المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الآذان والإقامة - تيسير العلام شرح عمدة الأحكام

[عبد الله البسام]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌النية وأحكامها

- ‌بَاب دخول الخلاءَ والاستِطَابة

- ‌بَابُ السّوَاك

- ‌بَاب المسْح عَلى الخفّين

- ‌بَاب في المذي وغَيره

- ‌بَاب الغُسْل مِنَ الجنَابة

- ‌بَابُ التيمّم

- ‌بَابُ الحَيْض

- ‌باب حكم المستحاضة

- ‌كِتَابُ الصلاة

- ‌بَابُ المَواقِيت

- ‌بَاب في شيء مِن مَكرُوهَات الصَّلاة

- ‌باب فضْل صَلاة الجماعَةِ وَوجوبها

- ‌بَابُ حضُور النساء المسْجِد

- ‌بَابُ سنَن الراتبة

- ‌بَابُ الآذَان والإقامة

- ‌بَاب استقبال القبْلَة

- ‌بَابُ الصّفُوف

- ‌بَابُ الإمَامَة

- ‌بَابُ صفَة صَلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ وجُوب الطّمَأنينة في الركوع والسجود

- ‌بَابُ القِراءَة في الصَّلاة

- ‌بَابُ سُجُود السَهْو

- ‌بَابُ المرُور بَيْن يَدَي المصَلّي

- ‌بَابٌ جَامع

- ‌بَابُ تحيَّة المسْجِد

- ‌بَابُ النّهي عَن الكَلام في الصَّلاة

- ‌بَابُ الإبراد في الظهر من شدّة الحَر

- ‌بَابُ قضَاء الصَّلاة الفائتة وتعجيلها

- ‌باَب حكم ستر أحد العَاتقين في الصلاة

- ‌بَاب ما جَاء في الثوم والبصل ونحوهما

- ‌بَابُ التشهد

- ‌بَابُ كَيفية الصَّلَاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ الدّعاء بعد التشهد الأخير

- ‌بَابُ الوِتر

- ‌بَابُ الذكر عَقب الصَّلاة

- ‌بَابُ الخشُوع في الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الجَمْع بين الصلاتين في السفر

- ‌بَابُ قصْر الصَّلاة في السفر

- ‌بَابُ الجُمعَة

- ‌بَابُ صَلَاةِ العيدَين

- ‌بَابُ صَلَاة الكسوف

- ‌بَابُ الاستِسقَاء

- ‌بَابُ صَلَاة الخوف

- ‌كِتاب الجَنَائز

- ‌بَابٌ في الصَّلَاة على الغائب وعلى القبر

- ‌بَابٌ في الكفن

- ‌بَاب في صفة تغسيل الميّت وتشييع الجنازة

- ‌بَابٌ في مَوقِف الإمام من الميت

- ‌‌‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌كتاب الزكاة

- ‌بَابُ صدقة الفِطر

- ‌كِتاب الصيَام

- ‌بَاب الصَّوم في السَّفر

- ‌بَابُ أفضَل الصِّيامِ وَغَيرِه

- ‌بَابُ لَيلَة القَدْرِ

- ‌بَاب الاعتِكَاف

- ‌كِتَابِ الحَجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌بَابُ مَا يَلبسُه المحْرم من الثياب

- ‌بَابُ التلبيَة

- ‌بَاب سَفر المَرأة بدُون محْرم

- ‌بَاب الفِديَة

- ‌بَابُ حرمَة مَكة

- ‌بَابُ مَا يجُوز قَتْله

- ‌بَاب دُخول مَكةَ والبيت

- ‌بَابُ الطَّواف وأدَبه

- ‌بَابُ التمتّع

- ‌بَابُ الهَدْي

- ‌بَابُ الغسْل لِلمُحرم

- ‌بَابُ فَسخ الحَج إلى العمْرة

- ‌باب حكم تقديم الرمي

- ‌باب كيف ترمى جمرة العقبة

- ‌باب فضل الحلق وجواز التقصير

- ‌باب طواف الإفاضة والوداع

- ‌باب وجوب المبيت بمنى

- ‌باب جمع المغرب والعشاء في مزدلفة

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌كِتَابُ البيوع

- ‌بَابُ مَا نهى الله عنه من البيوع

- ‌باب النهي عن بيع الثمرة

- ‌باَب الْعرَايا

- ‌باب بيع النخل بعد التأبير

- ‌بَابُ نهي المشتري عن بيع الطعام قبل قبضه

- ‌بَابُ تحْريم بَيْع الخبائث

- ‌بابُ السَّلَم

- ‌بَابُ الشروط في البَيْع

- ‌بَابُ الرِّبا والصَّرْف

- ‌بَابُ الرَّهن

- ‌بَابُ الحَوَالة

- ‌بَابُ مَنْ وَجَد سلْعَته عند رجل قد أفلس

- ‌باَبُ الشفعَة

- ‌بَابُ أحْكام الجوَار

- ‌بَابُ الغصْبِ

- ‌بَابُ المساقاة والمزارعة

- ‌بَاب في جَواز كراء الأرض بالشيء المعْلوم

- ‌بَابُ الوَقف

- ‌باَبُ الهِبَة

- ‌بَابُ العَدل بَيْن الأولاد في العطِية

- ‌بَابُ هِبَة العمرى

- ‌باَبُ اللُّقَطَة

- ‌كتَابُ الوَصَايَا

- ‌‌‌بَاب الفرائض

- ‌بَاب الفرائض

- ‌كِتَاب الّنَكَاح

- ‌باب المحرمات من النكاح

- ‌بَابُ الشروط في النكاح

- ‌بَابُ ما جاء في الاستئمار وَالاستئذان

- ‌بَابُ لا ينكح مطَلقته ثَلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌باَبُ عشرَة النسَاء

- ‌بَابُ النّهي عن الخلْوَة بِالأجنبية

- ‌بَابُ الصَّدَاق

- ‌كتاب الطلاق

- ‌بَابُ العِدَّة

- ‌بَابُ تحريم إحداد المَرْأة أكثر من ثلاثة إلا على زوج

- ‌بَابُ مَا تجتنبه الحَاد

- ‌كِتَابُ اللِّعَان

- ‌بَابُ لحَاق النَّسب

- ‌كتاب الرَّضَاع

- ‌كِتَابُ القِصَاص

- ‌كتابُ الحُدُود

- ‌باب حدِّ السَّرقة

- ‌باب في إنكار الشفاعة في الحدود

- ‌بَابُ حد الخمْر

- ‌بَابُ التعزير

- ‌كِتاب الأيمَان والنذور

- ‌بَابُ النَّذر

- ‌‌‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ الأطعمة

- ‌بَابُ الصَّيْد

- ‌بَابُ الأضاحي

- ‌كتاب الأشربة

- ‌كِتابُ اللبَاس

- ‌كِتابُ الجِهَاد

- ‌كِتابُ العِتق

- ‌بَابُ بَيْع المدبَّر

الفصل: ‌باب الآذان والإقامة

‌بَابُ الآذَان والإقامة

(1)

الأذان- لغة: الإعلام، قال الله تعالى:{وَأذَاَن مِنَ الله وَرَسُوله} أي إعلام منهما.

وهو- شرعاً-: الإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة بألفاظ مخصوصة.

وهو- على اختصاره- مشتمل على مسائل العقيدة، لأن التكبير يتضمن وجود الله وإثبات صفات الجلال والعظمة له، والشهادتان تثبتان التوحيد الخالص، ورسالة، محمد صلى الله عليه وسلم، وتنفيان الشرك. والدعاء إلى الفلاح يشير إلى المعاد والجزاء. وذكر العلماء له حكماً عظيمة، منها إظهار شعار الإسلام، وإظهار كلمة التوحيد، وإثبات الرسالة، والإعلام بدخول وقت الصلاة. ومنها الدعوة إلى الجماعة.

وفي القيام به فضل عظيم لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو يَعْلَمُ الناسُ مَا في النّدَاءِ والصف الأوٌل ثم لَمْ يَجدُوا إِلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا" وغيره من الأحاديث الكثيرة.

و" الأذان " و " الإقامة " كل واحد منهما فرض كفاية على الرجال للصلوات الخمس.

وهما من شعائر الإسلام الظاهرة. يقاتل أهل بلد تركوهما.

كان صلى الله عليه وسلم إذا أتى قوماً لا يعرفهم يستدل على إسلامهم بالأذان، وعلى كفرهم بتركه، فكان يأمر من يتسمع إليهم في أوقات الصلوات.

وقد شُرع في المدينة، حينما استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلب طريق يعرفون بها دخول الوقت، ليأتوا إلى الصلاة. في المسجد.

فرأى عبد الله بن زيد الأنصاري في المنام من أعلمه صفة الأذان، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم برؤياه فقال: إنها رؤيا حق فألقه على بلال، لأنه رفيع الصوت. فكان أفضل وسيلة لمعرفة أوقات الصلاة.

الحديث الأول

عَنْ أنس بْنِ مَالِك رضي الله عنه قَالَ: أُمِر بلال أنْ يَشْفَعَ الأذَانَ وَيُوترَ الإقَامَةَ.

(1) لفظ الإقامة زيادة مني في الترجمة، ألحقتها، لأني رأيت الأحاديث محتملة على الأذان والإقامة.

ص: 114

غريب الحديث:

1-

"أمر بلال": مبنى للمجهول. والآمر هو النبي صلى الله عليه وسلم فله حكم المرفوع. وأختلف أهل الأصول: هل تقتضي هذه الصيغة وأمثالها، الرفع أو لا؟.

والصحيح أنها تقضيه، لأن الظاهر أن الآمر من له الأمر الشرعي وهو الرسول عليه الصلاة والسلام.

2-

"أن يشفع الآذان": يعني، يأتي بألفاظه شفعاً. أي مثنى والمثنى مرتان.

3-

"ويوتر الإقامة": يعنى، يأتي بألفاظها وتراً، وهو نقيض الشفع.

المعنى الإجمالي:

أمر النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنه "بلالاً" أن يشفع الآذان لأنه لإعلام الغائبين، فيأتي بألفاظه مثنى.

وهذا عدا (التكبير) فى أوله، فقد ثبت تربيعه و (كلمة التوحيد) في آخره. فقد ثبت إفرادها.

كما أمر بلالاً أيضاً أن يوتر الإقامة، لأنها لتنبيه الحاضرين.

وذلك بأن يأتي بجملها مرة مرة، وهذا عدا (التكبير) و " قد قامت الصلاة " فقد ثبت تثنيتهما فيها.

اختلاف العلماء:

اختلف العلماء في حكم الأذان والإقامة.

فذهب الإمام "أحمد" وبعض المالكية، وبعض الشافعية، وعطاء إلى أنهما واجبان على الكفاية، للرجال البالغين، مستدلين على ذلك بأحاديث كثيرة. منها حديث الباب. لأن الأمر يقتضي الوجوب.

ومنها ما في الصحيحين عن مالك بن الحويرث: " فَاليُؤَذنْ لكم أحَدُكُمْ " وغير ذلك من الأحاديث.

ولأنه من شعائر الإسلام الظاهرة يقاتل من تركها.

وقد خص بعض هؤلاء الوجوب بالرجال دون النساء، لما روى البيهقي عن ابن عمر بإسناد صحيح:" لَيس عَلَى النسَاءِ أذَان وَلا إقامَة ".

ولأنه مطلوب منهن خفض الصوت والتستر، وَلسنَ من أهل الجماعة المطلوب لها الاجتماع.

وذهبت الحنفية والشافعية إلى أنهما سنتان وليسا بواجبين.

مستدلين بما صحح كثير من الأئمة من أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة مزدلفة لم يؤذنْ، وإنما أقام فقط.

ص: 115

ويعارض ما نقل عن تركه الأذان بما روى البخاري عن ابن مسعود " أنه صلى الله عليه وسلم صلاها في جمع بأذانين وإقامتين ".

على أن شيخ الإسلام " ابن تيمية " ذكر في " الاختيارات " أن طوائف من القائلين بسنية الأذان يقولون: إذا اتفق أهل بلد على تركه، قوتلوا.

فالنزاع مع هؤلاء قريب من اللفظي، لأن كثيراً من العلماء يطلقون القول بالسنة على. ما يذم ويعاقب تاركه شرعاً.

أما من زعم أنه سنة لا إثم على تاركه فقد أخطأ. ا. هـ كلامه.

واختلفوا أيضاً في صفة الأذان والإقامة.

فذهب الإمام " أحمد " إلى جواز كل ما ورد في صفات الأذان والإقامة. لكنه اختار أذان " بلال " وإقامته، وأذان " بلال " المشار إليه خمس عشرة جملة، أربع تكبيرات، ثم أربع تشهدات، ثم أربع حيعلات، ثم تكبيرتان، ثم يختمه بـ " لا إله إلا الله ".

والإقامة المشار إليها إحدى عشرة جملة، تكبيرتان، ثم تشهدان، ثم حيعلتان، ثم (قد قامت الصلاة) مرتين، ثم تكبيرتان، ثم يختم بـ "لا إله إلا الله".

والى هذه الصفة، ذهبت الحنفية والشافعية، وجمهور العلماء.

واحتجوا بحديث عبد الله بن زيد في صفة الأذان والإقامة، وبأن هذه الصفة هي عمل أهل مكة بجمع المسلمين في المواسم وغيرها، ولم ينكره أحد.

وذهب مالك، وأبو يوسف، وبعض العلماء: إلى تثنية تكبير الأذان. محتجين ببعض روايات حديث عبد الله بن زيد، وبأذان أبى محذورة وبحَديث أنس [أمِرَ بِلالٌ أنْ يَشْفَعَ الأذَانَ] .

والأولى الأخذ بالزائد، لأن الزيادة التي لا تنافي، إذا كانت من ثقة فهي مقبولة.

قال ابن حزم، إنما اخترنا أذان أهل مكة: لأن فيه زيادة ذكر الله.

واختلفوا في ترجيع الأذان، ومعنى " الترجيع " أن يقول المؤذن. التشهد خافضاً به صوته، ثم يعيده، رافعاً صوته.

فذهبت المالكية والشافعية: إلى استحبابه،

ص: 116

وهو عمل أهل الحجاز، أخذاً بحديث أبي محذورة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لقَّنه إياه في مكة.

وذهبت الحنفية إلى عدم الاستحباب، احتجاجاً بالظاهر من حديث عبد الله بن زيد.

والإمام " أحمد " يجيز الأمرين، ولكنه يختار أذان بلال. قال ابن عبد البر: ذهب أحمد وإسحاق وداود وابن جرير إلى أن ذلك من الاختلاف المباح فإن رَبع أو رَجع أو ثنى الأذان مع إفراد الإقامة أو ثناها معه أو ثنى الألفاظ كلها فإنه جائز.

ما يؤخذ من الحديث من الأحكام:

1-

وجوب الأذان والإقامة، أخذاً من صيغة الأمر الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم فإن الصيغة تقتضي رفع الحديث. قال ابن حجر: هو قول محققي الطائفتين، من المحدثين والأصوليين.

2-

استحباب شفع الأذان وإيتار الإقامة، لأن الوجوب معارض بصفات للأذان والإقامة ثابتة، يؤخذ من مجموع الأدلة جواز جميع الوارد.

3-

شدة الاهتمام بالأذان على الإقامة، لكونه نداء للبعيد.

4-

المراد بشفع الأذان ماعدا التكبيرات الأربع في أوله، وكلمة التوحيد في آخره، فإنها مخصصة بأدلة أخرى.

5-

المراد بوتر الإقامة ماعدا التكبيرتين في أولها و [قد قامت الصلاة] ، فإنهما مشفوعتان لتخصيصهما بأدلة أخر.

الحديث الثاني

عَنْ أبي جُحَيْفَةَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ الله السُوَائي قالَ: أتيتُ النَّبيَ صلى الله عليه وسلم وهوَ في قُبّةٍ لَه حَمرَاءَ مِنْ أدَم، قَالَ: فخَرَج بِلالٌ بوَضُوءٍ، فَمِنْ نَاضِح وَنائِل فَخَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ كَأنّي أنْظرُ إلَى بياضِ سَاقَيهِ، قَالَ: فَتوَضأ وَأذّنَ بِلال. قال: فَجَعَلْتُ أتَتَبَّع فَاهُ ههُنَا ههُنَا، يَقُولُ يَميناً وشِمَالاً. حَي عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاح. ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَة فَتَقَدَّم وَصَلّى الظهْرَ رَكعَتَينِ. ثُم لم يزَل يُصلي رَكْعَتَين حَتَّى رَجَعَ إلَى المَدِينَةِ.

ص: 117

غريب الحديث:

1-

"في قبة من أدَم": جمع أديم، والأدم، بضم الهمزة وفتحها الجلد المدبوغ، القبة هي الخيمة.

2-

"وضوء": يعني الماء.

3-

"حلة": لا تكون إلا من ثوبين، إزار ورداء أو غيرهما وتكون ثوبا له بطانة.

4-

"فمن ناضح ونائل": النضح، الرش، والمراد هنا الأخذ من الماء الذي توضأ به النبي صلى الله عليه وسلم للتبرك، والنائل: - الآخذ ممن أخذ من وضُوئِه عليه الصلاة والسلام.

5-

"أتتبع فاه ههنا ههنا": ظرفا مكان، والمراد يلتفت جهة اليمين وجهة الشمال ليبلغ من حوله.

6-

"عَنَزَة": رمح قصير، في طرفه حديدة دقيقة الرأس يقال لها: زُجّ و (العنزة) بفتح العين والنون والزاي، آخره تاء مربوطة.

المعنى الإجمالي:

كان النبي صلى الله عليه وسلم نازلاً في الأبطح في أعلىٍ مكة، فخرج بلال بفضل وَضُوءِ النبي صلى الله عليه وسلم، وجعَلَ الناس يتبركون به، وَأذَّن بلال.

قال أبو جحيفة: فجعلت أتتبع فم بلال، وهو يلتفت يمناً وشمالا عند قوله "حي على الفلاح" ليسمع الناس حيث إن الصيغتين حث على المجيء إلى الصلاة.

ثم ركزت له رمح قصيرة لتكون سترة له في صلاته، فصلى الظهر ركعتين.

ثم لم يزل يصلى الرباعية ركعتين حتى رجع إلى المدينة، لكونه مسافراً.

ما يؤخذ من الحديث من الأحكام:

1-

مشروعية التفات المؤذن يميناً وشمالا عند قوله: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) والحكمة في هذا تبليغ الناس ليأتوا إلى الصلاة.

2-

مشروعية قصر الرباعية إلى ركعتين في السفر، ويأتي إن شاء الله.

3-

مشروعية السترة أمام المصلى ولو في مكة، ويأتي إن شاء الله.

4-

شدة محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وتبركهم بآثاره.

ولكن لا يلحقه في ذلك العلماء والصالحون، فإن له خصوصيات ينفرد بها عن غيره. ومن قاس غيره عليه، في هذا وأمثاله فقد أخطأ.

ص: 118

5-

ورد في أحاديث كثيرة النهي عن لبس الأحمر للرجال.

فمنها ما في البخاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المياثر (1) الحمر) .

فكيف ذكر هنا، أن عليه حلة حمراء؟

ذكر " ابن القيم " في " الهَدْىِ النبوي " أي (زاد المعاد) أن الحلة هنا، ليست حمراء خالصة، وإنما فيها خطوط حمر، وسود، وغلط من ظن أنها حمراء بحت، لا يخالطها غيره. والتي أكثر أعلامها حمر يقال لها: حمراء.

ورأيت نقلاً عن شيخنا "عبد الرحمن السعدي " أنه لبسها لبيان الجواز.

وعندي أن جمع " ابن القيم " أحسن، لأن النهي عن الأحمر الخالص، شديد فكيف يلبسه لبيان الجواز؟ والله أعلم.

ذكر القاضي عياض أن في الكلام تقديماً وتأخيراً "فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج بلال بوضوء" ويؤيد قوله رواية البخاري: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، فأتى بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به".

الحديث الثالث

عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ. فَكُلُوا حَتى يُؤَذن ابْنُ أم مَكْتُوم".

المعنى الإجمالي:

كان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذنان، بلال بن رباح، وعبد الله بن أم مكتوم وكان ضريراً.

فكان بلال يؤذن لصلاة الفجر قبل طلوع الفجر، لأنها تقع وقت نوم ويحتاج الناس إلى الاستعداد لها قبل دخول وقتها.

فكان صلى الله عليه وسلم ينبه أصحابه إلى أن بلالا يؤذن بليل، فيأمرهم بالأكل والشرب حتى يطلع الفجر، ويؤذن المؤذن الثاني وهو ابن أم مكتوم لأنه كان يؤذن مع طلوع الفجر الثاني. وذلك لمن أراد الصيام، فحينئذ يكف عن الطعام والشراب ويدخل

(1) المياثر: جمع ميثرة، والميثرة الثوب الذي بحلل به الثياب فيعلوها، وكانوا يصبغونها بالأرجوان وهو لون أحمر.

ص: 119

وقت الصلاة.

وهو خاص بها، ولا يجوز فيما عداها أذان قبل دخول الوقت. واختلف في الأذان الأول لصلاة الصبح، هل يكتفي به أو لابد من أذان ثان لدخول الوقت؟ وجمهور العلماء على أنه مشروع ولا يكتفي به.

ما يؤخذ من الحديث من أحكام:

1-

جواز الأذان لصلاة الفجر قبل دخول وقتها.

2-

جواز اتخاذ مؤذنين لمسجد واحد، ويكون لأذان كل منهما وقت معلوم.

3-

جواز اتخاذ المؤذن الأعمى وتقليده لأن ابن أم مكتوم، رجل أعمى.

4-

وفيه استحباب تنبيه أهل البلد أو المحلة على إرادة الأذان قبل طلوع الفجر حتى يكونوا على بصيرة.

5-

اتخاذ مؤذن ثان يؤذن مع طلوع الفجر.

6-

وفيه استحباب عدم الكَف عن الأكل والشرب لمن أراد الصيام حتى يتحقق طلوع الفجر، وأن لا يمسك قبل ذلك والأمر في قوله:" فكلوا واشربوا " هو للإباحة، والإعلام بامتداد وقت السحور إلى هذا الوقت. وسيأتي إن شاء الله.

7-

فيه جواز العمل بخبر الواحد إذا كان ثقة معروفا.

الحديث الرابع

عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدرِي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذنَْ فَقُولُوا مِثْل مَا يَقُولُ ".

المعنى الإجمالي:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم المؤذن للصلاة فأجيبوه، بأن تقولوا مثل ما يقول.

فحينما يكبر فكبروا بعده، وحينما يأتي بالشهادتين، فأتوا بهما بعده، فإنه يحصل لكم من الثواب ما فاتكم من ثواب التأذين الذي حازه المؤذن، والله واسع العطاء، مجيب الدعاء.

ما يؤخذ من الحديث من الأحكام:

1-

مشروعية إجابة المؤذن بمثل ما يقول. وذلك بإجماع العلماء.

2-

أن تكون إجابة المجيب بعد انتهاء المؤذن من الجملة لقوله: (فقولوا) . لأن

ص: 120

الفاء للترتيب. وقد صرح. بذلك في بعض الأحاديث.

منها ما رواه النسائي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقول كما يقول المؤذن حين يسكت "

3-

أن يجيب المؤذن في كل أحواله، إن لم يكن في خلاء أو على حاجته، لأن كل ذكر له سبب لا ينبغي إهماله، حتى لا يفوت بفوات سببه.

4-

ظاهر الحديث أن السامع يجيب المؤذن بمثل ما يقول في كل جمل الأذان.

والذي عند جمهور العلماء أن المجيب يقول: " لا حول ولا قوة إلا بالله " عند قول المؤذن: " حي على الصلاة " و" حي على الفلاح " كما ورد في صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب ومنه " ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ".

ولأن الحيعلة (1) لا تناسب السامع: إنما الذي يناسبه الحوقلة (2) فحينما دعاهم المؤذن أجابوه بقولهم: " لا حول ولا قوة إلا بالله " أي بمعونته وتأييده يكون مجيئنا للصلاة وقيامنا بها.

فائدة:

روى البخاري في صحيحه، عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يسمع النداء: " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة ".

(1) الحيعلة: هي قول حي على الصلاة، حي على الفلاح.

(2)

الحوقلة: هي قول لا حول ولا قوة إلا بالله.

واللفظان مأخوذان من الجملتين بطريق " النحت".

ص: 121