الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن غولة بالاندلس مع القرطاجنيين في حرب الرومان. فلما بلغه خبر مزوطيل واعراض قرطاجنة عن ثورته خرج من الاندلس مغاضبا للقرطاجنيين ومحالفا للرومان. قصد مصيليا ليطرد من عرشها مزوطيل ويتسلم هو مقاليد الحكم. فمر بمصيصيليا مملكة عدوه صيفاقس في شرذمة من الجند. وبلغه أن مزوطيل ذاهب لزيارة صيفاقس. فكمن له في بعض السبل وانقض عليه وعلى من معه. وتقاتلا حينا وحكمت المعركة لمصينيسا. ففر مزوطيل بمن بقي من جنده. واستقر مصينيسا بعرش آبائه ملوك مصيليا.
7 - صيفاقس
(230 - 202) ق. م
صيفاقس من أعظم ملوك البربر. كان ملكا على مصيصيليا. وعاصمته صيغة، كان هذا الملك معاصرا لغولة. ومن أخلاق ملوك البربر التنافس والتخاذل والاستعانة بالاجنبي. ولولا ذلك لكان الوطن البربري أمنع على مريد اغتصابه من عقاب الجو.
ولهذا السبب كان هذان الملكان مختلفين: غولة حليف للقرطاجنبين، وصيفاقس حليف للرومان.
وفي سنة (213) أرسل اليه الرومان ضباطا يعلمون جنوده. وسار صيفاقس ضد غولة. فوقعت الحرب بينهما. وكان رئيس جيش غولة هو ابنه مصينيسا. وعمره إذ ذاك سبع عشرة سنة. فائتمر مصينيسا وأخرج صيفاقس من عاصمته صيغة. فذهب الى موريطانيا الغربية وجمع من أهلها جيشا ساقه لحرب مصينيسا. فعادت عليه الكرة أيضا. وذلك سنة (212).
بعد انتصار مصينيسا صارت مملكة غولة تمتد الى ملوشات
غربا. فكان بذلك ملكا على مصيليا ومصيصيليا. وكان صدر بعل القرطاجني بالاندلس فجاء مددا لمصينيسا على صيفاقس. وبعد الانتصار عاد اليها بجيوش كثيرة تحت قيادة مصينيسا.
ولما توفي غولة واعقبته ثورة مزوطيل ولم تتداخل فيها قرطاجنة غضب مصينيسا وخالف قرطاجنة وحالف رومة.
كانت قرطاجنة تخطب ود صيفاقس وهو معرض عنها. ولعل تغافلها عن ثورة مزوطيل التي فيها فائدة صيفاقس كان بقصد استمالته. ولكنها خسرت بهذه السياسة صداقة مصينيسا. وإذ كان مصينيسا مع الرومان خالفهم القرطاجنيون الى استمالة صيفاقس. فكانت عليهم هذه المرة سهلة. وكان لصدر بعل بنت شهيرة تدعى "صفو نيسب" وعد بها مصينيسا فلما أيس من مناصرته عدل عن مصاهرته وزوجها من صيفاقس عدو مصينيسا.
اتخذ القائد القرطاجني هذه الوسيلة شفيعا له في صداقة صيفاقس فنجح. وكيف لا ينجح بمثل هذه الشفاعة التي يقول فيها الفرزدق:
لَيْسَ الشَّفِيعُ الَّذِي يَأْتِيكَ مُتَّزِراً
…
مِثْلَ الشَّفِيعِ الَّذِي يَأْتِيكَ عُرْيَانَا
صدق صيفاقس في صداقته لقرطاجنة. وابتدأ عمله بمحاربة مصينيسا الذي اتنصب بقرطة ملكا على مصيليا. فانتصر عليه وانتزع منه أغلب مملكته. ففر مصينيسا واعتصم ببعض الجبال. وذلك سنة (205) ومن معتصمه صار يغير على تراب قرطاجنة فأقلقها. وإذ ذاك رغبت من صيفاقس أن ينهي قضية مصينيسا انهاء حاسما. فلباها وأرسل جيشا تحت قيادة بوكار. فشد الخناق على مصينيسا وفتك
برجاله ولحقته هو جراحات عميقة أعجزته عن أي مقاومة. فرمى بنفسه في واد ونجا الى الضفة الاخرى. وذلك ناحية قليبية من التراب التونسي.
بعد هذه الخيبة آوى الى مغارة بسفح جبل ريثما يلتئم جرحه، ويستعيد قواه. وذاع أنه توفي. ولكنه كان يسعى سرا في جمع الجنود. وبعد استراحته ظهر لاهل مصيليا. فسرتهم رؤيته وابتهجوا بوجوده، فانجدوه. وبعد قليل جمع (6000) من المشاة و (4100) من الفرسان.
ولم يكن صيفاقس بغافل عنه فجمع جموعه الكثيرة وقسمها جيشين أحدهما برئاسته والآخر بقيادة ابنه فرمينة. وكان مصينيسا بالجبال التي بين قرطة وهبون. فقصده صيفاقس. واصطدمت الجيوش وحمي وطيس الحرب. وأسفرت عن نجاح صيفاقس وهزيمة مصينيسا. ففر الى بلاد السرت الاصغر (قابس).
إذ ذاك استقل صيفاقس بملك مصيليا ومصيصيليا بعدما كان استقل بهما غولة. وهكذا المدنيا اقبال وادبار.
اتسع نطاق مملكة صيفاقس فاتخذ قرطة عاصمته سنة (204) وبينما هو متمتع بملكه العريض ومصينيسا شريد في الجبال والفيافي إذ نزل سبيون الأفريقي بجموعه في أفريقية، فلاح بذلك بارق الامل لمصينيسا. وجاء بمن كان في صحبته نجدة لسبيون.
هنالك أرسل صدر بعل بن جسقون الى صهره وحليفه صيفاقس فجاءه بستين ألفا مقاتلا ونزل في مركز خاص ولم يختلط بصدر بعل. نشبت الحرب بين القرطاجنيين والرومان. فأظهر سبيون الانهزام مكيدة وخاطب محاربيه في الصلح. وبينما هم يتفاوضون إذا بسبيون دخل بين الجيشين المتحالفين وحال دون اتصالهما بعضهما ببعض.
وفي الليل هجم هو مع قومه على صدر بعل، ومصينيسا في رهطه على صيفاقس. وأحرقا عساكر العدو بالنيران ومن بقي عن النار ألحقته السيوف. فكانت على القرطاجنيين وأنصارهم وقيعة كبرى وذلك سنة (203).
شجع هذا الانتصار سبيون على فتح قرطاجنة. ولكن لم يرد أن يورط نفسه فيه قبل استئصال أنصارها من البربر. فجهز جيشا لحرب صيفاقس بقيادة مصينيسا. فالتقى الملكان البربريان بجموعهما. فكبا بصيفاقص جواده في المعركة فأخذه مصينيسا أسيرا. وذهب به الى قرطة واحتال لدخولها فدخلها. وأتى صفو نيسب وأراد التزوج بها. فلم يرق ذلك لسبيون خشية أن تستميله عنه الى قومها. ولكنها أنهت الخلاف بينهما بقتل نفسها!
وبعث بصيفاقس الى رومة. ومات بها سجينا سنة (201) وهكذا ختمت سعادته بالسيادة (1) وبسطته في السلطة. فمات سجينا بعيدا عن الاهل والولد. وذلك مآل سياسته في منافسته لابن وطنه، واستعانته عليه بالرومان أولا. ويسرني- وأيم الله- أن تكون هذه عاقبة كل من سعى في جلب الاجنبي الى وطنه ليتقوى به على منافسه من أبناء جنسه.
____
ـ[صورة]ـ (ش - 5) نقود صيفاقس. وعليها رسمه وكلمة صيفاقص ملك
(1) بالسيادة يتعلق بالسعادة.