المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة العيدين - تيسير العلام شرح عمدة الأحكام

[عبد الله البسام]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌النية وأحكامها

- ‌بَاب دخول الخلاءَ والاستِطَابة

- ‌بَابُ السّوَاك

- ‌بَاب المسْح عَلى الخفّين

- ‌بَاب في المذي وغَيره

- ‌بَاب الغُسْل مِنَ الجنَابة

- ‌بَابُ التيمّم

- ‌بَابُ الحَيْض

- ‌باب حكم المستحاضة

- ‌كِتَابُ الصلاة

- ‌بَابُ المَواقِيت

- ‌بَاب في شيء مِن مَكرُوهَات الصَّلاة

- ‌باب فضْل صَلاة الجماعَةِ وَوجوبها

- ‌بَابُ حضُور النساء المسْجِد

- ‌بَابُ سنَن الراتبة

- ‌بَابُ الآذَان والإقامة

- ‌بَاب استقبال القبْلَة

- ‌بَابُ الصّفُوف

- ‌بَابُ الإمَامَة

- ‌بَابُ صفَة صَلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ وجُوب الطّمَأنينة في الركوع والسجود

- ‌بَابُ القِراءَة في الصَّلاة

- ‌بَابُ سُجُود السَهْو

- ‌بَابُ المرُور بَيْن يَدَي المصَلّي

- ‌بَابٌ جَامع

- ‌بَابُ تحيَّة المسْجِد

- ‌بَابُ النّهي عَن الكَلام في الصَّلاة

- ‌بَابُ الإبراد في الظهر من شدّة الحَر

- ‌بَابُ قضَاء الصَّلاة الفائتة وتعجيلها

- ‌باَب حكم ستر أحد العَاتقين في الصلاة

- ‌بَاب ما جَاء في الثوم والبصل ونحوهما

- ‌بَابُ التشهد

- ‌بَابُ كَيفية الصَّلَاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ الدّعاء بعد التشهد الأخير

- ‌بَابُ الوِتر

- ‌بَابُ الذكر عَقب الصَّلاة

- ‌بَابُ الخشُوع في الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الجَمْع بين الصلاتين في السفر

- ‌بَابُ قصْر الصَّلاة في السفر

- ‌بَابُ الجُمعَة

- ‌بَابُ صَلَاةِ العيدَين

- ‌بَابُ صَلَاة الكسوف

- ‌بَابُ الاستِسقَاء

- ‌بَابُ صَلَاة الخوف

- ‌كِتاب الجَنَائز

- ‌بَابٌ في الصَّلَاة على الغائب وعلى القبر

- ‌بَابٌ في الكفن

- ‌بَاب في صفة تغسيل الميّت وتشييع الجنازة

- ‌بَابٌ في مَوقِف الإمام من الميت

- ‌‌‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌كتاب الزكاة

- ‌بَابُ صدقة الفِطر

- ‌كِتاب الصيَام

- ‌بَاب الصَّوم في السَّفر

- ‌بَابُ أفضَل الصِّيامِ وَغَيرِه

- ‌بَابُ لَيلَة القَدْرِ

- ‌بَاب الاعتِكَاف

- ‌كِتَابِ الحَجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌بَابُ مَا يَلبسُه المحْرم من الثياب

- ‌بَابُ التلبيَة

- ‌بَاب سَفر المَرأة بدُون محْرم

- ‌بَاب الفِديَة

- ‌بَابُ حرمَة مَكة

- ‌بَابُ مَا يجُوز قَتْله

- ‌بَاب دُخول مَكةَ والبيت

- ‌بَابُ الطَّواف وأدَبه

- ‌بَابُ التمتّع

- ‌بَابُ الهَدْي

- ‌بَابُ الغسْل لِلمُحرم

- ‌بَابُ فَسخ الحَج إلى العمْرة

- ‌باب حكم تقديم الرمي

- ‌باب كيف ترمى جمرة العقبة

- ‌باب فضل الحلق وجواز التقصير

- ‌باب طواف الإفاضة والوداع

- ‌باب وجوب المبيت بمنى

- ‌باب جمع المغرب والعشاء في مزدلفة

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌كِتَابُ البيوع

- ‌بَابُ مَا نهى الله عنه من البيوع

- ‌باب النهي عن بيع الثمرة

- ‌باَب الْعرَايا

- ‌باب بيع النخل بعد التأبير

- ‌بَابُ نهي المشتري عن بيع الطعام قبل قبضه

- ‌بَابُ تحْريم بَيْع الخبائث

- ‌بابُ السَّلَم

- ‌بَابُ الشروط في البَيْع

- ‌بَابُ الرِّبا والصَّرْف

- ‌بَابُ الرَّهن

- ‌بَابُ الحَوَالة

- ‌بَابُ مَنْ وَجَد سلْعَته عند رجل قد أفلس

- ‌باَبُ الشفعَة

- ‌بَابُ أحْكام الجوَار

- ‌بَابُ الغصْبِ

- ‌بَابُ المساقاة والمزارعة

- ‌بَاب في جَواز كراء الأرض بالشيء المعْلوم

- ‌بَابُ الوَقف

- ‌باَبُ الهِبَة

- ‌بَابُ العَدل بَيْن الأولاد في العطِية

- ‌بَابُ هِبَة العمرى

- ‌باَبُ اللُّقَطَة

- ‌كتَابُ الوَصَايَا

- ‌‌‌بَاب الفرائض

- ‌بَاب الفرائض

- ‌كِتَاب الّنَكَاح

- ‌باب المحرمات من النكاح

- ‌بَابُ الشروط في النكاح

- ‌بَابُ ما جاء في الاستئمار وَالاستئذان

- ‌بَابُ لا ينكح مطَلقته ثَلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌باَبُ عشرَة النسَاء

- ‌بَابُ النّهي عن الخلْوَة بِالأجنبية

- ‌بَابُ الصَّدَاق

- ‌كتاب الطلاق

- ‌بَابُ العِدَّة

- ‌بَابُ تحريم إحداد المَرْأة أكثر من ثلاثة إلا على زوج

- ‌بَابُ مَا تجتنبه الحَاد

- ‌كِتَابُ اللِّعَان

- ‌بَابُ لحَاق النَّسب

- ‌كتاب الرَّضَاع

- ‌كِتَابُ القِصَاص

- ‌كتابُ الحُدُود

- ‌باب حدِّ السَّرقة

- ‌باب في إنكار الشفاعة في الحدود

- ‌بَابُ حد الخمْر

- ‌بَابُ التعزير

- ‌كِتاب الأيمَان والنذور

- ‌بَابُ النَّذر

- ‌‌‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ الأطعمة

- ‌بَابُ الصَّيْد

- ‌بَابُ الأضاحي

- ‌كتاب الأشربة

- ‌كِتابُ اللبَاس

- ‌كِتابُ الجِهَاد

- ‌كِتابُ العِتق

- ‌بَابُ بَيْع المدبَّر

الفصل: ‌باب صلاة العيدين

‌بَابُ صَلَاةِ العيدَين

سمي عيداً لأنه يعود ويتكرر، والأعياد قديمة في الأمم، لكل مناسبة كبيرة يجعلون عيداً يُعِيدُون فيه تلك الذكرى، ويظهرون فيه أنواع الفرح والسرور. ولكونها أعياداً من تلقاء أنفسهم، فإن مظهرها يكون مادياً بحتاً.

وأمد الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعيد الفطر، وعيد الأضحى. يتوسعون فيهما بالمباحات، ويتقربون إلى ربهم بالطاعات، شكراً لله تعالى على ما أنعم عليهم به، من تسهيل صيام رمضان في الفطر، وسؤال قبوله، وعلى ما يسر لهم من أداء المناسك، والتقرب ببهيمة الأنعام في عيد الأضحى.

وشرع لهم الاجتماع للصلاة في هذين العيدين، ليتعارفوا ويتواصلوا، ويُنهَنِّئ بعضهم بعضاً، فيتحابوا، ويتآلفوا.

وتحقق هذه الاجتماعات الإسلامية من المصالح الدينية والدنيوية ما يدل على أن الإسلام هو الدستور الإلهي، الذي أنزل الله لإسعاد البشرية.

قال ابن القيم في الهدى ما خلاصته: كان يصلي العيدين في المصلى دائماً ولم يصل في المسجد إلا مرة لما أصابهم مطر، وكان يلبس للخروج إلى صلاتي العيد أجمل ثيابه، كان يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات وترا، أما في الأضحى فلا يطعم حتى يعود من المصلى فيأكل من أضحيته، وكان يغتسل للعيد ويخرج إليهما ماشياً وقال: إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة بلا أذان ولا إقامة ولا " الصلاة جامعة " فإذا صلى قام مقابل الناس والناس جلوس فوعظهم، ويفتتح الخطبة بالحمد لله.

ورخص لمن يشهد صلاة العيد أن يجلس للخطبة أو أن يذهب، وكان يذهب من طريق ويعود من طريق آخر.

قال ابن دقيق العيد لا خلاف في أن صلاة العيدين من الشعائر المطلوبة شرعاً وقد تواتر بها النقل الذي يقطع العذر، ويغنى عن الأخبار الآَحاد، وأول صلاة عيد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة.

الحديث الأول

عَنْ عَبدِ الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما قَال: كَانَ النَبيُّ صلى الله عليه وسلم وَأبُو بَكْرٍ وَعُمَر يُصَلُّونَ الْعِيدَين قَبْلَ الْخُطْبَةِ.

ص: 249

المعنى الإجمالي:

كان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، أن يصلوا بالناس صلاة العيد، في الفطر والأضحى، ويخطبوا، ويقدموا الصلاة على الخطبة.

ففيه تقديم الصلاة على الخطبتين، وتأتي بقية أحكامه في الأحاديث بعده.

الحديث الثاني

عَن البَرَاءِ بن عَازبٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَطَبَنَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأضْحَى بَعْدَ الصَّلاة فَقَال: " من صَلَّى صَلَاتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصلاةِ فَلَا نُسُكَ لَه.

فقال أبو بُرْدَةَ بن نِيَار - خال البراء بن عازب: يا رسول الله إني نَسَكتُ شاتي قَبلَ الصَّلَاةِ، وَعَرَفْتُ أنَّ اليوم يَومُ أكل وَشُرب وَأحْبَبْتُ أن تكُون شَاتي أوَّلَ مَا يُذْبَحُ في بَيْتي، فَذَبَحْتُ شَاتي وتغدَّيْتُ قبل أن آتي الصَّلَاةَ. قال:" شَاتُكَ شَاَةُ لَحمٍ ".

قال: يَا رَسُولَ الله، فَإنَّ عِنْدَنَا عَنَاقاً وَهِيَ أحَبُّ إِلَينا مِنْ شَاتَيْنِ، أفتجْزِى عَنى؟ قَالَ:" نَعَمْ وَلَن تُجزِيَ عَنْ أحَدٍ بَعْدَكَ ".

غريب الحديث:

نسك: النسك، الذبح، " والنسيكة " الذبيحة، ويأتيْ لمعان مجازية. ولكن المراد هنا ما ذكرنا.

وجمع "النسيكة " نسك، بضم السين. وأما سكونها فهو للعبادة.

عناقاً: العناق، الأنثى من ولد المعزى إذا قويت ولم تتم الحول، وهو بفتح العين وتخفيف النون.

المعنى الإجمالي:

خطب النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد الأضحى بعد صلاتها.

فأخذ يبين لهم أحكام الذبح ووقته في ذلك اليوم، فذكر لهم أنه من صلى مثل هذه الصلاة، ونسك مثل هذا النسك، اللذين هما هديه صلى الله عليه وسلم، فقد أصاب النسك المشروع.

أما من ذبح قبل صلاة العيد، فقد ذبح قبل دخول وقت الذبح فتكون ذبيحته لحماً، لا نُسُكاً مشروعاً مقبولا.

فلما سمع أبو بردة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله: إني نسكت شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، وأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي، فذبحت شاتي، وتغديت قبل أن آتي إلى الصلاة.

فقال صلى الله عليه وسلم: ليست نسيكتك مشروعة، وإنما هي شاة لحم.

ص: 250

قال يا رسول الله: إن عندي عَنَاقا مُرَبّاة في البيت، وغالية في نفسي، وهي أحب إلينا من شاتين، أفتجزئ عنى إذا أرخصتها في طاعة الله ونسكتها؟

قال صلى الله عليه وسلم: " نعم " ولكن هذا الحكم لك وحدك من سائر الأمة، فلا تجزئ عنهم عناق من المعزى ما لم تُتم سنة.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

فيه تقديم الصلاة على الخطبة في صلاة العيد، وأن هذا هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

2-

وفيه أن من حضر الصلاة والذكر، ثم ذبح بعد الصلاة، فقد أصاب السنة، وحظى بالاتباع.

3-

وفيه أن حضور الصلاة من علامات قبول النسك.

وأما من ذبح قبل الصلاة، فإن نسكه غير مقبول وغير مجزىء.

4-

وأن وقت الذبح يدخل بانتهاء الصلاة. قال ابن دقيق العيد: ولاشك أن الظاهرمن اللفظ أن المراد فعل الصلاة، وإرادة وقتها خلاف الظاهر، فالحديث نص على اعتبار الصلاة، ولم يعترض لاعتبار الخطبتين. اهـ فمن ذبح قبله فلا يجزئ عنه ولو كان جاهلا قبل دخول وقتها.

5-

وفيه أن يوم العيد يوم فرح وسرور، وأكل، وشرب، إذا أريد بذلك إظهار معنى العيد، فهو عبادة.

6-

أنه لا يجزئ في الهدى والأضاحي من المعزى، إلا ما تم له سنة.

7-

تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم أبا بردة بإجزاء العناق، فهو له من دون سائر الأمة.

8-

قال ابن دقيق العيد: وفيه دليل على أن المأمورات إذا وقعت على خلاف مقتضى الأمر لم يعذر فيها بالجهل، بخلاف المنهيات، فقد فرقوا في ذلك. فعذروا في المنهيات بالنسيان والجهل وقال الصنعاني: ويدل على ذلك أمره صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته بإعادتها مع تصريحه بأنه لا يحسن سواها، وكذلك أمر من نحر قبل الصلاة بالإعادة، وهذه قاعدة نافعة.

ص: 251

الحديث الثالث

عَنْ جُنْدُب بن عَبْدِ الله البجَليِّ رضي الله عنهما قَالَ: صَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ النَّحْرِ ثم خَطبَ ثُم ذَبَح وَقالَ: " مَنْ ذَبَح قَبلَ- أن يُصَلِّيَ فَلْيَذبح أخْرَى مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذبَح فَلْيَذبَحْ بِاسمِ الله.

الغريب:

البجلي: بفتح الباء والجيم منسوب إلى قبيلته (بَجِيلة (.

فليذبح بسم الله: أي قائلاً: بسم الله، بدليل رواية (فَلْيذْبَحْ على اسْم الله) .

المعنى الإجمالي:

ابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالصلاة، ثم ثنى بالخطبة، ثم ثلث بالذبح وقال مبيناً لهم:

من ذبح قبل أن يصلى، فاٍن ذبيحته لم تجزئ، فليذبح مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح بسم الله. مما دل على مشروعية هذا الترتيب الذي لا يجزئ غيره. وهذا الحديث أظهر وأدل من الحديث الذي قبله باعتبار دخول وقت الذبح بانتهاء صلاة العيد، لا بوقت الصلاة كما هو مذهب الشافعي، ولا بنحر الإمام كما هو مذهب مالك، وإنما بانتهاء الصلاة كما هو مذهب الحنفية والحنابلة. كما أن الحديث يدل على مشروعية ذكر اسم الله عند الذبح. ومعنى الحديث تقدم.

خلاف العلماء:

ذهب أبو حنيفة ومالك والثوري إلى أن الأضحية واجبة على الموسر لقوله تعالى: {فصل لربك وانحر} وذهب الجمهور إلى أنها سنة مؤكدة. والأولى عدم تركها لمن قدر عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا ".

الحديث الرابع

عَنْ جَابر رضي الله عنه قال: " شَهِدْتُ مَع رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يومَ العيد، فَبَدَأَ بالصلاة قَبْل الخُطْبَةِ بِلَا أذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، ثم قَامَ متَوَكِّئاً على بِلا ل، فَأمَرَ بِتَقوى الله وحَثَّ عَلىِ طَاعَتِهِ، ووَعَظَ الناس

ص: 252

وذكَّرهم، ثم مضى حتى أتى النِّساء فوعظهنَّ فقال يا معشر النِّساء:"تَصدَّقْنَ فإنَّكُنَّ أكثر حطب جهنَّم".

فَقَامَتِ امْرَأة من سطة النِّسَاء سَفْعاءُ الخَدَّين فَقَالتْ: لمَ يا رَسُول الله؟

قال: " لأنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاة وتكفرن العشير ".

قَال: فَجَعَلْن يَتَصَدَّقْن من حُليِّهِنَّ: يُلْقِينَ في ثَوْب بلَال من أقْراطِهنَّ وخَواتِيمِهِنَّ. رواه مسلم.

الغريب:

سِطَة النساء: بكسر السين وفتح الطاء المخففة، أي جالسة وسطهن.

سفعاء الخدين: قال في المحكم: السفَع السواد والشحوب.

الشَّكاة: هي بفتح الشين والقصر، بمعنى الشكاية، وهي الشكوى.

أقراطهن: هو جمع " قُرط " بضم القاف وهو ما يعلق بشحمة الأذن.

متوكئا: متحاملاً. حث: حرض. لم: أصله لما وحذفت الألف من ما، الاستفهامية بسبب اللام. الحُلِىّ: جمعُ حَلي: وهو ما يتخذ للزينة من المعادن الكريمة.

المعنى الإِجمالي:

صلي النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة العيد بلا أذان لها ولا إقامة فلما فرغ من الصلاة خطبهم فأمرهم بتقوى الله بفعل الأوامر واجتناب النواهي ولزوم طاعة الله في السر والعلانية، وأن يتذكروا وعد الله ووعيده ليتعظوا بالرهبة والرغبة، ولكون النساء في معزل عن الرجال بحيث لا يسمعن الخطبة. وكان حريصاً على الكبير والصغير، رؤوفا بهم، مشفقاً عليهم.

اتجه إلى النساء، ومعه بلال، فوعظهن، وذكرهن، وخصهن بزيادة موعظة وَبَيَّنَ لهن أنهن أكثر أهل النار، وأن طريق نجاتهن منها الصدقة لأنها تطفىء غضب الرب.

فقامت امرأة جالسة في وسطهن وسألته عن سبب كونهن أكثر أهل النار ليتداركن ذلك بتركه فقال:

لأنكن تكثرن الشكاة والكلام المكروه، وتجحدن الخير الكثير إذا قصر عليكن المحسن مرة واحدة.

ولما كان نساء الصحابة رضى الله عنهم سبَّاقات إٍلي الخير وإلى الابتعاد عما يغضب الله أخذن يتصدقن بحليهن التي في أيديهن، وآذانهن، من الخواتم والقروط، يلقين ذلك في حجر بلال، محبة في رضوان الله وابتغاء ما عنده.

ص: 253

ما يؤخذ من الحديث:

1-

البداءة بصلاة العيد قبل الخطبة، وتقدم.

2-

أنه ليس لصلاة العيد أذان ولا إقامة.

3-

استحباب كون الخطيب قائماً.

4-

أن يأمر الخطيب بتقوى الله تعالى، التي هي جماع فعل الأوامر وترك والنواهي مجملاً. ثم يفصّل من ذلك ما يناسب المقام.

5-

تذكريهم بلزوم التقوى والطاعة لله، بذكر الوعد والوعيد فالمقاصد التي ذكرت في الحديث من الأمر بتقوى الله والحث على طاعته والموعظة والتذكير هي مقاصد الخطبة، وقد عدها بعض العلماء أركان الخطبة الواجبة.

6-

إفراد النساء بموعظة، إذا كنّ بعيدات لا يسمعن الوعظ، أو كنَّ محتاجات لتذكير يخصهن.

7-

أن النساء كن يخرجن إلى صلاة العيد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

8-

أن يتنحَّيْنَ عن الرجال ولا يخالطهم في المساجد ولا غيرها.

9-

كون النساء أكثر الناس دخولا في النار بسبب شكواهن، وبسبب كفرهن نِعمَ الأزواج والمحسنين إليهن.

10-

أن كلام الفاحش وكفر النعم سبب من دخول النار.

11-

أن الصدقة من أسباب النجاة من عذاب الله تعالى.

12-

مخاطبة نساء الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم فيما يهمهن أمره.

13-

فقه نساء الصحابة وفهمهن، لأن هذه المتكلمة لما قال لهن النبي صلى الله عليه وسلم " إنهن أكثر أهل النار" فهمت أن هذا ليس ظلما من الله وحاشاه، وإنما بسبب الذنوب، فسألت عن هذا السبب الموجب لهن ذلك.

14-

مبادرتهن إلى فعل الخير، إذ أسرعن إلى الصدقة رغبة ورهبة من الله.

15-

أن المرأة الرشيدة تتصدق من مالها بغير إذن زوجها، وهو قول جمهور العلماء.

16-

أخذ منه جواز ثقب الأذن المرأة.

ص: 254

الحديث الخامس

عَنْ أمِّ عَطِيَّة نُسيبة الأنصاريَّة رضي الله عنها قالت: أمرنا تعني النبي صلى الله عليه وسلم أن نُخْرِجَ في العيدين العواتق وذوات الخدورِ وأمر الحُيَّضَ أن يعتزلن مصلى المسلمين.

وفي لفظ: كنا نُؤْمَرُ أن نخرج يوم العيد، حتى نخرج البكر من خِدْرها، وحتى نخرج الحُيَّض فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته.

غريب الحديث:

العواتق: جمع " عاتق " المرأة الشابة أول ما تبلغ.

ذوات الخدور: جمع " خدر " بكسر الخاء المعجمة أى سترها. وهو جانب من البيت، يجعل عليه سترة، يكون للجارية البكر.

يدعون ويرجون: الواو في هذين الفعلين من أصل الفعل، وليست واو جماعة، حتى نخرج، حتى الأولى للغاية، وحتى الثانية للمبالغة.

طهرته: أي حصول تطهير الذنوب فيه.

المعنى الإجمالي:

يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى من الأيام المفضلة، التي يظهر فيها شعار الإسلام وتتجلى أخوة المسلمين باجتماعهم وتراصِّهم، كل أهل بلد يلتمون في صعيد واحد إظهاراً لوحدتهم، وتألفِ قلوبهم، واجتماع كلمتهم على نصرة الإسلام، وإعلاء كلمة الله. وإقامة ذكر الله وإظهار شعائره.

فيحل بهم من ألطاف الله وينزل عليهم من بركاته، ويشملهم من رحمته ما يليق بلطفه وجوده وإحسانه.

لذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وحضّ على الخروج، حتى على الفتيات المخدرات، والنساء الحيض، على أن يكن في ناحية بعيده عن المصلين، ليشهدن الخير ودعوة المسلمين فَيَنَلْنَ مِن خير ذلك المشهد، ويصيبهن من بركته، ما هن في أمسِّ الحاجة إليه، من رحمة الله ورضوانه.

اختلاف العلماء:

اختلف العلماء في حكم صلاة العيد.

فذهب الإمام " أحمد " في المشهور عنه إلى أنها فرض كفاية، إذا قام بها من يكفى سقطت عن الباقين.

ودليله على هذا القول: أنها صلاة لم يشرع لها أذان ولا إقامة، فلم تجب على الأعيان.

ص: 255

وحديث الأعرابي الآتي، يدل على أنه لا يجب فرض عين إلا الصلوات الخمس.

وذهب " مالك" و" الشافعي" في المشهور عند أصحابه إلى أنها سنة مؤكدة.

ودليلهم كل هذا، حديث الأعرابي الذي ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم أن عليه خمس صلوات فقال: هل عَلَيَّ غيرهن؟ " قال: لا، إلا أن تطوع ".

وذهب " أبو حنيفة " وروى عن الإمام " أحمد" واختاره شيخ الإسلام " ابن تيمية " إلى أنها فرض عين.

واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {فَصَلِّ لِربِّكَ وَانْحَرْ} {قد أفلحَ من تزكى. وَذَكَر اسْمَ ربِّهَ فَصلى} في بعض أقوال المفسرين أن المراد بالصلاة في هاتين الآيتين، صلاة العيد. ولأمره بخروج العواتق والمخدرات، وأمرهم بصلاتها من الغد حين لم يعلموا برؤية الهلال إلا بعد انتهاء وقتها.

والأمر في كل هذه الأدلة يقتضي الوجوب، وكذلك مداومته عليها وخلفاؤه من بعده.

أما حديث الأعرابي، فليس فيه ما يدل على عدم وجوبها لأن سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم وإجابته إياه بصدد ما يتكرر في اليوم والليلة من الصلوات المفروضات، لا ما يكون عارضا لسبب، كصلاتي العيدين اللتين هما شكر لله تعالى على توالى نعمه الخاصة، بصيام رمضان وقيامه، ونحر البدن، أداء المناسك.

وشيخ الإسلام " ابن تيمية " يميل إلى وجوبها على النساء لظاهر حديث هذا الباب.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

وجوب صلاة العيد حتى على النساء في ظاهر الحديث. على شرط ألا يخرجن متبرجات متعطرات لورود النهي عن ذلك. ولعله مستحب في حقهن ويكون أمرهن من باب الحضِّ على فعل الخير.

2-

وجوب اجتناب الحائض المسجد لئلا تلوثه.

3-

أن مصلى العيد له حكم المساجد.

4-

أن الحائض غير ممنوعة من الدعاء وذكر الله تعالى.

5-

فضل يوم العيد وكونه مرجوًّا لإجابة الدعاء، وسماع النداء من العَلِيِّ الأعلى.

ص: 256

التكبير في العيدين

وهو ملخص من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

وقته: أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والخلف والأئمة أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، عقب كل صلاة مفروضة، وعند خروجه إلى العيد. وهذا باتفاق الأئمة الأربعة.

صفته: وصفة التكبير المنقول عن أكثر الصحابة ما روي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر. الله أكبر، ولله الحمد"، ومن الفقهاء من يكبر ثلاثا فقط، ومنهم من يكبر ثلاثا ويقول:" لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" وهو مروي عن ابن عمر. واختار الأول أبو حنيفة وأحمد وغيرهما. ومن الناس من يثلثه أول مرة، ويشفعه ثاني مرة، ويعمل به طائفة من الناس.

وقاعدتنا في هذا الباب أصح القواعد، وهي أن جميع صفات العبادات من الأقوال والأفعال إذا كانت مأثورة أثرا يصح التمسك به لم يكره شيء من ذلك، بل يشرع ذلك كله كما قلنا في أنواع صلاة الخوف ونوعى الأذان ونوعي الإقامة شفعها وإفرادها وأنواع التشهدات وأنواع الاستفتاحات وأنواع الاستعاذات وأنواع تكبيرات العيد الزوائد وأنواع صلاة الجنازة والقنوت بعد الركوع وقبله وغير ذلك، ومعلوم أنه لا يمكن المكلف أن يجمع في العبادات المتنوعة في الوقت الواحد والجمع بينها في مقام واحد من العبادة بدعة، وكذلك التلفيق والجمع بينها لا يشرع، والصواب التنويع في ذلك متابعة للنبي وإحياء لجميع سننه بعمل هذا مرة، وعمل الآخر مرة أخرى، ففيه تأليف قلوب الأمة وإحياء للسنة ومتابعة له صلى الله عليه وسلم.

التكبير عند الأمور الهامة

قال رحمه الله: إذا كانت السنة قد جاءت بالتكبير في عيد النحر في صلاته وخطبته ودبر صلواته وعند رمي الجمار وعند الفراغ من الصيام وعند هدايته، فإنه صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال:" الله أكبر خرجت خيبر "

ص: 257

وكان يكبر إذا أشرف على محل، وإذا ركب دابته، وإذا صعد الصفا والمروة، وجاء التكبير في الأذان والإقامة للصلاة وعند الدخول في الصلاة، وعند إطفاء الحريق، وشرع التكبير الدفع العدو ودفع الشياطين.

وهذا كله يبين أن التكبير مشروع في المواضع الكبار لكثرة الجمع، أو لعظمة الفعل، أو لقوة الحال، أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة، ليبين أن الله أكبر وتستولي كبرياؤه على القلوب، فيكون الدين كله لله، ويكون العباد له مكبرين، فيحصل لهم مقصودان: مقصود العبادة بتكبير قلوبهم لله، ومقصود الاستعانة بانقياد سائر المطالب لكبريائه، ولهذا شرع التكبير على الهداية والرزق والنصر، لأن هذه الثلاث أكبر ما يطلبه العبد، وهي مصالحه، فخض بصريح التكبير، لأنه أكبر نعمة الحق. فجماع هذا أن التكبير مشروع عند كل أمر كبير أهـ.

ولهذا فإني أهيب بجميع المسلمين أن يفزعوا إلى التكبير عندما يعجبهم أمر، فهذا سنة نبيهم، وليس التصفيق الذي جاءنا من أعدائنا المستعمرين، وخاصة في اجتماعاتهم ومؤتمراتهم.

ص: 258