الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن حجر في "بلوغ المرام": [وقيل: إن السعاية مدرجة] .
قال النسائى: [بلغني أن هماماً رواه، فجعل هذا الكلام- أعنى الاستسعاء- من قول قتادة] وكذا قال الإسماعيلي [إنما هو من قول قتادة، مدرج على ما روى همام] .
وجزم ابن المنذر، والخطابي بأنه من فتيا قتادة.
ولكن قال صاحب شرح البلوغ: [وقد رد جميع ما ذكر من إدراج السعاية باتفاق الشيخين على رفعه، فإنهما في أعلى درجات الصحيح] .
ولذا فإنه ذهب إلى الأخذ بهذه الزيادة الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، واختارها بعض أصحابه، ومنهم شيخ الإسلام (ابن تيميه) و (ابن القيم) وشيخنا (عبد الرحمن آل سعدي) رحمهم الله تعالى، وجع بين الحديثين.
وصفة الجمع ما قاله شارح بلوغ المرام: [أن معنى قوله في الحديث الأول (وإلا فقد عتق منه ما عتق) أي بإعتاق مالك الحصة حصته، وحصة شريكه تعتق بالسعاية، فيعتق العبد بعد تسليم ما عليه، ويكون كالمكاتب وهذا هو الذي جزم به البخاري.
ويظهر أن ذلك يكون باختيار العبد لقوله: (غير مشقوق عليه) .
فلو كان ذلك على جهة الإلزام، بأن يكلف العبد الاكتساب والطلب حتى يحصل ذلك، لحصل له بذلك غاية المشقة، وهو لا يلزم في الكتابة ذلك عند الجمهور، ولأنها غير واجبة، فهذا مثلها.
وإلى هذا الجمع ذهب البيهقي، وقال: لا تبقى معارضة بين الحديثين أصلاً.
وهو كما قال، إلا أنه يلزم منه أن يبقى الرقُّ في حصة الشريك إذا لم يختر العبد السعاية اهـ.
بَابُ بَيْع المدبَّر
المدبَّر: - اسم مفعول، وهو الرقيق الذي علق عتقه بموت مالكه.
سمي بذلك، لأن عتقه جعل دُبُرَ حياة سيده. أو يكون مشتقا من التدبير وهو في اللغة النظر في عواقب الأمور.
الحديث العشرون بعد الأربعمائة
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنهما قَالَ: دَبَّر رَجُلٌ مِنَ الأنصَارِ غُلَاماً لَهُ.
وفي لفظ: بَلَغَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّ رَجُلاً مِنْ أصْحَابهِ أعْتَقَ غُلَاماً لَهُ عَنْ دُبُرٍ- لَمْ يَكنْ لَهُ مَالٌ غَيرهُ، فَبَاعَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِثَمَانِمَائَةِ دِرْهَمٍ، ثُم أرْسَلَ بِثَمَنهِ إلَيهِ.
الغريب:
دُبُر: بضم الدال المهملة، وضم الباء الموحدة، وهو نقيض القبُل، من كل شيء، والمراد- هنا- بعد موته.
المعنى الإجمالي:
علق رجل من الأنصار عتق غلامه بموته، ولم يكن له مال غيره.
فبلغ ث لك النبي صلى الله عليه وسلم، فَعَدَّ هذا العتق من التفريط، وتضييع النفس.
فردَّه وباع غلامه بثمانمائة درهم، أرسل بها إليه، فإن قيامه بنفسه وأهله أولى له وأفضل من العتق، ولئلا يكون عالَةً على الناس.
ما يستفاد من الحديث:
1-
فيه دليل على صحة التدبر، وهو متفق عليه بين العلماء.
2-
أن المدبَّر يعتق من ثلث المال، لا من رأس المال، لأن حكمه حكم الوصية، لأن كلا منهما لا ينفذ إلا بعد الموت، وهذا مذهب جمهور العلماء.
3-
جواز بيع المدبر مطلقا للحاجة، كالدَّين والنفقة، بل أجاز الشافعي وأحمد بيعه مطلقا للحاجة وغيرها، استدلالاً بهذا الحديث الذي أثبت بيعه في صورة من جزئيات البيع، فيكون عاماًّ في كل الأحوال، وقياسا على الوصية، التي يجوز الرجوع فيها.
4-
أن الأولى والأحسن لمن ليس عنده سَعَةُ في الرزق أن يجعل ذلك لنفسه ولمن يعول، فهم أولى من غيرهم، ولا ينفقه في نوافل هذه العبادات من الصدقة والعتق ونحوها.
أما الذي وسَّعَ الله عليه رزقه، فلْيحرِصْ على اغتنام الفرص بالإنفاق في طرق الخير {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ تَجِدُوُه عِنْدَ الله} .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله " أصحابه السابقين إلى الخيرات.
وبعد فقد تم هذا الشرح المبارك- بعون اللَه تعالى وحمده في ليلة الجمعة المباركة الموافقة ليلة الثامن من شهر رجب المبارك، من عام تسعة وسبعين وثلاثمائة وألف، من هجرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة.
وقد شرعت في تصنيفه، في اليوم الخامس من شهر رمضان المبارك عام 1376هـ
ويتخلل عملي فيه فترات من مشاغل وإجازات أقضيها في عنيزة.
قاله وكتبه " عبد الله بن عبد الرحمن بن الشيخ صالح بن حمد بن محمد بن حمد ابن إبراهيم بن عبد الله بن الشيخ أحمد آل البسام" وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد فقد أنهيت تصحيح هذا الجزء وتحقيقه وإلحاق الفوائد به، لإعداده للطبعة السادسة في عصر يرم السبت التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 400 اهـ في مدينة الطائف، مصيف المملكة العربية السعودية، وكنت أقضي فيها فترة الصيف والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.