الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرجوع عند تعذر أو تعسُّر الاستيفاء، أنه لا يرجع، لأنه رضى بإحالة حقه من ذمة إلى ذمة يعلم مصيره فيها، فهو شبيه بما لو اشترى مبيعاً معيباً يعلم عيبه.
وإن لم يكن راضياً بالحوالة على المعسر ونحوه، أو كان راضيا بالحوالة عليه، لكن يجهل عسره ونحوه أو غرر فيه، شرط الرجوع عند تعذر الاستيفاء، أو تعسره، فالحق أن له الرجوع، لأن عسر المحال عليه عيب لم يعلم به ولم يرض به، فله الرجوع، كما أن له الرجوع عند الشرط لأن المسلمين على شروطهم، والله أعلم.
بَابُ مَنْ وَجَد سلْعَته عند رجل قد أفلس
الحديث الأول
عَنْ أَبي هُرَيْرة رَضِىَ الله عَنْة قالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم [أَوْ قَالَ: سَمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول] : منْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِه عِندَ رَجُلٍ- أَوْ إنْسَانٍ - قَدْ أَفْلَس فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ ".
المعنى الإجمالي:
من باع متاعه لأحد، أو أودعه، أو أقرضه إياه ونحوه، فأفلس المشترىَ ونحوه، بأن كان ماله لا يفي بديونه، فله أن يأخذ متاعه إذا وجد عينه، بأن كان بحاله لم تتغير فيها صفاته بما يخرجه عن اسمه، ولى يقبض من ثمنه شيئا، ولم يتعلق به حق أحد من مشتر، أو مُتَّهب (1) . أو رهن، أو شفعة أو غير ذلك من عقود المعاوضات.
فحينئذ يكون أحق به من الغرماء المتحاصي (2) المال، لأنه وجد متاعه بعينه فلا ينازعه فيه أحد.
فإن كان المبيع ونحوه قد تغير بما يخرجه عن اسمه ومسماه، أو كان البائع قد قبض ثمنه أو بعضه، أو قد تصرف فيه المفلس بما تعلق به حق أحد، فلصاحب المتاع- حينئذ أسوة بالغرماء.
ما يستفاد من الحديث:
1-
أن من وجد متاعه عند أحد قد أفلس فله الرجوع فيه بشروط أخذها العلماء من الأحاديث، وأخذوا بعضها من فهمهم لمراد الشارع الحكيم. قال ابن دقيق العيد: دلالته قوية.
(1) متهب: اسم فاعل من الهبة، ويريد الموهوب له.
(2)
المتحاصي المال: الغرماء المقتسمون لحصص المال، والمال مفعول به وقد أضيف إلى " المتحاصي " إضافة لفظية.
قال الإصطخري من أصحاب الشافعي: لو قضى القاضي بخلافه نقض حكمه.
2-
يراد " بصاحب المتاع" في الحديث، البائع وغيره، من مُقْرِض ومودع ونحوهم من أصحاب عقود المعاوضات. فعموم الحديث يشملهم.
ولا ينافي العموم أن يصرح باسم [البائع] في بعض الأحاديث.
3-
أن تكون موجودات المفلس لا تفي بديونه، وهذا الشرط مأخوذ من اسم [المفلس] شرعا.
4-
أن تكون عين المتاع موجودة عند المشترى، هذا الشرط هو نص الحديث الذي معنا وغيره.
5-
أن يكون الثمن غير مقبوض من المشترى. فإن قبض كله أو بعضه، فلا رجوع بعين المتاع.
وهذا الشرط مأخوذ من المعنى المفهوم، ومن بعض ألفاظ الأحاديث.
6-
الذي يفهم من عموم لفظ الحديث، أن الغرماء لو قدموا صاحب المتاع بثمن متاعه، فلا يسقط حقه من الرجوعَ بمتاعه.
قلت: وأرى أننا إذا رجعنا إلى مراد الشارع وهو [حفظ حق صاحب المتاع] فإننا نلزمه بأخذ الثمن، الذي باعه به إذا قدمه الغرماء، خصوصاً إذا كان في أخذه مصلحة لعموم الغرماء، وللمفلس الذي يتشوف الشارع إلى التخفيف من ديونه.
قال " ابن رشد ": تقدر السلعة.
فإن كانت قيمتها مساوية للثمن أو أقل منه، قضى بها للبائع.
وإن كانت أكثر، دفع إليه مقدار ثمنه ويتحاصُون الباقي وبهذاْ القول قال جماعة من أهل الأثر
7-
أن تكون السلعة بحالها لم يتلف منها شيء، ولم تتغير صفاتها بما يزيل اسمها، كنسج الغزاة، وخبز الحب، وجعل الخشب باباً ونحو ذلك.
فإن تغيرت صفاتها، أو تلف بعضها فهو أسوة بالغرماء.
8-
أن لا يتعلق بها حق من شفعة، أو رهن، وأولى من ذلك أن لاتباعَ أو توهب، أو توقف
ونحو ذلك، فلا رجوع فيها ما لم يكن التصرف فيها حيلة على إبطال الرجوع، فإن الحيل محرمة، وليس لها اعتبار.
هذه هي الشروط المعتبرة للرجوع في عين المتاع عند المفلس.
وبعضها أخذ من لفظ الأحاديث، وبعضها من المعنى المفهوم. والله أعلم.
اختلاف العلماء:
ذهبت الحنفية إلى أن البائع غير مستحق لأخذ عين ماله حين يجده عند المفلس، وأن المفلس أحق به. لأن السلعة صارت بالبيع ملكا للمشتري، ومن ضمانه، واستحقاق البائع أخذها منه، نقض لملكه.
وتأولوا الحديث بأنه خبر واحد مخالف للأصول، وحملوه على صورة وهي أن يكون المتاع وديعة، أو عارية أو لقطة عند المفلس وهو حمل مردود.
ولو كان كذلك لما قيد بالإفلاس، فإنه يرجع بهذه الأشياء مع الإفلاس ودونه.
والحق ما ذهب إليه جمهور العلماء من العمل بالحديث.
قال الشوكاني: " والاعتذار بأنه الحديث، مخالف للأصول، اعتذار فاسد، حيث أن السنة الصحيحة من جملة الأصول، فلا يترك العمل بها إلا بما هو أنهض منها، ولم يرد في المقام ما هو كذلك، ا. هـ منه.
قال بعض العلماء: لو حكم الحاكم بخلاف هذا الحديث، نقض حكمه، لأنه لا يقبل التأويل.
ولولا شهرة هذا الخلاف للحنفية ما ذكرته، ولكنى قصدت بذكره التنبيه على ضعفه، وأنه من الآراء التي صودمت بها النصوص.
وقد أذكر في هذا الكتاب بعض الخلافات الضعيفة، لشهرة من يقول بها، وضعف ما تسند إليه، خشية الوقوع فيها تقليدا وثقة بأصحابها، والعصمة لأصحاب الرسالات عليهم الصلاة والسلام.