الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظاهرة محزنة:
إذا قارنت حال المسلمين اليوم بهذه النصوص الصحيحة، والآداب العالية، والغيرة الكريمة، والشهامة النبيلة، والمحافظة على الفروج والأعراض وحفظ الأنساب، وجدت كثيراً من المسلمين قد نبذوا دينهم وراءهم ظهرياً، ومرقوا منه، وصار التَّصَوُّنُ والحياء ضرباً من الرجعية والجمود.
أما الانحلال الخُلُقيُّ، وخلع رداء الحياء والعفاف، فهو التقدُّم والرُّقيُّ. فإنا لله وإنا إليه راجعون
بَاب الفِديَة
الحديث الأول
عَنْ عَبْدِ الله بْن مَعْقِلٍ، قال: جَلَسْتُ إلى كَعْب بْنِ عُجْرَةَ فَسَألتُهُ عَنِ الفِدْيَةِ فقال: نَزَلَتْ
فِيَّ خَاصَّة، وَهِي لَكُمْ عَامَّة:
حُمِلْتُ إلى رَسُولِ الله وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلى وَجْهي فقال:
"مَا كُنْتُ أرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أرى - أو: مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ مَا أرَى: -
أتَجدُ شَاةً؟ فَقُلْتُ: لا، قَالَ: فَصُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ، أَوْ أطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِيْنَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ
نِصْفُ صَاعٍ.
وفي رواية: أمَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُطْعِمَ فَرَقاً بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أوْ
يُهْدِي شَاةً، أوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أيامٍ.
لغريب:
نزلت فيَّ: يعني الآية وهي قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُم مَرِيضَاً أوْ به أذَىً مِنْ رَأسِه فَفِدْية مِنْ صِيَامٍ أوْ صَدَقَةٍ أوْ نُسُكٍ} .
حملت: بالبناء للمجهول.
ما كنت أُرَى: - بضم الهمزة، بمعنى "أظن".
ما أرى: - بفتح الهمزة، بمعنى "أشاهد".
الجَهد: بفتح الجيم "المشقة" وبضمها بمعنى "الوسع" و"الطاقة" والمراد ـ هنا – الأول.
الفَرَق: بفتح الفاء والراء، مكيال يسع ثلاثة آصع نبوية.
وتقدم في الزكاة تحرير الصاع النبوي ومكاييلنا الحاضرة والمقارنة بينهما.
المعنى الإجمالي:
رأى النب (1) ي صلى الله عليه وسلم "كعب بن عجرة" في الحديبية (2) وهو محرم.
وإذا القمل يتناثر على وجهه من المرض، والأوساخ المتسببة من المرض.
وكان صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، فَرَقَّ لحاله وقال: ما كنت أظن أن المشقة بلغت منك هذا المبلغ، الذي أراه، فأنزل الله تبارك وتعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أوْ بِهِ أذىً مِنْ رَأْسِهِ} الآية.
فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يجد أفضل ما يفدي به وهو الشاة؟.
فقال: لا، فقال: إذا لم تجد الشاة فأنت مخير بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من بر، أو غيره، ويكون ذلك كفارة عن حلق رأسه، الذي اضطر إليه في إحرامه، من أجل ما فيه من هوام، وفي الرواية الأخرى، خيَّره بين الثلاثة.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
جواز حلق الشعر للمحرم مع التضرر ببقائه، ويفدي.
2-
تحريم أخذ الشعر للمحرم بلا ضرر، ولو فدى.
3-
أن الأفضل في الفدية، ذبح شاة، وتقسيمها على الفقراء. فإن لم يجد، فصيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع.
وفي الرواية الأخرى التخيير بين الثلاثة ويأتي تحقيقه قريباً إن شاء الله.
4-
كون السنة مفسرة، ومبينة للقرآن.
فإن "الصدقة " المذكورة في الآية مجملة، بيَّنها الحديث.
5-
ظاهر الحديث أن نصف الصاع يخرج، سواء أكان من بر أم غيره.
وهو مذهب مالك، والشافعي، ورواية عن أحمد، وهو الصحيح، لظاهر الحديث.
أما المشهور من مذهب أحمد، فيجزئ مُدٌّ من بُرٍّ، أو نصف صاع من غيره.
6-
ظاهر النصوص، نزول الآية بعد فتوى النبي صلى الله عليه وسلم.
فتكون الآية مؤيدة للوحي الذي لا يتلى.
(1) عبرت بلفظ "رأى" لأنه ورد في بعض ألفاظ الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به، وفي بعضها: أنه حمل إليه. والقضية واحدة.
(2)
رد في بعض ألفاظ الحديث، أن ذلك في "الحديبية"
7-
وفيه رأفة النبي صلى الله عليه وسلم.
8-
وفيه تفقد الأمير والقائد أحوال رعيته.
9-
ألحق العلماء بحلق الرأس تقليم الأظفار، والطيب، واللبس، بجامع الترفُّه في كل منها، وتسمى "فدية الأذى".
10-
ورد في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بكعب، وبعضها: أنه حمل إليه.
وجمع بينهما العلماء، بأنه مرَّ به أولاً ثم طلبه فحمل إليه.
11-
يجوز الحلق قبل التكفير وبعده، ككفارة اليمين، تجوز قبل الحنث وبعده.
12-
سبب نزول الآية {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضَاً
…
} الخ قضية كعب بن عجرة.
ولكنها عامة، لأن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
تحقيق التخيير في الكفارة:
ظاهر الحديث الذي معنا يفيد تقديم الشاة، فإنْ لم يجدها، فهو مخير بين الصيام والإطعام.
أما الآية وبقية الروايات، فتفيد التخيير بين الثلاثة.
ومنها ما رواه البخاري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لعله آذَاكَ هَوَامُّكَ؟ ".
قال: نَعَمْ.
فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "احْلِقْ رَأسَكَ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، أوْ أطْعِمْ سِتَةَ مَسَاكِينَ، أوِ انْسُكْ شَاةً" فهذا وأمثاله، صريح في التخيير.
وقد جمع العلماء بينها، فقال ابن عبد البر: قدم الشاة، إشارةً إلى ترجيح الترتيب، لا إلى إيجابه.
قال النووي: قصد بسؤاله عن الشاة، أن يخبره إن كان عنده شاة، فهو مخير بين الثلاثة، لا أنه لا بجزيء مع وجودها غيرها.
وقال بعضهم: إنه أفتاه في الشاة اجتهاداً، وبعد ذلك نزلت الآية في التخيير بين الثلاثة.
ويؤيد هذا القول ما رواه مسلم عن عبد اللَه بن معقل، عن كعب قال:"أتجد شاة؟ قلت: لا، فنزلت هذه الآية".
والأحاديث الواردة في هذا المعنى، وردت من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، ومن طريق عبد الله بن معقل، عن كعب أيضاً.