الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب في جَواز كراء الأرض بالشيء المعْلوم
والنهي عن الشروط الفاسدة
الحديث الأول (1)
عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيج قَالَ: كُنَّا أكثرَ الأنصار حَقْلا، وَكُنَّا نَكْرِي الأرض عَلى أن لَنَا هذِه وَلَهُمْ هَذِهِ، وَرُبَّمَا أخْرَجَتْ هذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هذِهِ، فَنَهانَا عَنْ ذلِكَ. فأما الوَرقُ فَلَمْ يَنْهَنَا.
الحديث الثاني
ولـ " مسلم " عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْس قال: سَالتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيج عَنْ كِرَاءِ الأرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِق، فقال: لا بَأسَ بِهِ، إنَّمَا كَان النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلى عَهْدِ النَّبي صلى الله عليه وسلم بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَأقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَأشْيَاءَ مِنَ الزَرْعِ، فَيهْلِكُ هذَا، وَيَسْلَمُ هذَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاء إلا هذَا، فَلِذلِكَ زَجَرَ عَنْهُ، فَأمَّا شَيء مَعْلُوم مَضْمُون فَلا بَأسَ بِهِ..
الماذيانات: اْلأنهار الكبار. والجدول: النهر الصغير.
الغريب:
حقلا: بفتح الحاء المهملة، وسكون القاف، منصوب على التمييز. الأصل في الحقل القراح الطيب، ثم أطلق على الزرع، واشتق منه المحاقلة.
الماذيانات: بذال معجمة مكسورة، ثم ياء مثناة، ثم ألف ونون، ثم بعدها ألف أيضاً. قال الخطابي: هي من كلام العجم (2) فصارت دخيلا في كلام العرب.
أقبال الجداول: بفتْح الهمزة، فقاف فباء. والأقبال، الأوائل. والجداول جمع "جدول" وهو النهر الصغير.
المعنى الإجمالي:
في هذين الحديثين، بيان وتفصيل لإجارة الأرض الصحيحة، وإجارتها الفاسدة.
فقد ذكر رافع بن خديج أن أهله كانوا أكثر أهل المدينة مزارع وبساتين.
فكانوا يكارون الأرض كراء جاهلياً، فيعطون الأرض لتزرع، على أن لهم جانباً من الزرع، وللمزارع، الجانب الآخر، فربما جاء هذا، وتلف ذاك.
وقد يجعلون لصاحب الأرض، أطايب الزرع، كالذي ينبت على الأنهار والجداول،
(1) رقم هذين الحديثين [284] و [285] حسب ترتيب المصنف رحمه الله تعالى.
(2)
قال ابن الأثير: إنها سوادية معربة.
فيهلك هذا، ويسلم ذاك، أو بالعكس.
فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المعاملة، لما فيها من الغرر والجهالة والمخاطرة، فإنها باب من أبواب الميسر، وهو محرم لا يجوز، فلابد من العلم بالعوض، كما لابد من التساوي في المغنم والمغرم.
فإن كانت جزء منها، فهي شركة مبناها العدل والتساوي في غنْمِهَا وغُرْمِهَا.
وإن كانت بعوض، فهي إجارة لابد فيها من العلم بالعوض.
وهى جائزة سواء أكانت بالذهب والفضة، أم بالطعام مما يخرج من الأرض (1) أو من جنسه أو من جنس آخر، لأنها إيجار للأرض ولعموم الحديث [فأما شيء معلوم مضمون، فلا بأس به] .
ما يستفاد من الحديث:
1-
جواز إجارة الأرض للزراعة، وقد أجمع عليه العلماء في الجملة.
2-
أنه لابد أن تكون الأجرة معلومة، فلا تصح بالمجهول.
3-
عموم الحديث يفيد أنه لا بأس أن تكون الأجرة ذهباً أو فضة أو غيرهما، حتى ولو كان من جنس ما أخرجته الأرض، أو مما أخرجته بعينه.
4-
النهى عن إدخال شروط فاسدة فيها: "ذلك كاشتراط جانب معين من الزرع وتخصيص ما على الأنهار ونحوها لصاحب الأرض أو الزرع، فهي
مزارعة أو إجارة فاسدة، لما فيها من الغرر والجهالة والظلم لأحد الجانبين، يجب أنْ تكون مبنية على العدالة والمواساة.
فإما أن تكون بأجر معلوم للأرض، وإما أن تكون مزارعة يتساويان فيها مغنما ومغرماً.
5-
بهذا يعلم أن جميع أنواعَ الغرر والجهالات والمغالبات، كلها محرمة باطلة، فهي من القمار والميسر، وفيهما ظلم أحد الطرفين.
والشرع إنما جاء بالعدل والقسط والمساواة بين الناس، لإبعاد العداوة والبغضاء، وجلب المحبة والمودة.
اختلاف العلماء:
ذهب عامة العلماء إلى جواز الإجارة بالذهب والفضة والعروض غير الطعوم.
واختلفوا في جوازها في الطعام.
فإن كان معلوماً غير خارج منها، فذهب إلى جوازها أكثر أهل العلم، ومنهم الشافعية، والحنفية، والحنابلة. سواء أكان الطعام من جنس الخارج منها، أم من غير جنسه، للحديث العام، ولأنه ليس فيه ذريعة إلى الربا، فجاز، كالنقود.
ومنعه الإمام مالك، محتجاً بحديث [فلا يكريها بطعام] .
وإن كان بجزء مما يخرج منها، فلا يجوز عند الأئمة الثلاثة.
وما نقل عن الإمام أحمد في جوازها، فمحمول على إرادته للمزارعة، بلفظ الإجارة.
(1) بشرط أن لا يكون بجزء منها، فلا تصح إجارة، وإنما تصح مزارعة إذا كان الجزء معلوما كما تقدم.