الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاستقلال بوطنهم فلم ينجحوا. فلما وجدوا في الوندال نصيرا على طرد الرومان أعانوهم مكتفين بهذا الشطر من غايتهم، اذ رأوا أنهم عاجزون عن الشطر الآخر وهو الاستقلال. فاستبدلوا احتلالا باحتلال، تحقيقا لاحد المقصدين، وتلك قاعدة ارتكاب أخف الضررين.
5 - تأسيس حكومة الوندال
استولى الوندال على نوميديا وما يليها غربا. واتخذوا بونة عاصمة مملكتهم. وأيست رومة من ارجاع ذلك الوطن بالحرب، لما كانت عليه من الاختلال والانحلال. ورأى الامبراطور أن يحافظ على ما بقي له من تراب أفريقية. فارسل رسولا الى جنسريق قائد الوندال وملكهم، ليفاوضه في الصلح. وفي سنة (35) تم الاتفاق بين الفريقين حسبما يلي:
1 -
يدفع أمير الوندال لامبراطور رومة غرامة سنوية.
2 -
لا يتجاوز ملكه حدود نوميديا شرقا.
3 -
يعطي ولده هنريق رهنا على الوفاء.
4 -
يعمل بهذه المعاهدة لمدة ثلاثين سنة.
قضت هذه المعاهدة ببقاء حق امبراطور رومة في الجزائر وقبول جنسريق لان يكون تحت سيادته. فأظهر له حسن الولاء، وحافظ على مواد المعاهدة. وبعد اربع سنوات وثق الامبراطور باخلاصه، فسرح له ولده. وذلك ما كان ينتظره جنسريق لتوسيع مملكته بفتح البروقنصلية (تونس).
لم يبق لجنسريق بعد رجوع ولده ما يحمله على احترام المعاهدة. واتفق ان كان الرومان اذ ذاك مشتغلين بحرب القوط. فلم يهمل هذه
الفرصة. وذهب إلى قرطاجنة، ففتحها من غير عناء. واستولى على البروقنصلية. وتم له بذلك الاستيلاء على تونس والجزائر ومراكش وذلك سنة (439).
لم يستطع ولنتنيانس الثالث أن ينتقم من جنسريق لتعديه على المعاهدة. وقديما عد الرومان مدافعة القرطاجنيين لهجوم مصينيسا خرقا لمعاهدة (201) ق. م وهكذا ترى القوي يعد مدافعة الضعيف عن حقه تعديا، والضعيف يداس حقه فيتظاهر بالحلم والسماح.
رأى ولتننيانس ضعفه أمام قوة جنسريق. فلم يحتج بالمعاهدة التي بينهما. واكتفى بتجديد معاهدة أخرى معه. فوقع الاتفاق بينهما بقرطاجنة سنة (42) على ان يسلم الامبراطور للامير من سرت شرقا الى تبسة وشق بنارية وباجة غربا، ويسلم الامير للامبراطور بقية نوميديا وجميع أقسام موريطانيا.
قضت هذه المعاهدة بعود الجزائر الى السلطة الرومانية. ولكنها سلطة ضعيفة، وقصيرة العمر، اذ قضى عليها جنسريق سنة (55) وما قبل هذه المعاهدة الا بنية القضاء عليها، حيث أنه استبدل وطنا هادئا غنيا لسلامته من جوائح الثورات بوطن قضى على عمرانه تعدد الفتن وأنهكه تهاطل الارزاء والمحن.
في سنة (450) توفيت بلاسيدية. وبقيت المملكة بيد ابنها ولنتنيانس. فعبث بها عبثا كبيرا. وأخيرا قتل سنة (54) وانتصب قاتله مكانه. وزاد ذلك في اضطراب أحوال رومة. وكان جنسريق يراقب أحوال أروبا. فرأى في اختلال رومة ما شجعه على غزوها. فجهز جيوشه من الوندال والبربر. وقصدها ففتحها سنة (55) من غير عناء ولا تعب. وسرح جنوده فيها للنهب اربعة عشر يوما. ثم عاد الى قرطاجنة ظافرا منصورا يحمل غنائم جليلة واسارى من أعيان الرومان.