الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتَابُ الوَصَايَا
الوصايا: جمع وصية مثل هدايا: جع هدية. قال الأزهري: مأخوذة من" وصيتُ الشيء أصِيه " إذا وصلته. سميت وصية لأن الموصي وصل ما كان له في حياته بما كان بعد مماته. ويقال: وصّى- بالتشديد- وأوصى يوصى أيضاً. وهي- لغة- الأمر قال الله تعالى: {وَوَصّى بها إبراهِيمُ بَنيهِ وَيَعْقُوبُ} .
وشرعاً: عهد خاص بالتصرف بالمال، أو التبرع به بعد الموت.
وهى مشروعة بالكتاب، لقوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيكم إذَا حَضَرَ أحَدَكُم المَوتُ إن تَرَكَ خَيْراً الوَصِيّة} .
ومشروعة بالسنة لهذه الأحاديث الآتية وإجماع المسلمين في جميع الأعصار والأمصار.
وهى من محاسن الإسلام، إذ جعل لصاحب المال جزءاً من ماله، يعود عليه ثوابه وأجره بعد موته.
وهي من لطف الله بعباده ورحمته بهم، حينما أباح لهم من أموالهم عند خروجهم من الدنيا أن يتزودوا لآخرتهم بنصيب منها.
لهذا جاء في بعض الأحاديث القُدسيةِ قول الله تعالى: " يا ابن آدم جعلت لك نصيباً من مالك حين أخذت بكظمك (1) لأطهِّرَكَ به وأزكِّيَكَ ".
الحديث الأول
عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَاحَق امرئ مسلم لَهُ شَيء يُوصي بهِ، يَبِيتُ لَيلَة أو لَيلَتَين إلا وَوَصيتهُ مَكْتُوبَة عنده ".
زاد " مسلم " قال ابن عمر: فَوَ الله مَا مَرتْ عَلَي لَيلَة مُنْذُ سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ ذلِكَ إلا وعندي وَصِيتي.
المعنى الإجمالي:
يحض الني صلى الله عليه وسلم أمته على المبادرة إلى فعل الخير واغتنام الفرصة قبل فواتها، فأفادهم أنه ليس من الحق والصواب والحزم لمن عنده شيء يريد أن يوصي به ويبينه، أن يهمله حتى تمضى عليه المدة الطويلة.
بل يبادر إلى كتابته وبيانه، وغاية ما يسامح فيه الليلة والليلتان.
فإن المبادرة إلى ذلك، من المسابقة إلى الخيرات والأخذ بالحزم.
(1) الكظم: مخرج النفس من الحلق ويريد: عند خروج نفسه وانقطاع نفسه.
فإن الإنسان لا يدري ما مقامه في هذه الحياة؟ كما أن فيه امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولذا فإن ابن عمر رضي الله عنهما بعد أن سمع هذه النصيحة النبوية- كان يتعاهد وصيته كل ليلة، امتثالا لأمر الشارع، وبيانا للحق، وتأهبا للنقلة إلى دار القرار.
ما يستفاد من الحديث:
1-
مشروعية الوصية وعليها إجماع العلماء، وعمدة الإجماع، الكتاب والسنة
2-
أنها قسمان: أ- مستحب ب- وواجب.
فالمستحب، ما كان للتطوعات والقربات.
والواجب في الحقوق الواجبة، التي ليس بينة تثبتها بعد وفاته لأن " ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب ". وذكر ابن دقيق العيد أن هذا الحديث محمول على النوع الواجب.
3-
مشروعية المبادرة إليها، بيانا لها، وامتثالا لأمر الشارع فيها، واستعداداً للموت. وتبصُّراً بها وبمصرفها، قبل أن يشغله عنها شاغل.
4-
أن الكتابة المعروفة تكفى لإثبات الوصية والعمل بها، لأنه لم يذكر شهوداً لها.
والخط إذا عرف، بينة ووثيقة قوية.
5-
فضل ابن عمر رضي الله عنه، ومبادرته إلى فعل الخير، واتباع الشارع الحكيم.
6-
قال ابن دقيق العيد: والترخيص في الليلتين والثلاث دفع للحرج والعسر.
الحديث الثاني
عَنْ سَعْدِ بنِ أبي وَقاص رضي الله عنه قَال جَاءَني رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُودُني- عَامَ حَجةِ الوَدَاع منْ وَجَع اشْتَد بي.
فَقُلْتُْ: يَا رسول الله، قَدْ بَلَغَ بي مِن الوَجَعِ مَا تَرى، وَأنَا ذو مال، وَلا يَرِثُني إلا ابنة، أفَأتَصَدق بثُلُثَي مالي؟
قَالَ: " لا " قلْتُ: فَالشطْرُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: " لا "
قُلْتُ: فَالثلُثُ؟.
قَالَ: " الثُّلُثُ " وَالثلثُ كَثِير. إنَكَ أنْ تَذَرَْ وَرَثَتَكَ أغْنِيَاءٍ خَير مِنْ أن تَترَكهُم عَالَةً يَتَكَففُونَ النَّاسَ، وَإنكَ لن تُنْفِقَ نَفَقَة تَبتَغِي بهَا وَجْهَ الله إلا أجرت بِهَا، حَتى مَا تَجْعَلُ في فيّ امْرَأتِكَ ".
قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رسول الله اخَلفُ بَعْدَ أصْحَابي؟
قَالَ: " إنَكَ لَئنْ تخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلا تَبْتَغِي بِهِ وجْهَ الله إلا ازْدَدتَ بِهِ درَجَة وَرفعَةً، وَلَعَلًكَ أن تُخَلَّفَ حتَى ينتَفِعَ
بِكَ أقْوَام وَيُضَر بكَ آخَرُونَ. اللهُم أمْض لأصْحَابي هِجْرَتَهُمُ، وَلا تَرُدهُم عَلَى أعقابهم لكِنَّ البَائسَ سَعدُ بنُ خَوْلَةَ " يَرثي لَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ مَاتَ بِمَكةَ.
الغريب:
الشطر: يجوز جره بالعطف على " ثلثي " وبين الزمخشري أنه يجوز نصبه على تقدير فعل محذوف هو عامل نصبه أي " أعين " ويطلق على معان، منها النصف وهو المراد هنا.
كثير: بالثاء المثلثة في أكثر روايات الحديث وهو المحفوظ.
أن تذر: بفتح الهمزة على التعليل، وبكسرها على الشرطية. قال النووي: هما صحيحان، ورد بعضهم الكسر لعدم صلاحية " خير " جواباً، إذ لا فاء فيها. وابن مالك يرى أن " خير " هي الجواب، والفاء مقدرة. والمعنى فهو خير.
عالة: جمع " عائل " و " العالة " الفقراء من " عال يعيل " إذا افتقر. " والعيلة " الفقر.
يتكففون الناس: مأخوذ من الكف " اليد " أي يسألون الناس بأكفهم.
سعد ابن خولة: نسب إلى أمه وهو قريشي عامري من جماعة أبي عبيدة ابن الجراح. وقيل: فارسي من اليمن حالف بني عامر. بدري من فضلاء الصحابة توفى بمكة في حجة الوداع، كانت تحته سبيعة بنت الحارث، فتوفي عنها وهي حامل. وقد رثى له النبي صلى الله عليه وسلم لأنه توفي في البلد التي هاجر منها، فدعا صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن يتم لهم هجرتهم.
المعنى الإجمالي:
مرض سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه في حجة الوداع مرضاً شديداً خاف من شدته الموت.
فعاده النبي صلى الله عليه وسلم كعادته في تفقد أصحابه ومواساته إياهم.
فذكر سعد للنبي صلى الله عليه وسلم من الدواعي، ما يعتقد أنها تسوغ له التصدق بالكثير من ماله.