الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صَلَاة الكسوف
الكسوف والخسوف، يطلق الأول على ذهاب ضوء الشمس أو بعضه والثاني على ذهاب ضوء القمر أو بعضه في الغالب والفصيح.
وللكسوف والخسوف أسباب عادية حسية، تدرك بعلم حساب سير الشمس والقمر، كما أن لهما أسباباً معنوية خفية، وكل من هذه الأسباب الحسية والمعنوية إلهي.
فعندما تقتضي الحكمة الإلهية تغير شيء من آيات الله الكونية، كالكسوف والخسوف والزلازل، ليوقظ الناس من الغفلة من عبادته، أو يزجرهم عن ارتكاب مناهيه، يقدر الأسباب الحسية العادية لتغيير هذا النظام الكوني، من ذهاب نور أحد النورين. أو ثوران البراكين. وهبوب الرياح أو قصف الصواعق أو غير ذلك من آيات كونه.
ليعلم العباد أن وراء هذه الأكوان العظيمة مدبراً قديراً، بيده كل شيء، وهو محيط بكل شيء.
فهو قادر على أن يعاقبهم بآية من آياته الكونية، أهلك الأمم السابقة بالصواعق والرياح والطوفان والزلازل والخسوْف.
كما أنه قادر على أن يسلبهم نور الشمس والقمر، فيظلوا في أرضهم يعمهون أو يصيبهم بالقحط، فتذوى أشجارهم، وتجف أنهارهم، ولينبههم على أن الكون في قبضته، فيرهبوا جنابه، ويخافوا عقابه.
ولكننا قد أصبحنا في زمن المادة وطغيانها، فصار الناس لا يدركون من تغير هذه الآيات إلا المعاني المادية، ونسوا أو جهلوا، المعاني المعنوية من التحذير من عقاب الله، وتذكير نعمه فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ما خلاصته:
الخسوف والكسوف لهما أوقات مقدرة كما لطلوع الهلال وقت مقدر وذلك ما أجرى الله عليه أمره بالليل والنهار والشتاء والصيف وسائر ما يتبع جريان الشمس والقمر وذلك من آيات الله تعالى {وهو الذي جعل الشمس ضياء وجعل القمر نورا وقدره منازل} وقال: {الشمس والقمر بحسبان} وكما أن العادة التي أجراها الله تعالى أن الهلال لا يستهل إلا ليلة ثلاثين أو إحدى وثلاثين فكذلك أجرى الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الإسرار وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار. لكن العلم في العادة في الهلال علم عام يشترك فيه جميع الناس وأما العلم بالعادة بالكسوف والخسوف فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانها، وليس خبر الحاسب
بذلك من باب علم الغيب ولا من باب ما يخبر به الذي يكون كذبه به فيها أعظم من صدقه فإن ذلك قول بلا علم ثابت الذي نهى عن إتيانهم ومسألتهم.
والعلم بوقت الكسوف والخسوف وإن كان ممكنا لكن المخبر المعين قد يكون عالما بحسابه وقد لا يكون، فإذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك فلا يكادون يخطئون ومع هذا فلا يترتب على خبرهم علم شرعي فإن صلاة الكسوف والخسوف لا تصلى إلا إذا شوهد ذلك، وإذا جوز الإنسان صدق المخبر بذلك أو غلب على ظنه فنوي أن أن يصلي الكسوف والخسوف عند ذلك واستعد ذلك الوقت لرؤية ذلك كان هذا من باب المسارعة إلى طاعة الله تعالى وعبادته فإن الصلاة عند الكسوف متفق عليها بين المسلمين وقد تواترت بها السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الحديث الأول
عَنْ عَاِئشَةَ رضي الله عنها: أنَّ الشَّمس خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ مُنَادياً يُنَادِي: الصلَاةَ جَامِعَة، فَاجتَمَعُوا. وَتَقَدَّمَ فَكَبرَّ وَصلَّى أربَعَ رَكَعَاتٍ في ركعَتَين وَأربعَ سَجَدَاتٍ.
الغريب:
خسفت: جوز فيه فتح الخاء والسين وضم الخاء وكسر السين.
الصلاة جامعة: نصب الأول على الإغراء، والثاني على الحال، وفيها غير هذا الإعراب، ولكن هذا هو الأولى.
المعنى الإجمالي:
خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث منادياً في الشوارع والأسواق ينادى الناس (الصلاة جامعة) ليصلوا ويدعو الله تبارك وتعالى أن يغفر لهم ويرحمهم وأن يديم عليهم نعمه الظاهرة والباطنة.
واجتمعوا في مسجده صلى الله عليه وسلم وتقدم بلا إقامة، فكبر وصلى ركعتين في سجدتين، وركعتين في سجدتين كما يأتي تفصيل ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
وجود خسوف الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2-
استحباب الصلاة عند الخسوف، ونقل النووي الإجماع على أنها سنة.
3-
مشروعية الاجتماع لها لأجل التضرع والدعاء، والمبادرة بالتوبة والاستغفار لأن سبب ذلك الذنوب.
4-
أنه ليس لها أذان، وإنما ينادى لها بـ"الصلاة جامعة".
5-
أن صلاة الكسوف أربع ركعات، وأريع سجدات، ويأتي تفصيل ذلك وكيفيته إن شاء الله تعالى.
الحديث الثاني
عن أبي مسَعُودٍ، عُقْبَةَ بن عَامِر الأنصَارِيِّ رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الشَّمسَ وَالقَمَرَ آيتان مِنْ آيات الله، يُخَوِّفُ الله بِهمَا عِبادَهُ، وَإِنَّهُمَا لا ينكَسِفَانِ لمَوْتِ أحَدٍ مِنَ النَّاسَ وَلَا لحَيَاتِهِ، فَإذَا رَأيتم ْ مِنْهُمَا شَيْئَاً فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَابكم.
المعنى الإجمالي:
بين صلى الله عليه وسلم أن الشمس والقمر من آيات الله الدالة على قدرته وحكمته، وأن تغيُّر نظامهما الطبيعي، لا يكون لحياة العظماء أو موتهم كما يعتقد أهل الجاهلية.
وإنما يكون ذلك لأجل تخويف العباد، فيجددوا التوبة والإنابة إلى الله تعالى.
ولذا أرشدهم أن يفزعوا إلى الصلاة والدعاء، حتى ينكشف ذلك عنهم وينجلي. ولله في كونه أسرار وتدبير.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
مشروعية الصلاة والدعاء عند الكسوف والخسوف، رجوعاً إلى الله.
2-
أن انتهاء الصلاة يكون بالتجلي فإن انتهت قبل التجلي تضرعوا ودعوا، حتى يزول ذلك، فإنه لم يرد في إعادتها شيء.
3-
ظاهر الحديث أنهم يصلون، ولو صادف وقت نَهْي وهو الصحيح. لأنها من ذوات الأسباب التي تصلي عند وجود سببها مطلقا.
وتقدم الخلاف في هذه الصلاة ونظائرها في " باب المواقيت".
4-
أن الحكمة في إيجاد الكسوف أو الخسوف، هو تخويف العباد، وإنذارهم بعقاب الله تعالى، وإزعاج القلوب الساكنة بالغفلة وإيقاظها وإطلاع الناس على نموذج مما يقع يوم القيامة، والإعلام أنه يؤخذ بالذنب من لا ذنب له، ليحذر المذنب من ذنبه،
ويحذّر المطيعُ العاصيَ، وكل هذه المعاني الروحية لا تنافي وجود الأسباب المادية العادية. وقد تقدم شرح ذلك.
الحديث الثالث
عَنْ عَائِشةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَسَفَتِ الشمسُ عَلَى عَهدِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. فَقَامَ فَصَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بالنَّاس فَأطَالَ القِيَام، ثُمَّ رَكَعَ فَأطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأطَالَ القيَامَ وَهو دُونَ القِيَام الأوَّلِ، ثم رَكَعَ فَأطَالَ الرُّكوعَ وهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ، ثُم سَجَدَ فَأطَالَ السُّجُودَ، ثم فَعَلَ في الركعَةِ الأخْرَى مِثْل مَا فَعَل في الركْعَةِ الأولى، ثُمَّ انصرَفَ وَقَدْ انجَلتِ الشَّمْسُ، فَخَطبَ الناسَ فَحَمِدَ الله وأثنَى عَليهِ ثم قالَ:
" إن الشَّمس والقَمَر آيتانِ مِنْ آيَاتِ الله لَا تنْخَسِفَانِ لِمَوتِ أحد. وَلَا لِحَيَاتِهِ. فَإذَا رَأيتمْ ذلك فَادعُوا الله وَكبروا وَصَلُّوا وَتَصَدَّ قوا".
ثم قال: " يَا أمةَ مُحمَّد ": والله مَا مِنْ أحَد أغَْيَرُ مِنَ الله سُبْحَانَهُ من أن يَزْنَي عَبْدُهُ أوْ تَزني أمَتُهُ. يَا أمةَ مُحَمد، وَالله لو تَعْلمُونَ مَا أعلم لضَحكْتُمْ قَليلاً وَلَبَكَيتم كثِيراً ".
وفي لفظ: فَاستكْمَلَ أرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأرْبَع سَجَدات.
الغريب:
أغير: يجوز فيه الرفع على أن (ما) تميمية، والنصب على جعلها حجازية. وهو الأولى.
و (من) زائدة مؤكدة في الوجهين.
و" أغير" أفعل تفضيل من " الغيرة "- بالفتح- وهى في الأصل، تغير يحصل من الحمية والأنفة، ونثبتها لله إثباتاً يليق بجلاله.
المعنى الإجمالي:
خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فصلى بالناس فأطال القيام، بحيث قدر بقراءة سورة " البقرة " ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فقال:" سمع الله لمن حمده، رَبنا ولك الحمد" فقرأ قراءة طويلة دون القراءة الأولى.
ثم ركع فأطال الركوع، وهو أخف من الركوع الأول ثم سمَّع وحمَّد، ثم سجد وأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثالثة مثل الأولى، حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات، ثم انصرف من الصلاة، وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه.
وحدث أن صادف ذلك اليوم الذي حصل فيه الخسوف موت ابنه " إبراهيم " فقال بعضهم: كسفت لموت إبراهيم، جرياً على عادتهم في الجاهلية من أنها لا تكسف
إلا لموت عظيم أو حياة عظيم.
أراد النبي صلى الله عليه وسلم من نصحه وإخلاصه في أداء رسالته، ونفع الخلق- أن يزيل ما علق بأذهانهم من هذه الخرافات، التي لا تستند لا إلى نقل صحيح، ولا عقل سليم.
فقال في خطبته: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما يجريهما الله تعالى بقدرته لِيخوفَ بهما عباده، ويذكرهم نعَمَه.
فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الله تعالى تائبين منيبين، وادعوا، وصلوا، وكبروا، وتصد قوا.
ثم أخذ صلى الله عليه وسلم يفصل لهم شيئاً من معاصي الله الكبار، التي توجب غضبه وعقابه.
ويقسم في هذه الموعظة- وهو الصادق المصدوق- يا أمة محمد، والله، ما من أحد أغير من الله سبحانه أن يزني عبده، أو تزني أمته.
ثم بين أنهم لا يعلمون عن عذاب الله إلا قليلاً، ولو علموا ما علمه صلى الله عليه وسلم لأخذهم الخوف والفرق، ولضحكوا سروراً قليلا، وليبكوا واغتموا كثيراً.
ربنا أجرنا من عذابك، وارحمنا برحمتك، التي وسعت كل شيء، ووالدينا، ومشايخنا، وأقاربنا، والمسلمين أجمعين، آمين.
تنبيه:
تلاحظ أن في صفة صلاة الكسوف تفصيلاً لا يوجد في الحديث الذي معنا، وقد أخذته من الرواية الأخرى عن عائشة الموجودة في الصحيحين أيضا لتكمل الفائدة.
تنبيه آخر:
وردت صلاة الكسوف على كيفيات متعددة.
منها الأمر بالصلاة مجملا.
ومنها ركعتان، ومنها أربع ركعات، ومنها ست ركعات، ومنها ثمان ركعات، ومنها عشر ركعات.
وفي كل هذه الوجوه، لم يرد إلا أربع سجدات رويت هذه الأوجه المتعددة مع أن الخسوف لم يقع إلا مرة واحدة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لذا رجح الأئمة الكبار والمحققون، حديث عائشة الذي معنا على غيره من الروايات وهو أربع ركعات، وأربع سجدات، وماعداها فقد ضعفه الأئمة "أحمد" و" البخاري " و " الشافعي "، وكذلك شيخ الإسلام " ابن تيمية ".
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء: هل لصلاة الكسوف خطبة مستحبة أو لا؟.
فذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة إلى أنه ليس لها خطبة.
وذهب الشافعي، وإسحاق، وكثير من أهل الحديث: إلى استحبابها لهذه الأحاديث.
والأرجح، التفصيل. وهو أنه، إن احتيج إلى الخطبة وإلى موعظة الناس وتبيين أمر لهم استحبت كفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم.
وان لم يكن ثَمَّ حاجة، فليس هناك إلا الدعاء، والاستغفار، والصلاة.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
وجود خسوف الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2-
مشروعية الصلاة، والجمهور على أنها سنة مؤكدة.
3-
الإتيان بالصلاة على الوصف المذكور في هذا الحديث وقد فصلناها بالشرح مستمدين بعض التفصيلات من الرواية الأخرى في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها.
4-
مشروعية التطويل بقيامها، وركوعها، وسجودها.
5-
كون كل ركعة أقل من التي قبلها، دفعا للضجر والسآَمة.
6-
أن يكون ابتداء وقت الصلاة من الكسوف، وانتهاؤها بالتجلي.
7-
مشروعية الخطبة إذا دعت الحاجة إليها.
8-
ابتداء الخطبة بحمد الله، والثناء عليه، لأنه من الأدب.
9-
بيان أن الشمس والقمر من آيات الله الكونية، الدالة على قدرته وحكمته.
10-
كون الكسوف يحدث لتخويف العباد، وتحذيرهم عقاب الله تعالى. وقد قلنا: إن هذا لا ينافي الأسباب العادية.
11-
إزالة ما علق بأذهان أهل الجاهلية من أن الكسوف والخسوف، أو انقضاض الكواكب، إنما هو لموت العظماء أو لحياتهم.
12-
الأمر بالدعاء، والصلاة، والصدقة، عند حدوث الكسوف أو الخسوف.
13-
أن فعل هذه العبادات، يقي من عذاب الله وعقابه.
14-
تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الزنا، وأنه من الكبائر، التي يغار الله تعالى عند ارتكابها.
15-
إثبات صفة الغيرة لله تعالى، إثباتا يليق بجلاله- بلا تعطيل ولا تأويل. ولا تشبيه. قال الصنعاني رحمه الله تعالى: إذا وردت صفة من صفات الله تعالى موهمة بمشابهة المخلوقين كورود لفظ اليد والعين ونحوهما، ومنه الغيرة فقد اختلف العلماء في تلك الصفة هل يؤمن بها مع القطع بأنه تعالى ليس كمثله شيء في صفاته ولا ذاته، ويوكل معرفة كيفيتها وكيفية تعلقها بالله تعالى إلى الله ونجريها على ما أجراه الله تعالى ورسوله من غير تأويل ولا تكييف؟ وهو مذهب سلف هذه الأمة، والتأويل طريقة المتأخرين، والحق أن الأولى بالمؤمن اتباع الطبقة الأولى، فإنه لا يحيط بالصفة وكيفيتها إلا من أحاط بكيفية ذات الموصوف، فكل صفاته يجب الإيمان بها من غير تكييف ولا تشبيه ولا تأويل. اهـ بتصرف يسير.
16-
شدة ما أعده الله من العذاب لأهل المعاصي، مما لا يعلمه الناس، ولو علموه لاشتد خوفهم وقلقهم فقد رجح ما يوجب الخوف على ما يوجب الرجاء، لما جبلت عليه النفوس من الميل والإخلاد إلى الشهوات، وهو مرض خطير، لابد أن يقابل بما يضاده من التحذير والتخويف.
17-
أن الله سبحانه وتعالى يطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على علوم من الغيب، لا تحتمل الأمة علمها.
الحديث الرابع
عن أبي مُوسى الأشْعَرِي رضي الله عنه قَالَ: خَسَفَتِ الشمس عَلَى زَمَانِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَامَ فزعاً يَخْشىَ أن تكون الساعَةُ، حَتى أتى المَسْجِدَ فَقَامَ فَصَلَّى بأطْوَلِ قيام، وَرُكُوع وسُجُوِدٍ، مَا رَأيتُهُ يَفْعَلهُ في صَلَاةٍ قَطُّ، ثم قال:
" إنَّ هذهِ الآيات التي يُرْسِلها الله تَعَالى لا تَكون لموتِ أحد وَلا لحَيَاتِهِ، وَلكنَّ الله يُرْسِلُهَا يُخَوِّفُ بهَا عِبَادَهُ، فَإذَا رَأيتم مِنْهَا شَيْئا فَافزعُوا إلى ذِكر الله وَدعَائِهِ واسْتِغْفَارهِ ".
الغريب:
1-
أن تكون الساعة: - يجوز في " الساعة " الرفع، على أن " تكون " تامة، والنصب على أنها ناقصة.
2-
فزعا: منصوب على الحال، ووجه فزعه أن تكون الساعة.
3-
" فافزعوا" بفتح الزاى. قال في "المجمل": فزعت، وافزعني أي لجأت وأغاثني.
وقال المبرد في " الكامل ": الفزع في كلام العرب على وجهين: أحدهما ما تستعمله العامة، يريد ون به الذعر. والآخر، الالتجاء والاستصراخ.
المعنى الإجمالي:
كان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم إذا حصل تغيُّرٌ في العوالم الكونية، من ريح شديدة، أو رَعْد قاصف، أو كسوف أو خسوف، حصل عنده خوف من عذاب الله تعالى أن يحل بهذه الأمة ما حل بالأمم السابقة ممن أهلك بالصواعق أو الريح أو الطوفان.
ولذا لما حصل خسوف الشمس، قام فزعاً، لأن معرفته الكاملة بربه، أوجبت له أن يصير منه كثير الخوف وشديد المراقبة.
فدخل المسجد، فصلى بالناس صلاة الكسوف، فأطال فيهم إطالة لم تعهد من قبلُ إظهاراً للتوبة والإنابة.
فلما فرغ المصطفى من مناشدته ربه ومناجاته، توجه إلى الناس يعظهم، ويبين لهم أن هذه الآيات يرسلها الله عبرة لعباده، وتذكيراً وتخويفاً، ليبادروا إلى الدعاء، والاستغفار، والذكر، والصلاة.
وتقدمت أحكام هذا الحديث بالذي قبله.
قال ابن دقيق العيد: قوله: " فافزعوا " إشارة إلى المبادرة إلى ما أمر به، وتنبيِه على الالتجاء إلى الله تعالى عند المخاوف بالدعاء والاستغفار وإشارة إلى أن الذنوب تسبب البلايا والعقوبات العاجلة والآجلة، إشارة إلى أن الاستغفار والتوبة سببان لمحو الذنوب، وسبب لزوال المخاوف.