الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة ثانية:
نكاح الكتابية جائز بآية المائدة، وهو مذهب جماهير السلف والخلف من الأئمة الأربعة وغيرهم. فإن قيل: فقد وصفهم (أي أهل الكتاب) بالشرك بقوله: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله
…
} قيل: إن أهل الكتاب ليس في أصل دينهم شرك، وحيث وصفوا بأنهم أشركوا فلأجل ما ابتدعوا من الشرك. فأصل دينهم اتباع الكتب المنزلة التي جاءت بالتوحيد لا بالشرك اهـ من كلام شيخ الإسلام ابن تيميه.
بَابُ الشروط في النكاح
الشروط في النكاح قسمان:
1-
صحيح وهو: مالا يخالف مقتضى العقد، وأن يكون للمشترط من الزوجين غرض صحيح، ويأتي شيء من أمثلته.
2-
وباطل وهو: ما كان مخالفا لمقتضي العقد.
والميزان في هذه الشروط ونحوها، قوله صلى الله عليه وسلم:"المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالا أو أحل حراماً" ولا فرق بين أن يقع اشتراطها قبل العقد أو معه.
الحديث الأول
عَنْ عُقْبَةَ بن عَامِر قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق الشروط أن تُوفُوا بِهِ مَا استحللتم بِهِ الفرُوج".
المعنى الإجمالي:
لكل واحد من الزوجين مقاصد وأغراض في إقدامه على عقد النكاح.
فيشترط على صاحبه شروطاً ليتمسك بها ويطلب تنفيذها، عدا ما هناك من شروط هي من مقتضيات عقد النكاح.
لأن شروط النكاح عظيمة الحرمة، قوية اللزوم -لكونها استحق بها استحلال الاستمتاع بالفروج- فقد حث الشارع الحكيم العادل على الوفاء بها، فقال: إن أحق شرط يجب الوفاء به وأولاه، هو ما اسْتحِل به الفرج- وبُذِلَ من أجله البضع.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
وجوب الوفاء بالشروط التي التزم بها أحد الزوجين لصاحبه، وذلك كاشتراط زيادة
في المهر أو السكنى بمكان معين من جانب المرأة، وكاشتراط البكارة والنسب، من جانب الزوج.
2-
أن وجوب الوفاء، شامل للشروط التي هي من مقتضى العقد، والتي من مصلحة أحد الزوجين.
3-
يقيد عموم هذا الحديث بوجوب الوفاء بالشروط، بمثل حديث [لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها] .
4-
أن الوفاء بشروط النكاح آكد من الوفاء بغيرها، لأن عوضها استحلال الفروج.
5-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والصحيح الذي عليه أكثر نصوص أحمد وعليه أكثر السلف أن ما يوجب العقد لكل واحد من الزوجين على الآخر كالنفقة والاستمتاع والمبيت للمرأة وكالاستمتاع للزوج ليس بمقدر، بل المرجع في ذلك إلى العرف، كما دل عليه الكتاب في مثل قوله تعالى:{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} والسنة في مثل قوله صلى الله عليه وسلم لهند "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" وإذا تنازع الزوجان فرضه الحاكم باجتهاده.
الحديث الثاني
عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما: أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهى عَنْ نِكاحِ الشغَارِ.
وَالشغَارُ: أنْ يُزَوجَ الرَّجُلُ ابنتَهُ عَلى أنْ يُزَوجَهُ الآخر ابنتهُ وَلَيس بيَنَهُمَا صَدَاقٌ.
الغريب:
الشغار: بكسر الشين المعجمة والغين المعجمة، أصله -في اللغة- الرفع، فأخذ منه صورة هذا النكاح لرفع كل واحد من الولييِن عن موليته لصاحبه بلا صداق ولا نفع يعود عليها.
المعنى الإجمالي:
الأصل في عقد النكاح أنه لا يتم إلا بصداق للمرأة، يقابل ما تبذله من بضعها.
ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا النكاح الجاهلي، الذي يظلم به الأولياء مولياتهم، إذ
يزوجونهن بلا صداق يعود نفعه عليهن، وإنما يبذلونهن بما يرضى رغباتهم وشهواتهم، فيقدمونهن إلى الأزواج، على أن يزوجوهم مولياتهم بلا صداق.
فهذا ظلم وتصرف في أبضاعهن بغير ما أنزل الله. وما كان كذلك فهو محرم باطل.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
النهى عن نكاح الشغار، والنهى يقتضي الفساد، فهو غير صحيح.
2-
أن العلة في تحريمه وفساده، هو خلوه من الصداق المسمى، ومن صداق المثل، وأشار إليه بقوله:[وليس بينهما صداق] .
3-
وجوب النصح للمولية. فلا يجوز تزويجها بغر كفء، لغرض الوَلي ومقصده.
4-
بما أنهم جعلوا العلة في إبطال هذا النكاح، هي خُلُوُّهُ من الصداق، فإنه يجوز أن يزوجه موليته على أن يزوجه الآخر موليته بصداق غير قليل مع الكفاءة بين الزوجين والرضا منهما.
5-
قوله: [والشغار: أن يزوج الرجل.. إلخ] قال ابن حجر: اختلفت الروايات عن مالك فيمن ينسب إليه تفسير الشغار، فالأكثر لم ينسبوه لأحد، وبهذا قال الشافعي، فقد قال: لا أدرى التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو عن مالك وجعله بعضهم من تفسير نافع وليس خاصا بالابنة، بل كل مولية. وقال القرطبي: تفسير الشغار صحيح موافق لما ذكر أهل اللغة، فإن كان مرفوعا فهو المقصود. وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لأنه أعلم بالمقال وأفقه بالحال.
6-
أجمع العلماء على تحريم هذا النكاح، واختلفوا في بطلانه. فعند أبي حنيفة أن النكاح يصح ويفرض لها مهر مثلها.
وعند الشافعي وأحمد. أن النكاح غير صحيح، لأن النهيَ يقتضي الفساد.
وحكى في الجامع رواية عن الإمام أحمد بطلانه ولو مع صداق، اختارها (الخِرَقي) لعموم ما روى الشيخان عن ابن عمر. "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار" ومثله في مسلم عن أبي هريرة.
ولأن أبا داود جعل التفسير وهو قوله " وليس بينهما صداقط من كلام نافع.
واختار هذا القول العلامة الأثري (الشيخ عبد العزيز بن باز) حفظه الله في رسالة له في الأنكحة الباطلة. والله أعلم.
الحديث الثالث
عَنْ عَلى بْنِ أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية.
المعنى الإجمالي:
سَن الشارع النكاح لقصد الاجتماع والدوام، والألفة، وبناء الأسرة، وتكوينها.
ولذا كان أبغض الحلال إلى الله الطلاق، لكونه هدما لهذا البناء الشريف.
وكل قصد أو شرط يخالف هذه الحكمة من النكاح، فهو باطل.
ومن هنا حرم نكاح (المتعة) ، وهو أن يتزوج الرجل المرأة إلى أجل، بعد أن كان مباحا في أول الإسلام لداعي الضرورة.
ولكن ما في هذا النكاح من المفاسد، من اختلاط في الأنساب؛ واستئجار للفروج، ومجافاة للذوق السليم والطبيعة المستقيمة، هذه المفاسد ربَتْ على ما فيه من لذة قضاء الشهوة.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
تحريم نكاح المتعة وبطلانه، وعليه أجمع العلماء. قال ابن دقيق العيد: وفقهاء الأمصار كلهم على المنع، وأكثر الفقهاء على الاقتصار في التحريم على العقد المؤقت.
2-
كان مباحا في أول الإسلام للضرورة فقط، ثم جاء التأكيد والتأبيد لتحريمه ولو عند الضرورة.
3-
نهى الشارع الحكيم عنه، لما يترتب عليه من المفاسد، منها: اختلاط الأنساب، واستباحة الفروج بغير نكاح صحيح.
4-
النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية فهي رجس، بخلاف الحمر الوحشية، فهي حلال بالإجماع.
فائدة:
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن رجل يسير في البلاد، ويخاف أن يقع في المعصية، فهل له أن يتزوج في مدة إقامته في تلك البلدة فإذا سافر طلق من تزوجها؟
فأجاب بأن له أن يتزوج، ولكن على أن ينكح نكاحا مطلقا، يمكنه من إمساكها أو تطليقها إن شاء، وإن نوى طلاقها حتما عند انقضاء سفره كره في مثل ذلك، وفي صحة النكاح نزاع.
ثم ببن رحمه الله رأيه في نكاح المنعة، فقال: إن قصد أن يستمتع بها إلى مدة ثم يفارقها، مثل المسافر إلى بلد يقيم به مدة فيتزوج وفي نيته إذا عاد إلى وطنه أن يطلقها، ولكن النكاح عقده عقداً مطلقا فهذا فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد.
1-
قيل: هو نكاح جائز، وهو اختيار الموفق وقول الجمهور.
2-
وقيل: إنه نكاح تحليل لا يجوز، وروى عن الأوزاعي ونصر القاضي وأصحابه.
3-
وقيل مكروه وليس بمحرم.
والصحيح أن هذا ليس بنكاح متعة ولا يحرم، وذلك أنه قاصد للنكاح وراغب فيه، بخلاف المحلل، لكن لا يريد دوام المرأة معه وهذا ليس بشرط، فإن دوام المرأة معه ليس بواجب، بل له أن يطلقها، فإذا قصد أن يطلقها بعد مدة فقد قصد أمرا جائزا بخلاف نكاح المتعة، فإنه مثل الإجارة تنقضي فيه بانقضاء المدة، ولا ملك له عليها بعد انقضاء الأجل، وأما هذا فملكه ثابت مطلق، وقد تتغير بنية فيمسكها دائما، وذلك جائز له، كما لو تزوج بنية إمساكها دائماً، ثم بدا له طلاقها جاز ذلك.
اختلاف العلماء:
أجمع العلماء على تحريم هذا النكاح وبطلانه.
واختلفوا في الوقت الذي حرم فيه، تبعا للآثار التي وردت في تحريمه.
فبعضهم يرى أن التحريم كان يوم (خيبر) مستدلا بحديث الباب، ثم أنها أبيحت، ثم حرمت يوم فتح مكة.
وبعضهم يرى أنها لم تحرم إلا يوم الفتح، وقبله كانت مباحة، ويقولون: إن علياً رضي الله عنه لم يرد في هذا الحديث أن تحريم المتعة وقع مع تحريم لحوم الحمر الأهلية يوم (خيبر) وإنما قرنهما جميعا ردا على ابن عباس الذي يجيز المتعة للضرورة ويبيح لحوم الحمر الأهلية. وهذا القول أولى.
قال النووي: الصواب أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين فكانت مباحة قبل خيبر، ثم حرمت فيها، ثم أبيحت عام الفتح، وهو عام أوطاس، ثم حرت تحريما مؤبدا. قال: ولا مانع من تكرير الإباحة (1) .
(1) أي في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم لا بعد التحريم المؤبد.