الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الأطعمة
الأصل في الطعام والشراب واللباس، الحل.
فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله لأنها داخلة في عموم العادات المبنية على الحل، والمحرم منها معدود مما يدل على بقاء المتروك على أصله وهو العفو.
الحديث الأول
عَنِ النُعْمَانِ بْنِ بَشِير رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُول- وَأشارَ (وفي رواية- وأهوى) النُّعْمَانُ بإصبعيه إلَى أذنيه: - "إنَّ الْحَلالَ بيِّن، وإنَّ الْحَرَامَ بَيِّن. وبينهما أمور مُشْتَبهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ الناس".
فَمَنِ اتَقى الشبهات استبرأ لِدِينهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشبهَاتِ وَقَعَ في الْحَرام، كَالرَّاعي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ.
ألا وَإنً لِكلٌ مَلِكٍ حِمىً، ألا وإن حِمَى الله مَحَارِمُهِ.
ألا وَإنَّ في الجسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُه ألا وَهِي القلب".
الغريب:
مُشْتبهات: بضم الميم وسكون الشين.
استبرأ: بكسر الهمزة- من البراءة، أي حصل له البراءة من الذم الشرعي، وصان عرضه عن ذم الناس.
الحمى: بكسر الحاء وفتح الميم المخففة مقصور، أطلق المصدر على اسم المفعول.
يوشك: بضم الياء وكسر الشين، بمعنى: يسرع ويقرب.
يرتع: رتعت الماشية، أكلت وشربت ما شاءت في خصب وسعة. توسع به، فأطلق على المتدرج من المشتبه إلى المحرم.
مضغة: بضم الميم وسكون الضاد المعجمة، بعدها غين معجمة، بعدها تاء، هي القطعة من اللحم بقدر ما يمضغ الماضغ، والمضغ: العلك.
المعنى الإجمالي:
سمع النعمان بن بشي رضي الله عنهما النبي صلى الله عليه وسلم يقول وأكد سماعه منه بإشارته إلى أذنيه: إن
الحلال بين حكمه، واضح أمه، لا يخفى حِلهُ، وذلك كالخبز، والفواكه، والعسل، واللبن، وغير ذلك من المأكولات، والمشروبات، والملابس، وغير ذلك من الكلام، والمعاملات، والتصرفات.
وأن الحرام بين حكمه، واضح تحريمه، من أكل الخنزير، وشرب الخمر، ولبس الحرير والذهب للرجل، والزنا، والغيبة، والنميمة، والحقد، والحسد وغر ذلك.
فهذان القسمان بينا الحكم، لما ورد فيهما من النصوص الواضحة القاطعة، وإن هناك قسما ثالثا مشتبه الحكم، غير واضح الحل أو الحرمة، وهذا الاشتباه راجع إِلى أمور.
منها: تعارض الأدلة، بحيث لا يظهر الجمع لا الترجيح بينها، فهذا مشتبه في حق المجتهد الذي يطلب الأحكام من أدلتها.
فمن انبهم عليه الحكم الراجح، فهو في حقه مشتبه، فالورع اتقاء الشبهة ومنها تعارض أقوال العلماء وتضاربها، وهذا في حق المقلد الذي لا ينظر في الأدلة.
فالورع في حق هذا، اتقاء المشتبه.
ومنها: ما جاء في النهى عنها حديث ضعيف، يوقع الشك في مدلوله.
ومنها: المكروهات جميعها، فهي رقية (أي: سُلَّم يوصل) إلى فعل المحرمات والإقدام عليها.
فإن النفس إذا عصمت عن المكروه، هابت الإقدام عليه ورأته معصية فيكون حاجزا منيعا عن المحرمات.
ومنها: المباح الذي يخشى أن يكون ذريعة إلى المحرم، أو يجر- في بعض الأحول- إلى المحرم، ومثله الإفراط في المباحات فتسبب مجاوزته إلى الحرام، إما عند فقده، أو للإفراط فيما هو فيه.
وقد كان السلف رضي الله عنهم، يتركون المباحات اليسيرة، خوفاً من المكروه والحرام.
ثم ضرب صلى الله عليه وسلم مثلا للمحرمات، بالحمى الذي يتخذه الخلفاء والملوك مرعى لدوابهم.
ومثَّل المُلمَّ بالمشتبهات، بالراعي الذي يسيم ماشيته حول الحمى، فيوشك ويقرب أن ترعى ماشيته فيه، لقربه منه، كذلك الملم في المشتبهات، يوشك أن يقع في المحرمات، وهو تصوير بديع، ومثال قريب.
ثم ذكر صلى الله عليه وسلم أن في الجسد لحمة صغيرة لطيفة، بقدر ما يمضغ، وأن هذه القطعة من اللحم، هي القلب، وأن هذا القلب، هو السلطان المدبر لمملكة الأعضاء وما تأتي من أعمال، كما أن عليه مدار فسادها وما تجره من شر.
فإن صلح هذا القلب، فإنه لن يأمر إلا بما فيه الخير وسيصلح الجسد كله.
وإن فسد، فسيأمر بالفساد والشر، وتكون الأعمال معكوسة منكوسة والله ولى التوفيق.
وبالجملة، فهذا حديث عظيم جليل، وقاعدة من قواعد الإسلام، وأصل من أصول الشريعة، عليه لوائح أنوار النبوة ساطعة، ومشكاة الرسالة مضيئة، فهو من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم.
ويحتاج استيفاء الكلام عليه إلى مصنف مستقل طويل.
وهذه نبذة تفتح الباب أمام طالب العلم، ليراجع ويتدبر، ويفكر، وسيجد فيه من كنوز المعرفة، الخير الوفير.
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
فوائد:
قال القحطاني: كل ما شككت فيه فالورع اجتنابه، والذي شككت فيه هو محل الريبة، فإن الريبة الشك والتردد، وحديث "دع ما يريبك" أفاد أنك إذا شككت في شيء فدعه، واترك ما تشك فيه.
قال الغزالي: الورع أقسام: ورع الصديقين: وهو ترك ما يتناول لغير نية القوة على العبادة. وورع المتقين: وهو ترك مالا شبهة فيه، ولكن يخشى أن يجر إلى الحرام. وورع الصالحين: وهو ترك مالا يتطرق إليه احتمال التحريم بشرط أن يكون لذلك الاحتمال موقع فإن لم يكن له موقع فهو ورع الموسوسين.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه: الفرق بين الزهد والورع أن الزهد ترك مالا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يخاف ضرره في الآخرة. قال ابن القيم: إن هذه العبارة من أحسن ما قيل في الزهد والورع وأجمعها. وقال أيضاً: التحقيق أنها (أي النعم) وإن شغلته عن الله تعالى فالزهد فيها أفضل، وإن لم تشغله عن الله بل كان شاكراً فيها فحاله أفضل، والزهد فيهِا تجريد القلب عن التعلق بها والطمأنينة إليها.
قال الصنعاني: واعلم أنه يجمع الورع كله قوله صلى الله عليه وسلم " من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه والحديث يعم الترك لما لا يعنى من الكلام والنظر والاستماع والبطش والمشي وسائر الحركات الباطنة والظاهرة فهذه الحكمة النبوية شافية، في الورع كافية.
الحديث الثاني
عَنْ انس بن مَالِكٍ رضيَ الله عَنْة قَالَ: أنفَجْنَا أرنباً بمر الظَّهران فَسَعَى القَوْمُ فَلغَبُوا، وَأدركتُهَا فَأخَذْتُهَا، فَأتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ، فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ إلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِوَرِكِهَا أو فَخِذِهَا فَقَبِلَهُ.
الغريب:
أنفجنا أرنباً: بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الفاء، وسكون الجيم، أي أثرناها.
بمر الظهران: بفتح الميم والظاء المعجمة، موضع شمال مكة، على طريق المدينة حين كان السفر على الدواب، ويبعد عن مكة بنحو 2 كيلو، ويسمى الآن [وادي فاطمة] .
فلغبوا: قال الزركشي: بفتح الغين المعجمة، وفي لغة ضعيفة كسرها، حكاه ابن سيده، والجوهري، ومعناه: أعيوا، والمصدر: اللغوب، بضم اللام.
ما يستفاد من الحديث:
1-
فيه حل الأرنب، وأنها من الطيبات، وعلى حلها أجمعت الأمة.
2-
قبول النبي صلى الله عليه وسلم للهدية، قليلة كانت أو كثيرة.
3-
أن التهادي من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، لما فيه من التوادد والتواصل. فينبغي أن يشيع هذا بين المؤمنين، خصوصا الأقارب والجيران.
الحديث الثالث
عَنْ أسْماء بنْتِ آبي بَكر رضي الله عنهما قالت: نَحَرنا عَلَى عَهْدِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَرَساً فأكلناه".
وفي رواية: "وَنَحْنُ في المَدِينَةِ".
ما يستفاد من الحديث:
1-
الحديث دليل على حل أكل لحوم الخيل، إذ أكل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأقر عليه.
وقد جاء الحديث في الصحيحين وغيرهما بلفظ "ذبحنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه، نحن وأهل بيتهط ويأتي ذكر من خالف في حِله.
2-
جاء في بعض الألفاظ "الذبح" وفي بعضها "النحر" والنحر: هو الضرب بالحديدة في اللبة حتى يفرى أوداجها وهو الإبل. والذبح- هو قطع الأوداج، وهو لغير الإبل من الحيوانات، ولعله حمل النحر على الذبح توسعا ومجازا.
3-
قولها. "ونحن في المدينة" يرد على من قال: إن حلها نسخ بغرض الجهاد، بسبب الاحتياج إليها.
الحديث الرابع
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنه: أنَّ النَبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُحُوم الْحُمُرِ الأهلية وأذِنَ في لحوم الخيل.
ولـ"مسلم" وحده قال: أكَلْنَا زَمَنَ خيبر الخيل وَحُمُرَ الْوَحْش، وَنَهَى النَّبي صلى الله عليه وسلم لا عَنِ الْحِمَارِ الأهْلي.
الحديث الخامس
عَنْ عبد الله بن أبي أوفَي قَال: أصابتنا مَجَاعَةَ ليالي خيبرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيبرَ وقعنا في الحُمُر الأهَلِيَّةِ فَانتحَرناهَا، فلَما غَلَتْ بهَا الْقُدُورُ نادى مُنَادِى رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أن أكفئوا القدور- وَربَّمَا قَالَ: (وَلا تَأكُلُوا مِنْ لُحُوم الحمر الأهلية شَيْئا) .
الحديث السادس
عَنْ أبي ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الحمر الأهليةِ.
الغريب:
الحمر الأهلية: بضم الحاء والميم، نسبت إلى الأهل لكونها مستأنسة مع الناس. حمر الوحش. سميت وحشا لكونها متوحشة مبتعدة عن الناس، وهي صيد، وفيه من صفات الحمار الأهلي، إلا أنه أقل منه خلقة ويسمى الآن [الوضيحي] .
أكفئوا القدور: بهمزة القطع (من أكفأ) الرباعي. وبعضهم رواه بهمزة الوصل من (كفأت) الثلاثي، ومعناه القلب.
ما يستفاد من هذه الأحاديث الثلاثة:
شرحنا هذه الأحاديث جميعا لكونها متفقة المعاني وهي:
1-
النهي عن لحوم الحمر الأهلية وتحريم كلها.
قال ابن عبد البر [لا خلاف بين أهل العلم اليوم في تحريمها] وكانت قبل تحريمها والأمر بإراقتها من القدور، باقية على أصل الحل.
2-
أن العلة في تحريمها كونها رجساً نجسة مستخبثة، وقد جاء في الحديث "فإنها رجس" فيكون بولها وروثها ودمها نجساً.
3-
حل لحوم الخيل لأنها مستطابة طيبة، ويأتي- إن شاء الله- ذكر من خالف في حلها.
4-
حِلُّ الحمر الوحشية، لأنها من الصيد الطيب، وهن الوضيحيات.
اختلاف العلماء:
ذهب أبو حنيفة، ومالك في بعض أقوالهما، إلى تحريم لحوم الخيل، وفِى بعضها الآخر، إلى الكراهة، وذهب بعض أصحابه إلى التحريم وبعضهم إلى الكراهة- واستدلوا على ذلك بما يأتي:
1-
قوله تعالى: {والخيل وَالبِغَالَ والحَمِيرَ لتر كَبُوهَا وزينَة} .
ووجه الدلالة من الآية أنها قرنت مع البغال، والحمير، وهى محرمة.
وأيضاً فإن [اللام] في قوله {لتركبوها} للتعليل، فدل على أنها لم تخلق لغير
ذلك، لأن العلة المنصوص علها تفيد الحصر، فحل أكلها يقتضي خلاف الظاهر من الآية.
وأيضا فإن الآية سيقت مساق الامتنان، فلو كان ينتفع بها في الأكل، لكان الامتنان به أعظم.
2-
ما رواه الطحاوي، وابن حزم عن جابر قال:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل والبغال) .
وما رواه أصحاب السنن عن خالد بن الوليد: (أن الني صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الخيل) .
3-
ما بين الخيل والحمر من شبه قوي، يوجب إلحاق الخيل بالحمر.
وذهب الشافعي، وأحمد، والليث، وحماد، وأبو ثور، إلى حِلها. وروى عن ابن الزبير، والحسن، وابن سيرين، وعطاء، والأسود، وابن المبارك.
واحتجوا بالأحاديث والآثار المتواترة بحلها، فهي داحضة لكل حجة، رادة لكل دليل.
واستدلوا بأنه عمل الصحابة جميعاً، فقد نقل الحل بعض التابعين عن الصحابة من غير استثناء أحد.
وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح على شرط الصحيحين، عن عطاء قال لابن جريح: (لم يزل سلفك يأكلونه، قال ابن جريح: قلت: الصحابة؟ فال: نعم.
وأجابوا عن أدلة الحنفية والمالكية بما يأتي:
أما الآية الكريمة فليس فيها دليل، لأنها مكية
إجماعا، وهذه الأحاديث مدنية إجماعا، فيكون الإذن بحلها بعد نزول السورة.
وهذه المحاولات في الاستدلال لا تكفى دليلا، لأنا لو سلمنا أن [اللام للتعليل] فلن نسلم إفادتها للحصر في الركوب والزينة، فإنه ينتفع بالخيل نمو غيرهما اتفاقا، وإنما ذكر في الآية أغلب المنافع.
وأما دلالة العطف والاقتران، فهي ضعيفة لا يحتج بها، خصوصاً وأنها في مقابلة هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة.
وأما الامتنان، فقد ذكر باعتبار الغالب عند العرب بحبهم لذلك في السرور بالنظر إلى حسنها في غدوها، ورواحها، وركوبها للصيد، الذي هو أكبر اللذات، وعند الغارات، ومجابهة الأعداء في الكر والفر.
ولا يلزم أن تذكر نعم الله تعالى في مقام واحد، فله- تبارك وتعالى النِّعَم العظيمة، والآلاء الجسيمة، وهي معروفة.
أما قياس الخيل على الحمر، فلا يلتفت إليه مع النص.
وأما الحديث الذي رواه الطحاوى، ففيه عكرمة بن عمار عن يحي ابن أبي كثير.
قال الطحاوى: وأهل الحديث يضعفونه.
قال ابن حجر: لاسيما في يحي بن أبي كثير.
وقال يحي بن سعيد القطان: أحاديثه عن يحي بن أبي كثير، ضعيفة.
وقال البخاري: حديثه عن يحي، مضطرب وكلام أئمة الحديث فيه كثير.
وأما الحديث المنسوب إلى خالد بن الوليد، فقد قال العلماء: إنه شاذ منكر، لأن في سياقه أنه شهد خيبر، وهو خطأ، فإنه لم يسلم إلا بعدها.
الحديث السابع
عَنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: دَخَلْتُ أنا وَخَالِدُ بْن الوَلِيدِ مَعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأتي بضب مَحْنُوذٍ، فأهوى إلِيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده.
فَقَالَ بَعْضُ النسْوةِ اللاتي في بيت مَيْمُونَةَ: أخْبرُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِمِا يُرِيدُ أنْ يأكل. فَقلْتُ: تأكُلُهُ؟ هُوَ ضب!
فَرَفَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فَلَمْ يَأكُلْ، فَقُلتُ: يا رسول الله، أحرام هُوَ؟
قال: "لا. وَلكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأرْض قَوْمي، فأجدني أعَافُهُ".
قَالَ خَالِد: فاجتررته فَأكَلْتُهُ وَالنَّبي صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إلَيَّ.
المحنوذ: المشوي بالرضيف (وهي الحجارة المحمَّاة) .
الغريب:
بضب: بفتح الضاد وتشديد الباء. هو دابة فيه شبه بالحر بلا. وهو معروف، في الصحراء مسكنه.
محنوذ: بفتح الميم وسكون الحاء وضم النون، وبعدها واو، ثم ذال معجمه هو المشوي بالحجارة المحماة، ولا تزال البادية تفعل هذا.
ويقال له في الحجاز: [مضبي] وهو استعمال فصيح، قال ابن فارس [ضبته النار إذا شوته] .
ما يستفاد من الحديث:
1-
فيه دليل على إباحة أكل الضًب من سؤالهم وجوابه: (حرام هو يا رسول الله؟ قال: لا) . ومن تقريره خالد بن الوليد على أكله مع علمه بذلك.
ويفهم من حال أهله أن حِلًه متقرر لديهم، لأنهم طبخوه وقدموه للأكل.
فإنهم لم يخبروه أنه ضب ليسألوا عن حكم أكله، وإنما لإعلامه، فيجتنبه إن كانت نفسه لا تقبله وأجمع العلماء على حِل أكله.
2-
وفيه دليل على أن الكراهة الطبيعية من النبي صلى الله عليه وسلم للشيء لا تحرمه لأن هذا شيء ليس له تعلق بالشرع، ومرده النفوس والطباع.
3-
حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لم يعب الطعام. وهذه عادته الكريمة، إن طاب له الطعام أكل منه، وإلا تركه من غر عيبه.
4-
وفيه أن النفس وما اعتادته، فلا ينبغي إكراهها على أكل ما لم تشتهه ولا تستطيبه، فإن الذي لا ترغبه لا يكون مريئا، فيخل بالصحة.
الحديث الثامن
عَنْ عَبدِ الله بن أبي أوفَى قَالَ: غَزَوناَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَبعَ غَزَوَاتٍ نأكُلُ الجَرَادَ.
ما يستفاد من الحديث:
1-
فيه دليل على حِل أكل الجراد. قال النووي رحمه الله تعالى: وهو إجماع.
2-
وهو حلال بأي سبب صار موته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أحلت لنا ميتتان ودمان مما فأما الميتتان، فالجراد والسمك، وأما الدمان، فالكبد والطحال".
الحديث التاسع
عَنْ زَهْدَم بْنِ مُضَرِّبٍ الْجَرْمي قالَ: كُنا عِنْدَ أبي مُوسَى الأشْعَرِيِّ، فَدَعا بِمَائِدَةٍ وَعَلَيها لَحْمُ دجاج، فَدَخَلَ رَجُل مِنْ بَني تَيْم الله أحْمَرُ شبيهٌ بالموالي، فقَالَ لَهُ: هلمَّ! فتلكأ.
فَقَالَ لَهُ: هلمَّ! فَإني رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَأكُلُ مِنْهُ.
الغريب:
زهدم بن مضرب الجرمي: بصري ثقة [زهدم] بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة و [مضرب] بضم الميم، وفتح الضاد المعجمة، وكسر الراء المهملة المشددة و [الجرمي] بفتح الجيم وسكون الراء المهملة، منسوب إلى (جَرَم بن زيان) قبيلة مشهورة من العرب من قضاعة، من القحطانية.
تيم الله: بفتح التاء، بعدها ياء، ثم ميم. منسوبة إلى اسم الجلالة، هم بطن من إحدى قبائل العرب.
هلم: بفتح الهاء، بعد لام مضمومة، ثم ميم مشددة. هي كلمة بمعنى الدعاء إلى الشيء. فأما الحجازيون فينادون بها بلفظ واحد، المفرد، والمثنى، والجمع. وبهذه اللغة جاء القرآن {وَالقَائِلِينَ لإخوانهم هَلُم إلَيْنَا} وأما النجديون فيلحقونها الضمائر، فيقولون: هلم، للمفرد، وهلما، للمثنى، هلموا للجمع، وهلمي، للمؤنثة.
فتلكأ: بمعنى تردد وتوقف.
ما يستفاد من الحديث:
1-
فيه دليل على حل أكل لحم الدجاج لأنه من الطيبات.
2-
كون أكثر أكلها النجاسة لا يحرمها، وإنما يكون لها حكم الجلالة (1) .
3-
جواز الترف في المأكل والمشرب والملبس، وأن هذا غير مناف للشرع.
ومن تركه- تدينا- فليس على حق {قُلْ مَنْ حَرم زِينَةَ الله التي أخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيباتِ مِنَ الرزْقِ؟} .
ولا ينبغي اتخاذ الترف عادة دائمة، لئلا يألفه، فلا يصبر عنه.
الحديث العاشر
عنْ ابْنِ عباس رضي الله عنهما: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا كَلَ أحدكم طعَامَاً فَلا يمسح يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا".
(1) هي الناقة التي تأكل الخرء.