الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونسأل الله تعالى العصمة والهداية، وأن يرينا الحق حقا وارزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
12-
تحريم الحيل، وأنها لا تغير الحقائق، ولو سميت الأشياء بغير أسمائها وأزيلت بعض صفاتها.
13-
أن الشرع جاء. بكل ما فيه الخير والحذر من كل ما فيه شر أو رجح شره على خيره.
14-
أن المحرمات المعدودة في الحديث نماذج لأنواع الخبائث المحرمة، التي يعود ضررها على الدين، أو العقل، أو البدن، أو الطباع والأخلاق.
فكأن هذا الحديث سيق لبيان أنواع الخبائث (1) .
بابُ السَّلَم
السلم: - هو السلف، وزنا ومعنى، وسمى سلما، لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفا، لتقديمه.
وتعريفه شرعا: عقد على موصوف في الذمة، مؤجل بثمن مقبوض بمجلس العقد. وبهذا التعريف يعلم أنه نوع من البيع.
والأصل في جوازه، الكتاب، والسنة، والإجماعِ، والقياس الصحيح. فأما الكتاب فقوله تعالى:{يَا أيهَا الذي آمَنُوا إذا تداينتم بدين إلَى أجَل مُسَمى فَاكْتُبُوهُ} قال ابن عباس: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مُسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه، ثم قرأ هذه الآية.
وأما السنة، فمنها حديث الباب الآتي. وإما الإجماع، فلم ينقل عن أحد من العلماء منعه. قال الشافعي: أجمعت الأمة على جواز السلم فيما علمت.
وهو على وفق القياس والمصلحة للبائع والمشترى.
فالبائع ينتفع بشراء السلعة بأقل من قيمتها حاضرة. والمشترى ينتفع بتوسعه بالثمن. وقد اشترطت فيه الشروط، التي تحقق فيه المصلحة، وتبعده عن الضرر والغرر. حيث شرط قبض الثمن بالمجلس لتحصل الفائدة من التوسعة، وشرطه العلم بالعوضين والأجل، وضبط المسلم فيه بمعايير الشرعية، لإبعاد النزاع والمخاصمات. ولا فرق بين تأجيل الثمن وتأجيل المثمن، فكلاهما وفق القياس والمصلحة، والشرع لا يأتي إلا بالخير.
(1) من هذا المعنى أخذت الترجمة، التي جعلناها مقدمة لهذا الحديث ا. هـ شارح.
وقد ظن بعض العلماء خروجه عن القياس، وعدوه من " باب بيع ما ليس عندك " المنهي عنه في حديث حكيم بن حزام، وليس منه في شيء.
فإن حديث حكيم يحمل على بيع عين معينة ليست في ملكه، وإنما ليشتريها من صاحبها فيعطيها المشترى، فهذا غرر، وعقد على غير مقدور عليه.
أو يحمل على السلم، الذي يظن المسلم أنه لا يتمكن من تحصيله وقت حلول الأجل.
فأما السلم الذي استوفى شروطه، فليس من الحديث في شيء، لأن متعلقه الذمم لا الأعيان. فهو على وفق القياس. والحاجة داعية إليه. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن ثلاثا فيهن البركة، ذكر منها [البيع إلى أجل] والسلم منه.
الحديث الأول
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسِ رَضىَ الله عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينة وَهمْ يُسْلِفون في الثّمَارِ السنةَ والسنتين وَا لثَّلاثَ.
فقال: " مَنْ أسلَفَ في شَيءٍ فَلْيُسْلِفْ في كَيْل مَعْلُوم، وَوَزْنٍ مَعْلُوم، إلَى أجل مَعْلُوم ".
المعنى الإجمالي:
قدم النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا، فوجد أهل المدينة- لأنهم أهل زروع وثمار- يسلفون. وذلك بأن يقدموا الثمن ويؤجلوا المثمن في الثمار، مدة سنة، أو سنتين، أو ثلاث سنين، فأقرهم صلى الله عليه وسلم على هذه المعاملة ولم يجعلها من باب بيع ما ليس عند البائع المفضي إلى الغرر، لأن السلف متعلقه الذمم لا الأعيان. ولكن بين صلى الله عليه وسلم لهم في المعاملة أحكاما تبعدهم عن المنازعات والمخاصمات التي ربما يجرها طول المدة في الأجل فقال: من أسلف في شيء فليضبط قدره بمكياله وميزانه، الشرعيين المعلومين، وليربطه بأجل معلوم، حتى إذا عرف قدره وأجله، انقطعت الخصومة والمشاجرة، واستوفى المشترى حقه بسلام.
ما يستفاد من الحديث:
يشترط في السلم ما يشترط في البيع، لأنه أحد أنواعه.
فلابد أن يكون العقد من جائز التصرف، مالك للمعقود عليه، أو مأذون
له فيه، ولابد فيه من الرضا، وأن يكون المسلم فيه مما يصح بيعه، ولابد فيه من القدرة عليه وقت حلوله، وأن يكون الثمن والمثمن معلومين.
ويزيد السلم على هذه الشروط شروطاً ترجع إلى زيادة ضبطه وتحريره، لئلا تفضي المعاملة إلى الشجار والمخاصمة، ونأخذ أهم هذه الشروط من الحديث الذي معنا.