الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب فضْل صَلاة الجماعَةِ وَوجوبها
من سُمُوّ هذه الشريعة: أنها تشرع في كثير من عباداتها الاجتماعات التي هي عبارة عن مؤتمرات إسلامية، يجتمع فيها المسلمون ليتواصلوا ويتعارفوا ويتشاوروا في أمورهم، ويتعاونوا على حل مشاكلها، وتداول الرأي فيها.
وهذه الاجتماعات فيها من المنافع العظيمة، والفوائد الجسيمة، ما يفوت الحصر، من تعليم الجاهل، ومساعدة العاجز، وتليين القلوب، وإظهار عِز الإسلام، والقيام بشعائره.
وأول هذه المؤتمرات، صلاة الجماعة في المسجد، فهو مؤتمر صغير بين أهل المحلة الواحدة، يجتمعون كل يوم وليلة، خمس مرات في مسجدهم، فيتواصلون ويتعارفون ويحققون نواة الوحدة الإسلامية الكبرى.
الحديث الأول
عَن عَبْدِ الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صَلاةُ الْجَمَاعَةِ أفضَل مِنْ صَلاةِ الفذ بِسَبْع وعِشرِيِنَ دَرَجَةً "
غريب الحديث:
1-
"الفذّ": بالفاء والذال المعجمة، الفرد.
2-
"درجة": قال ابن الأثير: لم يقل جزءاً ولا نصيباً ولا نحو ذلك، لأنه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع فالدرجات إلى جهة فوق.
المعنى الإجمالي:
يشير هذا الحديث إلى بيان فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفردِ، بأن الجماعة- لما فيها من الفوائد العظيمة والمصالح الجسيمة - تفضل وتزيد على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة من الثواب، لما بين العملين من التفاوت الكبير في القيام بالمقصود، وتحقيق المصالح.
ولاشك أن من ضيع هذا الربح الكبير محروم وأي محروم.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
فيه بيان فضل الصلاة مع الجماعة.
2-
فيه بيان قلة ثواب صلاة المنفرد بالنسبة لصلاة الجماعة.
3-
الفرق الكبير في الثواب، بين صلاتي الجماعة والانفراد.
4-
صحة صلاة المنفرد وإجزاؤها عنه، لأن لفظ " أفضل في الحديث " يدل عن أن كلا
الصلاتين فيه فضل ولكن تزيد إحداهما على الأخرى، وهذا في حق غير المعذور. أما المعذور فقد دلت النصوص على أن أجره تام.
الحديث الثاني
عَنْ أبى هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صَلاةُ الرجل في الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ في بَيْتهِ وَفي سُوقِهِ خَمْسَة (1) وَعِشرِينَ ضِعْفاً، وَذلِكَ أنَهُ إذا تَوَضَّأ فأحْسَنَ الوضوء. ثم خَرَجَ إِلى اْلمَسْجدِ لا يُخْرِجُهُ إِلاّ الصلاةُ. لم يَخْطُ خُطْوَةً إلَاّ رُفِعَتْ لَهُ دَرَجَةٌ، وَحُط عَنْهُ بِهَا خَطِيئَة، فَإذا صَلى لَمْ تَزَلِ اْلمَلائِكَةُ تُصَلِّى عَلَيْهِ مَا دَام في مُصلاّهُ: اللهُمَّ صَلّ عَلَيهِ، اللهم اغْفِرْ له، اللهُمَّ ارحَمْهُ، وَلا يَزَال في صَلاةٍ مَا انْتَظر الصلاةَ " متفق عليه واللفظ للبخاري.
(1) جاء في بعض الروايات " خمسا وعشرين " ولفظ البخاري، "خمسة وعشرون "وقال ابن حجر:" إن خمسة. " هو الذي في الروايات التي وقعت عليها.
غريب الحديث:
1-
"فأحرق": بتشديد الراء، ويروى تخفيفها، والتشديد أبلغ في المعنى.
2-
"حبوا": قال ابن الأثير: الحبو أن يمشى على يديه وركبتيه وهو منصوب لأنه خبر كان المقدرة، أي: ولو يكون الإتيان حبوا.
المعنى الإجمالي:
لما كان المنافقون يراؤون الناس، ولا يذكرون الله إلا قليلا، كانت صلاة العشاء وصلاة الفجر بوقت ظلام فما يراهم الناس الذين يصلون لأجلهم نجدهم يقصرون في هاتين الصلاتين اللتين تقعان في وقت الراحة ولذة النوم ولا ينشط لأدائهما مع الجماعة إلا من حداه داعي الإيمان بالله تعالى، ورجاء ثواب الآخرة.
ولما كان الأمر على ما ذكر كانت هاتان الصلاتان أشق وأثقل على المنافقين.
ولو يعلمون ما في فعلهما مع جماعة المسلمين في المسجد من الأجر والثواب- لأتوهما ولو حَبْواً كَحَبْوِ الطفل.
وأقسم صلى الله عليه وسلم أنه قد هَم بمعاقبة المتخلفين المتكاسلين عن أدائهما مع الجماعة، وذلك بأن يأمر بالصلاة فتقام جماعة، ثم يأمر رجلا فيؤم الناس مكانه، ثم ينطلق معه برجال، معهم حُزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فيحرق عليهم بيوتهم بالنار، لشدة ما ارتكبوه في تخلفهم عن صلاة الجماعة، لولا ما في البيوت من النساء والصبيان الأبرياء، الذين لا ذنب لهم، كما ورد في بعض طرق الحديث.
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في حكم صلاة الجماعة.
فذهبت طائفة من الحنفية والمالكية والشافعية: إلى أنها سنة مؤكدة.
وذهبت طائفة أخرى من هؤلاء إلى أنها فرض كفاية، إذا قام بها من يكفى، سقطت عن الباقين.
وذهب الإمام أحمد وأتباعه، وأهل الحديث، إلى أنها فرض عين.
وبالغت الظاهرية، فذهبوا إلى أنها شرط لصحة الصلاة.
واختار هذا القول أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي، وشيخ الإسلام "ابن تيمية".
أدلة هذه المذاهب:
استدل الذاهبون إلى أنها سنة بحديث "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".
ووجه استدلالهم: أن كلا من صلاة الجماعة وصلاة الانفراد، اشتركا في الأفضلية.
وتأولوا حديث الباب بتأويلات بعيدة متكلفة، مذكورة في فتح الباري، ونيل الأوطار، وغيرهما.
أما أدلة من ذهبوا إلى أنها فرض كفاية، فهي أدلة من يرونها فرض عين، وذلك لمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية.
وليس هذا دليلا مستقيماً، لأن هؤلاء هم بقتلهم، والقتل غير المقاتلة.
ولو كانت فرض كفاية، لكان وجوبها ساقطاً من هؤلاء المتخلفين بصلاة النبي، ومن معه، فلم يكونوا تركوا واجباً يعاقبون عليه إذاً.
أما أدلة الموجبين لها على الأعيان، فهي صحيحة صريحة.
فمنها: حديث أبي هريرة هذا الذي معنا، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يهم بتعذيبهم إلا على كبيرة من كبائر الذنوب.
ومنها: حديث الأعمى الذي استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته لوعورة الطريق، وعدم القائد له، فلم يرخص له.
ومنها: مشروعيتها في أشد الحالات، وهى وقت القتال.
وغير ذلك من أدلة ناصعة، لا تقبل التأويل.
أما أحاديث المفاضلة، فلا دلالة فيها على عدم الوجوب، لأننا لم نقل: إنها لا تصح بلا جماعة، ولكن نقول: إنها صحيحة ناقصة الثواب آثم فاعلها مع عدم العذر.
أما دليل الغالين في ذلك، وهم من يرون أنها شرط لصحة الصلاة، فهو ما رواه ابن ماجة، والدارقطنى عن ابن عباس:" من سَمِعَ الندَاءَ فَلَمْ يأتِ، فَلا صَلاةَ لَهُ إِلا مِن عُذْر".
والراجح أن الحديث موقوف لا مرفوع، وقد تكلم العلماء في بعض رجاله. وعلى فرض صحته، فيمكن تأويله بـ "لا صلاة كاملة إلا في المسجد"، ليوافق الأحاديث التي هي أصح منه.
وهذا التعبير كثير في لسان الشارع، يريد بنفي الشيء نَفْيَ كماله.
وحديث: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " صريح في صحة صلاة المنفرد، حيث جعل الشارع فيها شيئا من الثواب.
بعد أن ذكر " ابن القيم " في كتاب الصلاة " مذاهب العلماء وأدلتهم قال: " ومن تأمل السنة حق التأمُّل، تبيَّن له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة، وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار.. فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
أن صلاة الجماعة فرض عين، على الرجال البالغين.
2-
أن من ترك الجماعة بلا عذر، آثم يستحق العقوبة.
3-
أن درء المفاسد، مقدم على جلب المصالح-، فإنه لم يمنعه من تعذيبهم بهذه الطريق إلا خوف تعذيب من لا يستحق العذاب.
4-
أن المنافقين لم يقصدوا بعبادتهم إلا الرياء والسمعة، لأنهم لم يأتوا إلى الصلاة إلا حين يشاهدهم الناس.
5-
فضل صلاتي العشاء والفجر.
6-
ثقل صلاتي الفجر والعشاء: محمول على أدائهما في جماعة، وهذا ما يدل عليه السياق وإنما ثقلتا لقوة الداعي إلى التخلف عنهما وقوة الصارف عن حضورهما.