الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو سبحانه خالق كلّ شيء وربّه ومليكه، وله فيما خلقه حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ورحمة عامة وخاصة، وهو لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، لا لمجرَّد قدرته وقهره، بل لكمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته؛ فإنه سبحانه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وقد أحسنَ كلّ شيء خلَقَه، وقال تعالى:{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}
(1)
[النمل: 88].
وقد خلق الأشياء بأسباب كما قال تعالى: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة: 164]، وقال:{فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 75]. وقال: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: 16].
فصل
(2)
* وأما
المقتول هل مات بأجله أو قَطَع القاتلُ أجلَه
؟
فالجواب: أن المقتول كغيره من الموتى، لا يموت أحدٌ قبل أجله، ولا يتأخّر أحدٌ عن أجله، بل سائر الحيوان والأشجار لها آجال لا تتقدَّم ولا تتأخَّر؛ فإنّ أجل الشيء هو نهاية مدّته، وعمره مدة بقائه، فالعمر مدة البقاء، والأجل نهاية العمر بالانقضاء.
(1)
الآية في (ف) كاملة.
(2)
هذا السؤال في «مجموع الفتاوى» : (8/ 516 - 518).
وقد ثبتَ في «صحيح مسلم»
(1)
وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قدَّرَ الله مقادير الخلائق قبل أن يَخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشُه على الماء» .
وثبت في «صحيح البخاري»
(2)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذِّكْر كلّ شيء، وخلق السموات والأرض» ، وفي لفظ
(3)
: «ثمّ خلق السماوات والأرض» . وقد قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34].
[ق 42] والله يعلم ما كان قبل أن يكون، وقد كتب ذلك، فهو يعلم أن هذا يموت بالبطن، أو ذات الجنب، أو الهدم أوالغرق أو غير ذلك من الأسباب، وهذا يموت مقتولًا إما بالسمِّ وإما بالسيف وإما بالحجر وإما بغير ذلك من أسباب القتل. وعِلْم الله ذلك وكتابته له، بل مشيئته لكل شيء، وخَلْقه لكل شيء، لا يمنع المدح والذمّ والثواب والعقاب، بل القاتل إن قَتَل قتلًا مما
(4)
أمر الله به ورسوله كالمجاهد في سبيل الله، أثابه الله على ذلك، وإن قَتَل قتلًا حرَّمه اللهُ ورسولُه كفعل القُطَّاع
(1)
(2653). وأخرجه الترمذي (2156) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(2)
(3191) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
(3)
للبخاري (7418).
(4)
الأصل: «أما» ولعله ما أثبت. والعبارة في (ف): «إن قتل قتيلًا أمر
…
».
والمتعدين، عاقبه اللهُ على ذلك، وإن قَتَل قتلًا مباحًا كقتل المقتصّ، لم يُثب ولم يُعاقب، إلا أن يكون له نيةٌ حسنة أو سيئة في أحدهما.
والأجل أجلان: أجل مطلق يعلمه الله، وأجلٌ مقيَّد، وبهذا تبيّن قوله صلى الله عليه وسلم:«مَن سَرَّه أن يُبْسَط له في رِزْقه ويُنسأ له في أثره، فليَصِل رَحِمَه»
(1)
، فإنّ الله أمر المَلَك أن يكتب له أجلًا وقال: إن وَصَل رَحِمَه كتب له
(2)
كذا وكذا. والملك لا يعلم أيزاد
(3)
أم لا، ولكن الله يعلم ما يستقرّ الأمر عليه، فإذا جاء ذلك لا يتقدَّم ولا يتأخّر.
ولو لم يُقتل المقتول فقد قال بعض القدرية: إنه كان يعيش، وقال بعضُ نفاة الأسباب: إنه كان يموت، وكلاهما خطأ، فإن الله علم أنه يموت بالقتل، فإذا قُدر خلاف معلومه كان تقديرًا لما لا يكون لو كان كيف كان يكون. وهذا قد يعلمه بعض الناس وقد لا يعلمه.
فلو فرضنا أنَّ الله علم أنه لا يُقتل أمكن أن يكون قَدَّر موته في هذا الوقت، وأمكن أن يكون قَدَّر حياته إلى وقتٍ آخر، فالجزم بأحد هذين على التقدير الذي لا يكون جَهْل. وهذا كمن قال: لو لم يأكل هذا ما قُدّر له من الرزق قد كان يموت أو يرزق شيئًا آخر. وبمنزلة من قال: لو لم يُحْبِل هذا الرجل [ق 43] لهذه المرأة هل كانت عقيمًا أم يُحبلها رجلٌ
(1)
أخرجه البخاري (2067)، ومسلم (2557) من حديث أنسٍ رضي الله عنه.
(2)
(ف): «زدته» .
(3)
(ف): «يزداد» .