المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في تحريم التسخط بالفعل والقول - تيسير العلام شرح عمدة الأحكام

[عبد الله البسام]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌النية وأحكامها

- ‌بَاب دخول الخلاءَ والاستِطَابة

- ‌بَابُ السّوَاك

- ‌بَاب المسْح عَلى الخفّين

- ‌بَاب في المذي وغَيره

- ‌بَاب الغُسْل مِنَ الجنَابة

- ‌بَابُ التيمّم

- ‌بَابُ الحَيْض

- ‌باب حكم المستحاضة

- ‌كِتَابُ الصلاة

- ‌بَابُ المَواقِيت

- ‌بَاب في شيء مِن مَكرُوهَات الصَّلاة

- ‌باب فضْل صَلاة الجماعَةِ وَوجوبها

- ‌بَابُ حضُور النساء المسْجِد

- ‌بَابُ سنَن الراتبة

- ‌بَابُ الآذَان والإقامة

- ‌بَاب استقبال القبْلَة

- ‌بَابُ الصّفُوف

- ‌بَابُ الإمَامَة

- ‌بَابُ صفَة صَلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ وجُوب الطّمَأنينة في الركوع والسجود

- ‌بَابُ القِراءَة في الصَّلاة

- ‌بَابُ سُجُود السَهْو

- ‌بَابُ المرُور بَيْن يَدَي المصَلّي

- ‌بَابٌ جَامع

- ‌بَابُ تحيَّة المسْجِد

- ‌بَابُ النّهي عَن الكَلام في الصَّلاة

- ‌بَابُ الإبراد في الظهر من شدّة الحَر

- ‌بَابُ قضَاء الصَّلاة الفائتة وتعجيلها

- ‌باَب حكم ستر أحد العَاتقين في الصلاة

- ‌بَاب ما جَاء في الثوم والبصل ونحوهما

- ‌بَابُ التشهد

- ‌بَابُ كَيفية الصَّلَاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ الدّعاء بعد التشهد الأخير

- ‌بَابُ الوِتر

- ‌بَابُ الذكر عَقب الصَّلاة

- ‌بَابُ الخشُوع في الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الجَمْع بين الصلاتين في السفر

- ‌بَابُ قصْر الصَّلاة في السفر

- ‌بَابُ الجُمعَة

- ‌بَابُ صَلَاةِ العيدَين

- ‌بَابُ صَلَاة الكسوف

- ‌بَابُ الاستِسقَاء

- ‌بَابُ صَلَاة الخوف

- ‌كِتاب الجَنَائز

- ‌بَابٌ في الصَّلَاة على الغائب وعلى القبر

- ‌بَابٌ في الكفن

- ‌بَاب في صفة تغسيل الميّت وتشييع الجنازة

- ‌بَابٌ في مَوقِف الإمام من الميت

- ‌‌‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌كتاب الزكاة

- ‌بَابُ صدقة الفِطر

- ‌كِتاب الصيَام

- ‌بَاب الصَّوم في السَّفر

- ‌بَابُ أفضَل الصِّيامِ وَغَيرِه

- ‌بَابُ لَيلَة القَدْرِ

- ‌بَاب الاعتِكَاف

- ‌كِتَابِ الحَجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌بَابُ مَا يَلبسُه المحْرم من الثياب

- ‌بَابُ التلبيَة

- ‌بَاب سَفر المَرأة بدُون محْرم

- ‌بَاب الفِديَة

- ‌بَابُ حرمَة مَكة

- ‌بَابُ مَا يجُوز قَتْله

- ‌بَاب دُخول مَكةَ والبيت

- ‌بَابُ الطَّواف وأدَبه

- ‌بَابُ التمتّع

- ‌بَابُ الهَدْي

- ‌بَابُ الغسْل لِلمُحرم

- ‌بَابُ فَسخ الحَج إلى العمْرة

- ‌باب حكم تقديم الرمي

- ‌باب كيف ترمى جمرة العقبة

- ‌باب فضل الحلق وجواز التقصير

- ‌باب طواف الإفاضة والوداع

- ‌باب وجوب المبيت بمنى

- ‌باب جمع المغرب والعشاء في مزدلفة

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌كِتَابُ البيوع

- ‌بَابُ مَا نهى الله عنه من البيوع

- ‌باب النهي عن بيع الثمرة

- ‌باَب الْعرَايا

- ‌باب بيع النخل بعد التأبير

- ‌بَابُ نهي المشتري عن بيع الطعام قبل قبضه

- ‌بَابُ تحْريم بَيْع الخبائث

- ‌بابُ السَّلَم

- ‌بَابُ الشروط في البَيْع

- ‌بَابُ الرِّبا والصَّرْف

- ‌بَابُ الرَّهن

- ‌بَابُ الحَوَالة

- ‌بَابُ مَنْ وَجَد سلْعَته عند رجل قد أفلس

- ‌باَبُ الشفعَة

- ‌بَابُ أحْكام الجوَار

- ‌بَابُ الغصْبِ

- ‌بَابُ المساقاة والمزارعة

- ‌بَاب في جَواز كراء الأرض بالشيء المعْلوم

- ‌بَابُ الوَقف

- ‌باَبُ الهِبَة

- ‌بَابُ العَدل بَيْن الأولاد في العطِية

- ‌بَابُ هِبَة العمرى

- ‌باَبُ اللُّقَطَة

- ‌كتَابُ الوَصَايَا

- ‌‌‌بَاب الفرائض

- ‌بَاب الفرائض

- ‌كِتَاب الّنَكَاح

- ‌باب المحرمات من النكاح

- ‌بَابُ الشروط في النكاح

- ‌بَابُ ما جاء في الاستئمار وَالاستئذان

- ‌بَابُ لا ينكح مطَلقته ثَلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌باَبُ عشرَة النسَاء

- ‌بَابُ النّهي عن الخلْوَة بِالأجنبية

- ‌بَابُ الصَّدَاق

- ‌كتاب الطلاق

- ‌بَابُ العِدَّة

- ‌بَابُ تحريم إحداد المَرْأة أكثر من ثلاثة إلا على زوج

- ‌بَابُ مَا تجتنبه الحَاد

- ‌كِتَابُ اللِّعَان

- ‌بَابُ لحَاق النَّسب

- ‌كتاب الرَّضَاع

- ‌كِتَابُ القِصَاص

- ‌كتابُ الحُدُود

- ‌باب حدِّ السَّرقة

- ‌باب في إنكار الشفاعة في الحدود

- ‌بَابُ حد الخمْر

- ‌بَابُ التعزير

- ‌كِتاب الأيمَان والنذور

- ‌بَابُ النَّذر

- ‌‌‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ الأطعمة

- ‌بَابُ الصَّيْد

- ‌بَابُ الأضاحي

- ‌كتاب الأشربة

- ‌كِتابُ اللبَاس

- ‌كِتابُ الجِهَاد

- ‌كِتابُ العِتق

- ‌بَابُ بَيْع المدبَّر

الفصل: ‌باب في تحريم التسخط بالفعل والقول

3-

أن النفساء- وإن حازت الشهادة بموتها في نفاسها- يصلى عليها فلا تأخذ حكم شهيد المعركة.

4-

علل بعضهم الحكمة في الوقوف وسط المرأة بأنه أستر لها من الناس.

فائدة:

موقف الإمام من الرجل إزاء رأسه، لما روى الترمذي وحسنه "أن أنساً صَلَّى عَلَى رَجُلٍ فَقَامَ عِنْد رأسِهِ ثُم صَلَّى عَلَى امرَأةٍ فَقامَ حيَالَ وَسطِ السَّرير.

فَقَال العلَاءُ بنُ زَياد: هكَذَا رَأيتَ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الجَنَازَةِ مقَامَك مِنْهَا، وَمِنَ الرجل مَقَامكَ مِنْه؟.

قَالَ: نَعَمْ ".

وإذا اجتمع جنائز، فيكفيهن صلاة واحدة.

فإن كانوا نوعاً واحدا، قدم إلى الأمام أفضلهم بعلم أو تُقىً، أو سن.

وإن كانوا رجالا ونساءً، قدم الرجال على النساء.

والصلاة على الجنازة شفاعة من المصلين للميت.

فينبغي إخلاص الدعاء، وإحضار القلب لعل الله أن يتجاوز عنه ويمحو عنه ذنوبه، عند خروجه من الدنيا.

‌‌

‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

الحديث الأول

عَنْ أبي (1) مُوسَى- عَبْدِ الله بن قَيْس- رضي الله عنه أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَرِيء مِنَ الصَّالِقَةِ وَالحَالِقةِ وَالشَّاقَّةِ.

قال المصنف: الصالقة، التي ترفع صوتها عند المصيبة.

الحديث الثاني

عَنْ أبي عَبدِ الله بن مَسعُوُد رَضىَ الله عَنْهُ عَن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " ليس مِنَّا مَنَ ضَرَبَ الخُدُودَ وَشَقَّ الجيُوبَ وَدَعَا بِدَعوى الجَاهِليةِ".

(1) كان الحديث رقم 162 حسب ترتيب المصنف هو 164 ولكن قدمناه إلى هنا، لأن معناه هو معنى الحديث الذي معه وشرحناهما جميعا - اهـ الشارح.

ص: 287

الغريب:

1-

الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، بالنَّوْح والعويل.

2-

الحالقة: التي تحلق شعرها، أو تنتفه من شدة الجزع والهلع.

3-

الشاقة: التي تشق جيبها أو ثوبها تَسَخُّطاً في قضاء الله.

4-

دعوى الجاهلية: وذلك بالتفجع كل الميت والنياحة عليه بأنه قاتل النفوس وكهف العشيرة وكافل الأيتام.. إلى غير ذلك من المناقب التي كانوا يعددونها، ومثله الندبة كـ" ياسنداه " و " انقطاع ظهراه " وكل قول ينبيء عن السخط والجزع من قدر الله تعالى وحكمته.

5-

ضرب الخدود لطمها، وقد جاء بالجمع مناسبة لما بعده.

6-

الجيب: ما شق من الثوب لإدخال الرأس.

المعنى الإجمالي:

لله ما أخذ، وله ما أعطى وفي ذلك الحكمة التامة، والتصرف الرشيد.

ومن عارض في هذا ومانعه فكأنما يعترض على قضاء الله وقدره الذي هو عين المصلحة والحكمة وأساس العدل والصلاح.

ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه من تسخطَ وجزع من قضاء الله فهو على غير طريقته المحمودة، وسنته المنشودة، إذ قد انحرفت به الطريق إلى ناحية الذين إذا مسهم الشر جزعوا وهلعوا، لأنهم متعلقون بهذه الحياة الدنيا فلا يرجون بصبرهم على مصيبتهم ثواب الله ورضوانه.

فهو بريء ممن ضعف إيمانهم فلم يحتلوا وَقّعَ المصيبة حتى أخرجهم ذلك إلى التسخط القولى بالنياحة والندب، أو الفعلي، كنتف الشعور، وشق الجيوب، إحياءً لعادة الجاهلية.

وإنما أولياؤه الذين إذا أصابتهم مصيبة سلَّموا بقضاء الله تعالى، ويقالوا:{إِنَّا لله وإِنا إليه رَاجعُونَ. أولئِكَ عَلَيهِم صَلَوات مِنْ رَبِّهِم وَرَحمَة وَأولئِكَ هُمُ المُهتدُونَ} .

ما يؤخذ من الحديث:

1-

تحريم التسخط من أقدار الله المؤلمة، وإظهار ذلك بالنياحة أو الندب أو الحلق أو الشق أو غير ذلك كَحَثي التراب على الرأس.

2-

تحريم تقليد الجاهلية بأمورهم التي لم يقرهم الشارع عليها، ومن جملتها دعاويهم الباطلة عند المصائب.

3-

أن هذا الفعل وهذا القول من الكبائر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تَبَرَّأ ممن عمل ذلك، ولا يتبرأ إلا من فعل كبيرة.

ص: 288

4-

لا بأس من الحزن والبكاء، فهو لا ينافي الصبر على قضاء الله. وإنما هو رحمة جعلها الله في قلوب الأقارب والأحِبَّاء.

والنبي صلى الله عليه وسلم حزن وذرفت عيناه وقال: لا نقول إلا ما يرضى الرب. وبعضهم استحب البكاء.

وللعلماء والعارفين في هذا الباب، آراء يذهبون فيها حسبما تُوحِى إليهم نزعاتهم الدينية.

فائدتان:

الأولى: الإيمان بالله تعالى، وحسن رجاء العبد بره ومثوبته، ظل ظليل يأوي إليه كل من لفحته سمائم الحياة المحرقة، فإنه يجد فيه الراحة والأنس والأمن، لما يرجوه من ثواب الله تعالى وجزيل عطائه للصابرين.

فترخص عنده الحياة وتسهل عليه الأمور ولذا قيل: " من عرف الله هانت عليه مصيبته ".

والنبي صلى الله عليه وسلم قال: " عجباً للمؤمن، إن أمره كله عجب، إن أصابته سراء فشكر، كان خيرا له، وإن أصابته ضراء، فصبر، كان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن ". ولما فقد الناس هذا الظل الوارف من الإيمان بربهم والرجاء لحسن جزائه والأمل في كريم مثوبته صرنا في هذا الزمن نرى. والعياذ بالله – كثرة حوادث الانتحار ممن لم يدخل الإيمان في قلوبهم، فيقتلون أنفسهم ويعجلون بأرواحهم إلى النار، لأنهم لم يستروحوا هذا الظل الذي يجده المؤمن بربه، الواثق بوعده.

بل عند أتْفَهِ الأسباب يئدون أعمارهم، ولا يدرون بأنهم بتعجلهم المزرى- ينتقلون إلى عذاب أشد مما هم فيه، وأنهم كالمستنجد من الرمضاء بالنار.

فليس لديهم قلب المؤمن الراضي الذي تهون عنده المصائب بجانب ما عند الله من الجزاء الكريم.

الثانية: مذهب أهل السنة والجماعة، أن المسلم لا يخرج من دائرة الإسلام بمجرد فعل المعاصي وإن كبرت، كقتل النفس بغير حق.

ويوجد كثير من النصوص الصحيحة تفيد بظاهرها خروج المسلم من الإسلام لفعله بعض الكبائر، وذلك كهذين الحديثين " ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب " الخ.

وأن النبي صلى الله عليه وسلم (بريء من الصالقة والحالقة) ومثل " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه

ص: 289

ما يحب لنفسه " كحديث " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه " وحديث " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" وغير هذا كثير.

وقد اختلف العلماء في المراد منها.

فمنهم من رأى السكوت عنها، وأن تمر كما جاءت، وذلك أنه يراد بها الزجر والتخويف، فتبقى على تهويلها وتخويفها. ومنهم من أوَّلَهَا.

وأحسن تأويلاتهم ما قاله شيخ الإسلام " ابن تيمية " من أن الإيمان نوعان:

أ- نوع يمنع من دخول النار. ب- ونوع لا يمنع من الدخول، ولكن يمنع من الخلود فيها.

فمن كمل إيمانه وسار على طريق النبي صلى الله عليه وسلم وهديه الكامل، فهو الذي يمنعه إيمانه من دخول النار.

وقال رحمه الله: إنّ الأشياء لها شروط وموانع، فلا يتم الشيء إلا باجتماع شروطه وانتفاء موانعه.

مثال ذلك إذا رتب العذاب على عمل، كان ذلك العمل موجباً لحصول العذاب ما لم يوجد مانع يمنع من حصوله.

وأكبر الموانع، وجود الإيمان، الذي يمنع من الخلود في النار.

الحديث الثالث

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: لَمَّا اشتَكَى النَبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ بعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَة رَأتْهَا بأرض الحَبَشةِ يُقَالُ لَهَا " مَارِيَةُ " وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأمُّ حَبيبَةَ أتتا أرْضَ الحَبَشَةَ فَذَكَرَتَا من حُسْنِهَا وَتَصَاوير َ (1) فِيهَا، فَرَفَعَ رَأسَهُ صلى الله عليه وسلم وَقالَ:

" أولئِكَ إِذَا مَاتَ فِيهِم الرَّجُلُ الصالح بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً ثُمَّ صَورُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَ، أولئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ الله.

الغريب:

اشتكى: من الشكوى، أي المرض.

الكنيسة: متعبد النصارى وتجمع على كنائس.

شرار: جع شر وهى صفة مشبهة مثل بر.

(1) وتصاوير: معطوف على " حسنها " مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف لصيغة منتهى الجموع.

ص: 290

المعنى الإجمالي:

كانت " أم سلمة " و " أم حبيبة " من المهاجرات إلى أرض الحبشة، قبل أن يتزوج بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلما كان في مرضه الذي توفى فيه صلى الله عليه وسلم، ذكرتا له ما رأتاه من كنيسة في مهاجرهما الأول، وما فيها من حسن الزخرفة والتصاوير، فلم يشغله مرضه عليه الصلاة والسلام عن أن يبين ما في عملهم في كنائسهم، وفي موتاهم من المحاذير.

لذا رفع رأسه وقال: إن هؤلاء الذين تذكران من كنائسهم وتصاويرهم كانوا يتعدون الحدود، ويغلون في موتاهم، فإذا مات الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصورُوا تلك الصور.

وبما أن عملهم هذا منافٍ للتوحيد، الذي هو أوجب الواجبات، وضرره لا يقتصر على من هم عليه بل يتعداهم إلى غيرهم من المغرورين الجاهلين، فإن فاعليه شر الخالق عند الله تعالى.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

تحريم البناء على القبور، وأنه من التشبه بالمشركين، ومن وسائل الشرك.

2-

تحريم التصوير لذي الروح، لاسيما لأهل الصلاح الذين يخشى من صورهم الفتنة.

قال ابن دقيق العيد رحمه الله: فيه دليل على تحريم مثل هذا الفعل، وقد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير والصور، ولقد أبعد غاية البعد من قال: إن ذلك محمول على الكراهة، وأن هذا التشديد كان في ذلك الزمان، لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان، وهذا الزمان حيث انتشر الإسلام وتمهدت قواعده لا يساويه في هذا المعنى، فلا يساويه في التشديد. وهذا القول عندنا باطل قطعا. وصوب الصنعاني قول ابن دقيق العيد.

وقال النووي: تصوير الحيوان من الكبائر، لأنه توعد هذا الوعيد الشديد. إلا أن الممنوع ما كان له ظل، وأما ما لا ظل له فلا بأس باتحاده. قال الصنعاني: وهو مذهب باطل، فإن الستر الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم كانت الصورة فيه بلا ظل بغير شك. وأيد ابن حجر القول بتحريم ماله ظل وما ليس له ظل أخذاً بحديث أخرجه أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع فيها صورة إلا انتزعها".

3-

أن من عمل هذا، فهو من شر خلق الله لما في عمله من المحاذير الكثيرة والعواقب الوخيمة عليه وعلى غيره.

4-

فيه كمال نصح النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يصرفه عن الموعظة ما يقاسيه من الألم.

ص: 291

الحديث الرابع

عن عَائشة رضي الله عنها قالت قَالَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه:

" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره. غير أنه خُشي أن يُتَّخذ مسجداً.

المعنى الإجمالي:

كانت عائشة رضي الله عنها، هي التي مَرَّضت النبي صلى الله عليه وسلم، مرضه الذي توفى فيه، وهى الحاضرة وقت قبض روحه الكريم.

فذكرت أنه في هذا المرض الذي لم يقم منه، خشي أن يتخذ قبره مسجداً، يصلى عنده، فتجر الحال إلى عبادته من دون الله تعالى. فقال:

" لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يحذر من عملهم.

ولذا علم الصحابة رضي الله عنهم مراده، فجعلوه في داخل حجرة عائشة.

ولم ينقل عنهم، ولا عن من بعدهم من السلف، أنهم قصدوا قبره الشريف ليدخلوا إليه فيصلوا ويدعوا عنده.

حتى إذا تبدلت السنة بالبدعة، وصارت الرحلة إلى القبور، حفظ الله نبيه مما يكره أن يفعل عند قبره، فصانه بثلاثة حجب متينة، لا يتسنى لأي مبتدع أن ينفذ خلالها.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

النهي الأكيد، والتحريم الشديد، من اتخاذ القبور مساجد، وقصد الصلاة عندها. قال الصنعاني رحمه الله تعالى: إن ذلك ذريعة إلى تعظيم الميت والطواف بقبره والتمسح بأركانه والنداء باسمه، وهذه بدعة عظيمة عمت الدنيا وعبد الناس القبور وعظموها بالمشاهد والقباب، وزادوا على فعل الجاهلية فأسرجوها وجعلوا لها نصيبا من أموالهم؟ كما قال تعالى:{ويجعلون لمالا يعلمون نصيبا مما رزقناهم} .

وذكر أنه قد وردت بعض الأحاديث التي تدل على أن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل به السلف شيئا من هذا القبيل فقد أخرج أبو داود عن القاسم بن محمد أنه دخل على عائشة فكشفت له عن ثلاثة قبور " لا مشرفة ولا لاطئة " أي قبره وقبر صاجيه، وذكر الصنعاني أن ذلك غير جائز سواء أكان القبر في قبلة المسجد أم غيرها.

2-

أن هذا من فعل اليهود والنصارى، فمن فعله فقد اقتفى أثرهم، وترك سنة محمد عليه الصلاة والسلام.

3-

أن الصلاة عند القبر، سواء كانت بمسجد أو بغير مسجد، من وسائل الشرك الأكبر.

ص: 292

4-

أن الله تعالى صان نبيه عليه الصلاة والسلام عن أن يُعْمَلَ الشرك عنده، فألهم أصحابه ومن بعدهم، أن يصونوه.

5-

أن هذا من وصاياه الأخيرة التي أعدها لآخر أيامه لتحفظ.

الحديث الخامس

عَنْ أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من شَهدَ الْجَنَازَةَ حَتًى يُصَلَى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاط، وَمن شَهدَهَا حَتَّى تُدْفَن فَلَهُ قيرَاطَانِ ".

قيل: وَمَا القيرَاطَانِ؟ قالْ: "مِثل الْجَبَلين العظيمَين".

ولـ "مسلم ""أصْغَرُهمَا مِثْل جَبل أحُدٍ".

المعنى الإجمالي:

الله تبارك وتعالى لطيف بعباده، ويريد أن يهيىء لهم أسباب الغفران، لاسيما عند مفارقتهم الدنيا، التي هي دار العمل، إلى دار يطوى فيها سجِلُّ أعمالهم.

ولذا فإنه حضَّ على الصلاة على الجنازة وشهودها، لأن ذلك شفاعة تكون سبباً للرحمة.

فجعل لمن صلَّى عليها قيراطا من الثواب، ولمن شهدها حتى تدفن قيراطاً آخر. وهذا مقدار من الثواب عظيم ومعلوم قدره عند الله تعالى.

فلما خَفِي على الصحابة- رضي الله عنهم مقداره، قرَّبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أفهامهم، بأن كل قيراط مثل الجبل العظيم.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

الفضل العظيم في الصلاة على الجنازة وتشييعها حتى تدفن. وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن المشي أمامها أفضل. قال ابن المنذر: إنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضى الله عنهما كانوا يمشون أمام الجنازة.

2-

أنه يحصل للمصلى والمشيع حتى تدفن، ثواب لا يعلم قدره إلا الله تعالى.

3-

أن في الصلاة على الميت، وتشييع جنازته، إحساناً إلى الميت، وإلى المصلى والمشيع.

4-

فضل الله تعالى على الميت، حيث حض على تكثير الشفعاء له بأجر من عنده.

5-

أن نسبة الثواب بنسبة الأعمال التي يقوم بها العبد.

حيث إنه جعل للمصلى قيراطاً، وللمصلي والمشيِّع، قيراطين.

ص: 293

زيارة القبور:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الزيارة تنقسم إلى قسمين: زيارة شرعية، وزيارة بدعية، فالزيارة الشرعية يقصد بها السلام على الميت والدعاء له بمنزلة الصلاة على جنازته كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المسلين والمؤمنين، وإنا- إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم.

وأما الزيارة البدعية فمثل قصد قبر بعض الأنبياء والصالحين للصلاة عنده، أو الدعاء عنده، أو الدعاء به، أو طلب الحوائج منه أو طلبها من الله تعالى عند قبره، أو الاستغاثة به ونحو ذلك. فهذا من البدع التي لم يفعلها أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، بل قد نهى عن ذلك أئمة المسلمين الكبار.

ص: 294