الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - الروم في أفريقية
كان يستنيان امبراطور القسطنطينية ينظر الى المملكة الغربية التي زال منها حكم الرومان نظر الوارث المستحق، ويتحين الفرص لاسترجاعها، وضمها إلى الامبراطورية الشرقية. فكان لذلك يتداخل في شؤون الوندال بأفريقية، وكان سروره عظيما يوم أعلن هلدريق سيادته بها، وكان كذلك استياء الوندال عظيما، أفضى الى اسقاط ملكهم واجلاس جلمير مكانه. وقد عجم يستنيان عود جلمير بالكتابة، فوجده صلبا. فاراد أن يهشمه بالكتيبة لا بالكتابة.
كان يستنيان في حرب مع الفرس دام أمدها خمس سنوات. ولما أجابه جلمير ذلك الجواب اصطلح مع الفرس على أن يؤدي لهم غرامة مبلغها أحد عشر مليونا من الفرنك، وأخذ يتهيأ لحرب الوندال.
اشترى يستنيان حرب الوندال بذلك الثمن. وانه لزهيد بالنظر لخيرات افريقية. ولكن وزراءه استصعبوا قبض متباعهم لبعده عن العاصمة وشجاعة حماته من الوندال. وكادوا يردونه عن عزمه. غير أن بعض أساقفة الارثذوكس الذين يودون انقاذ اخوانهم من الاضطهاد الوندالي شجعه على الغزو، وتنبأ له بالفوز والنصر. واتفق أن كانت طرابلس وصقلية ثائرتين على الوندال. وطلب رئيسا الثورة بهما اعانة هذا الامبراطور على أن يسهلا له طريق الاستيلاء على أفريقية. فزاد ذلك في نشاط يستنيان، ومضى على عزمه.
وكان من رجال البلاط الامبراطوري رجل يدعى بليسير، له نفوذ بالجيش. فاختاره الامبراطور لقيادة حرب أفريقية. وفوض له في اختيار الضباط. وصدر له الامر بركوب البحر.
في صائفة سنة (533) ركب بليسير البحر بجيش يشتمل على خمسة عشر الفا ثلثهم فرسان، في أسطول يتركب من خمسمائة سفينة. وركبت معه زوجه وكاتبه المؤرخ بروكوب. وحضر ركوبهم الامبراطور نفسه، وأحد الاساقفة، وزودهم بالدعاء.
سار الاسطول الى أن أرسى بصقلية. فنزل الجيش للاستراحة والتزود والاستعلام عن أحوال الوندال. وذهب بروكوب الى سرقوسة ليأتي مخدومه بارشادات. فعاد اليه يحمل هذه البيانات:
1 -
الجنود الوندالية بسردانيا تحارب عاملها الثائر.
2 -
جلمير نازل بالبيزاصين (جنوب تونس).
3 -
الوندال لا علم لهم بمجيء الجيش الرومي.
بعدئذ ارتحل بليسير بجيشه، وأرسى بخليج قابس في يوليه.
وأخذ يتنقل مع الساحل البحري، ففتح لبتيس وحضرموت. وارسل الى سراة الوندال باسم الامبراطور: اني لم آت محاربا للامة الوندالية. وانما جئت محاربا لشخص جلمير الذي اغتصب الملك من يد هلدريق!
ولما علم جلمير بنزول الروم بأفريقية جمع جموعه لحربهم. وكانت بين الفريقين معارك لم تفل من عزم جلمير وان كان وقعها عليه شديدا. وأخيرا ذهب الى جبل بابوة (PAPPUA)(1) فتلقاه أهله البربر بالترحاب، وادخلوه مدينتهم ميدينس (MIDENOS).
نزل بهذه المدينة طمعا في أن يجد سبيلا في الذهاب الى الاندلس. وارسل إلى ملك القوط بهاثوديس ليوجه له مراكب. فلباه. ولكن القدر أبى على جلمير الا أن يقع بيد أعدائه. فحوصر بتلك المدينة ثلاثة أشهر. ولما أيس من اللحاق بالاندلس طلب من
(1) اختلف في هذا الجبل: قيل هو جبل أيدوغ وقيل جبل الناطور.