش-8) نقود الملك يوغورطة. وعليها صورة بطل.
ـ[صورة]ـ (ش-9) نقود الملك يوغورطة. وعليها رسمه.
____