الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 - الثورات بالوطن البربري
ان التاريخ الجزائري على عهد الرومان مملوء ثورات وحروبا. وذلك لعدم ملائمة العنصرين: الحاكم والمحكوم بعضهما لبعض في العوائد والاخلاق، مع ما للعنصر الحاكم من التفوق والاستبداد على ابن البلاد الذي رضع الحرية من اسلاف أمجاد.
لقد كان للامن وجود في العصر الروماني غير ان عمره قصير ولم يستمر سنين طوالا الا في شمال نوميديا بفضل نظامها الخاص على عهد الاتحاد القرطي.
ومنذ انحل هذا الاتحاد صار الوطن الجزائري متشابها في قلة الامن وكثرة الفتن. ويمكننا أن نقسم الفتن بهذا الوطن إلى ثلاثة أقساء: قسم كان بيد ولاة رومانيين تطلعا الى الامبراطورية أو تحزبا لبعض الاباطرة على بعض، وقسم كان على أيدي الغائرين من البربر الذين لم تنلهم عاهة الاحتلال سواء خارج الحدود أو داخلها، وقسم كان على أيدي البربر الذين لم يرتضوا الحكم الروماني تطلعا للاستقلال أو تطلبا للعدل.
1 -
اما القسم الاول فمنه ثورة قلديوس مصير. كان واليا على أفريقية وثار على نيرون، وقطع على رومة حبوب أفريقية، وبعد وفاة الامبراطور نيرون (68) خلفه غلبا فبادر بقتل هذا الوالي واستعان عليه بوالي موريطانيا ألبنوس. وبعد تسعة أشهر من امبراطوريته قتل فخلفه أتون فكانت مدته نحو ثلاثة أشهر ثم تولى الابراطورية ويتليوس، فثار عليه ألبنوس المتقدم وجمع جنوده وقصد بها الاندلس، ولكنه قتل وخضعت جنوده للامبراطور ويتليوس.
ومنه ثورة كابليان والي موريطانيا. وذلك انه في سنة (235)
قتل مكسمينس الامبراطور الاكسندر سويرس وانتصب مكانه فلم يرتض ذلك رومان قرطاجنة وأعلنوا بامبراطورية واليهم غرديانوس وانضمت اليهم الفرقة الثالثة. فسار والي موريطانيا ضد غرديانوس لفائدة مكسمينس، وهجم على نوميديا بعساكر كثيرة ومنظمة غاية النظام، ودخل قرطاجنة فنهبها وعاث في أفريقية فسادا.
ومنه ثورة سبيانوس والي أفريقية. وذلك انه بعد قتل مكسمينس سنة (238) نصب مجلس الشيوخ مكانه غرديانوس الثالث حفيد الاول. فثار عليه هذا الوالي سنة (240) ولقب نفسه امبراطورا. وكان والي موريطانيا من حزب غرديانوس. فتحارب هذان الواليان وامد غرديانوس تابعه. فانتصر والي موريطانيا وبلغ أن حاصر قرطاجنة، ولم تسلم منه الا بتسليم سبيانوس اليه.
وقد قاست رومة أهوالا شديدة من جراء التنافس على العرش الامبراطوري وقضت قرنا في الفوضى (192 - 270). والجزائر مرتبطة بها فكان لها نصيبها من تلك الاهوال والحروب في عصر الفوضى وغيره.
2 -
وأما القسم الثاني فمنه غارة برابرة المغرب على عهد انطونان (138 - 161). هجم هؤلاء المغاربة على المستعمرات الرومانية وعاثوا فيها فسادا. فأهم ذلك الرومان وضعفوا عن مقاومة الغائرين حتى قدم الامبراطور انطونان نفسه الى أفريقية وتولى رآسة الجيش. وبذلك تمكنوا من رد هذه الغارة الكبرى.
ومنه غارتهم على عهد كمودس (178 - 192) اذ تجدد سنة (188) وعجز رومان أفريقية عن رد تيارهم فاستغاثوا برومة. وكان هذا الامبراطور من عشاق الملاهي. فطلب من الشيوخ أن يمدوه بالمال ليذهب هو نفسه الى أفريقية. فلما أمدوه استعان به على ملاهيه،
وارسل الى أفريقية عوضه ضباطا. وفي سنة (190) انتهت هذه الغارة.
ولولا تحصين الحدود بانشاء المدن ومرابطة الجنود لم تسترح رومة ولا يوما واحدا من غارة الغربيين والصحراويين. على أن الصحراويين (الجيتوليين) كانت رومة- علاوة على تحصين حدودها منهم- تستميلهم بأساليب سياسية. وقد تستعين بهم لذلك في بعض المهام. وكانت تحيط المدن، أسوار امتناعا من أهل موريطانيا الغربية، وتتخذ الحصون بالاكمات.
3 -
واما القسم الثالث فمنه ثورة لسيوس كييتوس، وهو رجل بربري تسمى باسم روماني. وتقلب في الجيش الروماني. حتى منحه الامبراطور طريانس الرئاسة على جند. ثم ولاه على يهود فلسطين. فخدم رومة خدمات جليلة. ثم عاد الى افريقية فثار بها. واهتمت رومة لثورته لما تعلمه من مقدرته الحربية. ولكن دارت عليه الدائرة فقبض وقتل. وبقيت الثورة من بعده ملتهبة نارها. ولم تستطع رومة اخمادها الا بعد عناء كثير.
ومنه ثورة سكان جبال أوراس والجبال التي بين قرطة وسطيف، وجبل جرجرة. وكانت هذه الثورة في عصر الفوضى سنة (265) وامتدت في كامل الوطن الجزائري. هجم هؤلاء الثائرون على المستعمرين الرومان خصوصا بجهات ميلة. وأهلكوا الحرث والنسل. ولم يتمكن الرومان من ايقافهم عند حد لكثرة الهرج برومة، اذ كانت الجنود تبيع منصب الامبراطورية لمن أغلى لها في المرتبات وقضى لها ما تبتغي من شهوات.
ومنه ثورة أرديون في سنة (270) سمي بروبس واليا عاما لجنود أفريقية فنزل قرطاجنة. وفي تلك الاثناء أثار أرديون النوميديين