الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى هذه الرواية يكون شمال أفريقية اقدم عمارة من جنوب أورربا، لان أبناء قطوبال لا شك انهم مروا بمصر- حسبما هدت اليه الآثار- ثم نزلوا أفريقية الشمالية. وقد كان البحر الرومي - اذ ذاك- قليل الماء ومتصلا باوربا من جهة صقلية ومضيق جبل طارق. (وقد ذكروا ان الذي حفر بوغار جبل طارق هو هرقول وقيل الاسكند ر)(1).
والاول اصح فان هرقول متقدم الزمن جدا. اما الاسكندر فمن المحقق ان الفينيقيين- وهم اقدم منه- اجتازوا الى الاندلس في سفن (اواخر الالف الثاني قبل الميلاد) فانتقل بعض أبناء قطوبال من أفريقيا الى جنوب أوربا برا- اذ لا سفن لهم في ذلك الحين- سالكين تينك السبيلين. وسنقف على الآثار المؤيدة لهذا الرأي.
2 - آثار قدماء الجزائر
عثر الباحثون في الوطن الجزائري على آثار لاهل العصر الحجري، وهي اما منازل لاحيائهم، واما قبور لموتاهم. واما آلات لحياتهم من مصنوعاتهم واما اشياء من مقتنياتهم.
1 -
المنازل: أما المنازل فقد وجدت آثارها بالاماكن المرتفعة والكهوف على مقربة من العيون والاودية. وعلة نزول الهضاب والكهوف التمكن من حماية انفسهم من الحيوانات الضارية، والامتناع من الاعداء الهاجمين. وحكمة الاقتراب من الماء البارز على سطح الارض سهولة التزود منه، لبساطة حياتهم وقلة اختبارهم للطبيعة.
ومن المنازلى المكتشفة منزل قرب معسكر ومنازل اخرى بجهات وهران، الجزائر، سعيدة، عين مليلة، سطيف، العين البيضاء، تبسة.
(1) الاستقصاء ج 1 ص 32
2 -
القبور: واما القبور فقد وجدت متفرقة ومجتمعة فوق الكهوف والهضاب. وهي مبنية بحجارة غير مصنوعة او بها أثر ضعيف من الصنع، وملتصقة من غير ربط بطين ونحوها. يتخذون عليها صومعة من حجر كقالب السكر. وكثيرا ما يجعلون عليها صفيا عريضة ويحوطونها بصف من الحجارة. ثم أخذ من خلف الاولين منهم يقلل من هذه الاعمال القبورية حتى صاروا يكتفون بحياطتها بدائرة حجرية ويدعون الصندوق الحجري بارزا على سطح الارض بعد ما كانوا يضعون عليه حجارة كثيرة.
ولهم في الدفن طريقتان: الاولى وضع الميت بمحل وقتي حتى ينفصل لحمه عن عظمه ثم يجمعون عظام الاموات ويضعونها في قبر واحد، الثانية ان يفصلوا اللحم عن العظم ما عدا المختلط بالعظام ثم يدفنون الهالك جالسا ملتصقا بطنه بفخذيه ولحاه بركبتيه ويجعلون معه اواني ببعضها طعام ويضعون معه أيضا اسلحة واشياء من زينتهم.
وقبور اهل هذا العصر كثيرة بوطن الجزائر، والبربر يدعونها قبور الجهلاء. وهي ترجع في تاريخها الى العصر الحجري الذي انقرض اصحابه منذ امد بعيد.
3 -
الآلات الحيوية: واما مصنوعاتهم الآلية لحياتهم: فمنها هراوي حجرية عديمة الاتقان، مساحي، مناقير، وجدت هذه الاشياء بطلل دار قرب معسكر. ومنها آلات واسلحة مثل الاولى، عثر عليها قرب الرمشي (مونطانياك).
ومنها فؤوس كثيرة حجرية متقنة الصنع، ابر من عظام متقنة أيضا ومنها أوانٍ من طين مزينة بصور. اكتشفت بجهات سطيف وعين مليلة والعين البيضاء، ووجد معها اشياء من الاسلحة والآلات ومنها محكات لدبغ الجلود واشاف واوعية من خشب.
وهذه الآثار مختلفة في درجة الاتقاق حسب اختلاف ازمنتها.
4 -
المقتنيات: واما الآثار التي جلبوها للاقتناء من غير ان يكون لهم فيها عمل فمنها اصداف كثيرة برية وبحرية. عثر عليها بجهات وهران والجزائر وسعيدة وعين مليلة ونواح اخرى. وهذه الاصداف يتخذونها للزينة. ومنها عظام حيوانات وحشية وانسية منها فرس الماء والكركدن ونوع من الفيلة عظيم انقطع نسله منذ قرون عديدة، عثر على عظام هذه الحيوانات قرب معسكر تحت كثيب رمل ارتفاعه ستون ذراعا. ومن تلك الحيوانات الوعل، الغزال، الخنزير، الحمار، البقر، الضان، العنز، عثر على عظامها بجهات وهران والجزائر وسعيدة وعين مليلة، ومنها بيض النعام، ءثر على شيء كثير منه بجهات متعددة. وهو مما يتزينون به.
هذه الآثار منها ما هو محلي محض غير مجلوب من وطن آخر ولا مشابه لآثار الامم الاخرى. ومنها ما يشبه مصنوعات قدماء المصريين خاصة، ومنها ما له شبه بآثار قدماء مصر وأروبا الغربية. فان الآلات الحجرية متشابهة في هذه الاوطان. ووجد بمغارات في نواحي وهران اوانٍ من الفخار وحجر الصوان والعظم شبيهة بما وجد في مغارات بجبل طارق. وبناء القبور بالاحجار موجود بغرب أروبا. والطريقة الاولى في دفن الاموات موجودة بصقيلية ايضا. واكثر آثار قدماء الجزائر شبيهة بآثار قدماء مصر.
ان المشابهة بين آثار أفريقية وآثار أروبا الغربية دليل لصحة رواية ابن خلدون- وان لم يجزم هو بصحتها- بأن سكان هذه الاوطان من أصل واحد. ثم في كثرة مشابهة آثار أفريقية لآثار مصر دليل على ان أبناء قطوبال دخلوا أفريقية من ناحية مصر. ثم في مشابهة آثار أفريقية بعضها لآثار صقلية وبعضها لآثار جبل طارق دليل على أن هذه الأمة دخلت أروبا من تينك الجهتين.