الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
وجوب إحداد المرأة على زوجها المتوفى، أربعة أشهر وعشراً وعموم الحديث يفيد وجوبه على كل زوجة، مسلمة كانت أو ذمية، كبيرة أو صغيرة.
4-
قوله: " تؤمن بالله واليوم الأخر " سيق للزجر والتهديد.
5-
الحكمة في تحديد المدة بأربعة أشهر. عشر، أنها المدة التي يتكامل فيها تخليق الجنين، وتنفخ فيه الروح إن كانت حاملا، وإلا فقد برئ رحمها براءة واضحة، لا ريبة فيها.
6-
والإحداد: هو اجتنابها كل ما يدعو إلي جماعها ويرغب في النظر إليها، من الزينة والطيب وسيأتي بيانه إن شاء الله.
بَابُ مَا تجتنبه الحَاد
(1)
الحديث الأول
عَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا تُحِدُّ امْرَأةٌ عَلَى مَيِّتٍ فوْق ثَلاثٍ، إلَاّ عَلَى زَوْج، أرْبعَةَ أشهر وعشراً، وَلا تَلْبِسُ ثَوْباً مَصْبوغاً إلا ثَوْبَ عَصب، وَلا تَكْتَحِلُ: ولا تَمسُّ طِيباً وَلا شَيْئاً إِلَاّ إذَا طَهُرَتْ: نُبْذَةً مِنْ قُسْطِ أو أظْفَار".
العصب: ثياب من اليمن، فيها بياض وسواد.
والنبذة: الشيء اليسير. والقسط: العود أو نوع من الطيب تُبخَر به النُّفَسَاء.
والأظفار: جنس من الطيب لا واحد له من لفظه. وقيل: هو عطر أسود، القطعة منه تشبه الظفر.
الغريب:
عصب: بفتح العين ثم صاد ساكنة مهملتين، ثم باء موحدة، هو ثوب من بُرُود اليمن، يسوى غزله ثم ينسج مصبوغا، فيخرج مُوَشَّي مختلف الألوان.
نُبْذَة: بضم النون وسكون الباء، بعدها ذال معجمة. أي قطعة. ويطلق على الشيء اليسير.
قُسْط: بضم القاف وسكون السين المهملة
أظفار: بفتح الهمزة. (والقسط) و (الأظفار) نوعان من البخور.
(1) وضعت هذه الترجمة لتحديد المقصود من هذه الأحاديث- اهـ. شارح.
المعنى الإجمالي:
في هذا الحديث نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة أن تحد على ميت فوق ثلاث لأن الثلاث كافية للقيام بحق القريب والتفريج عن النفس الحزينة. ما لم يكن الميت زوجها، فلا بد من الإحداد عليه أربعة أشهر وعشراً، قياما بحقه الكبير، وتصوُّنا في أيام عدته.
ومظهر الإحداد، هو ترك الزينة من الطيب، والكحل، والحلي، والثياب الجميلة، فلا تستعمل شيئا من ذلك.
أما الثياب المصبوغة لغير الزينة، فلا بأس بها من أي لون كان.
وكذلك تجعل في فرجها إذا طهرت قطعة يسيرة من الأشياء المزيلة للرائحة الكريهة، وليست طيبا مقصوداً في هذا الموضع الذي ليس محلا للزينة.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
النهي عن إحداد المرأة على ميت فوق ثلاث، غير زوجها.
2-
إباحة الثلاث فما دون، تفريجا عن النفس.
3-
وجوب إحداد المرأة على زوجها أربعة أشهر وعشراً، ما لم تكون حاملاً فبوضع الحمل، وتقدم.
4-
الإحداد. معناه: ترك الزينة وما يدعو إلى نكاحها.
فعليه تجتنب كل حلي، وكل طيب، وكحل، وتجتنب الثياب التي تشهرها من أي نوع ولون.
5-
يباح لها الثوب المصبوغ لغير الزينة.
والتجمل وضده، راجعان إلى عُرْف كل زمان ومكان، فهو ذوق، فلا يتقيد بنوع من الثياب والهيئة. فقد قال شيخ الإسلام:(المعتدة عن وفاة) تتربص أربعة أشهر وتجتنب الزينة والطيب في بدنها وثيابها، وتلزم منزلها، فلا تخرج بالنهار إلى لحاجة ولا بالليل إلا لضرورة ولا تلبس الحلي ولا تختضب بحناء ولا غيره، ولا يحرم عليها عمل من الأعمال المباحة ويجوز لها سائر ما يباح في غير العدة، مثل كلام من تحتاج إلى كلامه من الرجال إذا كانت مسترة، وهذا الذي ذكرته هو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يفعله نساء الصحابة إذا مات أزواجهن. اهـ.
6-
يباح أن تضع في فرجها بعد الطهر، هذا المشابه للطيب، لقطع الرائحة الكريهة.
الحديث الثاني
عَنْ أم سَلَمَة رضي الله عنها قَالَت: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوجهَا، وقد اشتكت عَيْنَها أفنكْحُلُهَا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا " مرتين أو ثَلاثَاً، كل ذلك يقول:"لا".
ثم قال: " إنَّمَا هِي أربَعَةُ أشهر وعشر، وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَ في الْجَاهِلَيَّةِ تَرْمِي بالبَعْرَةِ عَلى رأس الْحَوْل ".
فَقَالَتْ زَينبُ: كَانَتِ المرأة إذَا توفي عَنْهَا زوْجُهَا دَخَلَتْ حِفشا وَلبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلْم تَمس طِيباً وَلا شَيْئاً حَتَّى تَمُرُّ عَلَيْهَا سَنَةٌ، ثم تؤتَي بِدَابَّةٍ -حمار أو طَيْر أو شاةٍ- فَتَفْتضُّ بهِ، فَقَلًمَا تَفْتَضُّ بِشَيء إلا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فتعْطَي بَعْرَة فتَرْمِي بِهَا، ثم تُرَاجِعُ بَعْد مَا شَاءَتْ مِنْ طِيب أوْ غيْرِهِ.
الغريب:
البعرة: بفتح العين وإسكانها.
حِفْشا: بكسر الحاء المهملة وإسكان الفاء، ثم شين معجمة. هو البيت الصغير الحقير.
فتفتضُّ به: بفاء، ثم مثناة، ثم فاء ساكنة، ثم مثناة مفتوحة، ثم ضاد معجمة مثقلة. معناه: أنها تتمسح به فتنقي به درنها ووسخها الذي تراكم عليها، طيلة هذه المدة. وهي عادة من عاداتهم في الجاهلية.
أفنكحُلها: بضم الحاء.
المعنى الإجمالي:
جاءت امرأة تستفتى النبي صلى الله عليه وسلم، فتخبره أن زوج ابنتها توفى فهي حاد عليه، والحادُّ تجتنب الزينة، ولكنها اشتكت وجعا في عينيها فهل من رخصة فنكحُلها؟.
فقال صلى الله عليه وسلم: لا- مكرراً ذلك، مؤكدا.
ثم قلَّل صلى الله عليه وسلم المدة، التي تجلسها حاداً لحرمة الزوج وهي أربعة أشهر وعشر، أفلا تصبر هذه المدة القليلة التي فيها شيء من السعة.
وكنتن في الجاهلية، تدخل الحاد منكن بيتاً صغيراٍ كأنه زرب وحش، فتتجنب الزينة، والطيب، والماء، ومخالطة الناس، فتراكم عليها أوساخها وأقذارها، معتزلة الناس، سنة كاملة.
فإذا انتهت منها أعطيت بعرة، فرمت بها، إشارة إلى أن ما مضى عليها من ضيق وشدة وحرج لا يساوي -بجانب القيام بحق زوجها- هذه البعرة.
فجاء الإسلام فأبدلكن بتلك الشدة نعمة، وذلك الضيق سعة، ثم لا تصبر عن كحل عينها، فليس لها رخصة، لئلا تكون سُلَّماً إلى فتح باب الزينة للحادِّ.
ما يؤخذ من الحديث:
1-
وجوب الإحداد أربعة أشهر وعشراً، على المتوفى عنها زوجها.
2-
أن تجتنب كل زينة، من لباس، وطيب، وحلي، وكحل وغيرها.
ومن الزينة هذه المساحيق والأصباغ، التي فُتِنَ بها الناس أخيرا، من (بودرة) و (منا كير) ونحو ذلك.
فالمقصود بذلك جمع الزينة بأنواع مظاهرها وأشكالها، من كل ما يدعو إلى الرغبة في المرأة.
3-
أن تجتنب الكحل الذي يكون زينة في العين ولو لحاجة إليه.
ولا بأس بالتداوي، بما ليس فيه زينة، من كحل ليس له أثر و (قطرة) ونحوها. فالمدار في ذلك على الزينة والجمال.
4-
يُسرُّ هذه الشريعة وسماحتها، حيث خففت آثار الجاهلية وأثقالها.
ومن ذلك ما كانت تعانيه المرأة بعد وفاة زوجها، من ضيق، وحرج، ومحنة، وشدة، طيلة عام.
فخفف الله تعالى هذه المدة، بتقصيرها إلى نحو ثلثها، وبإبطال هذا الحرج الذي ينال هذه المرأة المسكينة.
فأباح لها النظافة، في جسمها، وثوبها، ومسكنها، وأباح لها مخالطة أقاربها ونسائها في بيتها.
وحفظ للزوج حقه، باجتنابها ما يشهرها، من زينة، ويرغب بها في مدة، هي من حقوقه. والله حكيم عليم.