الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واذا ايد ابن خلدون قول مؤرخي بني اسرائيل في كنعانيي الشام فان الفينيقيين ليسوا منهم بل هم ساميون من غير نزاع. غير ان ما استظهره من انتساب البربر الى تينك القبيلتين ليس بظاهر وقد مر في الباب الثاني (2، 3) ما يغني عن التعرض هنا لبطلان استظهاره.
والخلاصة ان الفينيقيين اخوان العرب في نسبهم وجيرانهم الاقدمون في وطنهم.
2 - الفينيقيون بالجزائر
الفينيقيون أمة تجارية لا شأن لها بالحروب. وقد كانوا ايام ازدهار مدينة صيدا متوجهين في تجارهم الى المشرق، واستعمروا فيه - استعمارا تجاريا - جزيرة قبرص وجزر بحر هيجاي. وخاضوا البحر الاسود وبلغوا القفقاس.
وفي القرن الثالث عشر (ق. م) سقطت مدينة صيدا بهجوم الفلستينيين (1) عليها لغنم ثروتها. فورثنها مدينة صور في سعة العمران وعظمة التجارة. وزاحم اليونان الفينيقيين في المشرق فالتفتوا الى البحر الابيض والمغرب بسفنهم التجارية وأسسوا بجزره مراكز تجارية بصقلية ومالطة وسردانيا والجزائر الشرقية (2) وبلغوا اسبانيا وأسسوا بها مدينة قادس.
صار الفينيقيون يترددون ببضائعهم بين الشام والاندلس. يقطعون مضيق جبل طارق مقتربين من سواحل ليبية حتى أذا بلغوا صقلية ابعدوا عن الساحل الأفريقي.
(1) غير الفلسطينيين. والظاهر انهم من فلشتين الذين ذكرهم ابن خلدون في أبناء حام.
(2)
ثلاث جزر شرق الاندلس وهن ميورقة، مينورقة، يابسة.
وكانت تجارتهم مع الليبيين مقايضة: يأخذون منهم الانعام والاصواف والجلود وريش النعام والعاج ويدفعون لهم عوض ذلك اقمشة مصبوغة بالحمرة واسلحة وخمرا واواني من الزجاج والطين.
وللاتجار مع الليبيين أسسوا بسواحلهم مراكز يستريحون بها من عناء السفر ويتزودون منها ويصلحون سفنهم. وقد راعوا في موقع مراكزهم أمرين: الامتناع ممن يريدهم بسوء، والتمكن من نقل بضائعهم بسهولة. فنزلوا لذلك الجزر القريبة من الساحل الليبي، والربى الساحلية، وما قرب من مصب الاودية في البحر.
ومن هذه المراكز حضرموت (سوسة)، عويتقة (بو شاطر). وهما بايالة تونس، ومنها هبون (بونة)، اجلجي (جيجل)، صلداي (بجاية)، وهذه بالوطن الجزائري. ومن المراكز المنسوبة لهم أيضا عوزية. ويقولون انها سور الغزلان وقد غلط اغسال القائلين بذلك مستندا الى انها في دواخل الوطن الجزائري، ولم يعرف في التاريخ بلوغ الفينيقيين الى تلك النواحي.
وعليه فان صح ان عوزية هي سور الغزلان فهي من مؤسسات البربر. وان صحت نسبتها للفينيقيين لم تكن هي سور الغزلان بل مدينة أخرى على السواحل لا ندري مكانها.
ويقال أن مؤسسات الفينيقيين بالساحل الليبي بلغت ثلاثمائة مركز. وهو احصاء قريب من المعقول لان السفن كثيرا ما تحتاج الى الاصلاح وسيرها بطئ. فاهلها مضطرون الى الاستراحة والاستعداد للسفر بعد السير الكثير والمسافة القليلة. وقد يؤسسون مركزا ثم، يبدوا لهم ما هو اوفق منه فينتقلون اليه. وبذلك تتقارب المراكز وتكثر.
وقد تحول بعض هذه المراكز من بعد الى مدن ذات فحوص واسعة أو ضيقة. وكثير منها سقط وعفا رسمه.