الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب في المذي وغَيره
المذيُ: هو السائل الذي يخرج من الذكر، عند هيجان الشهوة، ويخرج بلا دفق ولا لذة. ولا يعقبه فتور، وقد لا يحس بخروجه، ويكون ذلك للرجل والمرأة. وقال الأطباء: إنه يخرج من مجرى البول مع إفراز الغدد المبالية عند الملاعبة.
والمراد هنا، بيان أحكامه من حيث النجاسة ونقض الوضوء.
وفى الباب، عدةَ من الأحاديث، تتعلق بنقض الوضوء وإزالة النجاسات.
الحديث
عَنْ عَلِىِّ بْنِ أبى طَالِب رضي الله عنه قَال: كُنْتُ رَجُلا مَذّاءً، فَاسْتَحْيَيتُ أنْ أسْألَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لِمَكَان ابنته منِّى، فَأمَرْتُ المِقْدادَ بْنِ الأسْوَد، فَسألهُ، فَقَاَل:" يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ويتوضأ (1) ".
وللبخاري "اغْسِل ذَكَرَكَ وتَوَضأ" ولمسلم (2) : "تَوَضأ وَاْنضَحْ فَرْجَكَ".
غريب الحديث:
1-
"مذَّاء" وزن فعّال من صيغ المبالغة، والمراد كثير المَذي. ْ
2-
"انضح فرجك" يراد بالنضح، الرش وهو الأكثر، وقد يراد به الغسل، وهو المراد هنا، ليوافق الرواية الأخرى المصرّحة بالغسل.
3-
"يغسلُ" برفع اللام. هكذا الرواية على صيغة الخبر، ومعناه الأمر.
4-
"استحييت" بيائين هي اللغة الفصحى، ويأتي بياء واحدة كما في قراءة {إن الله لا يستحى
…
} .
المعنى الإجمالي:
يقول على رضي الله عنه: كنت رجلا كثير المذْيِ، وكنت أغتسل منه حتى شق علىَّ الغُسل، لأني ظننت حكمه حكم المنى.
فأردت أن أتأكد من حكمه، وأردت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكون هذه المسألة تتعلق بالفروج، وابنته تحتي، فاستحييت من سؤاله، فأمرت المقداد أن يسأله، فسأله
(1) أورده البخاري بلفظ: " توضأ واغسل ذكرك ".
(2)
هذه الرواية لمسلم: قد استدركها عليه الدارقطني، بأن فيها انقطاعاً. قال النووي: وكيف كان فمتن الحديث صحيح، من الطرق الأخرى التي ذكرها مسلم قبل هذه الطريق.
فقال: إذا خرج منه المذي فليغسل ذَكَرَهُ حتى يتقلص الخارج الناشئ من الحرارة، برَشَّة بالماء، ويتوضأ لكونه خارجا من أحد السبيلين والخارج من أحدهما هو أحد نواقض الوضوء. فيكون صلى الله عليه وسلم قد أرشد السائل بهذا الجواب إلى أمر شرعي وأمر طبي.
اختلاف العلماء:
ذهب الحنابلة، وبعض المالكية: إلى وجوب غسل الذكر كله، مستدلين بهذا الحديث وغيره، حيث صرحت بغسل الذكر، وهو حقيقة يطلق عليه كله. وذهب الجمهور: إلى وجوب غسل المحلى الذي أصابه المذْىُ، لأنه الموجب للغسل فيقتصر عليه.
والقول الأول أرجح لأمور:
الأول: أن غسله هو الحقيقة من الحديث، وغسل بعضه مجاز يحتاج إلى قرينة قوية.
الثاني: أن المذْيَ فيه شبه من المَنيّ، من ناحية سبب خروجهما، وتقارب لونهما، وغير ذلك، فهو أشبه ما يكون بجنابة صغرى، يقتصر فيه عن غسل البدن كله، على غسل الفرج.
الثالث: أنه يتسرب من حرارة الشهوة فنضحه كله مناسب، ليتقلص الخارج بتبريده.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
نجاسة المَذيِ، وأنه يجب غسله. ولكن يعفى عن يسيره بسبب المشقة كما ذكر بعض العلماء.
2-
أنه من نواقض الوضوء، لأنه خارج من أحد السبيلين.
3-
وجوب غسل الذكر.
وقد ورد في بعض الأحاديث (وغسل الأنثيين) .
4-
أنه لا يوجب غسل البدن كالجنابة، وهو إجماع.
5-
أنه لا يكفى في إزالة المذىِ الاستجمار بالحجارة كالبول بل لابد من الماء.
حكم في حصول الحدث
عن عَبّادٍ بنِ تَميمٍ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ زَيد بنِ عَاصِمٍ المَازِني قال: شُكِيَ (1) إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجُلُ يُخَيلُ إلَيْهِ أنَهُ يَجِدُ الشيء في الصَّلاةِ، فَقَالَ: "لا يَنْصرفْ حَتّى يَسمَعَ صَوتاً أو يَجِدَ رِيحاً.
(1) شكي: بضم الشين وضم الكاف، مبنى للمجهول،:" الرجل " قائم مقام الفاعل. واِلشاكي هو الراوي عبد الله بن زيد، كذا جاء في الصحيح.
المعنى الإجمالي:
هذا الحديث- كما ذكر النووي رحمه الله من قواعد الإسلام العامة وأصوله التي تبنى عليها الأحكام الكثيرة الجليلة.
وهى أن الأصل بقاء الأشياء المتيقنة على حكمها، فلا يعدل عنها لمجرد الشكوك والظنون، سواء قويت الشكوك، أو ضعفت، مادامت لم تصل إلى درجة اليقين، وأمثلة ذلك كثيرة لا تخفى. ومنها هذا الحديث.
فما دام الإنسان متيقنا للطهارة، ثم شك في الحدث فالأصل بقاء طهارته، وبالعكس فمن تيقن الحدث، وشك في الطهارة فالأصل بقاء الحدث، ومن هذا الثياب والأمكنة، فالأصل فيها الطهارة، إلا بيقين نجاستها.
ومن ذلك عدد الركعات في الصلاة، فمن تيقن ثلاثا مثلا، وشك في الرابعة، فالأصل عدمها.
ومن ذلك، من شك في طلاق زوجته. فالأصل بقاء النكاح. وهكذا من المسائل الكثيرة التي لا تخفى.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
القاعدة العامة وهي" أن" الأصل بقاء ما كان على ما كان.
2-
أن مجرد الشك في الحدث، لا يبطل الوضوء، ولا الصلاة.
3-
تحريم الانصراف من الصلاة لغير سبب بين.
4-
أن الريح الخارجة من الدبر، بصوت أو بغير صوت، ناقضة للوضوء.
5-
يراد من سماع الصوت ووجدان الريح في الحديث، التيقن من ذلك.
فلو كان لا يسمع ولا يشتم، وتيقن بغير هذين الطريقين، انتقض وضوءه.
حكم بول الصبي والصبية
عَنْ أُم قَيْسِ بِنْتَ مِحْصَنِ اْلأسديَة أنها أتَتْ بِابْنِ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأكُلِ الطّعَامَ، إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فأجلَسَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاء فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ.
وفي حديث عائشةَ أًم المؤمنين: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِصبيٍّ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ
فَدَعَا بِمَاء فَأتْبَعَهُ إِيَّاه. ولمسلم " فَأتْبَعَهُ بَوْلَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ ".
المعنى الإجمالي:
كان الصحابة رضي الله عنهم يأتون النبي صلى الله عليه وسلم بأطفالهم. لينالوا من بركته وبركة دعائه لهم.
وكان صلى الله عليه وسلم من لطافته، وكرم أخلاقه، يستقبلهم بما جبله الله عليه، من البشر والسماحة.
فجاءت "أم قيس" بابن لها صغير، يتقوت اللبن، ولم يصل إلى سن التقوت بغير اللبن.
فمن رحمته أجلسه في حجره الكريم، فبال الصبي على ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، فطلب ماء فرش مكان البول من ثوبه رشاً، ولم يغسله غسلا.
اختلاف العلماء:
يرى طائفة من العلماء أن الذكر والأنثى سواء في الاكتفاء بالنضح، قياسا للأنثى على الذكر.
وترى طائفة أخرى: أنهما سواء في وجوب الغسل وعدم الاكتفاء بالنضح.
وكلا الطائفتين لم تستندا إلى دليل.
و"النضح" للذكر و"الغسل" للأنثى، هو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة وهو مذهب الأئمة "الشافعي""وأحمد" و"إسحاق" و"الأوزاعي" و"ابن حزم" و"ابن تيمية" و "ابن القيم" واختاره شيخنا "السعدي" وكثير من المحققين.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
نجاسة بول الغلام وإن لم يأكل الطعام لشهوة..
2-
كفاية الرش، الذي لا يبلغ درجة الجريان، لتطهير بول الغلام.
3-
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الكريمة، وتواضعه الجم.
فائدة: اختلف العلماء في السبب الذي أوجب التفريق بين بول الغلام وبول الجارية، وتلمس كل منهم حكمة، صارت- في نظره- الفارقة المناسبة.
وأحسن هذه التلمسات، أحد أمرين.
الأول: أن الغلام عنده حرارة غريزية زائدة على حرارة الجارية، تطبخ الطعام، وتلطف الفضلات الخارجة. ومع هذه الحرارة الزائدة كون الطعام الطفل لطيفاً، لأنه لبن.
والجارية ليس لديها الحرارة الملطفة، ويؤيد هذا تقييد نضح النجاسة بعدم أكل الطعام، إلا اللبن.
والثاني: أن الغلام- عادة- أرغب إلى الناس من الجارية فيكثر حمله ونقله، وتباشر نجاسته، مما يسبب المشقة والحرج، فسومح بتخفيف نجاسته، ويؤيده ما يعرف عن الشريعة من السماح واليسير.
والقاعد العامة تقول: "المشقة تجلب التيسير".
على أن بعض العلماء جعلوه من المسائل التعبدية، التي لا تعقل حكمتها والله أعلم بمراده.
كيفية تطهير الأرض التي أصابها بول
عَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ أعْرَابيّ فَبَاَلَ في طَائِفَةِ المسْجدِ فَزَجَرَهُ الناس، فَنَهَاهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم، فلَما قَضَى بَولَه، أمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فأهْرِيقَ عَلَيْهِ.
غريب الحديث:
1-
"أعرابي" بفتح الهمزة، نسبة إلى الأعراب، وهم سكان البادية وقد جاءت النسبة فيه إلى الجمع دون الواحد.
2-
"في طائفة المسجد" في ناحية المسجد.
3-
"فزجره الناس" نهروه.
4-
"بذنوب من ماء" بفتح الذال المعجمة، الدلو الملأى ماءً ولا تسمى ذنوبا إلا إذا كان فيها ماء. "فأهريق عليه" أصله "أريق عليه" أبدلت الهمزة هاء، فصار "فهريق" ثم زيدت همزة أخرى، فصار "فأهريق" هو بسكون الهاء، مبنى للمجهول.
المعنى الإجمالي:
من عادة الأعراب، الجفاء والجهل، لبعدهم عن تعلم ما أنزل الله على رسوله.
فبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه في المسجد النبوي، إذ جاء أعرابي وبال في أحد جوانب المسجد، ظناً منه أنه كالفلاة، فعظم فعله على الصحابة لعظم حرمة المساجد، فنهروه أثناء بوله.
ولكن صاحب الخلق الكريم، الذي بعث بالتبشير والتيسير، ولما يعلمه من حال الأعراب، نهاهم عن زجره، لئلا يُلوث بقعاً كثيرة من المسجد، ولئلا يصيبه الضرر بقطع بوله عليه، وليكون أدعى لقبول النصيحة والتعليم حينما يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرهم أن يطهروا مكان بوله، بصب دلو من ماء عليه.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
أن البول على الأرض يطهر بغمره بالماء، ولا يشترط نقل التراب من المكان بعد ذلك ولا قبله.
2-
احترام المساجد وتطهيرها.
3-
سماحة خلق النبي صلى الله عليه وسلم. فقد أرشد الأعرابي برفق ولين بعد ما بال مما جعله يقول: "اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحداً " كما جاء في صحيح البخاري.
4-
بُعْدُ نظره صلى الله عليه وسلم ومعرفته لطبائع الناس.
5-
عند تزاحم المفاسد، يرتكب أخفها، فقد تركه يكمل بوله، لأجل ما يترتب من الأضرار بقطعه عليه.
6-
إن البعد عن الناس والمدن، يسبب الجفاء والجهل.
7-
الرفق بتعليم الجاهل.
بيان أحكام الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر
عَن أبيِ هُرَيرة رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " الفطرة خمس: الْخِتَانُ، والاستِحْدَادُ، وَقَصُ الشَّارب، وَتَقلِيمُ الأظَافِرِ، وَنَتْف الإبْطِ ".
المعنى الإجمالي: يذكر أبو هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: خمس خصال من دين الإسلام،
الذي فطر اللَه الناس عليه، فمن أتى بها، فقد قام بخصال عظام من الدين الحنيف.
وهذه الخمس المذكرة في هذا الحديث، من جملة النظافة، التي أتى بها الإسلام.
أولها- قطع قُلْفة الذكر، التي يسبب بقاؤها تراكم النجاسات والأوساخ فتحدث الأمراض والجروح.
وثانيها- حلق الشعور التي حول الفرج، سواء أكان قبلا أم دبرا، لأن بقاءها في مكانها يجعلها معرضة للتلوث بالنجاسات، وربما أخلت بالطهارة الشرعية.
وثالثها- قص الشارب، الذي بقاؤه، يسبب تشويه الخلقة، ويكره الشراب بعد صاحبه، وهو من التشبه بالمجوس.
ورابعها- تقليم الأظافر، التي يسبب بقاؤها تجمع الأوساخ فيها، فتخالط الطعام، فيحدث المرض.
وأيضا ربما منعت كمال الطهارة لسترها بعض الفرض.
وخامسها- نتف الإبط، الذي يجلب بقاؤه الرائحة الكريهة.
وبالجملة فإزالة هذه الأشياء من محاسن الإِسلام، الذي جاء بالنظافة والطهارة، والتأديب والتهذيب، ليكون المسلم على أحسن حال وأجمل صورة، فإن النظافة من الإِيمان.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
أن فطرة الله تعالى تدعو إلى كل خير، وتبعد عن كل شر.
2-
أن هذه الخصال الخمس الكَريمة، من فطرة الله، التي يحبها ويأمر بها.
وجبل أصحاب الأذواق السليمة عليها ونفرهم من ضدها.
3-
أن الدين الإسلامي جاء بالنظافة والجمال والكمال.
4-
مشروعية تعاهد هذه الأشياء، وعدم الغفلة عنها.
5-
العدد خمسة هنا ليس حصراً، فإن مفهوم العدد ليس بحجة، وقد جاء في صحيح مسلم: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر من أنواع الفطرة في كل موضوع ما يناسبه.
6-
قال ابن حجر: يتعلق بهذه الخصال فوائد دينية ودنيوية منها
تحسين الهيئة وتنظيف البدن والاحتياط للطهارة، ومخالفة شعار الكفار، وامتثال أمر الشارع. ا. هـ.
7-
أن ما يفعله الآن الشبان والشابات من تطويل الأظافر، وما يفعله الذكور من إعفاء الشوارب، من الأمور الممنوعة شرعا، المستقبحة عقلا وذوقا. وأن الدين الإسلامي لا يأمر إلا بكل جميل ولا ينهى إلا عن كل قبيح، غير أن التقلَيد الأعمى للفرنجة قد قلب الحقائق وحسن القبيح، ونفر من الحسن ذوقا وعقلا وشرعا.
اختلاف العلماء:
اتفقت العلماء على استحباب فعل الأشياء المذكورة عدا الختان، فقد اختلفوا هل هو مستحب أو واجب، ومتى وقت وجوبه من عمر الإنسان؟
وهل هو واجب على الرجال والنساء، أو على الرجال فقط؟
والصحيح من هذه الخلافات، أنه واجب، وأن وجوبه على الرجال دون النساء، وأن وقت وجوبه عند البلوغ، حينما تجب عليه الطهارة والصلاة.
فائدة: الختان الشرعي هو قطع القلفة الساترة لحشفة الذكر.
ويوجد في البلاد المتوحشة من يسلخون - والعياذ بالله- الجلد الذي يحيط بِالْقبُلِ كله، ويزعمون- جهلا- أن هذا ختان، وما هذا إلا تعذيب وتمثيل ومخالفة للسنة المحمدية، وهو محرم وفاعله آثم.
وفقنا الله جميعا لاتباع شرعه الطاهر.