الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل نقل فيه الإجماع، من أنها الكف التي تبتدئ من الكوع، فالآية الكريمة ذكرت قطع اليد، واليد عند الإطلاق هي الكف فقط، ومع هذا فقد بينتها السنة، فإن الله تعالى قال:{فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} والنبي صلى الله عليه وسلم مسح على كفيه فقط. ثم إن الجمهور ذهبوا إلى أن أول ما يقطع اليد اليمنى وبه قرأ ابن مسعود {فاقطعوا أيمانهما} فإن سرق ثانيا قطعت الرجل اليسرى، ثم إن سرق قطعت اليد اليسرى، ثم إن سرق فالرجل اليمنى، هذا عند الجمهور. وذكروا أدلتهم في المطولات.
باب في إنكار الشفاعة في الحدود
(1) والنهي عنها
الحديث الثاني والخمسون بعد الثلاثمائة
عَنْ عَاِئشَةَ رضي الله عنها: إنَّ قُرَيْشاً أهَمَّهُمْ شَأنُ الْمَخْزُومِيَّة التي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمَ فِيهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم؟.
فَقَالوا: وَمَنْ يَجْتَرِئ عَلَيْهِ إلا أسَامَةُ بْنُ زَيد حِبُّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟.
فَكَلَّمَهُ أسَامَةُ، فَقَالَ " أَتَشفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله "؟.
ثَُم قَامَ فاختَطَبَ، فَقَالَ:" إنَّمَا أهلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أنَّهم كَانُوا إذَا سَرقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكَوهُ، وَإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَأيْمُ الله، لَوْ أنَّ فَاطِمَةَ بِنْت مُحَمَّدٍ سرَقتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا".
وفي لفظ: كَانَت امْرأةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتجْحَدُهُ، فَأمَرَ النبيُ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ يَدِهَا.
الغريب:
أهمهم: جلب لهم هما، أو صيرهم ذوي هم.
المخزومية: هي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد، بنت أخي أبي سلمة. وبنو مخزوم أحد أفخاذ قريش، وهم من أشراف تلك القبيلة الشريفة فيسمونهم ريحانة قريش.
من يكلم؟:. أي من يشفع فيها بترك قطع يدها.
حِِبُ رسول الله: بكسر الحاء، أي محبوبة.
وأيم الله: بفتح الهمزة وكسرها وضم الميم، وهو اسم مفرد، ولذا فإن همزته همزة قطع وإعرابه هنا: إنه مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف تقديره: قسمي، أو يميني.
(1) وضعت هذه الترجمة لهذا الحديث لأنها المقصود لأعظم منه، ولأهميتها والحاجة إلى معرفتها. اهـ- شارح.
المعنى الإجمالي:
كانت امرأة من بنى مخزوم تستعير المتاع من الناس احتيالاً، ثم تجحده.
فاستعارت مرةً حُلِيًا فجحدته، فوُجِدَ عندها، وبلغ أمرها النبي صلى الله عليه وسلم فعزم على تنفيذ حد الله تعالى بقطع يدها، وكانت ذات شرف، ومن أسرة عريقة في قريش.
فاهتمت قريش بها وبهذا الحكم الذي سينفذ فيها، وتشاوروا فيمن يجعلونه واسطة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليكلمه في خلاصها، فلم يروا أولى من أسامة بن زيد، فإنه المقرب المحبوب للني صلى الله عليه وسلم. فكلمه أسامة.
فغضب منه صلى الله عليه وسلم وقال له - منكراً عليه: - "أتشفع في حدًٍّ من حدود الله"؟
ثم قام خطيبا في الناس ليبين لهم خطورة مثل هذه الشفاعة التي تعطل بها حدود الله، ولأن الموضوع يهم الكثير منهم، فأخبرهم أن سبب هلاك من قبلنا في دينهم وفي دنياهم: أنهم يقيمون الحدود على الضعفاء والفقراء، ويتركون الأقوياء والأغنياء، فتعم فيهم الفوضى وينتشر الشر والفساد، فيحق عليهم غضب الله وعقابه.
ثم أقسم صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق- لو وقع هذا الفعل من سيدة نساء العالمين ابنته فاطمة- أعاذها الله من ذلك- لنفذ فيها حكم الله تعالى. صلى الله عليه وسلم.
ما يستفاد من الحديث:
1-
تحريم! الشفاعة في الحدود، والإنكار على الشافع، وذلك قبل أن تبلغ الحاكم. قال ابن دقيق العيد: وفي الحديث دليل على امتناع الشفاعة في الحد بعد بلوغه السلطان، وفيه تعظيم أمر المحاباة للأشراف في حقوق الله تعالى.
قلت في تقييد ذلك بـ (قبل بلوغها الحاكم) ليس مأخوذا من هذا الحديث الذي معنا، وإنما يؤخذ من نصوص أخر، مثل ما أخرجه أصحاب السنن، وأحمد، عن صفوان بن أمية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما أمر بقطع الذي سر ق رداء هـ فشفع فيه: هلا كان ذلك قبل أن تأتيني به؟.
أما قبل بلوغ الحاكم، فهل يرفعه أو يتركه؟.
الأولى أن ينظر في ذلك إلى ما يترتب على ذلك من المصالح أو المفاسد.
فإن كان ليس من أهل الشر والأذى، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال"أقيلوا ذوى الهيئات زلَاّتهم".
فإن كان يترتب عليه شيء من المفاسد فمثل هذا، الأحسن عدم رفعه.
وإن كان في تركه مفسدة، وهو من أهل الأذى ونحو دْلك من دواعي الرفع، فالأولى رفعه.
2-
أن جاحد العاريَة حكمه حكم السارق، فيقطع. ويأتي الخلاف فيه
3-
وجوب العدل والمساواة بين الناس، سواء منهم الغني أو الفقر، والشريف أو الوضيع، في الأحكام والحدود، وفيما هم مشتركون فيه.
4-
أن إقامة الحدود على الضعفاء وتعطيلها في حق الأقوياء، سبب الهلاك والدمار، وشقاوة الدارين.
5-
القَسَمُ في الأمور الهامة، لتأكيدها وتأييدها.
6-
جواز المبالغة في الكلام، والتشبيه والتمثيل. لتوضيح الحق وتبيينه وتأكيده.
7-
منقبة كبرى لأسامة، إذ لم يروا أولى منه للشفاعة عند الني صلى الله عليه وسلم وقد وقعت الحادثة في فتح مكة.
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في جاحد العارية: هل يقطع أو لا؟
فذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة، أبو حنيفة، ومالك والشافعي: إلى أنه لا يقطع، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها من أصحابه الخِرَقِي، وأبو الخطاب، و (ابن قدامه) صاحب الشرح الكبير، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا قطع على خائن".
وأجابوا عن حديث الباب بأنها ذكرت بجحد العارية للتعريف، لا لأنها قطعت من أجله، وقد قطعت لأجل السرقة، ولذا وردت لفظة [السرقة] في الحديث.
وأجابوا بغير ذلك، ولكنها أجوبة غير ناهضة.
والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أنه يقطع، وهو المذهب.
قال عبد الله بن الإمام أحمد: سألت أبى فقلت له: تذهب إلى هذا الحديث؟