الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الإبراد في الظهر من شدّة الحَر
الحديث الأول
عَنْ عَبدِ الله بنِ عُمَرَ، وَأبي هُرَيرةَ رضي الله عنهم عَنْ رَسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إذَا اشتدَّ الحَرُّ فَأبردُوا عنِ الصلاةِ، فَإن شِدة الحَرِّ مِنْ فيحِ جَهَنَّمَ ".
غريب الحديث:
أبردوا: يقال "أبرد " إذا دخل في وقت البرد كـ" أنجد" لمن دخل " نجداً " و " أتهم- " لمن دخل تهامة.
من فيح جهنم: انتشار حرها وغليانها، و " من " هنا، للجنس لا للتبعيض أي من جنس فيح جهنم.
قال المِزِّى: وهو مثل ما روى عن عائشة بإسناد جيد "من أراد أن يسمع خرير الكوثر، فليجعل إصبعيه في أذنيه" أي من أراد أن يسمع مثل خرير الكوثر.
المعنى الإجمالي:
روح الصلاة ولُبُّهَا، الخشوع وإحضار القلب فيها.
لذا ندب للمصلي أن يدخل فيها، وقد فرغ من الأعمال الشاغلة عنها. وعمل الوسائل المعينة على الاستحضار فيها.
ولذلك فضل الشارع أن يؤخر صلاة الظهر عند اشتداد الحر إلى وقت البرد لئلا يشغله الحر والغم، عن الخشوع.
مع ما في ذاك من التسهيل والتيسير، في حق الذين يخرجون يؤدونها في المساجد تحت وهج الشمس.
لهذه المعاني الجليلة، شرع تأخير هذه الصلاة عن أول وقتها، وصار هذا الحديث مخصصاً للأحاديث الواردة في فضل أول الوقت.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
استحباب تأخير صلاة الظهر في شدة الحر إلى أن يبرد الوقت. وتنكسر الحرارة. قال
العلماء: ليس للإبراد في الشريعة تحديد، وبين الصنعاني أن الأقَرب في الاستدلال على بيان مقدارها ما أخرجه الشيخان من حديث أبي ذر قال:" كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال: أبرد؟ ثم أراد أن يؤذن، فقال له أبرد، حتى رأينا فيء التلول " فهو يرشد إلى قدر الإبراد وأنه ظهور الفيء للجدران ونحوها.
2-
أن الحكمة في ذلك، هو طلب راحة المصلى، ليكون أحضر لقلبه وأبعد له عن القلق.
3-
أن الحكم يدور مع علته، فمتى وجد الحر في بلد، وجدت فضيلة التأخير.
وأما البلاد الباردة- فلفقدها هذه العلة- لا يستحب تأخير الصلاة فيها.
4-
ظاهر الحديث، والمفهوم من الحكمة في هذا التأخير، أن الحكم عام في حق من يؤدى الصلاة جماعة فِي المسجد، ومن يؤديها منفرداً في البيت، لأنهم يشتركون في حصول القلق من الحر.
5-
أنه يشرع للمصلى أن يؤدي الصلاة بعيدا عن كل شاغل عنها ومُلْهٍ فيها.
فائدة:
قال شيخنا "عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي" عند كلام له على هذا الحديث:
ولا منافاة بين هذا وبين الأسباب المحسوسة، فإنها كلها من أسباب الحر والبرد كما في الكسوف وغيره.
فينبغي للإنسان أن يثبت الأسباب. الغيبية التي ذكرها الشارع، ويؤمن بها ويثبت الأسباب المشاهدة المحسوسة.
فمن كذب أحدهما، فقد أخطأ.
الحديث الثاني
عَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كنا نُصَلي مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم في شِدّةِ الْحَرِّ، فإذا لَمْ يَسْتَطِعْ أحَدُنَا أنْ يُمَكِّنَ جبهتَهُ مِنَ الأرْض بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ.
المعنى الإجمالي:
كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلى بأصحابه صلاة الظهر من أيام الحر، وحرارة الأرض ما
تزال باقية، مما يحمل المصلين على أنهم إذا لم يستطيعوا أن يمكنوا جباههم في الأرض بسطوا ثيابهم، فسجدوا عليها، لتقيهم حَرَّ الأرضِ.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
أن وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه الظهر في أيام الحر، هو بعد انكسار حرارة الشمس وبقاء آثارها في الأرض.
2-
جواز السجود على حائل من ثوب غيره عند الحاجة إليه، من حر، وبرد، وشوك، ونحو ذلك.
وبعض العلماء فصل في السجود على الحائل فقال: إن كان منفصلا عن المصلى كالسجادة ونحوها جاز ولو بلا حاجة، بلا كراهة، وإن كان متصلا به كطرف ثوبه فيكره إلا مع الحاجة.
التوفيق بين الحديثين:
ظاهر هذين الحديثين المتقدمين التعارض، ولذا حاول العلماء التوفيق بينهما.
وأحسن ما قيل في ذلك، ما ذهب إليه الجمهور أن الأفضل في شدة الحر الإبراد كما في حديث أنس: أنهم كانوا يُبْرِدُوْنَ بالصلاة، ولكن حرارة الأرض باقية لأن بردها يتأخر في شدة الحر كثيرا فيحتاجون إلى السجود على حائل.
وليس المراد بالإبراد المطلوب، أن تبرد الأرض، بل المراد أن تنكسر حدَّةُ حرارة الشمس، وتبرد الأجسام.