الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صدقة الفِطر
نسبت إلى "الفطر" من باب نسبة المسبب إلى سببه، وقد أجمع العلماء على وجوبها، وشرعها الله تعالى لحكم عظيمة وفوائد كثيرة.
منها: - أنها طهرة للصائم. وشكر لله تعالى على أن منّ عليه بتكميل صيام شهر رمضان، وشكراً له أيضاً على أن متعه بدوران الحول عليه، ونعمه تتوالى عليه، التي أعظمها نعمة الإسلام والإيمان.
ومنها: - أنها مواساة دين الفقراء والأغنياء، إذا أعطوهم شيئاً من أموالهم اغتنوا في ذلك اليوم عن الاشتغال بطلب قوتهم، وترفعوا عن مذلة السؤال في يوم يحب كل الناس فيه التظاهر بالغني، ويشاركونهم في الأفراح المباحة- والله لطيف بعباده وهو الحكيم الخبير.
الحديث الأول
عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما: قال فَرَضَ النبي صلى الله عليه وسلم صَدَقةَ الفِطرِ- أو قال: رمضان- عَلَى الذَّكر وَالأنثى وَالحُرِّ والمملوك، صَاعاً من تمر، أوْ صَاعا مِن شَعِير.
قال: فَعدَلَ الناسُ بِهِ نِصْفَ صَاع من بُرٍّ عَلَى الصغِيرِ وَالكبَير.
وفي لفظ: أنْ تؤَدَّى قبْلَ خُرُوج الناس إلَى الصلَاة،
الحديث الثاني
عَنْ أبي سَعِد الخدْرِيِّ رضي الله عَنْة قال: كُنا نعطيهَا في زَمَن النبي صلى الله عليه وسلم، صَاعاً مِنْ طَعَام أو صَاعاً مِنْ تَمر، أو صَاعا مِنْ شَعِير، أو صَاعاً مِنْ أقطٍ، أوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ.
فَلِمَّا جَاءََ معاوِية وَجَاءت السَّمْرَاءُ قال: أرَى مُدّاً مِنْ ِ هذه يعدل مُدَّيْنِ. (1)
قال أبو سعيد: أما أنا فَلَا أزَال أخْرجُهُ كَمَا كُنْتُ أخْرجُهُ عَلى عَهدِ رَسول الله صلى الله عليه وسلم.
الغريب:
الأقط: مثلث الهمزة، وهو يعمل من اللبن المخيض يطبخ حتى يتبخر ماؤه ثم يجفف، وأحسنه ما كان من لبن الغنم.
السمراء: يريد بها الحنطة.
المعنى الإجمالي:
أوجب النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على جميع المسلمين الذين تفضل الصدقة عن قوتهم في ذلك اليوم، كبيرهم، وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم، حر هم وعبدهم، أن يخرجوا صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير.
فلما وردت على المدينة الحنطة السمراء في زمن معاوية، وقدم المدينة حاجاً، قال: أرى أن مُدّاً من الحنطة عن مدين من غيرها يغنى لجودتها ونفعها.
فأما أبو سعيد الخدري رضى الله عنه فهو يقول: كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، والطعام- عندهم- هو الحنطة، وكذلك صاعاً من أقط، وصاعاً من زبيب فلا أزال أخرج الصاع من الحنطة وغيرها كما كنت أخرجه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إيثاراً للاتِّباع.
وليحصل بالصدقة الإغناء المطلوب، أمر أن تؤدى إلى الفقير قبل خروج الناس إلى الصلاة.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
وجوب زكاة " الفطر " وهو إجماع المسلمين لقوله: (فرض) .
2-
أن تخرج عن كل مسلم صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد.
3-
أنها لا تجب عن الجنين، واستحب كثير من العلماء إخراجها عنه.
فقد ورد عن الصحابة أنه كان يعجبهم إخراجها عن الحمل. وكان عثمان يخرجها عن الحمل أيضاً.
4-
ظاهر الحديث، تحديد الإخراج من الأشياء المذكورة.
والمشهور من مذهب الإمام أحمد: أنه لا يجزئ غير هذه الأشياء مع وجود شيء منها.
واختار شيخ الإسلام " ابن تيمية " جواز إخراجها من قوت بلده، ولو قدر على الأصناف المذكورة، وهو رواية عن الإمام أحمد وقول أكثر العلماء. وأفضل هذه الأصناف وغيرها من أنواع الأطعمة، أنفعها للمتصدَّق عليه، لأنه الذي يحصل به الإغناء المطلوب في ذلك اليوم.
5-
ظاهر حديث أبي سعيد، أن الواجب صاع، سواء أكان من الحنطة أم من غيرها.
وهو مذهب " مالك " و " الشافعي " و" أحمد " والجمهور.
وذهب أبو حنيفة، إلى أنه يجزيء من الحنطة نصف صاع، و" ابن القيم " يميل في " الهدى " إلى تقوية أدلته. واختار هذا القول شيخ الإسلام " ابن تيمية "
وقال: " هو قياس قول أحمد في الكفارات".
قلت: والأحوط، المذهب الأول.
6-
والأفضل إخراجها فجر يوم العيد قبل الصلاة، وهو قول فقهاء المذاهب الأربعة.
فإن أخرجها بعد الصلاة فعند الحنابلة يكره يوم العيد ويحرم بعده عند الحنابلة، وعند غيرهم من جماهير الفقهاء.
وعند " ابن حزم " تحريم تأخيرها عن الصلاة لما روي البخاري: -
" وَأمَرَ بِهَا أن تؤَدَّى قبْل خُرُوج الناس إِلَى الصَّلَاةِ ".
ولما روى أبو داود وابن ماجه " فَمنْ أدَّاها قبل الصلاة، فَهِيَ زَكاة مَقْبُولَة وَمَنْ أدَّاهَا بَعدَ الصَّلَاة فَهيَ صَدَقَة مِنَ الصدَقاتِ، والحق أن أبا محمد أسعدهم بإصابة الدليل والقول به.
7-
وهل يجوز تقديمها قبل صلاة العيد؟.
ذهب أبو حنيفة: إلى جواز تقديمها لِحَول أو حولين، قياسا على زكاة المال.
وذهب " الشافعي " إلى جواز تقديمها من أول رمضان.
وذهب " مالك" إلى أنه لا يجوز تعجيلها مطلقا، كالصلاة قبل وقتها.
وذهب الحنابلة إلى جواز تعجيلها قبل العيد بيومين. لما روى البخاري: (كَانوا يُعطُونَ قبلَ الفِطر بيوم أو يومين) يريد بذلك الصحابة. ولأنه لا يحصل الإغناء في ذلك اليوم إلا إذا قدمت للفقير بنحو يوم أو يومين، ليعدها ليوم العيد، ولأنه إذا أخرها إلى قبيل الصلاة يخشى أن لا يجد صاحبها الذي يستحقها فيفوت وقتها المطلوب.
ولهذه الاعتبارات الصحيحة فإن شيخنا العلامة " عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي" رحمه الله تعالى، يرى استحباب تقديمها بيوم أو يومين.