الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغيره على راحلته قِبَل أيّ وجهٍ توجّهت به، سواء جهة سيره جهة الكعبة أو غيرها.
وإنما جاز القصر في السفر لأنه ليس سفرًا محرمًا، بل من كان له فيه نية صالحة، وأراد به وجه الله، وقَصَد الجهاد الشرعي= كان ذلك من أفضل أعماله، وذلك لأن جهاد العدوّ الخارجين عن شريعة الإسلام ليكون الدين كله لله، وحتى تكون كلمة الله هي العليا= من أفضل الأعمال الشرعية.
[79]
و
سَعْي المسلمين في
(1)
قَهْر التتار والنصارى والروافض مِنْ أعظم الطاعات والعبادات
(2)
، فإنَّ هؤلاء محاربون لله ورسوله، خارجون عن شريعة الله وسبيله، وإن كان التتر والروافض يتكلَّمون بالشهادتين ويتظاهرون ببعض الإسلام، فقد أمر الله ورسوله بجهاد مَنْ هو خير منهم. قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة 278 - 279]. والربا أحرم ما حرَّم الله في القرآن، وكان أهل الطائف قد أسلموا والتزموا الصيام والصلاة وسائر الشريعة، إلا أنهم قالوا: لا ندع الربا، فأمر الله بجهادهم، وأخبر أنهم يحاربون الله ورسوله
(3)
.
(1)
الأصل: "فيمن"، تحريف.
(2)
الأصل: "في العبادات".
(3)
أخرجه أبو يعلى في "مسنده"(2668)، ومن طريقه الواحدي في "أسباب النزول"(ص 211 ــ 212).
فإن كانوا هؤلاء الذين لم ينتهوا عن الربا، قد أمر الله بمحاربتهم، مع أن الربا مالٌ يؤخذ برضا المتعاقدين، فكيف بمن يستحلُّ دماءَ المسلمين وأموالَهم، وإفساد دينهم ودنياهم؟ فطاعتهم
(1)
ودين الإسلام لا يجتمعان.
ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم[و] ارتدَّ مَن ارتدَّ قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله
(2)
" فقال له أبو بكر: ألم يقل: "إلا بحقها" فإن الزكاة مِنْ حقِّها، والله لو منعوني عناقًا
(3)
كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فما هو إلا أن رأيتُ أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعلمت أنه الحق
(4)
.
فقد قاتل الصحابة من كان مسلمًا لكونه لا يؤدي الزكاة، وقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجهٍ أنه ذكر الخوارج فقال: "يحقر أحدُكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق
(1)
العبارة في الأصل: "وطاعته" ولا يستقيم بها المعنى.
(2)
"إلا بحقها وحسابهم على الله" تكررت في الأصل.
(3)
علق في هامش الأصل: لعله عقالاً. أقول: وهو لفظ آخر للحديث.
(4)
أخرجه البخاري (1399، 1400)، ومسلم (20) من حديث عمر رضي الله عنه.
السهمُ من الرميَّة، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنَّ في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة"
(1)
.
فهؤلاء مع كثرة صيامهم وصلاتهم وقراءتهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم؛ لكونهم خرجوا عن جماعة المسلمين، واستحلّوا دماء المسلمين وأموالهم، ولا يكفرون أبا بكر وعمر، وإنما يطعنون في عثمان وعلي. والروافضة شر من هؤلاء؛ فإنهم يعاونون اليهود والنصارى، وعاونوهم مع هلاوون
(2)
لما قدم إلى بغداد، فأعانوه على قتل بيت النبوة العباسيين وغيرهم من المؤمنين، وأعانوا اليهود والنصارى بالشام نوبة هلاوون وقازان، وغير ذلك، ولا ريب أن ضررهم على المسلمين أعظم من ضرر التتر.
[80]
وأما التتار فإنهم وإن أسلموا لم يلتزموا بسائر الشريعة، والله قد أمر بالجهاد حتى يكون الدين كله لله، فإذا كانت الطائفة الممتنعة تتشهَّد ولا تصلي، قوتلوا حتى يصلوا، ولو قالوا: نصلي ولا نصوم،
(1)
أخرجه البخاري (6930)، ومسلم (1066) من حديث علي رضي الله عنه. وقد تقدم.
(2)
في الأصل في هذا الموضع: "أهلاوون" بهمزة في أوله، وسيأتي بدونها وهو كذلك في المصادر، والمقصود به هولاكو ملك التتار. وللمصنف "الهلاوونية [أو: الهلاكونية] جواب ورد على لسان ملك التتار". انظر "الجامع لسيرة شيخ الإسلام" (ص 295، 355).
قوتلوا حتى يصوموا. ولو قالوا: نصوم
(1)
ولا نحج، قوتلوا حتى يحجوا البيت، ولو قالوا: نؤدي الفرائض ولا نحرِّم ما حرَّم الله ورسوله، ولا نحرم الربا أو الخمر أو الفواحش، ونحو ذلك، قوتلوا على ذلك، ولو قالوا: يُحْكَم بيننا بالياساق
(2)
ولا يحكم بيننا الله ورسوله، قوتلوا على ذلك. ولو قالوا: نوالي جنسنا من الكفار، ونعادي المسلمين الذين لا يطيعونا، قُوتِلوا على ذلك.
والتتار فيهم من الخروج
(3)
عن شريعة الإسلام أمورٌ كثيرةٌ، حتى إن ملكهم قد أظهر الرَّفْض وتزوج ببنت أخيه، ومثل هذا يوجب قتل مستحلِّه باتفاق الأئمة، بل من تزوج امرأة أبيه
(4)
قُتِل، كما في "السنن": أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بردة بن نِيار
(5)
إلى رجل تزوج امرأة أبيه، فأمره
(1)
الأصل: "أنصوم" خطأ.
(2)
غير محررة في الأصل، وتحتمل:"بالياسان". والصواب ما أثبت. وهو دستور جنكيز خان الذي كان يحكم به. ويطلق عليه أيضًا (ياسا)، وهي كلمة مغولية تأتي بمعنى حكم وقاعدة وقانون، وتكتب بصور مختلفة في الكتب العربية والفارسية، (ياسا وياسه ويساق وياساق ويسق). انظر "المغول في التاريخ"(ص 338)، و"الفتاوى":(35/ 407 - 408)، و"البداية والنهاية":(17/ 161 - 162).
(3)
الأصل: "الخوارج"، خطأ.
(4)
الأصل: "ابنه" وكذا في الموضع الثاني، والصواب ما أثبت.
(5)
الأصل: "دينار" تحريف، والتصحيح من مصادر الحديث.
بقتله، وأن يأخذ خُمس ماله
(1)
. فكيف بمن تزوَّج بنت أخيه؟!
ولكن الواجب في جهادهم أن تُعصَم دماء المسلمين وأموالهم وحريمهم الذين في بلادهم، ولا يقاتل إلا من كان معاونًا لهم.
ولا تجوز الإغارة على بلاد الشرق فإنهم مسلمون، كما أن أهل الشام مسلمون، ولكن يشهدهم
(2)
العدو، كما قهروا أهل الشام لما دخلوا عليهم، فالواجب إنقاذهم من الدولة الخارجة عن الشريعة حتى يكون الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا، ويعمل بالكتاب والسنة بحسب الإمكان، كما خرج العسكر من مصر لإنقاذ بلاد الشام منهم لما استولوا عليها.
ومَنْ أغار على المسلمين وتعرَّض لدمائهم وأموالهم بغير حقِّها، فهو ظالمٌ معتد، ولا طاعة لمن يأمر بذلك، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
أخرجه الترمذي (1362)، وابن ماجه (2607) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه. وأخرجه ابن ماجه (2608) من حديث قرة بن إياس رضي الله عنه.
(2)
كذا، ولعلها:"يقهرهم".