المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الغسل من الجنابة - تيسير العلام شرح عمدة الأحكام

[عبد الله البسام]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌النية وأحكامها

- ‌بَاب دخول الخلاءَ والاستِطَابة

- ‌بَابُ السّوَاك

- ‌بَاب المسْح عَلى الخفّين

- ‌بَاب في المذي وغَيره

- ‌بَاب الغُسْل مِنَ الجنَابة

- ‌بَابُ التيمّم

- ‌بَابُ الحَيْض

- ‌باب حكم المستحاضة

- ‌كِتَابُ الصلاة

- ‌بَابُ المَواقِيت

- ‌بَاب في شيء مِن مَكرُوهَات الصَّلاة

- ‌باب فضْل صَلاة الجماعَةِ وَوجوبها

- ‌بَابُ حضُور النساء المسْجِد

- ‌بَابُ سنَن الراتبة

- ‌بَابُ الآذَان والإقامة

- ‌بَاب استقبال القبْلَة

- ‌بَابُ الصّفُوف

- ‌بَابُ الإمَامَة

- ‌بَابُ صفَة صَلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ وجُوب الطّمَأنينة في الركوع والسجود

- ‌بَابُ القِراءَة في الصَّلاة

- ‌بَابُ سُجُود السَهْو

- ‌بَابُ المرُور بَيْن يَدَي المصَلّي

- ‌بَابٌ جَامع

- ‌بَابُ تحيَّة المسْجِد

- ‌بَابُ النّهي عَن الكَلام في الصَّلاة

- ‌بَابُ الإبراد في الظهر من شدّة الحَر

- ‌بَابُ قضَاء الصَّلاة الفائتة وتعجيلها

- ‌باَب حكم ستر أحد العَاتقين في الصلاة

- ‌بَاب ما جَاء في الثوم والبصل ونحوهما

- ‌بَابُ التشهد

- ‌بَابُ كَيفية الصَّلَاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ الدّعاء بعد التشهد الأخير

- ‌بَابُ الوِتر

- ‌بَابُ الذكر عَقب الصَّلاة

- ‌بَابُ الخشُوع في الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الجَمْع بين الصلاتين في السفر

- ‌بَابُ قصْر الصَّلاة في السفر

- ‌بَابُ الجُمعَة

- ‌بَابُ صَلَاةِ العيدَين

- ‌بَابُ صَلَاة الكسوف

- ‌بَابُ الاستِسقَاء

- ‌بَابُ صَلَاة الخوف

- ‌كِتاب الجَنَائز

- ‌بَابٌ في الصَّلَاة على الغائب وعلى القبر

- ‌بَابٌ في الكفن

- ‌بَاب في صفة تغسيل الميّت وتشييع الجنازة

- ‌بَابٌ في مَوقِف الإمام من الميت

- ‌‌‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌باب في تحْريم التسخط بالفعل والقول

- ‌كتاب الزكاة

- ‌بَابُ صدقة الفِطر

- ‌كِتاب الصيَام

- ‌بَاب الصَّوم في السَّفر

- ‌بَابُ أفضَل الصِّيامِ وَغَيرِه

- ‌بَابُ لَيلَة القَدْرِ

- ‌بَاب الاعتِكَاف

- ‌كِتَابِ الحَجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌بَابُ مَا يَلبسُه المحْرم من الثياب

- ‌بَابُ التلبيَة

- ‌بَاب سَفر المَرأة بدُون محْرم

- ‌بَاب الفِديَة

- ‌بَابُ حرمَة مَكة

- ‌بَابُ مَا يجُوز قَتْله

- ‌بَاب دُخول مَكةَ والبيت

- ‌بَابُ الطَّواف وأدَبه

- ‌بَابُ التمتّع

- ‌بَابُ الهَدْي

- ‌بَابُ الغسْل لِلمُحرم

- ‌بَابُ فَسخ الحَج إلى العمْرة

- ‌باب حكم تقديم الرمي

- ‌باب كيف ترمى جمرة العقبة

- ‌باب فضل الحلق وجواز التقصير

- ‌باب طواف الإفاضة والوداع

- ‌باب وجوب المبيت بمنى

- ‌باب جمع المغرب والعشاء في مزدلفة

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌كِتَابُ البيوع

- ‌بَابُ مَا نهى الله عنه من البيوع

- ‌باب النهي عن بيع الثمرة

- ‌باَب الْعرَايا

- ‌باب بيع النخل بعد التأبير

- ‌بَابُ نهي المشتري عن بيع الطعام قبل قبضه

- ‌بَابُ تحْريم بَيْع الخبائث

- ‌بابُ السَّلَم

- ‌بَابُ الشروط في البَيْع

- ‌بَابُ الرِّبا والصَّرْف

- ‌بَابُ الرَّهن

- ‌بَابُ الحَوَالة

- ‌بَابُ مَنْ وَجَد سلْعَته عند رجل قد أفلس

- ‌باَبُ الشفعَة

- ‌بَابُ أحْكام الجوَار

- ‌بَابُ الغصْبِ

- ‌بَابُ المساقاة والمزارعة

- ‌بَاب في جَواز كراء الأرض بالشيء المعْلوم

- ‌بَابُ الوَقف

- ‌باَبُ الهِبَة

- ‌بَابُ العَدل بَيْن الأولاد في العطِية

- ‌بَابُ هِبَة العمرى

- ‌باَبُ اللُّقَطَة

- ‌كتَابُ الوَصَايَا

- ‌‌‌بَاب الفرائض

- ‌بَاب الفرائض

- ‌كِتَاب الّنَكَاح

- ‌باب المحرمات من النكاح

- ‌بَابُ الشروط في النكاح

- ‌بَابُ ما جاء في الاستئمار وَالاستئذان

- ‌بَابُ لا ينكح مطَلقته ثَلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره

- ‌باَبُ عشرَة النسَاء

- ‌بَابُ النّهي عن الخلْوَة بِالأجنبية

- ‌بَابُ الصَّدَاق

- ‌كتاب الطلاق

- ‌بَابُ العِدَّة

- ‌بَابُ تحريم إحداد المَرْأة أكثر من ثلاثة إلا على زوج

- ‌بَابُ مَا تجتنبه الحَاد

- ‌كِتَابُ اللِّعَان

- ‌بَابُ لحَاق النَّسب

- ‌كتاب الرَّضَاع

- ‌كِتَابُ القِصَاص

- ‌كتابُ الحُدُود

- ‌باب حدِّ السَّرقة

- ‌باب في إنكار الشفاعة في الحدود

- ‌بَابُ حد الخمْر

- ‌بَابُ التعزير

- ‌كِتاب الأيمَان والنذور

- ‌بَابُ النَّذر

- ‌‌‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ القَضَاء

- ‌كِتَابُ الأطعمة

- ‌بَابُ الصَّيْد

- ‌بَابُ الأضاحي

- ‌كتاب الأشربة

- ‌كِتابُ اللبَاس

- ‌كِتابُ الجِهَاد

- ‌كِتابُ العِتق

- ‌بَابُ بَيْع المدبَّر

الفصل: ‌باب الغسل من الجنابة

‌بَاب الغُسْل مِنَ الجنَابة

الغسل -بضم الغين- اسم الاغتسال، الذي هو تعميم البدن بالماء.

وأصل "الجنابة" البعد، وإنما قيل لمن جامع أو خرج منه المنىُ: جنب لأن ماءه باعد محله.

ويراد بهذا الباب، الأحكام التي تتعلق بالغسل وتبين أسبابه وآدابه، وغير ذلك.

وهو من جملة الطهارة المشروعة للصلاة، ومن النظافة المرغب فيهِا.

{وَإنْ كُنْتُم جُنُباً فَاطًهرُوا} عدا ما فيه من فوائد صحية وقلبية.

فإن المجامع حينما تخرج منه النطفة التي تعتبر سلالة بدنه، وجوهره، يحصل له بعد خروجها شيء من الإجهاد والتعب،، ويحصل له فتور وكسل وتَبَلُّدُ ذهن، وركود في حركة الدم.

ومن رحمة الحكيم الخبير، شرع هذا الغسل، الذي يعيد إلى الجسد قوته، وينشط دورة الدم في جسمه، فيعود إلى نشاطه.

وكم في شرع الله من حِكم وأسرار!! وفقنا الله تعالى لفهمها، والإيمان بها.

الحديث الأول

عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في (1) بعض طرق المدينة وهُوَ جُنُبٌ، قالَ: فَاْنخَنَسْتُ مِنْهُ. فَذَهبْتُ- فاغتسلت، ثمً جِئت، فقال:" أيْنَ كُنْتَ يَا أبا هريرة؟ " قال: كُنْتُ جُنُباً، فَكَرِهتُ أنْ أجالسك وَأنَا عَلَى غَيْرِ طَهَاَرةٍ. فقَالَ:" سُبْحَانَ الله إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ ".

غريب الحديث:

1-

"انخنست": بالنون ثم بالخاء المعجمة والسين المهملة،. من الخنوس، وهو التأخر والاختفاء. يعنى انسللت واختفيت.

قال ابن فارس: "الخنس" الذهاب بخفية، "خنس" الرجال، تأخر.

2-

"منه": أي من أجله، حيث رأيت نفسي نجساً بالنسبة إلى طهارته وجلالته صلى الله عليه وسلم.

3-

"كنت جنبا": أي كنت ذا جنابة، وتقع هذه اللفظة على الواحد والجمع المذكر والمؤنث،

(1) في أول هذا الحديث، انقطاع في رواية " مسلم " ذكره المازري في (المعلم) ووصله البخاري وغيره.

ص: 61

كما ورد في القرآن والحديث.

قال سبحانه: {إن كنتم جنبا فاطهروا} وقالت إحدى أمهات المؤمنين: "كنت جنبا".

4-

"لا ينجُس": بضم الجيم وفتحها.

5-

"سبحان الله": تعجب من اعتقاد أبي هريرة التنجس من الجنابة.

المعنى الإجمالي:

لقي أبو هريرة النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة، وصادف أنه جنب فكان من تعظيمه للنبي صلى الله عليه وسلم وتكريمه إياه، أن كره مجالسته ومحادثته وهو على تلك الحال.

فانسل في خفية من النبي صلى الله عليه وسلم واغتسل، ثم جاء إليه.

فسأله النبي صلى الله عليه وسلم أين ذهب؟ فأخبره بحاله، وأنه كره مجالسته على غير طهارة.

فتعجب النبي صلى الله عليه وسلم من حال أبي هريرة حين ظن نجاسة الجنب. وذهب ليغتسل وأخبره: أن المؤمن لا ينجس على أية حال.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

كون الجنابة ليست نجاسة تحل البدن.

2-

كون الإنسان لا تنجس ذاته، لا حيا، ولا ميتا. وليس معناه أن بدنه لا تصيبه النجاسة أو تحل به، فقد تكون عينه -أي ذاته- متنجسة إذا أصابته النجاسة.

3-

جواز تأخير الغسل من الجنابة.

4-

تعظيم أهل الفضل، والعلم، والصلاح، ومجالستهم على أحسن الهيئات.

5-

مشروعية استئذان التابع للمتبوع في الانصراف، فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي هريرة ذهابه من غير علمه، وذاك أن الاستئذان من حسن الأدب.

الحديث الثاني

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالتْ: كان رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَل يَدَيْهِ، ثُمَ تَوَضَّأ وضُوءهُ للصلاةِ، ثم يُخَلِّلُ بيَدْيَهِ شَعْره حَتَّى إِذَا ظَنَّ أنَّهُ قَدْ أرْوَى بَشَرَتَهُ أفَاضَ عَلَيْهِ الماءَ ثَلاثَ مَرَاتٍ، ثُم غَسل سَائِرَ جَسَدِهِ.

وقالت: كُنْت أغْتَسل أنَا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاء وَاحِدٍ، نَغْتَرِف مِنْهُ جَمِيعاً.

ص: 62

غريب الحديث:

1-

"إذا اغتسل من الجنابة": يعنى أراد ذلك. قال الزمخشرى: عبر عن إرادة الفعل بالفعل، لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له. والقصد الإِيجاز في الكلام.

2-

"ثم يخلل بيديه شعره": التخليل إدخال الأصابع بين أجزاء الشعر.

3-

قد أروى بشرته- أوصل الماء إلى أصول الشعر، والبشرة المرادة هنا، ظاهر الجلد المستور بالشعر.

4-

"إذا ظن": الظن يراد به هنا معنى الرجحان، إذ لا دليل على أنه لابد من اليقين، والظن قد صح التعبد به في الأحكام.

5-

"أفاض عليه": أسال الماء على شعره.

المعنى الإجمالي:

تصف عائشة غسل النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إذا أراد الغسل من الجنابة، بدأ بغسل يديه، لتكونا نظيفتين حينما يتناول بهما الماء للطهارة، وتوضأ كما يتوضأ للصلاة.

ولكونه صلى الله عليه وسلم ذا شعر كثيف، فإنه يخلله بيديه وفيهما الماء.

حتى إذا وصل الماء إلى أصول الشعر، وأروى البشرة، أفاض الماء على رأسه ثلاث مرات ثم غسل باقي جسده.

ومع هذا الغسل الكامل، فإنه يكفيه هو وعائشة، إناء واحد، يغترفان منه جميعا.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

مشروعية الغسل من الجنابة. سواء أكان ذلك لإنزال المنى أم لمجرد الإيلاج. كما سيأتي صريحا في حديث أبي هريرة.

2-

أن الغسل الكامل، ما ذكر في هذا الحديث، من تقديم غسل اليدين، ثم الوضوء، ثم تخليل الشعر الكثيف، وترويته، ثم غسل بقية البدن.

3-

قولها: " كان إذا اغتسل ": يدل على تكرار هذا الفعل منه عند الغسل من الجنابة.

4-

جواز نظر أحد الزوجين لعورة الآخر، وغسلهما من إناء واحد.

5-

تقديم غسل أعضاء الوضوء في ابتداء الغسل على الغسل منْ الجنابة، عدا غسل الرجلين فإنه مؤخر إلى بعد الانتهاء من غسل البدن كله، كما سيأتي.

ص: 63

6-

قولها: " ثم توضأ وضوءه للصلاة

ثم غسل سائر جسده": يدل على أن غسل أعضاء الوضوء رافع للحدثين الأكبر والأصغر، فإن الأمر الذي يوجب غسل هذه الأعضاء للجنابة ولرفع الحدث الأصغر واحد.

7-

سائر الجسد: بقيته.

الحديث الثالث

عَنْ مَيْمُونَةَ بنْتِ الْحَارثِ زَوْج النبي صلى الله عليه وسلم أنَّهَا قَالَتْ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَضُوءَ الجَنَابَة فأَكفَأ بِيِمِينِهِ علَى يساره مَرًّتيْنِ أوْ ثَلاثَا، ثم غَسَلَ فرْجَهُ، ثُمٌ ضَرَبَ يدَهُ بِالأرْضِ أوْ ااْلحَائِطِ مرًّتينَ أوْ ثَلاثَاً ثمَّ مَضْمَضَ وَاَسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وجْهَهُ وَذِراعَيْهِ، ثمَّ أفَاضَ عَلى رَأسهِ الْمَاءَ، ثمَّ غَسَلَ سَائرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَل رِجْليْهِ فأتيتهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْها، فَجَعَل يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ.

غريب الحديث:

1-

"أكفأ الإناء": قلبه على وجهه. وكفأه: أماله، والحديث يفيد الإمالة بلا شك، وهذا ما يوافق رواية البخاري وهى " كفأ " وأنكر بعضهم أَن يكون "أكفأ" بمعنى قلب.

2-

"ضرب يده في الأرض أو الحائط": المراد منه مسح يده بأحدهما لإزالة اللزوجة بعد الاستنجاء.

3-

"إفاضة الماء": على الشيء وإفراغه عليه وإسالته فوقه.

4-

"فلم يُرِدْها": بضم الياء وكسر الراء وإسكان الدال، من الإرادة لا من الردّ- كما غلط بعضهم.

ما يؤخذ من الحديث:

هذا الحديث نحو الحديث السابق، وفيه فوائد نجملها فيما يلي.

ص: 64

1-

الحديث الأول ذكر فيه غسل يديه مجملا، وفي هذا الحديث ذكر أن غسلهما مرتين أو ثلاثا.

2-

في هذا الحديث أنه بعد غسل اليدين غسل فرجه ثم مسح يديه بالأرض مرتين أو ثلاثا وقد ذكر العلماء أنه يعفى عن بقية الرائحة بعد دلكها بالأرض أو غسلها بمطهر آخر.

3-

يتعين أن ينوي بغسل فرجه ابتداء الجنابة لئلا يحتاج إلى غسله مرة أخرى.

4-

في الحديث الأول ذكر أنه توضأ وضوء الصلاة، ويقتضي أنه غسل رجليه. وهذا الحديث صرح أنه غسل رجليه بعد غسل الجسد.

ولعل أحسن ما يجمع بينهما أن يقال: إنه توضأ في حديث ميمونة وضوءاً كاملا، ولكنه غسل رجليه مرة ثانية بعد غسل الجسد في مكان آخر لكون المكان المغتسل فيه متلوثا.

5-

في هذا الحديث أن ميمونة جاءته بخرقة لينشف بها أعضاءه، فلم يقبلها وإنما نفض يديه من الماء.

6-

أنه لا يجب دَلكُ الجسد في الغُسل. وهو كالدلك في الوضوء سنة.

7-

أنه لا يغسل أعضاء الوضوء للجنابة بعد غسلها في الوضوء. فقد صحح النووي أنه يجزئ غسلة واحدة عن الوضوء وعن الجنابة.

8-

أن غسل الجسد مرة واحدة وبعضهم يجعله ثلاثا، قياساً على الوضوء، ولا قياس مع النص هذا اختيار شيخ الإسلام " ابن تيمية " وشيخنا- " عبد الرحمن السعدي " وأحد الوجهين في مذهب أحمد.

حكم من ينام جنب

عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ أن عمر بن الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ الله أيَرْقُدُ أحدنا وَهُوَ جُنُب؟ قالَ: " نعم " إذَا تَوَضَأ أحَدُكُم فَلْيَرْقُد.

المعنى الإجمالي:

كان الحدث من الجنابة عندهم كبيراً، لذا أشكل عليهم هل يجوز النوم بعده أو لا؟.

ص: 65

فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم: إن أصابت أحدهم الجنابة من أول الليل، فهل يرقد وهو جنب؟

فأذن لهم صلى الله عليه وسلم بذلك، على أن يخفف هذا الحدث الأكبر بالوضوء الشرعي، وحينئذ لا بأس من النوم مع الجنابة.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

جواز نوم الجنب قبل الغسل إذا توضأ.

2-

أن الكمال أن لا ينام الجنب حتى يغتسل، لأن الاكتفاء بالوضوء رخصة.

3-

مشروعيهَ الوضوء قبل النوم للجنب، إذ لم يغتسل.

4-

كراهة نوم الجنب بلا غسل ولا وضوء.

حكم احتلام المرأة

عَنْ أم سَلَمَةَ زَوْج النبي صلى الله عليه وسلم قَالتْ: جَاءَتْ أم سُلَيْمٍ- امْرَأةُ أبي طَلحَةَ- إلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَاَلَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِن الله لا يستحي مِنَ الْحَق هَل عَلى المَرأةِ مِنْ غُسْل إِذَا هي احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ، إِذاَ هِيَ رَأتِ اْلمَاءَ ".

المعنى الإجمالي:

جاءت أم سليم الأنصارية إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتسأله.

ولما كان سؤالها مما يتعلق بالفروج، وهى مما يستحيا من ذكره عادة قدمت بين يدي سؤالها تمهيداً لالقاء سؤالها حتى يخف موقعه على السامعين، فقالت: إن الله جل وعَلا وهو الحق، لا يمتنع من ذكر الحق الذي يستحيا من ذِكره من أجل الحياء، مادام في ذكره فائدة.

فلما ذكرت أم سليم هذه المقدمة التي لطفت بها سؤالها، دخلت في صميم الموضوع، فقالت: هل على المرأة غسل إذا هي تخيلت في المنام أنها تجامع؟.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، عليها الغسل، إذا هي رأت نزول ماء الشهوة.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

أن المرأة عليها الغسل حين تحتلم، إذا أنزلت ورأت الماء.

ص: 66

2-

أن المرأة تُنْزِل كما يُنْزِلُ الرجل، ومن ذاك يكون الشبه في الولد، كما أشار إلى هذا بقية الحديث.

3-

إثبات صفة الحياء لله جلّ وعلا، إثباتا يليق بجلاله، على أنه لا يمتنع تعالى من قول الحق لأجل الحياء. قَال ابن القيم في البدائع: إن صفات السلب المحض لا تدخل في أوصافه تعالى، إلا إذا تضمنت ثبوتا، وكذلك الإخبار عنه بالسلب، كقوله تعالى:"لا تأخذه سنة ولا نوم" فإنه يتضمن كمال حياته وقيوميته. ا. هـ.

4-

أن الحياء لا ينبغي أن يمنع من تعلُّم العلم، حتى في المسائل التي يستحيا مهنا.

5-

أن من الأدب وحسن المخاطبة، أن يقدم أمام الكلام الذي يستحيا منه مقدمة تناسب المقام، تمهيدا للكلام، ليخف وقعه، ولئلا ينسب صاحبه إلى الجفاء.

بيان حكم المني

عن عَائِشَة قَالَتْ: كنتُ أغْسِل الْجَنَابةَ مَنْ ثَوبِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاةِ وإن بُقَعَ الْمَاءِ في ثَوْبِهِ. وفِي لفظ مسلم "لقد كُنْتُ أفرُكهُ مِن ثَوْبِ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَركاً فيصَلي فِيهِ ".

المعنى الإجمالي:

تذكر عائشة رضي الله عنها: أنه كان يصيب ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمَنِى من الجنابة.

فتارة يكون رَطْباً فتغسله من الثوب بالماء، فيخرج إلى الصلاة، والماء لم يجف من الثوب.

وتارة أخرى، يكون المَنِىُّ يابساً، وحينئذ تفركه من ثوبه فَركاً، فيصلى فيه.

اختلاف العلماء:

اختلف العلماء في نجاسة المني.

فذهبت الحنفية، والمالكية إلى نجاسته. مستدلين بأحاديث غسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها هذا الحديث الذي معنا.

ص: 67

وذهب الشافعي، وأحمد، وأهل الحديث، وابن حزم، وشيخ الإسلام " ابن تيمية " وغيرهم من المحققين، إلى طهارته، مستدلين بأدلة كثيرة منها ما يأتي:

1-

صحة أحاديث فرك عائشة المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابساً، بظفرها، فلو كان نجسا، لما كفى إلا الماء، كسائر النجاسات.

2-

أن المني هو أصل الإنسان ومعدنه، فلا ينبغي أن يكون أصله نجساً خبيثاً، والله كرمه وطهره.

3-

لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله والتحرز منه، كالبول.

4-

أجابوا عن أحاديث غسله، بأن الغسل لا يدل على النجاسة، كما أن غسل المخاط ونحوه، لا يدل على نجاسته.

والنظافة من النجاسات والمستقذرات، مطلوبة شرعا.

فكيف لا يقر غسله صلى الله عليه وسلم.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

طهارة المني، وعدم وجوب غسله من البدن والثياب وغيرها.

2-

استحباب إزالته عن الثوب والبدن فيغسل رطباً، ويفرك يابساً.

بيان أن الجماع يوجب الغسل سواء حصل معه إنزال أم لم ينزل

عَنْ أبى هُريرة رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ " إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِها الأرْبَعِ، ثم جَهَدَهَا وَجَبَ الغُسْلُ " وفي لفظ لمسلم " وَإِن لَمْ يُنْزل ".

غريب الحديث:

1-

"شعبها الأربع": يريد بذلك يديها ورجليها، وهو كناية عن الجماع.

2-

"ثم جهدها": بفتح الجيم والهاء، معناه: بلغ المشقة بكدها، وهو كناية عن الإيلاج.

المعنى الإجمالي:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه: إذا جلس الرجل بين شعب المرأة الأربع اللائي هن اليدان

ص: 68

والرجلان، ثم أولج ذَكَره في فرج المرأة، فقد وجب عليهما الغسل من الجنابة وإن لم يحصل إنزال مَنِىٍّ، لأن الإيلاج وحده، أحد موجبات الغسل.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

وجوب الغسل من إيلاج الذَّكَرِ في الفرج، وإن لم يحصل إنزال.

2-

يكون هذا الحديث ناسخاً لحديث أبي سعيد (الماء من الماء) المفهوم منه بطريق الحصر، أنه لا غسل إلا من إنزال المَنى.

بيان مقدار الماء الذي يكفي للغسل من الجنابة

عَنْ أبي جَعْفَر مُحَمَدِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ الْحُسيْنِ بْنِ عَلِي بْنِ أبيِ طَالِب رَضِىَ الله عَنْهُمْ أنَّهُ كَانَ هُوَ وَأبُوهُ عنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله وَعِنْدَهُ قَوْمٌ، فسألوه عَنْ الْغُسْلِ فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعة (1)

فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِيني. فَقَال جَابر: كَانَ يَكْفِى مَنْ هُوِ أوْفَرُ مِنْكَ شَعَراً وَخَير مِنْكَ- يُريدُ رَسُولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أمَّنَا في ثوْبٍ. وفي لفظ " كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم يُفرِغ المَاءَ عَلى رَأسِهِ ثَلاثَا ".

قال المصنف: الرجل الذي قال: " مَا يَكفينِي" هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أبوه محمد بن الحنفية.

المعنى الإجمالي: كان أبو جعفر وأبوه عند الصحابي الجليل جابر بن عبد الله وعنده قوم، فسأل القوم جابرا عما يكفى من الماء في غُسل الجنابة فقال: يكفيك صاع.

وكان الحسن بن محمد بن الحنفية مع القوم عند جابر، فقال: إن هذا القدر لا

(1) المراد- هنا- بالصاع، الصاع النبوي وهو أقل من كيلة الحجاز، وصاع نحد بالخمس وخمس الخمس لأن زنة الصاع النبوي ثمانون ريلا فرنسياَ، والكيلة الحجازية والصاع النجدي، مائهَ وأربع ريلات اهـ شارح.

ص: 69

يكفيني للغسل من الجنابة.

فقال جابر: كان يكفى من هو أوفر وأكثف منك شعراً، وخير منك، فيكون أحرص منك على طهارته ودينه- يعنى النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم بعد أن اغتسل بهذا الصاع أمَّنَا في الصلاة، مما يدل على أنه تطهر بهذا الصاع الطهارة الكافية.

ما يؤخذ من الحديث:

1-

وجوب الغسل من الجنابة، وذلك بإفاضة الماء على العضو، وسيلانه عليه. فمتى حصل ذلك تأدى الواجب.

2-

قال في بداية المجتهد، لا يستدل به على لزوم الدلك ولا على عدمه.

3-

أن الصاع الذي هو أربعة أمداد، يكفى للغسل من الجنابة. قال ابن دقيق العيد: وليس ذلك على سبيل التحديد، فقد دلت الأحاديث على مقادير مختلفة، وذلك والله أعلم- لاختلاف الأوقات أو الحالات، كقلة الماء وكثرته، والسفر والحضر.

4-

استحباب التخفيف في ماء الطهارة.

5-

الإنكار على من يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 70