الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا قول وسط في الموضوع، وفيه توسعة على الناس، الذين اضطروا إلى التعامل بها، كما أن فيه أيضا سدا لباب ربا النسيئة، الذي هو أعظم أنواع الربا.
وبسط الموضوع يحتاج إلى بحث مستقل، لأنه حصل بها مجادلات طويلة.
ولشيخنا " عبد الرحمنٍ بن ناصر آل سعدي " رسالة في هذا البحث، نشرت في الصحف، ونشرت أيضا وحدها برسالة مستقلة، وهو يرجح القول الأخير.
بَابُ الرَّهن
(1)
الرهن: بفتح الراء وسكون الهاء، وهو، لغة: - الثبوت والدوام.
فأخذ معناه الشرعي من هذا، لبقائه واستقراره عند المرتهن.
"تعريفه شرعا: جَعْلُ مال، توثقةً، بدين يستوفى منه، أو من ثمنه، إن تعذر الاستيفاء من ذمة الغريم.
وهو جائز بالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس الصحيح.
أما الكتاب فقوله تعالى: {إِنْ كنْتُمْ عَلَى سَفَر ولَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فِرِهَان مَقْبوضَةٌ} .
"أما السنة، فكثيرة، ومنها ما في البخاري عن أنس قال: " ولقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه بشعير " وفيها حديث الباب، وغيرهما كثير.
وأجمع المسلمون على جوازه، وإن اختلفوا في بعض مسائله.
كما أن الحاجة داعية إليه في كثير من المعاملات، إذ به يحصل التوثقة والاستيفاء..
أما فائدته، فكبيرة. لأنه من الوثائق التي يحصل منها الاستيفاء عند تعذر ذلك من الذٌمم، ويؤمن به من غدر المدين، ويحصل به الاطمئنان للدائن من مدينه.
وأكمل التوثق إذا قبض الرهن عند المرتهن، أو العدل الذي يرضى الراهن والمرتهن بقاءه بيده.
فإن لم يحصل قبضه، فالرهن صحيح لازم، ولكنه ناقص الفائدة، قليل الثمرة.
وقد أرشد الله إلى أكمل الحالات وأوثقها فقال: {فَرِهَان مقبوضة} .
(1) لترجمة التي وضعها المصنف " باب الرهن وغيره " ويشير بلفظ "غيره " إلى عدة أبواب من أبواب الفقه، ذكر لكل باب منها حديث أو حديثين.
فمنها " الحوالة " و " الإفلاس " و " الشفعة "، فهو لم يعقد ترجمة من هنا إلى أن وصل إلى أحكام " اللقطة " فوضع لها ترجمة.
فرأيت تفصيل هذه المباحث، وتبين أحكام أحاديثها، بوضع تراجم، تعين على البيان والفهم وفقنا الله جميعا لكل خير. ا. هـ شارح
الحديث الأول
عَنْ عَاِئشةَ رَضىٍ الله عَنْها: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى مِنْ يَهُوِدي طَعَاماً، وَرَهَنَهُ دِرْعا مِنْ حَدِيدٍ.
المعنى الإجمالي:
زهادة النبي صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا، وتقللهُ منها، وكرمه الذي يبارى الرياح، لم يُبْقِ ما يدخره لقوت نفسه، وقوت أهله، الأيام اليسيرة.
ولهذا فقد آل به الأمر أن اشترى من يهودي طعاماً من شعير، ورهنه ما هو محتاج إليه للجهاد في سبيل الله، وإعلاء كلمته، وهو درعه الذي يلبسه في الحروب، وقاية- بعد الله تعالى- من سلاح العدو، وكيدهم.
ما يستفاد من الحديث:
1-
جواز الرهن مع ثبوته في الكتاب العزيز أيضاً.
2-
جواز معاملة الكفار، وأنها ليست من الركون إليهم المنهي عنه. قال الصنعاني: وهو معلوم من الدين ضرورة، فإنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه أقاموا بمكة ثلاث عشرة سنة يعاملون المشركين، وأقام في المدينة عشراً يعامل هو وأصحابه أهل الكتاب وينزلون أسواقهم.
3-
وفيه جواز معاملة مَنْ أكثر ماله حرام، ما لم يعلم أن عين المتعامل به حرام. قال الصنعاني: وفيه دليل إلى عدم النظر إلى كيفية معاملتهم في أنفسهم، فإنه من المعلوم أنهم يبيعون الخمور ويأكلون السحت ويقبضونه، ولكن ليس لنا البحث عن معاملتهم وعن كيفية دخول المال إلى أيديهم، بل نعاملهم معاملة من في يده ملكه الحلال حتى يتبين لنا خلافه. ومثله الظلمة.
4-
وليس في الحديث دليل على جواز بيع السلاح على الكفار، لأن الدرع ليس من السلاح ولأن الرهن ليس بيعا أيضاً، ولأن الذي رهن عنده النبي صلى الله عليه وسلم درعه، في حساب المستأمنين الذين تحت الحماية والحراسة، فلا يُخْشَى منهم سطوة أو خيانة. فإن إعانة الكفار والأعداء بالأسلحة، محرمة وخيانة كبرى.
5-
فيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الإقلال والزهد، رغبة فيما عند الله وكرما، فَلا يَدَع مالاً يقر عنده.