المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب فسخ الحج إلى العمرة - تيسير العلام شرح عمدة الأحكام

[عبد الله البسام]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌النية وأحكامها

- ‌بَاب دخول الخلاءَ والاستِطَابة

- ‌بَابُ السّوَاك

- ‌بَاب المسْح عَلى الخفّين

- ‌بَاب في المذي وغَيره

- ‌بَاب الغُسْل مِنَ الجنَابة

- ‌بَابُ التيمّم

- ‌بَابُ الحَيْض

- ‌باب حكم المستحاضة

- ‌كِتَابُ الصلاة

- ‌بَابُ المَواقِيت

- ‌بَاب في شيء مِن مَكرُوهَات الصَّلاة

- ‌باب فضْل صَلاة الجماعَةِ وَوجوبها

- ‌بَابُ حضُور النساء المسْجِد

- ‌بَابُ سنَن الراتبة

- ‌بَابُ الآذَان والإقامة

- ‌بَاب استقبال القبْلَة

- ‌بَابُ الصّفُوف

- ‌بَابُ الإمَامَة

- ‌بَابُ صفَة صَلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ وجُوب الطّمَأنينة في الركوع والسجود

- ‌بَابُ القِراءَة في الصَّلاة

- ‌بَابُ سُجُود السَهْو

- ‌بَابُ المرُور بَيْن يَدَي المصَلّي

- ‌بَابٌ جَامع

- ‌بَابُ تحيَّة المسْجِد

- ‌بَابُ النّهي عَن الكَلام في الصَّلاة

- ‌بَابُ الإبراد في الظهر من شدّة الحَر

- ‌بَابُ قضَاء الصَّلاة الفائتة وتعجيلها

- ‌باَب حكم ستر أحد العَاتقين في الصلاة

- ‌بَاب ما جَاء في الثوم والبصل ونحوهما

- ‌بَابُ التشهد

- ‌بَابُ كَيفية الصَّلَاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ الدّعاء بعد التشهد الأخير

- ‌بَابُ الوِتر

- ‌بَابُ الذكر عَقب الصَّلاة

- ‌بَابُ الخشُوع في الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الجَمْع بين الصلاتين في السفر

- ‌بَابُ قصْر الصَّلاة في السفر

- ‌بَابُ الجُمعَة

- ‌بَابُ صَلَاةِ العيدَين

- ‌بَابُ صَلَاة الكسوف

- ‌بَابُ الاستِسقَاء

- ‌بَابُ صَلَاة الخوف

- ‌كِتاب الجَنَائز

- ‌بَابٌ في الصَّلَاة على الغائب وعلى القبر

- ‌بَابٌ في الكفن

- ‌بَاب في صفة تغسيل الميّت وتشييع الجنازة

- ‌بَابٌ في مَوقِف الإمام من الميت

- ‌‌‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌كتاب الزكاة

- ‌بَابُ صدقة الفِطر

- ‌كِتاب الصيَام

- ‌بَاب الصَّوم في السَّفر

- ‌بَابُ أفضَل الصِّيامِ وَغَيرِه

- ‌بَابُ لَيلَة القَدْرِ

- ‌بَاب الاعتِكَاف

- ‌كِتَابِ الحَجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌بَابُ مَا يَلبسُه المحْرم من الثياب

- ‌بَابُ التلبيَة

- ‌بَاب سَفر المَرأة بدُون محْرم

- ‌بَاب الفِديَة

- ‌بَابُ حرمَة مَكة

- ‌بَابُ مَا يجُوز قَتْله

- ‌بَاب دُخول مَكةَ والبيت

- ‌بَابُ الطَّواف وأدَبه

- ‌بَابُ التمتّع

- ‌بَابُ الهَدْي

- ‌بَابُ الغسْل لِلمُحرم

- ‌بَابُ فَسخ الحَج إلى العمْرة

- ‌باب حكم تقديم الرمي

- ‌باب كيف ترمى جمرة العقبة

- ‌باب فضل الحلق وجواز التقصير

- ‌باب طواف الإفاضة والوداع

- ‌باب وجوب المبيت بمنى

- ‌باب جمع المغرب والعشاء في مزدلفة

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌كِتَابُ البيوع

- ‌بَابُ مَا نهى الله عنه من البيوع

- ‌باب النهي عن بيع الثمرة

- ‌باَب الْعرَايا

- ‌باب بيع النخل بعد التأبير

- ‌بَابُ نهي المشتري عن بيع الطعام قبل قبضه

- ‌بَابُ تحْريم بَيْع الخبائث

- ‌بابُ السَّلَم

- ‌بَابُ الشروط في البَيْع

- ‌بَابُ الرِّبا والصَّرْف

- ‌بَابُ الرَّهن

- ‌بَابُ الحَوَالة

- ‌بَابُ مَنْ وَجَد سلْعَته عند رجل قد أفلس

- ‌باَبُ الشفعَة

- ‌بَابُ أحْكام الجوَار

- ‌بَابُ الغصْبِ

- ‌بَابُ المساقاة والمزارعة

- ‌بَاب في جَواز كراء الأرض بالشيء المعْلوم

- ‌بَابُ الوَقف

- ‌باَبُ الهِبَة

- ‌بَابُ العَدل بَيْن الأولاد في العطِية

- ‌بَابُ هِبَة العمرى

- ‌باَبُ اللُّقَطَة

- ‌كتَابُ الوَصَايَا

- ‌‌‌بَاب الفرائض

- ‌بَاب الفرائض

- ‌كِتَاب الّنَكَاح

- ‌باب المحرمات من النكاح

- ‌بَابُ الشروط في النكاح

- ‌بَابُ ما جاء في الاستئمار وَالاستئذان

- ‌بَابُ لا ينكح مطَلقته ثَلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌باَبُ عشرَة النسَاء

- ‌بَابُ النّهي عن الخلْوَة بِالأجنبية

- ‌بَابُ الصَّدَاق

- ‌كتاب الطلاق

- ‌بَابُ العِدَّة

- ‌بَابُ تحريم إحداد المَرْأة أكثر من ثلاثة إلا على زوج

- ‌بَابُ مَا تجتنبه الحَاد

- ‌كِتَابُ اللِّعَان

- ‌بَابُ لحَاق النَّسب

- ‌كتاب الرَّضَاع

- ‌كِتَابُ القِصَاص

- ‌كتابُ الحُدُود

- ‌باب حدِّ السَّرقة

- ‌باب في إنكار الشفاعة في الحدود

- ‌بَابُ حد الخمْر

- ‌بَابُ التعزير

- ‌كِتاب الأيمَان والنذور

- ‌بَابُ النَّذر

- ‌‌‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ الأطعمة

- ‌بَابُ الصَّيْد

- ‌بَابُ الأضاحي

- ‌كتاب الأشربة

- ‌كِتابُ اللبَاس

- ‌كِتابُ الجِهَاد

- ‌كِتابُ العِتق

- ‌بَابُ بَيْع المدبَّر

الفصل: ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

وهذا ليس من خصائص الإحرام، ولكنه مشروع بحسب الحاجة، وهكذا يشرع للجمعة والعيد على هذا الوجه.

قلت: والغسل الذي تجادل فيه ابن عباس والمسور ليس الغسل من أجل الإحرام، وإنما هو الغسل أثناء الإحرام، وهو الذي فعله أبو أيوب.

‌بَابُ فَسخ الحَج إلى العمْرة

الحديث الأول

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قالَ: أَهَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأصْحَابُهُ بالحَجِّ وَلَيْس مَعَ

أحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَلْحَةَ.

وَقَدِمَ عَلِيٌ مِنَ الْيَمَنِ فَقَال: أهَلَلْتُ بما أهَلَّ بهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَمرَ النَّبِيُّ صلى

الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أن يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَيَطُوفُوا ثمَّ يُقَصِّرُوا وَيُحِلُّوا إلَاّ مَنْ كانَ

مَعَهُ الْهدْيُ.

فَقالُوا: نَنْطَلِقُ إلَى "مِنىً" وَذَكَرُ أحَدِنَا يَقْطُرُ؟

فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: "لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا استَدْبَرْتُ مَا

أهْدَيْت، وَلَوْلا أَنَّ مَعِي الْهدْيَ لأحَلَلْتُ ". وَحَاضَتْ عَائِشَةُ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ

أنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ. فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ قالت: يَا رَسُولَ الله تنْطَلِقونَ بِحجَّةٍ

وَعُمْرةٍ وَأنْطَلِقُ بِحَجِّ! فَأمَرَ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنِ أبِى بَكْرٍ بِأن يَخْرُجَ مَعَهَا إلى التَنْعِيمِ،

فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ.

المعنى الإجمالي:

يصف "جابر بن عبد الله" رضي الله عنهما حجة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه وأصحابه أهلُّوا بالحج، ولم يَسُقِ الْهَدْيَ إلا النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة بن عبيد الله. وكان على بن أبي طالب في اليمن، فقدم، ومن فقهه أحرم وعلَّق إحرامه بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم.

فلما قدموا مكة، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفسخوا إحرامهم من الحج إلى العمرة، ويكون طوافهم وسعيهم للعمرة، ثم يقصروا ويُحِلُّوا التحلل الكامل. هذا في حق من لم يسق الهدي.

أما من ساقه - ومنهم النبي صلى الله عليه وسلم فبقوا - بعد طوافهم وسعيهم - على إحرامهم.

فقال الذين أُمِرُوا بفسخ حجهم إلى عمرة - متعجبين ومستعظمين -: كيف ننطلق إلى "مِنى" مُهِلين بالحج، ونحن حديثو عهد بجماع نسائنا؟.

فبلغ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مقَالَتَهم واستعظام ذلك في

ص: 418

نفوسهم، فطمأن أنفسهم بما هو الحق وقال:

لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما سُقْتُ الهَدْىَ الذي منعني من التحلل، ولأحللت معكم. فرضيت أنفسهم واطمأنت قلوبهم.

وحاضت عائشة قُرْبَ دخولهم مكة، فصارت قارنة، لاًن حيضها منعها من الطواف بالبيت، وفعلت المناسك كلها غير الطواف والسعي.

فلما طهرت وطافت بالبيت طواف حجها، صار في نفسها شيء، إذ كان أغلب الصحابة – ومنهم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قد فعلوا أعمال العمرة وحدها وأعمال الحج. وهي قد دخلت عمرتها في حجها.

فقالت: يا رسول الله، تنطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحج؟.

فطيَّب خاطرها، وأمر أخاها عبد الرحمن أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

كون النبي صلى الله عليه وسلم أحرم ومعه الهدي، فهو أفضل وأكمل.

2-

أن ترك سوق الهدي جائز، لأن أكثر الصحابة لم يسقه.

ويأتي تَمَنِّيهِ صلى الله عليه وسلم عدم سَوْقِهِ الهدي، وتوجيه ذلك إن شاء الله تعالى.

3-

فقه علي رضي الله عنه، فإنه حين لم يعرف أيّ الأنساك أفضل، علَّقه بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم.

4-

جواز تعليق الإحرام بإحرام الغير.

5-

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يفسخوا حجهم إلى عمرة.

فإذا فرغوا من أعمال العمرة حلُّوا، ليحرموا بالحج فيقتضي الأمر فعل ما فعلوه ويأتي الخلاف في ذلك وتحقيقه، إن شاء الله تعالى.

6-

أن من ساق الهدي، منعه ذلك من الإحلال، وبقي على إحرامه، كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم.

7-

جواز المبالغة في الكلام، لاستيضاح الحقائق، وتبيين الأمور.

8-

تَمنِّي النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لم يسق الهدي، وأنه فسخ حجه إلى عمرة منها، وأنه آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم.

9-

جواز تمني الأمور الفائتة إذا كانت من مصالح الدين، لأنه رغبة في الخير، وندم عليه. فهو من أنواع التوبة.

10-

جواز فعل المناسك للحائض، ماعدا الطواف بالبيت، فممنوع. إما لاشتراط الطهارة في الطواف، وإما خشية تلويث المسجد.

11-

أن السعي من شرطه أن يقع بعد طواف نسك. ولذا لم يصح من الحائض السعي،

ص: 419

لا لاشتراط الطهارة فيه، ولكن لأنه لابد أن يقع بعد طواف نسك وهو معدوم في حق الحائض.

12-

جواز الإتيان بالعمرة من أدنى الحل بعد الحج ولا تسنُّ لأنه لم يقع من الصحابة إلا هذه المرة من عائشة. ولم ينقل عن عائشة أنها فعلتها بعد ذلك.

ولو كانت العمرة المشروعة، لما تركوها وهم في مكة، سهلة عليهم، ميسرة لهم.

13-

أن الإحرام بالعمرة لابد أن يكون من خارج الحرم، وهو قول الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، ولم يخالف إلا قلة بخلاف الحج، فإنه من مكة لمن هو فيها.

والفرق بين الحج والعمرة، أن العمرة جميع أعمالها في الحرم، فيخرج للحل للجمع فيها بين الحل والحرم.

وأما الحج فبعض أعماله في الحرم، وبعضها في الحل، وهو الوقوف بعرفة.

14-

قوله: "أهل بالحج" ظاهره أنه مُفرِد.

وتقدم الجمع بين روايات ما يوهم الإفراد أو التمتع، وأن الصحيح أنه قارن.

اختلاف العلماء، في فسخ الحج إلى عمرة:

أجمع العلماء على أن الصحابة الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، قد فسخوا حجهم إلى عمرة، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.

واختلفوا: هل هذا الفسخ لمن بعدهم أيضاً، أم لهم خاصة في تلك الواقعة؟.

فذهب الأئمة الثلاثة، أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وجمهور العلماء إلى أن هذا الفسخ خاص بالصحابة في تلك السنة، ولا يتعدَّاهم إلى غيرهم.

وذهب الإمام أحمد، وأهل الحديث، والظاهرية. ومن الصحابة ابن عباس وأبو موسى الأشعري: ـ إلى الفسخ.

استدل الأولون بما رواه أبو داود عن "أبي ذر" كان يقول فيمن حج ثم فسخها بعمرة: "لم يكن ذلك إلا للركب، الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولـ"مسلم" عن "أبي ذر" كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

وبما رواه الخمسة عن الحارث بن بلال، عن أبيه بلال بن الحارث قال: قلت يا رسول الله: فسخ الحج لنا خاصة، أم للناس عامة؟ قال: بل لنا خاصة.

ص: 420

فعند الجمهور أن حديث بلال ناسخ لأحاديث الفسخ، فهو للصحابة خاصة في تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية، من تحريم العمرة في أشهر الحج، ويؤيد ذلك الأثر السابق عن أبي ذر رضي الله عنه.

واستدل الآخرون على فسخ الحج بأحاديث صحيحة جيدة قربت من حَدِّ التواتر عن بضعة عشر من الصحابة.

منها حديث جابر، وسراقة بن مالك، وأبي سعيد الخدري، وعَلِيًّ، وابن عباس، وأنس، وابن عمر، والربيع بن سبرة، والبراء بن عازب، وأبي موسى، وعائشة، وفاطمة، وحفصة، وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين.

كل هؤلاء رَوَوْا أحاديث كثيرة ـ وبعضها في الصحيحين – تنص على فسخ الحج إلى العمرة.

ولهذا، لما قال سلمة بن شبيب للإمام أحمد: يا أبا عبد الله، كل شيء منك حسن جميل، إلا خصلة واحدة. فقال: وما هي؟.

قال: تقول بفسخ الحج.

فقال الإمام أحمد: كنت أرى أن لك عقلاً، عندي ثمانية عشر حديثاً صحاحاً جياداً، كلها في فسخ الحج، أتركها لقولك؟

وقد أورد المصنف رحمه الله تعالى في هذا الكتاب، منها حديثين:

1-

حديث جابر، الذي نحن نتكلم عليه الآن

2-

وحديث ابن عباس؛ سيأتي، ونورد معهما

حديثين من تلك الأحاديث المتكاثرة.

الأول: ما رواه "مسلم" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "خرجنا

مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخاً.

فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة، إلا من ساق الهدي، فلما كان يوم التروية، وَرُحْنَا إلى "منى" أهللنا بالحج".

والثاني: ما رواه "مسلم" و"ابن ماجه" عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت:"خرجنا محرمين، فقال رسول الله: من كان معه هَدْيٌ فَلْيُقِمْ على إحرامه، ومن لم يكن معه هديٌ، فليحلل، فلم يكن معي هدي، فحللت. وكان مع الزبير هدي، فلم يحلل".

وهذه أحاديث عامة للصحابة ولمن بعدهم، إلى الأبد.

فإن الأحكام الشرعية، لا تكون لجيل دون جيل، ولا لطائفة دون أخرى.

فمن ادّعى الخصوصية، فعليه الدليل.

ص: 421

وكيف ولما سأل سراقة بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الفسخ "هل هي للصحابة خاصة؟ " فقال: "بل للأمة عامَّة؟ ".

وقد وردت هذه الأحاديث في واقعة متأخرة، لم يأت بعدها ما ينسخها. ومن ادَّعى النسخ، فعليه الدليل.

بل ورد ما يبعد دعوى النسخ، حين قيل للنبي صلى الله عليه وسلم "عمرتنا هذه: لعامنا هذا أم للأبد؟ " فقال: "لا. بل لأبد الأبد، ودخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة".

أما دعوى الجمهور النسخ، بحديث بلال بن الحارث، فبعيد كل البعد.

لأن الإمام أحمد قال في حديثه: حديث بلال بن الحارث عندي، ليس بثبت، ولا أقول به. وأحد رواة سنده الحارث بن بلال لا يعرف.

وقال أيضاً: أرأيت لو عرف الحارث بن بلال؟ إلا أن أحد عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون ما يرون من الفسخ: أين يقع الحارث بن بلال منهم؟!

وأما أثر أبي ذر، فهو رَأيٌ له، وقد خالفه غيره فيه، فلا يكون حجة، لاسيما مع معارضته للأحاديث الصحاح.

وممن اختار الفسخ، شيخ الإسلام "ابن تيمية" قدس الله روحه، وتلميذه "ابن القيم".

وقد أطال "ابن القيم" البحث في الموضوع في كتابه [زاد المعاد] وبيَّن حجج الطرفين، ونصر الفسخ نصراً مؤزراً مبيناً، وردَّ غيره، وفنَّد أدلته بطريقته المقنعة، وعارضته القوية.

ثم اختلف القائلون بالفسخ: أهو للوجوب أم للاستحباب؟

فذهب الإمام أحمد: إلى استحباب الفسخ. قال شيخ الإسلام: أهل مكة وبنو هاشم وعلماء الحديث يستحبونها، فاستحبها علماء سنته، وأهل سنته، وأهل بلدته التي بقربها المناسك وهؤلاء أخص الناس به.

ولعل قصر الإمام "أحمد" لأحاديث الأمر بالفسخ مع التغليظ فيه على الاستحباب، حمله على عدم مبادرة الصحابة إلى امتثال أمره صلى الله عليه وسلم.

وذهب ابن عباس في المفهوم من كلامه: إلى أنه فرض من لم يَسُقْ هدي التمتع، حيث قال:" من جاء مُهلاًّ بالحج، فإن الطواف باليت يغيره إلى عمرة، شاء أم أبى".

وذهب "ابن حزم" إلى ما ذهب إليه ابن عباس، حيث يقول في كتابه المحلى:

ومن أراد الحج، فإنه إذا جاء إلى الميقات، فإن كان لا هدي معه، ففرض عليه أن يحرم بعمرة

ص: 422

مفردة ولابد، ولا يجوز له غير ذلك.

فإن أحرم بحج أو بقران حج وعمرة، ففرض عليه أن يفسخ إهلاله ذلك، بعمرة يحل إذا أتمها، لا يجزئه غير ذلك.

وذهب ابن القيم إلى هذا الرأي حيث قال في كتابه زاد المعاد بعد أن ساق حديث البراء بن عازب، ونحن نشهد الله علينا، أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضاً علينا فسخه إلى عمرة، تفادياً من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعاً لأمره.

فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده، ولا صح حرف واحد يعارضه، ولا خص به أصحابه، دون مَنْ بعده، بل أجرى الله سبحانه وتعالى على لسان سراقة أن يسأله: هل ذلك مختص بهم؟ فأجاب: بأن ذلك كائن لأبد الأبد.

فما ندري ما تقدم على هذه الأحاديث وهذا الأمر المؤكد، الذي غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالفه.

فهؤلاء، لما رأوا تكاثر الأحاديث في الأمر به، وغضب الرسول صلى الله عليه وسلم من أجله، لم يقنعوا إلا بالقول بوجوبه وفريضته.

وحديث البراء المشار إليه هو ما أخرجه ابن ماجه، والإمام أحمد وصححه، عن البراء بن عازب قال:"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال: فأحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة قال: اجعلوا حجكم عمرة".

قال: فقال الناس: يا رسول الله قد أحرمنا بالحج، كيف نجعلها عمرة.

قال: "انظروا ما آمركم به فافعلوا" فردوا عليه القول فغضب.

ثم انطلق حتى دخل على عائشة وهو غضبان، فرأت الغضب في وجهه فقالت:"من أغضبك أغضبه الله؟ ".

قال: "ومالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا يُتَّبعُ".

فهذا وأمثاله، متمسك من أوجبوا الفسخ.

الحديث الثاني

عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنهما قالَ: قدِمْنَا مَعَ سُولِ الله صلى الله عليه وسلم

وَنَحْنُ نَقُولُ " لَبَّيْكَ بالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً.

المعنى الإجمالي:

يقول جابر: قدمنا في حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مُهلِّين بالحج ومُلبِّينَ به، لأن

ص: 423

بعضهم أفرد الحج، وبعضهم قرن، وكأنه مُفْرِد وسكت عن المتمتعين، وفيهم قسم متمتع.

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدي منهم أن يفسخ حجه إلى عمرة متمتعاً بها إلى الحج.

وهذا الحديث، أحد أدلة من يرون فسخ الحج إلى عمرة.

الحديث الثالث

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قَال: قَدِمَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَأصحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ، فَأمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَقَالُوا:

يَا رَسُولَ الله أيُّ الْحِلِّ؟ قال: "الحِلُّ كُلُّهُ".

المعنى الإجمالي:

يذكر ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا مكة في حجة الوداع، صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة، وكان بعضهم محرماً بالحج، ومنهم القارن بين الحج والعمرة.

فأمر من لم يَسُقِ الْهَدْيَ من هاتين الطائفتين بأن يحلوا من حجهم، ويجعلوا إحرامهم بالعمرة.

فكبُر عليهم ذلك ورأوا أنه عظيم أن يتحللوا التحلل الكامل، الذي يبيح الجماع، ثم يحرمون بالحج، ولذا سألوه فقالوا: يا رسول الله: أي الحل؟ فقال صلى الله عليه وسلم الحل كله، فيباح لكم ما حرم عليكم قبل الإحرام فامتثلوا رضي الله عنهم

وهذا من أدلة القائلين بالفسخ أيضاً.

الحديث الرابع

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّيَيْرِ قال: سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَنَا جَالِس: كَيْفَ كانَ رَسُولُ الله صلى الله

عليه وسلم يَسِيرُ حِينَ دَفَعَ؟

فقال: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ.

العنق: انبساط السير، و"النص" فوق ذلك.

الغريب:

العنق والنص: " العنق" بفتح العين والنون. و"النص" بفتح النون وتشديد الصاد. وهما ضربان من السير، والنص أسرعهما.

الفجوة: بفتح الفاء، المكان المتسع.

ص: 424

المعنى الإجمالي:

كان أسامة بن زيد رضى الله عنهما رديف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة.

فكان أعلم الناس بسير النبي صلى الله عليه وسلم فسئل عن صفته فقال:

كان يسير العنق، وهو انبساط السير ويسره في زحمة الناس، لئلا يؤذي به، وليكون بعد انصرافه من هذا الموقف العظيم وإقباله على المشعر الحرام

خاشعاً خاضعاً، عليه السكينة والوقار، راجياً قبول عمله، شاكراً على نعمه التي من أجلها عزَّ الإسلام، وذلَّ الشرك. فإذا وجد فرجة ليس فيها أحد من الناس حرك دابته، فأسرع قليلاً، وخشوعه وخضوعه لا يفارقانه صلى الله عليه وسلم في كل حركة وسكون.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

كون أسامة بن زيد رديف النبي صلى الله عليه وسلم، من دفع عرفة إلى مزدلفة، فهو أعلم الناس بسيره.

2-

كان سيره صلى الله عليه وسلم انبساطاً لا تباطُؤَ فيه، ولا خفة ولا سرعة، فيؤذي بهما، ويذهب معهما خشوعه.

3-

إذا وجد فجوة ليس فيها أحد، حرك دابته مع ما هو فيه من الخشوع والخضوع لله تعالى، ومراقبته الله، وتعظيمه لمناسكه ومشاعره.

4-

أن ما عليه الناس اليوم من الطيش، والخفة، والسرعة، والسباق على السيارات مناف للسنة، وهيبة الحج، وسكينته ووقاره.

ويحدث من جراء هذه السرعة ما ينافي الشرع من المبادرة بالخروج من حدود عرفة قبل الغروب، فيحصل التشبه بالمشركين، ويحصل أضرار تلحق الراكبين ومراكبهم، ويحصل من الشجار والنزاع ما ينافي آداب الحج. إلى غير ذلك من المفاسد المترتبة على هذه العجلة، التي في غير موضعها.

ص: 425