الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام: وقد تنازع الناس في شفعة الجار على ثلاثة أقوال، أعدلها القول بأنه إن كان شريكا في حقوق الملك ثبتت له الشفعة وإلا فلا ا. هـ
قلت: وهو قول وسط، تجمع فيه الأدلة، ويزول به كثير من الأضرار الكبيرة الطويلة.
أما إثباتها في المنقول أو للجار الذي ليس له شركة في مرفق، فلا يعتضد بشيء من الأدلة، ولا يكفى أنه يوجد في ذلك قليل من الضرر، الذي يمكن إزالته بسهولة ويسر. والله أعلم.
بَابُ أحْكام الجوَار
(1)
المؤلف رحمه الله ذكر بعد هذا الحديث المتعلق بـ " الشفعة " أربعهَ أحاديث تتعلق ب " الوقف " و " الهبة ".
ثم ذكر بعدهن ثلاثة أحاديث تتعلق ب " المزارعة ". ثم ذكر بعدهن حديثاً في " الهبة " أيضاً.
ثم ذكر أحاديث تتعلق " بالغصب " و " أحكام الجوار "، ثم ذكر أحاديث " الوصايا ".
فلا أعلم، ما وجه هذا الترتيب عنده؟.
وبما أن أحاديث " الوقف" و " الهبة "و " الوصايا " كلها من جنس واحد، لأنها عقود تبرعات، وأحكامها متقاربة، ومسائلها متناظرة، عمدت إلى جعلها متوالية، وأخرتها ليكون بعدها " باب الفرائض " لوجود المناسبة بينها أيضاً.
وقدمت هذه الأحاديث المتعلقة ب " المزارعة "، و " والغصب " و" أحكام الجوار " ليحسن الترتيب، وتجتمع المسائل المتناسبة.
الحديث الأول (2)
عَن أبي هُرَيرةَ رضىَ الله عَنْهُ: أن رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يَمْنَعَن جَار جَارَهُ أن يَغْرزَ خَشَبَةً في جدَارهِ ".
ثم يقول أبو هريرة: مَا لي أراكم عَنْهَا مُعْرضِينَ؟ والله لأرْمِيَن بِهَا بَين أكتافكم.
الغريب:
لا يمنعن: لا: - ناهية، والفعل بعدها مجزوم بها، وحرك بالفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة.
خشبة: بالإفراد، وقد روى بالجمع، والمعنى واحد، لأن المراد بالواحد الجنس
عنها، بها: الضمير فيهما راجع إلى السنة المذكورة في مقالته.
(1) أحكام الجوار تناسب أن تقع بعد الشفعة، فبينهما شيء من الصلة، لأن كليهما من حقوق الجوار المرعية ا. هـ شارح
(2)
هذا الحديث حسب ترتيب المصنف رقم " 287".
بين أكتافكم: بالتاء المثناة الفوقية جمع " كتف ". وقد ورد في بعض الروايات بالنون. و " أكناف " جمع " كنف " بفتح الكاف والنون، هو الجانب.
المعنى الإجمالي:
للجار على جاره حقوق تجب مراعاتها، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صلة الجار، وذكر أن جبريل مازال يوصيه به حتى ظن أنه سيورثه من جاره، لعظم حقه، وواجب بره.
فلهذا تجب بينهم العشرة الحسنهَ، والسيرة الحميدة، ومراعاة حقوق الجيزة، وأن يكف بعضهم عن بعض الشر القولي والفعلي. فلا يؤمن بالله تعالى من لا يأمن جاره بوائقه.
ومن حسن الجوار، ومراعاة حقوقه، أن يبذل بعضهم لبعض، المنافع التي لا تعود عليهم بالضرر الكبير مع نفعها للجار.
ومن ذلك أن يريد الجار، أن يضع خشبة في جدار جاره.
فإن لم يكن ثَم حاجة إلى ذلك، ينبغ لصاحب الجدار أن يأذن له، مراعاة لحق الجار.
وإن كان ثَم حاجة لصاحب الخشب، وليس على صاحب الجدار ضرر من وضع الخشب، فيجب على صاحب الجدار أن يأذن له في هذا الانتفاع، الذي ليس عليه منه ضرر مع حاجة جاره إليه. ويجبره الحاكم على ذلك إن لم يأذن.
فإن كان ثَم ضرر، أو ليس هناك حاجة، فالضرر لا يزال بالضرر.
والأصل في حق المسلم المنع، ولذا فإن أبا هريرة رضى الله عنه، لما علم مراد المشرع الأعظم من هذه السنة الأكيدة، استنكر منهم إعراضهم في العمل بها، وتوعدهم بأن يلزمهم بالقيام بها، فإن للجار حقوقا فرضها اللَه تعالى تجب مراعاتها والقيام بها.
ما يستفاد من الحديث:
1-
النهْىُ عن منع الجار أن يضع خشبة على جدار جاره، إذا لم يكن عليه ضرر من وضعها، وكان في الجار حاجة إلى ذلك.
2-
قيد وضع الخشب بعدم الضرر على صاحب الجدار، وبحاجة صاحب الخشب، لأن التصرف في مال الغير ممنوع إلا بإذنه.
فلا يجوز إلا لحاجة من عليه له الحق وهو الجار، كما أنه لا يوضع مع تضرره لأًن الضرر لا يزال بالضرر.
3-
هل النَهْىُ على وجه التحريم أو الكراهة؟ يأتي بيان ذلك إن شاء الله.
4-
فهم أبو هريرة رضى اللَه عنه أن الجار متحتم عليه بَذْلُ ذلك لجاره، ولذلك فإنه استنكر عليهم إعراضهم عن هذه السنة. وتهددهم بالأخذ بها.
5-
هذا من حقوق الجار الذي حضً الشارع على بره والإحسان إليه، فنعلم من هذا عِظَمَ حقوقه ووجوب مراعاتها.
ولهذا فإنه يقاس على وضع الخشب غيره، من الانتفاعات، التي يكون في الجيران حاجة إليها، وليس على مالك نفعها مضرة كبيرة في بذلها، فيجب بذلها ويحرم منعها.
اختلاف العلماء:
أجمع العلماء على المنع من وضع خشب الجار على جدار جاره مع وجود الضرر إلا بإذنه لقوله عليه الصلاة والسلام: " لا ضرر ولا ضرار ".
واختلفوا فيما إذا لم يكن على صاحب الجدار ضرر، وكان بصاحب الخشب حاجة إلى ذلك، بأن لا يمكنه التسقيف إلا به.
ذهب الأئمة الثلاثة، أبو حنيفة،: مالك، والشافعي في المشهور عنهم إلى أنه لا يجوز وضع الخشب على حائط الجار إلا بإذن صاحب الجدار وإن لم يأذن، فلا يجبر عليه.
مستدلين على ذلك بأصل المنع من حق الغير إلا برضاه كحديث " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه " وحديث " إن أموالكم وأعراضكم عليكم حرام " ونحو ذلك من الأدلة.
وذهب الإمام أحمد، وإسحاق وأهل الحديث إلى وجوب بذل الجدار لصاحب الخشب مع حاجة الجار إليه وقلة الضرر على صاحب الجدار وإجباره على ذلك مع الامتناع.
وقال بهذا القول، بعض المالكية، وهو قول لأبي حنيفة، ومذهب الشافعي في القديم. والدليل على ذلك ما يأتي:
1-
ظاهر هذاَ الحديث الذي معنا، فإنه ورد بصيغة النهي، والنهي يقتضي التحريم، وإذا كان المنع حراماً، فإن البذل واجب.
2-
أبو هريرة الذي روى الحديث، استنكر عدم الأخذ به، وتوعد على ذلك، وهذا يقتضي فهمه لوجوب البذل وتحريم المنع، وراوي الحديث، أعرف بمعناه.