الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما كانت تنطوي نفوسهم عليه من كراهية السلطة الاجنبية. ولذلك أعانوا فرموس وجلدون في ثورتهما، وكانت الحكومة دائما ضدهم. وأصدر الامبراطور هونريوس سنة (410) أوامر في التشديد عليهم، ولكثرتهم لم يستطع تنفيذها. ولما أعياه أمرهم أمر باجتماع شيوخ الدين سنة (411) فانعقد المجلس بقرطاجنة، وحضره من اساقفة الكاثوليك والدونتيس 286 فحكم رئيس الجلسة على الدونتيسيين ولكنهم لم يحفلوا بذلك الحكم. فأصدر الامبراطور أمره بالتشديد عليهم وسلب حقوقهم والتضييق على حريتهم.
قال مؤرخ المسيحية بأفريقية الاب مسناج: "لما عجز البربر عن طرد الرومان من وطنهم اكتفوا باظهار الكراهية لهم. فامتنعوا من لغتهم ومذهبهم. فان شعبا لا يتعلم لغة المستولي عيه يعد ثائرا خصوصا إذا أضاف إلى ذلك مخالفته له في المعتقد. ويقول بعض المؤرخين: ان البربر ما دخلوا أولا في المسيحمة الا لكون الرومان وثنيين. فلما أقبل الرومان عليها خالفهم البربر وأسسوا لانفسهم مذهبا جديدا".
20 - المسيحية والوثنية بالجزائر
لم تتجارز المسيحية بالجزائر حدود المملكة الروماية، ولم تنتشر داخل تلك الحدود الا على نسبة انتشار اللطينية، فكانت الاغلبية للوثنية، وما كان من كثرة الاساقفة ومراكزها بمدن نوميديا وموريطانيا فانما نشأ عن تنافس حزبي الكنيسة لا عن كثرة اتباع المسيحية.
وقد رأيت أن مذهب دونتوس هو مذهب الاغلبية المسيحية بالجزائر وذلك لانه مذهب ظاهره ديني وباطنه سياسي يؤيد السيادة الوطنية. ومن ههنا كانت كراهية أتباعه للارثذوكس الذين ينصرون الرومان ويؤيدون السيادة الاجنبية.
ولان غاية اتباع دونتوس سياسية لم يتمكن الدين من تحويل طبائعهم وعاداتهم وعباداتهم. وكذلك كثير من الارثذوكس لم يكن الدين ليفضي الى قلوبهم. وقد كان القديس أغسطين يخطب في المسيحيين ويرشدهم الى المسيحية الصرفة. قال الاب مسناج: "اذ كان في عصره أكثر المسيحيين لم تزل بين جنوبهم عقائد وثنية: يأتون الكنائس ويعبدون فيها آلهة وثنية، ويذهبون أيضا إلى الهياكل الوثنية" - وقال أيضا: "فجر القرن الخامس هو أزهر عصر للديانة المسيحية بافريقية، ومع ذلك فانه لم يصل الى قلوب معتنقيه من البربر، وانما كان شعارا ظاهريا، وفي حقيقة الامر لم يزالوا على وثنيتهم".
وكان عصر قسطنطين عصر الحرية الدينية فارتفعت عن المسيحية الاضطهادات وصار كل من المسيحيين والوثنيين يأتون أعمالهم بحرية تامة. ثم تأثرت المسيحية من الوثنية وأصبحت تضطهدها: في عصر قسطنط سنة (341) منعت القرابين، وفي أيامه أيضا سنة (346) أغلقت الهياكل الوثنية وشدد في منع القرابين حتى هدد فاعلها بالقتل. وفي سنة (380) لم يعترف امبراطور رومة غراطيانس بشيخ الديانة الوثنية. ثم صادر سنة (382) املاك الهياكل، ونزع لشيوخ الوثنية امتيازهم، وأزال من مجلس الشيوخ تمثال الهة النصر.
وفي سنة (399) أمر هنوريوس بابطال عبادة الاصنام وهدم معابدها. وامتعض الوثنيون- وكانوا كثيرين- لهذا الامر.
ولم تجد الوثنية حريتها الا في زمن يوليانس المرتد (361 - 363).
كان هذا الامبراطور قد تعلم بأثينا. وبعد امبراطوريته فتح داره للحكماء والفلاسفة، فنبذ المسيحية، وبذلك سمي المرتد، ومنح الوثنيين حريتهم. واشتد على المسيحيين لانهم كانوا في نصرة خصمه قسطنطيوس ما عدا الدونتسيين.