الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ النّهي عَن الكَلام في الصَّلاة
(1)
عَنْ زَيد بْنِ أرقَمَ رضي الله عنه قال: "كُنَا نَتَكَلَّمُ في الصَّلاةِ يُكَلِّم الرَّجُلُ مِنَّا صَاحبَهُ وهُوَ إِلى جَنْبِهِ في الصلاةِ حَتى نَزَلَتْ {وقُومُوا لله قَانِتِينَ} فأُمِرْنَا بالسُّكوتِ ونُهيِنَا عَنِ الْكَلام"(2)
غريب الحديث:
قانتين: للقنوت عدة معان، منها: - الطاعة، والخشوع، والدعاء وطول القيام والسكوت، وهو المراد هنا، فقد فهم منه الصحابة نهيهم عن الكَلام في الصلاة، وأمرهم بالسكوت. واللام في قوله " عن الكلام " للعهد إذ يقصد بها الكلام الذي كانوا يتحدثون به.
المعنى الإجمالي:
ذكر زيد بن أرقم رضي الله عنه أن المسلمين كانوا في بدء أمرهم يتكلمون في الصلاد بقدر حاجتهم إلى الكلام، فقد كان أحدهم يكلم صاحبه بجانبه في حاجته، وكان على مسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليهم.
ولما كان في الصلاة شغل بمناجاة الله عن الكلام مع المخلوقين، أمرهم الله تبارك وتعالى بالمحافظة على الصلاة وأمرهم بالسكوت ونهاهم عن الكلام، فأنزل الله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصّلاةِ الوُسطى وَقُومُوا لله قَانِتِينَ} . فعرف الصحابة منها نهيهم عن الكلام في الصلاة فانتهوا، رضى الله عنهم.
اختلاف العلماء:
أجمع العلماء على بطلان صلاة من تكلم فيها عامداً لغير مصلحتها، عالما بالتحريم.
واختلفوا في الساهي، والجاهل والمكره، والنائم، والمحذر للضرير، والمتكلم لمصلحتها.
فذهب الحنابلة إلى بطلان الصلاة في كل هذا، عملا بهذا الحديث الذي معنا، وحديث "كُنَّا نُسَلم عَلَيكَ في الصَّلاةِ فَتَرُدّ عَلَيْنَا، قَالَ: إِن في الصَّلاةِ لَشُغْلا " متفق عليه- وغيرهما. من الأدلة.
(1) هذه الترجمة من وضعي اهـ "الشارح".
(2)
زاد مسلم في رواية " ونهينا عن الكلام " ولم تقع هذه الزيادة في البخاري اهـ " فتح الباري".
وذهب الإمامان " مالك " و " الشافعي " إلى صحة صلاة المتكلم جاهلاً، أو ناسياً أنه في الصلاة، أو ظانًّا أن صلاته تمت فسلم وتكلم، سواء كان الكلام في شأن الصلاة، أو لم يكن في شأنها، وسواء كان المتكلم إماماً أو مأموماً، فإن الصلاة صحيحة تامة، يبنى آخرها على أولها.
وما ذهب إليه الإمامان، مالك، والشافعي، من عدم قطع الصلاة بكلام الجاهل، والساهى، والمحذر، والمتكلم لمصلحتها بعد السلام قبل إتمامها، ذهب إليه- أيضاً- الإمام أحمد في روايات قوية صحيحة عنه، وهو اختيار شيخ الإسلام " ابن تيمية ".
وأدلة ذلك قوية واضحة.
منها: حديث " ذي اليدين " وكلام النبي صلى الله عليه وسلم وذي اليدين وأبى بكر وعمر، وسرعان الناس الذين خرجوا من المسجد، يرددون بينهم "قصرت الصلاة ".
وما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم: بَيْنَما أنَا أُصَلي مَعَ النَبيِّ صلى الله عليه وسلم إِذ عَطسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْم، فَقُلْتُ:"يَرحَمُك الله" فَرَمَاني الْقَومُ بِأبصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلاهُ، مَا شَأنُكُمْ تَنْظُرُونَ؟ فَجَعَلُوا يَضْرُبون بِأيْدِيهِمْ عَلَى أفْخَاذِهِمْ فَمَا رَأيتهُم يُصْمِتُوني لكِنِّىِ سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى (1) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
…
قال: " إن هذِهِ الصلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلام الناسِ" فلم يأمره بالإعادة.
وحديث: " عُفِي لأمّتِي عنِ الخَطَأِ والنسْيَانِ ومَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" إلى غير ذلك من الأدلة، الصريحة الصحيحة.
وحديث الباب، ونحوه، محمول على العامد العالم بالتحريم. واختلف العلماء في النفخ والنحنحة، والتأوُّه،، والأنين، والانتحاب ونحو ذلك.
فذهب بعضهم- وهو المشهور من مذهب الحنابلة والشافعية- إلى أنه يبطل- الصلاة إذا انتظم منه حرفان.
فإن لم ينتظم منه حرفان، أو كان الانتحاب من خشية الله، أو التنحنح لحاجة، فمذهب الحنابلة أنه لا يبطل الصلاة واختار الشيخ " تقي الدين " عدم الإبطال بهذه الأشياء، ولو بان منه حرفان، لأنها ليست من جنس الكلام، فلا يمكن قياسها على الكلام.
وحكى عدم البطلان رواية عن الإمامين مالك وأحمد. مستدلين بحديث على رضي الله عنه " كَانَ لي مِنْ رَسُولِ الله مَدخْلانِ باللَيل وَالنَّهَارِ. فَإذَا دَخَلْتُ عَلَيْةِ وَهُوَ يُصَلِّي تَنَحْنَحَ " رواه أحمد، وابن ماجه.
(1) صلى: يريد أي أتم صلاته.
وقد نفخ صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف. وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في الصلاة.
وهذه الأشياء ليست كلاماً، ولا تنافي الصلاة. ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا المبحث ينقسم إلى ثلاثة أقسام، فهناك الكلمات التي تدل على معنى فيها مثل "يد" و "فم" وغير ذلك. وهناك كلمات تدل على معنى في غيرها مثل "عن" و "من" و "في" وما هو بسبيلها.
وهذان النوعان من الكلام يدلان على معنى بالوضع وقد أجمع أهل العلم على إفساد هذا القسم للصلاة إن لم يكن له عذر شرعي. أما القسم الثاني في الكلام فهو ماله معنى بالطبع كالتأوه والبكاء والأنين والأظهر أنه لا يبطل الصلاة، لأنه ليس كلاما في اللغة التي خاطبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما القسم الثالث وهو النحنحة فقد ورد من حديث علي قال:" كنت إذا دخلت عليه وهو يصلى تنحنح لي" ونقل عن الإمام أحمد روايتان فيه، إحداهما الإبطال، واختيار الشيخ تقي الدين عدم الإبطال بحال.
قال شيخ الإسلام في "الاختيارات": والأظهر أن الصلاة تبطل بالقهقهة إذا كان فيها أصوات عالية تنافي الخشوع الواجب في الصلاة.
وفيها من الاستخفاف والتلاعب ما يناقض المقصود من الصلاة. فأبطلت لذلك، لا لكونها كلاماً.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
كان الكلام في الصلاة أول الإسلام مباحا بقدر الحاجة إليه.
2-
تحريم الكلام في الصلاة بعد نزول قوله تعالى: {وَقُومُوا لله قَانِتِينَ} . من العامد، وهو الذي يعلم أنه في صلاة، وأن الكلام فيها محرم.
3-
أن الكلام- مع حرمته- مفسد للصلاة، لأن النهي يقتضي الفساد.
4-
أن القنوت المذكور في هذه الآية، مراد به السكوت، كما فهمه الصحابة، وعملوا بمقتضاه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
5-
أن المعنى الذي حرم من أجله الكلام، هو طلب الإقبال على الله في هذه العبادة، والتلذذ بمناجاته فَليُحْرَصْ على هذا المعنى السامي.
6-
صراحة النسخ في مثل هذا الحديث الذي جمع بين الناسخ والمنسوخ.