الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الامة لم تتبدل عن حالها الاولى، ولا يخرق سياج طبائعها أي أثر خارجي .. العدد الكثير الذي حارب يستنيان بعد ذهاب الوندال، واستحالة استيلاء البيزنطيين على ملك أسلافهم الرومان، يدلان على أن أكثر البربر لا يمكن نفوذ شيء الى طباعهم" (1).
أجاد الكاتب حقا في وصف الوطنية البربرية، ولكنه أخطأ في جعله وطنيتهم قد منعتهم من نفوذ شيء الى طباعهم. فان تاريخهم ما تقدم منه وما يأتي يدل على أنهم يقبلون الرقي والحضارة لكن إذا لم يصحبهما صغار.
6 - حروب الروم والبربر
بعد ذهاب بليسير بجلمير الى القسطنطينية بقي على رئاسة أفريقية الرومية سليمان الخصي. وما كاد بليسير يركب البحر حتى أسرع البربر الى الثورة. فحاربوا الروم. واستولوا على جميع مراكز الجند الرومي بدواخل الوطن.
قطزيناس تقدم الى البيزاصين. وسرح له سليمان الجنود فحاصرهم بكهف هنالك. واستأصلهم. ثم خرج سليمان نفسه سنة (35) فهزم قطزيناس. وعاد الى قرطاجنة. فعاد البربر الى الثورة وخرج اليهم ثانية. فوجدهم متحصنين بجبل بورغؤن (المظنون أنه جبل بوغانم) فأخرجهم من حصنهم وهزمهم.
وفي هذا الحين كان بيداس ومصيناس يجولان بنوميديا وينهبانها بجموعها. والتحق ببيداس بعض البربر المنهنرمين بالبيزاصين مستصرخين به. وأصبح موقف سليمان في أحرج ما يكون. ولكن
(1) مرسيي 1: 168 عن مجلة أفريقية.
طبيعة البربر في الانقسام وتخاذل الرؤساء نفست عليه قليلا اذ تطوع بعضهم لسليمان بالدلالة على طرق الوطن لتتبع بيداس. فخرج سليمان يطلبه حتى بلغ جبل اصبيديس (جبل شلية) ولكنه لم يظفر به ولم يبصره. وكان وقت الشتاء قريبا والمؤونة غير كافية للاقامة. فعاد الى قرطاجنة.
دخلت سنة (36) وخرج فصل الشتاء. فتجهز سليمان في فصل الربيع لحرب بيداس. ولكن جنوده كانت قليلة الانقياد. فلما شق عليها تتبع هذا الامير في جباله شقت عصا الطاعة في وجه سليمان وعزمت على قتله، فما وسعه الا النجاة بنفسه. فأغذ السير الى قرطاجنة. ومنها ذهب الى صقلية- وبها بليسير - فأعمله بما جرى. فركب بليسير البحر الى قرطاجنة لاخضاع الجنود. وثارت بعده جنوده هنالك، فعاد سريعا الى صقلية. وبقيت افريقية الرومية بعده في فوضى عامة.
كانت تلك الجنود الثائرة بأفريقية متحدة تحت رئيس يدعى ستوزاس. وارسل يستنيان جرمان واليا. فحارب ستوزاس. وبينما هو فار أمامه الى ناحية بها بيداس وأرثياس طمعا في نصرتهما إذا بهذين الاميرين قد نزلا على جنوده واستأصلاها. ففر إلى موريطانيا. وكانت هذه المعركة بمكان يدعى "سلاص فاتاري" قال مرسيي: وهو اما نواحي تيفاش واما جنوب قسنطينة.
وفي سنة (39) عزل جرمان وعين مكانه سليمان الخصي. فجعل حرب أوراس نصب عينيه. وكان على بربر البيزاصين أمير منهم يدعى اتتلاس. فاستماله سليمان وجعل له عطاء سنويا. وفي ربيع سنة (40) أرسل أحد ضباطه لفتح أوراس. وخرج هو بأثره. ولما بصر هذا الضابط بالعدو لم يقف لحظة عن الفرار الى باغاية. فادركه البربر.
وحاصروه بما. وأرسلوا عليها الماء كي يغرق من بها. ولكن سليمان أدرك ضابطه ففك عنه الحصار.
بعد ذلك تتبع سليمان البربر في جبال أوراس طامعا في ادراك بيداس. وكان هذا الامير ذهب الى مدينة زربولة. فلحقه سليمان. وحاصره بها. واستطاع بيداس ان ينفلت من الحصار فذهب الى مدينة ثمار. وتحصن بها. وكانت ممتنعة. فحاصرها سليمان مدة حتى فتحها. وجرح بيداس في دفاعه عنها. ونجا الى موريطانيا.
بانتقال بيداس من أوراس استطاع الروم أن يجوسوا خلاله. وغنموا أموالا طائلة لاميره. ثم ذهب سليمان الى بلاد الزاب يخضع البربر لدولته. وبلغ المسيلة. وكانت تدعى زابي. فجددها. وسماها يستنيانة تخليدا لذكر امبراطوره.
وبعد جولته عاد الى قرطاجنة. وقدر له الهلاك على يد حليفة انتلاس. فقتل على ايدي جنود هذا الامير بنواحي تبسة سنة (45).
بعد هلاك سليمان جاء ولاة ضعفاء عن حماية ما تحت أيديهم من البربر. فكانت مدتهم حروبا بينهم وبين ملوك البربر المتحدين تارة والمتخاذلين أخرى. وقام البربر بعدة غارات على روم نوميديا وغيرها.
وفي سنة (46) جاء يوحنا طرغلطا واليا على أفريقيا. وجعل حرب انتلاس أهم أعماله. واستعان عليه بقطزيناس وبيداس وافسدياس (هو أحد أمراء البربر بنواحي أوراس) فأعانوه. كما كان سليمان استعان بانتلاس على بيداس. وبعد ما اشتدت الحرب بين انتلاس وطرغليطا انجلت بخضوع الامير البربري سنة (48).
عد الروم هذا الفوز انتصارا باهرا. ولكنهم لم ينصروا على البربر الا بالبربر. وهم يعدون البربر كلهم أعداء لهم سواء المحارب