المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الإمَامَة هذا باب يذكر فيه آداب الإمام والمأموم، وما يجب - تيسير العلام شرح عمدة الأحكام

[عبد الله البسام]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌النية وأحكامها

- ‌بَاب دخول الخلاءَ والاستِطَابة

- ‌بَابُ السّوَاك

- ‌بَاب المسْح عَلى الخفّين

- ‌بَاب في المذي وغَيره

- ‌بَاب الغُسْل مِنَ الجنَابة

- ‌بَابُ التيمّم

- ‌بَابُ الحَيْض

- ‌باب حكم المستحاضة

- ‌كِتَابُ الصلاة

- ‌بَابُ المَواقِيت

- ‌بَاب في شيء مِن مَكرُوهَات الصَّلاة

- ‌باب فضْل صَلاة الجماعَةِ وَوجوبها

- ‌بَابُ حضُور النساء المسْجِد

- ‌بَابُ سنَن الراتبة

- ‌بَابُ الآذَان والإقامة

- ‌بَاب استقبال القبْلَة

- ‌بَابُ الصّفُوف

- ‌بَابُ الإمَامَة

- ‌بَابُ صفَة صَلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ وجُوب الطّمَأنينة في الركوع والسجود

- ‌بَابُ القِراءَة في الصَّلاة

- ‌بَابُ سُجُود السَهْو

- ‌بَابُ المرُور بَيْن يَدَي المصَلّي

- ‌بَابٌ جَامع

- ‌بَابُ تحيَّة المسْجِد

- ‌بَابُ النّهي عَن الكَلام في الصَّلاة

- ‌بَابُ الإبراد في الظهر من شدّة الحَر

- ‌بَابُ قضَاء الصَّلاة الفائتة وتعجيلها

- ‌باَب حكم ستر أحد العَاتقين في الصلاة

- ‌بَاب ما جَاء في الثوم والبصل ونحوهما

- ‌بَابُ التشهد

- ‌بَابُ كَيفية الصَّلَاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ الدّعاء بعد التشهد الأخير

- ‌بَابُ الوِتر

- ‌بَابُ الذكر عَقب الصَّلاة

- ‌بَابُ الخشُوع في الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الجَمْع بين الصلاتين في السفر

- ‌بَابُ قصْر الصَّلاة في السفر

- ‌بَابُ الجُمعَة

- ‌بَابُ صَلَاةِ العيدَين

- ‌بَابُ صَلَاة الكسوف

- ‌بَابُ الاستِسقَاء

- ‌بَابُ صَلَاة الخوف

- ‌كِتاب الجَنَائز

- ‌بَابٌ في الصَّلَاة على الغائب وعلى القبر

- ‌بَابٌ في الكفن

- ‌بَاب في صفة تغسيل الميّت وتشييع الجنازة

- ‌بَابٌ في مَوقِف الإمام من الميت

- ‌‌‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌كتاب الزكاة

- ‌بَابُ صدقة الفِطر

- ‌كِتاب الصيَام

- ‌بَاب الصَّوم في السَّفر

- ‌بَابُ أفضَل الصِّيامِ وَغَيرِه

- ‌بَابُ لَيلَة القَدْرِ

- ‌بَاب الاعتِكَاف

- ‌كِتَابِ الحَجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌بَابُ مَا يَلبسُه المحْرم من الثياب

- ‌بَابُ التلبيَة

- ‌بَاب سَفر المَرأة بدُون محْرم

- ‌بَاب الفِديَة

- ‌بَابُ حرمَة مَكة

- ‌بَابُ مَا يجُوز قَتْله

- ‌بَاب دُخول مَكةَ والبيت

- ‌بَابُ الطَّواف وأدَبه

- ‌بَابُ التمتّع

- ‌بَابُ الهَدْي

- ‌بَابُ الغسْل لِلمُحرم

- ‌بَابُ فَسخ الحَج إلى العمْرة

- ‌باب حكم تقديم الرمي

- ‌باب كيف ترمى جمرة العقبة

- ‌باب فضل الحلق وجواز التقصير

- ‌باب طواف الإفاضة والوداع

- ‌باب وجوب المبيت بمنى

- ‌باب جمع المغرب والعشاء في مزدلفة

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌كِتَابُ البيوع

- ‌بَابُ مَا نهى الله عنه من البيوع

- ‌باب النهي عن بيع الثمرة

- ‌باَب الْعرَايا

- ‌باب بيع النخل بعد التأبير

- ‌بَابُ نهي المشتري عن بيع الطعام قبل قبضه

- ‌بَابُ تحْريم بَيْع الخبائث

- ‌بابُ السَّلَم

- ‌بَابُ الشروط في البَيْع

- ‌بَابُ الرِّبا والصَّرْف

- ‌بَابُ الرَّهن

- ‌بَابُ الحَوَالة

- ‌بَابُ مَنْ وَجَد سلْعَته عند رجل قد أفلس

- ‌باَبُ الشفعَة

- ‌بَابُ أحْكام الجوَار

- ‌بَابُ الغصْبِ

- ‌بَابُ المساقاة والمزارعة

- ‌بَاب في جَواز كراء الأرض بالشيء المعْلوم

- ‌بَابُ الوَقف

- ‌باَبُ الهِبَة

- ‌بَابُ العَدل بَيْن الأولاد في العطِية

- ‌بَابُ هِبَة العمرى

- ‌باَبُ اللُّقَطَة

- ‌كتَابُ الوَصَايَا

- ‌‌‌بَاب الفرائض

- ‌بَاب الفرائض

- ‌كِتَاب الّنَكَاح

- ‌باب المحرمات من النكاح

- ‌بَابُ الشروط في النكاح

- ‌بَابُ ما جاء في الاستئمار وَالاستئذان

- ‌بَابُ لا ينكح مطَلقته ثَلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌باَبُ عشرَة النسَاء

- ‌بَابُ النّهي عن الخلْوَة بِالأجنبية

- ‌بَابُ الصَّدَاق

- ‌كتاب الطلاق

- ‌بَابُ العِدَّة

- ‌بَابُ تحريم إحداد المَرْأة أكثر من ثلاثة إلا على زوج

- ‌بَابُ مَا تجتنبه الحَاد

- ‌كِتَابُ اللِّعَان

- ‌بَابُ لحَاق النَّسب

- ‌كتاب الرَّضَاع

- ‌كِتَابُ القِصَاص

- ‌كتابُ الحُدُود

- ‌باب حدِّ السَّرقة

- ‌باب في إنكار الشفاعة في الحدود

- ‌بَابُ حد الخمْر

- ‌بَابُ التعزير

- ‌كِتاب الأيمَان والنذور

- ‌بَابُ النَّذر

- ‌‌‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ الأطعمة

- ‌بَابُ الصَّيْد

- ‌بَابُ الأضاحي

- ‌كتاب الأشربة

- ‌كِتابُ اللبَاس

- ‌كِتابُ الجِهَاد

- ‌كِتابُ العِتق

- ‌بَابُ بَيْع المدبَّر

الفصل: ‌ ‌بَابُ الإمَامَة هذا باب يذكر فيه آداب الإمام والمأموم، وما يجب

‌بَابُ الإمَامَة

هذا باب يذكر فيه آداب الإمام والمأموم، وما يجب على كُل منهما، ويستحب وفيه بيان علاقة بعضهما ببعض.

والإمامة نظام إلهيّ، يرشدنا الله سبحانه وتعالى فيه- عَملِيّاً- إلى مقاصد سنية، وأهداف سامية، من حسن الطاعة، والاقتداء بالقُوَاد في مواطن الجهاد ومن حسن النظام والتعبئة للأعمال العسكرية، والحركات الحربية، ومن تعود على المواساة والمساواة.

حيث يقف الصغير مع الكبير، والْغَنىُّ مع الفقير، والشريف مع الوضيع، إلى غير ذلك من أسرار تفوت الحصر.

هذا والمقصد الأسمى هو عبادة الله تعالى، والخضوع بين يديه.

الحديث الأول

عَنْ أبي هُريرة رضي الله عنه أنَّ النَبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " أما يَخْشَى الَّذِي يَرفعُ رأسه قَبْلَ الإمام، أنْ يُحَوِّلَ الله رَأسَهُ رَأسَ حِمَارٍ. أوْ يَجْعَلَ الله صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ؟! ".

غريب الحديث:

1-

"أما": قال الشوكاني: " أما " مخففة- حرف استفتاح وأصلها " ما " النافية، دخلت عليها همزة الاستفهام، وهى- هنا- استفهام توبيخ.

2-

"يخشى": يخاف. والمعنى: فليخَفْ، لأن الغرض من الاستفهام هنا الإشعار بالنهي عن رفع الرأس قبل الإمام.

المعنى الإجمالي:

إنما جعل الإمام في الصلاة ليقتدى به ويؤتم به، بحيث تقع تنقلات المأموم بعد تنقلاته، وبهذا تحقق المتابعة.

فإذا سابقه المأموم، فاتت المقاصد المطلوبة من الإمامة، لذا جاء هذا الوعيد الشديد على من يرفع رأسه قبل إمامه، بأن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار، بحيث يمسخ رأسه من أحسن صورة إلى أقبح صورة، جزاءً لهذا العضو الذي حصل منه الرفع والإخلال بالصلاة.

اختلاف العلماء في السبق:

اتفق العلماء على تحريم مسابقة المأموم للإمام لهذا الوعيد الشديد.

ولكن اختلفوا في بطلان صلاته، فالجمهور أنها لا تبطل.

ص: 133

قال الإمام أحمد في رسالته " ليس في سبق الإمام صلاة ". وأصحاب الإمام يقولون: من سبق إمامه بركن كركوع أو سجود، فعليه أن يرجع ليأتي به بعد الإمام، فإن لم يفعل عمداً حتى لحقه الإمام فيه، بطلت صلاته.

والصحيح ما ذكره في الرسالة من أن مجرد السبق عمدا يبطل الصلاة وهو اختيار شيخ الإسلام "ابن تيمية" رحمه الله، لأن الوعيد يقتضي النهي، والنهي يقتضي الفساد.

الاستنباطات من الحديث:

1-

تحريم رفع الرأس في السجود قبل الإمام والوعيد فيه دليل على منعه، إذ لا وعيد إلا على محرم وقد أوعد عليه بالمسخ وهو من أشد العقوبات.

2-

يلحق بذلك مسابقة الإمام في كل تنقلات الصلاة وليس ذا من باب القياس وحده فزيادة على القياس الصحيح أخرج البزار من حديث أبي هريرة مرفوعاً " الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد الشيطان ".

3-

وجوب متابعة المأموم للإمام في الصلاة.

4-

أن الجزاء من جنس العمل، فحين كان الرفع في الرأس، جوزِيَ بالوعيد بالمسخ.

5-

توعد المسابق بالمسخ إلى صورة الحمار، لما بينه وبين الحمار من المناسبة والشبه في البلادة والغباء، لأن المسابق إذا كان يعلم أنه لن ينصرف من الصلاة قبل إمامه، فليس هناك نتيجة في المسابقة، فدل على غبائه وضعف عقله.

6-

تدل مسابقة الإمام على الرغبة في استعجال الخروج من الصلاة، وذلك مرض دواؤه أن يتذكر صاحبه أنه لن يسلم قبل الإمام.

7-

الوعيد بتغيير صورة من يرفع رأسه قبل الإمام إلى صورة حمار أمر ممكن، وهو من المسخ، ولكنه لم ينقل وقوعه. ويحتمل أن يرجع المعنى من تحويل الصورة إلى تحويل النحيزة وذلك بأن يصبح بليداً كالحمار.

ص: 134

الحديث الثاني

عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنَّمَا جُعِل الإمام لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فإذا كَبَّرَ فَكَبروا. وإذَا رَكَعَ فَاركعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولوا: رَبَنا لَكَ الحَمْد، وإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإَذَا صَلَّى جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً أجْمَعُونَ ".

الحديث الثالث

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: "صَلى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَيْتِهِ وَهُوَ شَاك فصَلًى جَالِساً، وَصلَّى وَرَاءهُ قَوم قياماً فَأشَار إلَيْهِمْ: أنِ اجْلِسُوا، فلَمَا انصرف قَال: إنَّمَا جُعِلَ الإمَام لِيؤتَمَّ بِهِ، فإذا رَكع فَاركعُوا، وَإِذَا رَفع فَارْفَعُوا، وَإِذَا قال: سمع الله لمن حَمِدَهُ، فقُولُوا: ربَنّاَ وَلَكَ الحمد، وإِذَا صَلى جَالِساً فصَلوا جُلُوساً أجْمَعُونَ ".

الغريب:

1-

"الفاء الواقعة في (فكبروا) و (فاركعوا)

إلخ ": للترتيب والتعقيب، ومعنى الترتيب، أن تقع بعده، والتعقيب بأن تليه مباشرة، فلا تُساوِه ولا تتأخر عنه.

2-

"جعل": من أفعال التحويل تأخذ مفعولين: أحدهما نائب الفاعل، والثاني محذوف تقديره. "إماما".

3-

"أجمعون": تأكيد لضمير الجمع.

4-

"شاك": اسم فاعل من الشكاية وهي المرض.

المعنى الإجمالي:

في هذين الحديثين بيان صفة اقتداء المأموم بالإمام، ومتابعته له.

فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم المأمومين إلى الحكمة من جعل الإمام وهي أن يقتدي به ويتابع، فلا يختلف عليه بعمل من أعمال الصلاة، وإنما تراعى تَنَقلاته بنظام فإذا كبر للإحرام، فكبروا أنتم كذلك، وإذا رَكع فاركعوا بعده، وإذا ذكركم أن الله مجيب لمن حمده بقوله:" سمع الله لمن حمده " فاحمدوه تعالى بقولكم:

"ربنا لك الحمد". وإذا سجد فتابعوه. واسجدوا. وإذا صلى جالساً لعجزه، عن القيام -فتحقيقاً للمتابعة- صلوا جلوساً، ولو كنتم على القيام قادرين.

ص: 135

فقد ذكرت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى من المرض فصلى جالساً وكان الصحابة يظنون أن عليهم القيام لقدرتهم عليه، فصلوا وراءه قياما فأشار إليهم، أن اجلسوا.

فلما انصرف من الصلاة أرشدهم إلى أن الإمام لا يخالف، وإنما يوافق لتحقق المتابعة التامة والاقتداء الكامل، بحيث يصلى المأموم جالساً مع قدرته على القيام لجلوس إمامه العاجز.

اختلاف العلماء:

اختلف العلماء في صحة ائتمام المفترض بالمتنفل.

فذهب المالكية والحنفية، والمشهور من مذهب الحنابلة: إلى عدم الصحة، مستدلين بهذا الحديث الذي معنا "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ".

وكون المأموم مفترضاً والإمام متنفلا مخالفة بينهما في النية. وهو من أشد أنواع الاختلاف ولأن مدار العمل على النية.

وذهب الشافعي، والأوزاعى، والطبري إلى صحة ائتمام المفترض بالمتنفل، وهى رواية أخرى عن الإِمام أحمد، اختارها من أصحابه: ابن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم مستدلينِ بحديث معاذ المتفق عليه:" كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع فيصلى بقومه تلك الصلاة".

ويستدلون أيضاً: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه في صلاة الخوف ركعتين، ثم سلًم، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين، ثم سلم " رواه أبو داود.

والنبي عليه الصلاة والسلام -في الصلاة- الثانية متنفل.

ومعنى " فلا تختلفوا عليه " أي في أفعال الصلاة.

والقائلون بصحة الصلاة، يلزمون غير المصححين لها بأن يقولوا: أنتم أيضاً تصححون صلاة المفترض بالمتنفل مع اختلافهما في النية، كالتي تمنعونها، فيلزمكم التناقض في الاستدلال.

واختلفوا أيضاً في صلاة المأمومين جلوسا مع القدرة على القيام خلف الإمام العاجز عن القيام.

فذهبت الظاهرية، والأوزاعيٍ، وإسحاق، إلى أن المأمومين يصلون خلف الإمام العاجز عن القيام جلوسا، ولو كانوا قادرين على القيام.

واستدلوا على ذلك بهذين الحديثين، وما ورد في

ص: 136

معناهما.

وذهب الإمامان أبو حنيفة، والشافعي، وغيرهما، إلى أنه لا يجوز للقادر على القيام أن يصلي خلفه القاعد إلا قائماً.

واحتجوا "بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرض موته قاعداً، وصلى أبو بكر، والناس خلفه قياماً " متفق عليه.

وأجاب هؤلاء عن حديثي الباب ونحوهما بأجوبة ضعيفة، وأحسنها جوابان: الأول: أن حديثي الباب وما شابههما مما يُثبت صحة صلاة القاعد العاجز بالقاعد القادر منسوخة بحديث صلاته في مرض موته بالناس قاعداً وهم قائمون خلفه، ولم يأمرهم بالقعود.

وهذا الجواب للإمام الشافعي وغيره.

وأنكر الإمام " أحمد " النسخ، والأصل عدم النسخ بين النصوص الشرعية وأنه مهما أمكن الجمع بينها، وجب المصير إليه، لأنه إعمال لها جميعاً. الجواب الثاني من أجوبة المخالفين لحديثي الباب: دعوى التخصيص بالنبي صلى الله عليه وسلم، بأن يؤم جالساً، ولا يصح لأحد بعده.

هذا جواب الإمام " مالك " وجماعة من أتباعه.

والمخصص -عندهم- حديث للشعبي عن جابر مرفوعاً: " لا يَؤُمَّنَّ أحَدٌ بَعْدِى جالسا ".

وأجيب عن هذا الحديث بأنه لا يصح بوجه من الوجوه.

وقال ابن دقيق العيد، قد عُرف أن الأصل عدم التخصيص حتى يدل عليه دليل.

وقد عارض هذا الحديث الضعيف المستدل به على التخصيص حديث أصح منه، وهو ما أخرجه أبو داود " أن أسَيْدَ بْنَ حُضَيْر كان يؤم قومه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقيل: يا رسول الله، إن إمامنا مريض. فقال: " إذا صلى قاعداً، فصلوا قعوداً ".

وذهب الإمام " أحمد " إلى التوسط بين هذين القولين.

وهو إن ابتدأ بهم الإمام الراتب الصلاة قائماً، ثم اعتل في أثنائها فجلس أتموا خلفه قياماً وجوباً، عملا بحديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكر والناس، حين مرِض مرَض الموت.

وإن ابتدأ بهم الصلاة جالساً صلوا خلفه جلوسا، استحبابا. عملا بحديثي الباب ونحوهما وهو جمع حسن، تتلاقى فيه الأحاديث الصحيحة المتعارضة.

ص: 137

ولاشك أن الجمع بين النصوص -إذا أمكن- أولى من النسخ والتحريف.

وقد قوي هذا الجمع الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.

ما يؤخذ من الحديثين:

1-

وجوب متابعة المأموم للإمام في الصلاة وتحريم المسابقة.

2-

تحريم مخالفته وبطلان الصلاة بها.

3-

أن الأفضل في المتابعة، أن تقع أعمال المأموم بعد أعمال الإمام مباشرة. قال الفقهاء: وتكره المساواة والموافقة في هذه الأعمال.

4-

أن الإمام إذا صلى جالسا -لعجزه عن القيام- صلى خلفه المأمون جلوساً ولو كانوا قادرين على القيام، تحقيقا للمتابعة والاقتداء.

5-

أن المأموم يقول: " ربنا لك الحمد " حينما يقول الإمام: " سمع الله لمن حمده ". وقال ابن عبد البر: لا أعلم خلافاً في أن المنفرد يقول: "-سمع الله لمن حمده ". " ربنا ولك الحمد " وقال ابن حجر: وأما الإِمام فيستمع ويحمد، جمع بينهما فقد ثبت في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينهما.

6-

أن من الحكمة في جعل الإمام في الصلاة، الاقتداء والمتابعة.

7-

جواز الإشارة في الصلاة للحاجة.

8-

في الحديث دليل على تأكيد متابعة الإمام، وأنها مقدمة على غيرها من أعمال الصلاة، فقد أسقط القيام عن المأمومين القادرين عليه، مع أنه أحد أركان الصلاة، كل ذلك لأجل كمال الاقتداء.

9-

ومنه يؤخذ تَحَتمُ طاعة القادة وولاة الأمر ومراعاة النظام، وعدم المخالفة والانشقاق على الرؤساء.

فما هذه الشرائع الإلهية إلا لتعويدنا على السمع والطاعة، وحسن الاتباع والائتلاف، بجانب التعبد بها لله سبحانه وتعالى.

وما أعظم الإسلام وأسمى تشريعاته، وأجل أهدافه!!

وفق الله المسلمين إلى التبصر بدينهم واتّباعه، فيجتمع شملهم، وتتوحد صفوفهم، وتعلو كلمتهم فما الخير إلا في الاجتماع والتفاهم، وما الشر إلا بالتفرق والاختلاف، والمراء الباطل. {وَأطِيعُوا الله ورسوله، وَلَا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِن اللَه مَع الصابِرِينَ} .

ص: 138

الحديث الرابع

عَنْ عَبْدِ الله بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الأنْصارِيّ رضي الله عنه قَالَ: حَدَثَني الْبَراءُ بْنُ عَازِبٍ، وَهُوَ غيْرُ كَذُوبٍ (1) قَالَ:" كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: " سمِعَ الله لمَنْ حَمِدَهُ "، لَمْ يَحْنِ أحَدٌ مِنّا ظَهْرَهُ حَتَى يَقَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَاجِداً، ثُمَّ نَقَعُ سُجُوداً بَعْدَهُ".

غريب الحديث:

" ثم نقع ": بالرفع على الاستئناف، وليس معطوفاَ على " يقع " الأولى المنصوب بـ "حتى" إذْ ليس المعنى عليه.

المعنى الإجمالي:

يذكر هذا الراوي الصدوق أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤم أصحابه في الصلاة فكانت أفعال المأمومين تأتي بعد أن يتم فعله، بحيث كان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع وقال:"سمع الله لمن حمده" ثم رفع أصحابه بعده هبط ساجدا، وحينئذ يقعون ساجدين.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

صفة متابعة الصحابة للرسول في الصلاة، وأنهم لا ينتقلون من القيام إلى السجود حتى يسجد.

2-

أنه ينبغي أن تكون المتابعة هكذا، فلا تتقدم الإمام، فإنه محرم يبطل الصلاة، ولا توافقه، فإنه مكروه ينقص الصلاة، ولا تتأخر عنه كثيراً، بل تليه مباشرة.

3-

في الحديث دليل على طول الطمأنينة بعد الركوع، هذا بالنسبة إلى المأموم، أما الإمام فلطمأنينته أدلة أخرى.

[تنبيه] الموافقة في أفعال الصلاة وأقوالها للإمام مكروهة، إلا تكبيرة الإحرام، فإنها لا تنعقد معها الصلاة.

(1) اختلف العلماء في الذي نفى عنه الكذب، فبعضهم يرى أنه " البراِء"، قاله فيه عبد الله بن يزيد، تقوية للحديث لا تزكية، فهو صحابي.

وبعضهم يرى أنه " عبد الله " قاله فيه أبو إسحاق تقوية وتزكية، وهو محتمل. وقد اختلف في صحبة عبد الله بن يزيد.

ص: 139

الحديث الخامس

عَنْ أبي هُريرةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا أمّنَ الإمَامُ فَأمّنُوا، فَإنًهُ من وافَقَ تَأمِينُهُ تَأمين اْلملائِكَةِ، غفِرَ له مَا تَقدمَ مِنْ ذَنِبه ".

المعنى الإجمالي:

دعاء فاتحة الكتاب هو أحسن الدعاء وأنفعه، لذا شرع للمصلى- إماما كان أو مأموماً أو منفرداً- أن يُؤَمن بعده، لأن التأمين طابع الدعاء.

فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نؤمن إذا أمن الإمام، لأن ذلك هو وقت تأمين الملائكة، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه.

وهذه غنيمة جليلة وفرصة ثمينة، ألا وهى غفران الذنوب بأيسر الأسباب، فلا يُفَوِّتها إلا محروم.

اختلاف العلماء:

ذهب مالك في إحدى الروايتين عنه، إلى أن التأمين لا يشرع في حق الإمام، وتأوَّل الحديث على معنى: إذا بلغ الإمام موضع التأمين، ولم يقصد التامين نفسه.

وذهب الشافعي وأحمد، إلى استحباب التأمين لكل من الإِمام والمأموم والمنفرد، لظاهر الحديث الذي معنا، وغيره.

وذهبت الظاهرية، إلى الوجوب على كل مصل.

وهو ظاهر الحديث في حق المأمومين، لأن الأمر يقتضي الوجوب.

ما يؤخذ من الحديث من الأحكام:

1-

مشروعية التأمين للإمام، والمأموم، والمنفرد.

2-

أن الملائكة تؤمن على دعاء المصلين. والأظهر أن المراد منهم الذين

يشهدون تلك الصلاة من الملائكة في الأرض والسماء، واستدل لذلك بما أخرجه البخاري من أنه صلى الله عليه وسلم قال:" إذا قال أحدكم آمين، قالت الملائكة في السماء: آمين، فوافق أحدهما الآخر، غفر الله له ما تقدم من ذنبه ".

3-

فضيلة التأمين، وأنه سبب في غفران الذنوب.

لكن عند محققي العلماء أن التكفير في هذا الحديث وأمثاله، خاصُّ بصغائر الذنوب، أما الكبائر، فلا بد لها من التوبة.

4-

أنه ينبغي للداعي والمؤمّن على الدعاء، أن يكون حاضر القلب.

ص: 140

5-

استدل البخاري بهذا الحديث على مشروعية جهر الإمام بالتأمين، لأنه علق تأمين المؤتمين بتأمينه ولا يعلمونه إلا بسماعه. وهذا قول الجمهور.

6-

من الأفضل للداعي أن يشابه الملائكة في كل الصفات التي تكون سبباً في الإجابة، كالتضرع والخشوع والطهارة، وحل الملبس والمشرب والمأكل، وحضور القلب، والإقبال على الله في كل حال.

الحديث السادس

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا صَلى أحَدكُمْ لِلنَاس فَلْيُخَففْ، فَإنَّ فيهم الضعيف والسقِيمَ وَذا الحاجة (1) ، وَإِذَا صَلَّى أحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَليُطَولْ مَا شَاءَ".

الحديث السابع

عَنْ أبي مَسْعُودٍ الأنصاري رضي الله عنه قَال: جَاءَ رَجُل إِلى رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقَالَ: إنِّي لأتَأخَرُ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ أجْلِ فلانٍ مِمَّا يطِيلُ بِنَا.

قالَ: فَمَا رأى النَّبيَ صلى الله عليه وسلم غَضبَ في مَوْعِظَةٍ قطُّ أشدَّ مِمَّا غضِبَ يَوَمَئِذٍ، فَقَالَ:"يَا أيها النَّاسُ، إِن مِنْكُمْ مُنَفرِينَ فَأيّكُمْ أمّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ، فَإن مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ وَالصَغِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ".

المعنى الإجمالي:

جاءت هذه الشريعة السمحة، باليسر والسهولة، وَنَفْى العَنَتِ والحرج.

ولهذا " فإن الصلاة التي هي أجل الطاعات " أمر النبي صلى الله عليه وسلم الإمام التخفيف فيها، لتتيسر وتسهل على المأمومين، فيخرجوا منها وهم لها راغبون. ولأن في المأمومين من لا يطيق التطويل، إما لعجزه. أو مرضه أو حاجته.

فإن كان المصلى منفردا فليطول ما شاء. لأنه لا يضر أحداً بذلك.

ومن كراهته صلى الله عليه وسلم للتطويل، الذي يضر الناس أو يعوقهم عن أعمالهم، أنه لما جاءه رجل وأخبره أنه يتأخر عن صلاة الصبح مع الجماعة، من أجل الإمام الذي يصلى بهم، فيطيل الصلاة، غضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، وقال: إن منكم من ينفر الناس عن طاعة الله، ويكرّه إليهم الصلاة ويثقلها عليهم فَأيّكم أمَّ الناس فليوجز، فإن منهم العاجزين وذوى الحاجات.

(1) ليس في البخاري "وذا الحاجة".

ص: 141

اختلاف العلماء:

هناك أحاديث صحيحة تصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالطول، بحيث يكبر، فيذهب الذاهب إلى البقيع، ويقضى حاجته، ثم يرجع ويتوضأ يدرك الركعة الأولى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبأنه يقرأ في الصلاة المكتوبة بطوال السور، كالبقرة، والنساء، والأعراف، ويقرأ بطوال المفصل "ق " والطور ونحوهما.

وهناك أحاديث صحيحة تحث على التخفيف، منها هذان الحديثان اللذان معنا وأنه يقرأ بـ (قل يا أيها الكافرون) و (الإخلاص) ونحو ذلك.

والناس- تبعاً لهذه الأدلة- مختلفون.

فمنهم من يرى التطويل، عملا بهذه الأحاديث، ومنهم من يرى التخفيف عملاً بما ورد فيها.

والحق، أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض ولله الحمد، وكلها متفقة. ولكن التخفيف والتَّطْوِيل أمران نسبيان، لا يُحَدَّان بِحدّ، لأن الناس في ذلك على بَوْنٍ بعيد.

فالناقرون يرون الصلاة المتوسطة طويلة وأهل العبادة والطاعة يرونها قصيرة.

فليرجع إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وإلى حال صلاته، ويطبق بعضها على بعض، يظهر الحق الفاصل. وقد ذكر الصنعاني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل صلاته لعلمه بحال المؤتمين به، وأن الأمر بتخفيف الصلاة خاص بالأمة.

ما يؤخذ من الحديثين:

1-

وجوب تخفيف صلاة الجماعة مع الإئتمام.

2-

غضبه صلى الله عليه وسلم على المثقلين، وعدُّه هذا من الفتنة.

3-

جواز تطويل صلاة المنفرد ما شاء، وقيد بأن لا يخرج الوقت وهو في الصلاة. وذلك كيلا تصطدم مصلحة المبالغة بالتطويل من أجل كمال الصلاة مع مفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها.

4-

وجوب مراعاة العاجزين وأصحاب الحاجات في الصلاة.

5-

أنه لا بأس بإطالة الصلاة، إذا كان عدد المأمومين ينحصر وآثروا التطويل.

6-

أنه ينبغي للإنسان أن يسهل على الناس طريق الخير، ويحببه إليهم، ويرغبهم فيه، لأن هذا من التأليف، ومن الدعاية الحسنة إلى الإسلام.

ص: 142