المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في شيء من مكروهات الصلاة - تيسير العلام شرح عمدة الأحكام

[عبد الله البسام]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌النية وأحكامها

- ‌بَاب دخول الخلاءَ والاستِطَابة

- ‌بَابُ السّوَاك

- ‌بَاب المسْح عَلى الخفّين

- ‌بَاب في المذي وغَيره

- ‌بَاب الغُسْل مِنَ الجنَابة

- ‌بَابُ التيمّم

- ‌بَابُ الحَيْض

- ‌باب حكم المستحاضة

- ‌كِتَابُ الصلاة

- ‌بَابُ المَواقِيت

- ‌بَاب في شيء مِن مَكرُوهَات الصَّلاة

- ‌باب فضْل صَلاة الجماعَةِ وَوجوبها

- ‌بَابُ حضُور النساء المسْجِد

- ‌بَابُ سنَن الراتبة

- ‌بَابُ الآذَان والإقامة

- ‌بَاب استقبال القبْلَة

- ‌بَابُ الصّفُوف

- ‌بَابُ الإمَامَة

- ‌بَابُ صفَة صَلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ وجُوب الطّمَأنينة في الركوع والسجود

- ‌بَابُ القِراءَة في الصَّلاة

- ‌بَابُ سُجُود السَهْو

- ‌بَابُ المرُور بَيْن يَدَي المصَلّي

- ‌بَابٌ جَامع

- ‌بَابُ تحيَّة المسْجِد

- ‌بَابُ النّهي عَن الكَلام في الصَّلاة

- ‌بَابُ الإبراد في الظهر من شدّة الحَر

- ‌بَابُ قضَاء الصَّلاة الفائتة وتعجيلها

- ‌باَب حكم ستر أحد العَاتقين في الصلاة

- ‌بَاب ما جَاء في الثوم والبصل ونحوهما

- ‌بَابُ التشهد

- ‌بَابُ كَيفية الصَّلَاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ الدّعاء بعد التشهد الأخير

- ‌بَابُ الوِتر

- ‌بَابُ الذكر عَقب الصَّلاة

- ‌بَابُ الخشُوع في الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الجَمْع بين الصلاتين في السفر

- ‌بَابُ قصْر الصَّلاة في السفر

- ‌بَابُ الجُمعَة

- ‌بَابُ صَلَاةِ العيدَين

- ‌بَابُ صَلَاة الكسوف

- ‌بَابُ الاستِسقَاء

- ‌بَابُ صَلَاة الخوف

- ‌كِتاب الجَنَائز

- ‌بَابٌ في الصَّلَاة على الغائب وعلى القبر

- ‌بَابٌ في الكفن

- ‌بَاب في صفة تغسيل الميّت وتشييع الجنازة

- ‌بَابٌ في مَوقِف الإمام من الميت

- ‌‌‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌كتاب الزكاة

- ‌بَابُ صدقة الفِطر

- ‌كِتاب الصيَام

- ‌بَاب الصَّوم في السَّفر

- ‌بَابُ أفضَل الصِّيامِ وَغَيرِه

- ‌بَابُ لَيلَة القَدْرِ

- ‌بَاب الاعتِكَاف

- ‌كِتَابِ الحَجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌بَابُ مَا يَلبسُه المحْرم من الثياب

- ‌بَابُ التلبيَة

- ‌بَاب سَفر المَرأة بدُون محْرم

- ‌بَاب الفِديَة

- ‌بَابُ حرمَة مَكة

- ‌بَابُ مَا يجُوز قَتْله

- ‌بَاب دُخول مَكةَ والبيت

- ‌بَابُ الطَّواف وأدَبه

- ‌بَابُ التمتّع

- ‌بَابُ الهَدْي

- ‌بَابُ الغسْل لِلمُحرم

- ‌بَابُ فَسخ الحَج إلى العمْرة

- ‌باب حكم تقديم الرمي

- ‌باب كيف ترمى جمرة العقبة

- ‌باب فضل الحلق وجواز التقصير

- ‌باب طواف الإفاضة والوداع

- ‌باب وجوب المبيت بمنى

- ‌باب جمع المغرب والعشاء في مزدلفة

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌كِتَابُ البيوع

- ‌بَابُ مَا نهى الله عنه من البيوع

- ‌باب النهي عن بيع الثمرة

- ‌باَب الْعرَايا

- ‌باب بيع النخل بعد التأبير

- ‌بَابُ نهي المشتري عن بيع الطعام قبل قبضه

- ‌بَابُ تحْريم بَيْع الخبائث

- ‌بابُ السَّلَم

- ‌بَابُ الشروط في البَيْع

- ‌بَابُ الرِّبا والصَّرْف

- ‌بَابُ الرَّهن

- ‌بَابُ الحَوَالة

- ‌بَابُ مَنْ وَجَد سلْعَته عند رجل قد أفلس

- ‌باَبُ الشفعَة

- ‌بَابُ أحْكام الجوَار

- ‌بَابُ الغصْبِ

- ‌بَابُ المساقاة والمزارعة

- ‌بَاب في جَواز كراء الأرض بالشيء المعْلوم

- ‌بَابُ الوَقف

- ‌باَبُ الهِبَة

- ‌بَابُ العَدل بَيْن الأولاد في العطِية

- ‌بَابُ هِبَة العمرى

- ‌باَبُ اللُّقَطَة

- ‌كتَابُ الوَصَايَا

- ‌‌‌بَاب الفرائض

- ‌بَاب الفرائض

- ‌كِتَاب الّنَكَاح

- ‌باب المحرمات من النكاح

- ‌بَابُ الشروط في النكاح

- ‌بَابُ ما جاء في الاستئمار وَالاستئذان

- ‌بَابُ لا ينكح مطَلقته ثَلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌باَبُ عشرَة النسَاء

- ‌بَابُ النّهي عن الخلْوَة بِالأجنبية

- ‌بَابُ الصَّدَاق

- ‌كتاب الطلاق

- ‌بَابُ العِدَّة

- ‌بَابُ تحريم إحداد المَرْأة أكثر من ثلاثة إلا على زوج

- ‌بَابُ مَا تجتنبه الحَاد

- ‌كِتَابُ اللِّعَان

- ‌بَابُ لحَاق النَّسب

- ‌كتاب الرَّضَاع

- ‌كِتَابُ القِصَاص

- ‌كتابُ الحُدُود

- ‌باب حدِّ السَّرقة

- ‌باب في إنكار الشفاعة في الحدود

- ‌بَابُ حد الخمْر

- ‌بَابُ التعزير

- ‌كِتاب الأيمَان والنذور

- ‌بَابُ النَّذر

- ‌‌‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ الأطعمة

- ‌بَابُ الصَّيْد

- ‌بَابُ الأضاحي

- ‌كتاب الأشربة

- ‌كِتابُ اللبَاس

- ‌كِتابُ الجِهَاد

- ‌كِتابُ العِتق

- ‌بَابُ بَيْع المدبَّر

الفصل: ‌باب في شيء من مكروهات الصلاة

‌بَاب في شيء مِن مَكرُوهَات الصَّلاة

(1)

المكروه عند الأصوليين، هو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله.

ومكروهات الصلاة أشياء تخل بكمالها ولا تبطلها، وهي كثيرة ذكر المؤلف منها ما يتضمنه هذان الحديثان.

الحديث الأول

عن عَائِشَةَ رضي الله عنها عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا أقيمت الصلاة وَحَضَرَ العشَاءُ فَابْدَأوا بِالعشَاءِ" وعن ابن عمر، نحوه.

المعنى الإجمالي:

يطلب في الصلاة الخشوع والخضوع وحضور القلب، لأن ذلك هو روح الصلاة، وبحسب وجود هذا المعنى، يكون تمام الصلاة أو نقصها.

فإذا أقيمت الصلاة، والطعام أو الشراب حاضر، فينبغي البداءة بالأكل والشرب حتى تنكسر نهمة المصلي، ولا يتعلق ذهنه به، وكيلا ينصرف قلبه عن الخشوع الذي هو لبُّ الصلاة، هذا ما لم يضق عليه الوقت.

فإن ضاق، فحينئذ يقدم الصلاة في وقتها على كل شيء، لأن المستحب لا يزاحم الواجب.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

أن الطعام والشراب إذا حضرا وقت الصلاة، قدما عليها مالم يضق وقتها فتقدم على أية حال.

2-

ظاهر الحديث: سواء أكان محتاجا للطعام أم غير محتاج.

لكن قيده كثير من العلماء بالحاجة، وأخذا من العلة التي فهموها من مقصد الشارع.

3-

أن حضور الطعام للمحتاج إليه عذر في ترك الجماعة، على أن لا يجعل وقت الطعام هو وقت الصلاة دائما وعادة مستمرة.

4-

أن الخشوع وترك الشواغل مطلوب في الصلاة ليحضر القلب للمناجاة.

(1) هذه ترجمة وضعتها لأن هذين موضوع مستقل، يحسن إفراده - شارح.

ص: 95

الحديث الثاني ولمُسلِمٍ عَنْ عَائِشَة رضي الله عنها قَالتْ: سَمِعتُ رَسول الله صلى الله عليه يَقولُ: "لا صَلاة بِحَضْرَةِ الطعَام، ولا وَهُوَ يدَافِعُهُ الأخبَثَان "

المعنى الإجمالي: تقدم في الحديث السابق ذكر رغبة الشارع الأكيدة في حضور القلب في الصلاة بين يدي ربه، ولا يكون ذلك إلا بقطع الشواغل، التي يسبب وجودها عدم الطمأنينة والخشوع.

لهذا، فإن الشارع ينهي عن الصلاة بحضور الطعام الذي نفس المصلي تتوق إليه، وقلبه متعلق به.

وكذلك ينهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين، اللذين هما البول والغائط، لأن صلاة الحاقن أو الحاقب (1) غير تامة، لانشغال خاطره بمدافعة الأذى.

اختلاف العلماء:

أخذ بظاهر الحديث " الظاهرية " وشيخ الإسلام " ابن تيمية ".

فلم يصححوا الصلاة مع وجود الطعام، ولا مع مدافعة أحد الأخبثين، وَعَدوا الصلاة باطلة.

إلا أن شيخ الإسلام لم يصححها مع الحاجة إلى الطعام.

" الظاهرية " شذوا، فلم يصححوها مطلقاً.

وذهب جمهور العلماء إلى صحة الصلاة مع كراهتها على هذه الحال.

وقالوا: إن نَفْى الصلاة في هذا الحديث، نَفيٌ لكمالها، لا لصحتها.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

كراهة الصلاة عند حضور الطعام المحتاج إليه، وفي حال مدافعة الأخبثين، ما لم يضق الوقت فتقدم مطلقاً.

2-

أن حضور القلب والخضوع مطلوبان في الصلاة.

3-

ينبغي للمصلى إبعاد كل ما يشغله في صلاته.

4-

أن الحاجة إلى الطعام أو الشراب أو التبول أو التغوط كل أولئك عذر في ترك الجمعة والجماعة، بشرط ألا يجعل أوقات الصلوات مواعيد لما ذكر ما هو في مقدور الإنسان منها.

(1) الحاقنْ من احتَبس بوله والحاقب من احتبس غائطه.

ص: 96

5-

قال الصنعاني واعلم أن هذا ليس في باب تقديم حق العبد على حق الله تعالى، بل هو صيانة لحق البارئ، لئلا يدخل في عبادته بقلب غير مقبل على مناجاته.

6-

فسر بعضهم الخشوع بأنه مجموع من الخوف والسكون، فهو معنى يقوم في النفس يظهر منه سكون في الأعضاء يلائم مقصود العبادة.

فائدة:

قال العلماء: الصلاة مناجاة الله تعالى، فكيف تكون مع الغفلة! وقد أجمع العلماء على أنه ليس للعبد إلا ما عقل منها، لقوله تعالى:" وأقم الصلاة لذكري " وقوله " ولا تكن من الغافلين" ولما رواه أبو داود والنسائي وابن حبان مرفرعا: " إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له، عشرها ولا سدسها " فالصلاة إنما فرضت لإقامة ذكر الله، فإن لم يكن في قلب المصلي تعظيم وهيبة له نقصت قيمة الصلاة. وحضور القلب هو تفريغه من كل ما هو ملابس له، فيقترن إذ ذلك العلم والعمل، ولا يجري الفكر في غيرهِما. وغفلة القلب في الصلاة عن المناجاة مالها سبب إلا الخواطر الناشئة عن حب الدنيا.

ص: 97

بَاب أوقات (1) النَّهي

حظرت الصلاة في أوقات معينة لِحكَمٍ يعلمها الشارع، كالابتعاد عن مشابهة الكفار في وقت عبادتهم.

وأوقات النهي ثلاثة:

الأول: من صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس عن الأرض قَيد رمح.

الثاني: حين تبلغ الشمس نهايتها في الارتِفاع، حتى تبدأ في الزوال.

الثالث: من صلاة العصر إلى الغروب.

الحديث الأول

عن عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما قَال " شَهدَ عِنْدي رِجَال مَرْضيونَ وأرْضَاهُمْا عِنْدِي عُمَرُ: أن رَسُوَل الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الصلاةِ بَعْدَ الصبحِ حَتى تَطْلُع الشمس، وبَعْدَ العصر حَتًى تَغْرُبَ ". وما في معناه من الحديث.

الحديث الثاني

عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِي رضي الله عنه عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَاَل: " لا صَلاةَ بَعدَ الصّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشمس، وَلا صلَاةَ (2) بَعْدَ العصْرِ حَتَى تَغِيبَ الشمسُ".

قال المصنف: وفى الباب عن على بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي هريرة، وسمرة بن جندب، وسلمة بن الأكوع، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وكعب بن مرة، وأبي أمامة الباهلي، وعمرو بن عَبَسَةَ السُلمِّي، وعائشة رضي الله عنهم والصُّنابحى، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فحديثه مُرْسل.

(1) هذا الباب من وضعي، جعلته لكون أحاديثه بحثاً مستقلاً.

(2)

هذا اللفظ للبخاري وأما لفظ "مسلم " فهو بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس. ورواية البخاري محمولة على هذه، فلو ذكر المصنف رواية مسلم، لكان أولى.

ليست أحاديث كل هؤلاء في الصحيحين، كما قد وهم المصنف، فقد اتفقا عل حديث ابن عمر وأبي هريرة، وانفرد مسلم بحديث عائشة وعمرو بن عبسة، وأخرج الطبراني أحاديث ابن العاص وكعب بن مرة، وأخرج الطحاوي حديث سمرة.

ص: 98

المعنى الإجمالي:

في هذين الحديثين، النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تشرق الشمس وترتفع في نظر العين قدر طول رمح. (أي ما يقرب من ثلاثة أمتار) .

ونهى أيضا عن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس لأن في الصلاة في هذين الوقتين تشبهاً بالمشركين الذين يعبدونها عند طلوعها وغروبها وقد نهينا عن مشابهتهم في عباداتهم، لأن من تشبه بقوم فهو منهم.

اختلاف العلماء:

اختلفت العلماء في الصلاة في هذه الأوقات:

فذهب جمهور العلماء: إلى أنها مكروهة، مستدلين بهذه الأحاديث الصحيحة وغيرها.

وذهبت الظاهرية إلى إباحة الصلاة فيها. أجابوا عن أحاديث النهي بأنها منسوخة.

وكل الأحاديث التي زعموها ناسخة جعلهما العلماء من باب حمْل المطلق على المقيد، أو بناء الخاص على العام.

ولا يعدل إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، وهو- هنا- ممكن بسهولة.

ثم اختلفوا: ما هي الصلاة المنهي عنها في هذه الأوقات؟.

فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنها جميع التطوعات، ماعدا ركعتي الطواف، مستدلين بعموم النهى الوارد في الأحاديث.

ومذهب الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام "ابن تيمية" وجماعة من أصحابنا، إلى أنها النوافل المطلقة عن الأسباب أما الصلوات ذوات الأسباب كتحية المسجد لداخله، وركعتي الوضوء فجائزة عند وجود سببها في أي وقت.

ودليلهم على ذلك الأحاديث الخاصة لهذه الصلوات فإنها مخصصة لأحاديث النهي العامة.

وبهذا القول تجَتمع الأدلة كلها، ويعمل بكل من أحاديث الجانبين.

ثم اختلفوا: هل يبدأ النَّهْيُ في الصبح، من طلوع الفجر الثاني أو صلاة الصبح؟.

فذهب الحنفية إلى أنه يبدأ من طلوع الفجر، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، مستدلين على ذلك بأحاديث:

منها: ما رواه أصحاب السنن الأربعة عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا

ص: 99

صلاة بعد الفجر إلا سجدتين".

فإنه يدل على تحريم النافلة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر، لأن المراد من النفي، النَّهْىُ.

وذهب كثير من العلماء إلى أن النهى يبتدئ من صلاة الفجر، لا من طلوع الفجر. واستدلوا على ذلك بأحاديث.

منها ما رواه البخاريِ عن أبي سعيد " لا صَلاةَ بَعْدَ صلاةِ اْلفَجْرِ حَتَّى تَطْلُع الشمس".

وبما رواه البخاري أيضاً عن عمر بن الخطاب: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الصبح حَتَّى تَطْلُعَ الشمس " وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة الصحيحة.

وما استدل به الأولون، فيه مقال، وهو لا يقاوم مثل هذه الأحاديث.

ما يؤخذ من الحديثين:

1-

النهي عن نوافل الصلاة المطلقة، بعد صلاة الصبح، حتى تشرق الشمس وترتفع ما يقرب من ثلاثة أمتار.

2-

النهى عن نوافل الصلاة المطلقة بعد صلاة العصر، حتى تغيب الشمس.

3-

يؤخذ من حديث أبي سعيد " لا صلاة بعد صلاة الفجر " أن النفي هنا للجنس وهذا مقتضى اللغة، لكن صيغة النفي إذا دخلت على الفعل في ألفاظ الشارع فالأولى حملها على نفي الفعل الشرعي، لأن جنس الصلاة لا يمكن نفيه، فالشارع يطلق ألفاظه على عرفه وهو الشرعي.

4-

فهم من بعض الأحاديث أن علة الِنهي هي خشية مشابهة الكفار، فيؤخذ من هذا تحريم التشبه بهم وتقليدهم في عباداتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم.

فائدة:

المؤلف لم يتعرض للثالث من أوقات النهي مع ثبوته في الأحاديث وهو وقت ضئيل قليل، يبتدئ حين تنتهي الشمس بالارتفاع، حتى تزول. وقد ثبت تحريم الصلاة فيه بأحاديث.

منها ما رواه مسلم عن عقبة بن عامر " ثَلاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نُصَلّىَ فِيهنَّ، وَأن نَقبُرَ فِيهنَّ مَوْتَانَا- إحداها: حِينَ يَقُومُ قائِمُ الظَّهِيرَةِ ".

ومنها: ما رواه مسلم أيضاً عن عمرو بن عَبَسَة، ومنه "ثُمَّ صَلّ

ص: 100

حَتى يَستقل الظل بِالرمْح، ثم أقصِرْ عَنِ الصّلاة، فَإنَه حينَئِذِ تُسْجَرُ جَهَنم".

فائدة ثانية:

كثير من أحكام الشريعة، بنيت على البعد عن مشابهة المشركين لأن في تقليدهم والتشبه بهم تأثيرًا على النفس، يتدرج ويمتد حتى يصل إلى

استحسان أعمالهم، واحتذائهم فيها، حتى يزول ما للمسلمين من عزة، ووحدة، واستقلال، ويصبحوا تبعا لهم، قد ذابت شخصيتهم ومعنويتهم فيهم، وبهذا يدالون على المسلمين.

والإسلام يريد من المسلمين العزة والوحدة، في عباداتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، وأحوالهم: ويريد منهم أن يكونوا أمة مستقلة، لها صفتها الخاصة، وميزتها المعروفة.

ومع الأسف الشديد، نجد المسلين في عصرنا يجرون خلفهم بلا روية ولا بصيرة.

وكل ما ورد من الغرب فهو الحسن، وكل عمل يأتونه فهو الجميل، ولو خالف الدين، والخلق. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

اللهم أيقظ المسلمين من رقدتهم ونبههم من غفلتهم، واجمع على الحق والهدى كلمتهم. إنك سميع مجيب.

وليس المراد أن لا نتعلم ما علموه من صناعة واختراع، فهذه علوم مشاعة لكل أحد، ونحن أولى بها منهم، لأننا- حين نتعلمها- نستعملها فيما يأمر به ديننا من استتباب الأمن والسلام، وإسعاد البشرية.

أما كونها بأيدي طغاة مستعمرين، فستكون أداة تخريب ودمار للعالم.

ص: 101

بَابُ قضَاء الفوائت (1) وترتيبها

عَن جَابر بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنهما: أنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشمس فَجَعَل يَسُبّ كُفَّارَ قُرَيْش، وَقَالَ: يَا رسول الله، مَا كِدتُ أصَلي العَصر حَتَّى كَادَتِ الشمسْ تَغْرُبُ.

فَقَاَل النَبيُّ صلى الله عليه وسلم: " والله مَا صَليْتُهَا ".

قَالَ: فَقُمْنَا إِلى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأ للصّلاةَ وتوضأنا لَهَا، فصَلّى العَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمس، ثُم صَلّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ.

غريب الحديث:

1-

"يوم الخندق": هو غزوة الأحزاب التي قدم فيها كفار قريش مع قبائل من نجد فحاصروا المدينة.

2-

"ما كدت": بكسر الكاف و " كاد " من أفعال المقاربة، ومعناها، قرب حصول الشيء الذي لم يحصل.

3-

"غربت": قال الزركشي بفتح الراء. وعدّ ضمها خطأ.

والمعنى -هنا- ما صليت العصر حتى قربت الشمس من الغروب.

4-

"بُطْحان": بضم الباء وسكون الطاء، وادٍ بالمدينة.

المعنى الإجمالي:

جاء عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم " الخندق " بعد أن غربت الشمس وهو يسب كفار قريشا، لأنهم شغلوه عن صلاة العصر فلم يصلها حتى قربت الشمس من الغروب.

فأقسم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق- أنه لم يصلها حتى الآن تطميناً لـ ". عمر " الذي شقَّ عليه الأمر.

ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم، فتوضأ وتوضأ معه الصحابة، فصلى العصر بعد أن غربت الشمس، وبعد صلاة العصر، صلى المغرب.

(1) أنا الذي وضعت هذه الترجمة، لأن مناسبتها ظاهرة. وضع التراجم يساعد على فهم الحديث، ويبين المراد منه ا. هـ. المصنف.

ص: 102

ما يؤخذ من الحديث:

1-

وجوب قضاء الفوائت من الصلوات الخمس.

2-

الظاهر أن تأخيرها في هذه القضية ليس نسيانا، وإنما هو عمد، ولكن هذا قبل أن تشرع صلاة الخوف كما رجحه العلماء.

3-

فيه دليل على تقديم الغائبة على الحاضرة في القضاء ما لم يضق وقت الحاضر فعند ذلك تقدم كيلا تكثر الفوائت.

4-

جوز الدعاء على الظالم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك.

5-

مشروعية تهوين المصائب على المصابين.

ص: 103