الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبما ان الحماية القرطاجنية لم تكن مصحوبة باحتلال عسكري يفرض على المحتمين طاعة الحامي، ويحمل لالحاقهم بمستعمراته- استطاع النوميديون طرد البونيقيين بعد من وطنهم والتمتع بالاستقلال والتنفس في هواء غير مشوب بجراثيم السيادة الاجنبية.
ولا يعلم تاريخ زوال السيادة القرطاجنية عن نوميديا بالضبط. ولكن من المحقق ان مدوروس كانت اواخر القرن الثالث (ق. م) تحت تصرف صيفاقس البربري. ومنذ سنة (149) ق. م لم تبق لقرطاجنة يد على نوميديا وجميع السواحل والشواطئ الجزائرية. ودخلت المدن الفينيقية بتلك الجهات في حوزة ملوك البربر وبقي لها اسمها الفينيقي الى ان خربت.
وهذا خلاف ما نراه في عصر المدنية الغربية من تغيير دولها لاسم بعض المدن التي استولت عليها، وابداله باسم عظيم من عظمائها قد يكون لم يدخل تلك المدينة المنسوبة اليه او لم يسمع بها فضلا عن ان يعمل بها عملا يبرر نسبتها اليه. اما تسمية الانهج والشوارع بهذا الوجه من التسمية فمن المألوف الذي ينبو الذهن عند مشاهدته عن التفكير في وجه المناسبة بين الاسم والمسمى. وهكذا يفعل الذين يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا.
5 - اللغة الفينيقية وخطها
سترى في الباب التالي تأثير الفينيقيين على البربر في اللغة فمن المناسب ان نقدم ههنا البحث عنها:
الفينيقيون أمة سامية، فلغتهم كذلك سامية، اخت العربية والمبرانية وبما انهم تجاريون لم تكن لغتهم اهة ادب وانما كانت لغة علم.
ولما انتقل الفينيقيون الى ليبية دخلت لغتهم مفردات من اللغة الليبية فازدادت ثروة، ولكنها تغيرت-طبعا- عن أصلها فلقيت بالبونيقية.
وقد اضمحل الفينيقيون وماتت من بعدهم لغتهم. وما بقي منها باللسان البربري دخلت عليه العربية من بعد فتعذر تمييزه.
ولكون هذه الأمة تجارية يلزمها ان تتعلم الكتابة والحساب، فتعلمت عن السريانيين الحساب وأخذت عن المصريين حروف الهجاء واستعملتها في لغتها بعد ما هذبتها وقربتها للفهم.
كانت الحروف المصرية فيها صعوبة من حيث ان منها ما يدل على كلمة، ومنها ما يدل على جزء كلمة، ومنها ما يدل على حرف واحد. وفيها حروف مختلفة المعنى متحدة المخرج. فازال الفينيقيون منها تلك الصعوبة وصيروها بسيطة سهلة التناول.
اختار الفينيقيون من الحروف المصرية اثنين وعشرين حرفا لكل حرف مخرج. ثم قلدهم فيها الاغريق فمن بعدهم من الامم. وقسموها الى حروف هجائية واشكال للضبط.
ولما دخل هذا الخط ليبية مع اصحابه ووجد امامه الخط الليبي تأثر به وتغير عن اصله فسمي الخط البونيقي.
وقد ألف بهذا الخط وتلك اللغة تآليف في الفلاحة والملاحة والاسفار منها رحلة حنون الذي ارتحل حول افريقية وبلغ شواطىء غينيا ومنها رحلة عملقون الذي بلغ سواحل انكلترا، ومنها كتاب ماغون في الفلاحة الذي اخذه اليونان والرومان الى لغتهم واعتمدوه خصوصا في تنمية النباتات بافريقية.
وللبونيقيين غير هذه الكتب بلغتهم وخطهم ضاعت بضياع ملكهم. ولم يبق منها الا نتف مترجمة ومبعثرة في كتب اللطينيين واكثرها ضاع