الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومالك، وهو إحدى الروايتين عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه، كابن عقيل وأبي محمد بن المَنِّي
(1)
وغيرهما، وهو قول طائفة من أصحاب الشافعي.
فإذا لم يتغير الماء لم يُنْزح من البئر شيء، سواء تمعَّط فيها شعر الفأرة أو الهرّ أو غيرهما، أو لم يتمعَّط، فإنَّ شَعْر الميتة طاهر
(2)
عند أكثر العلماء، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه.
وإن تغيّر الماءُ بالنجاسة نُزح مقدار ما يطيب به الماء ويزول تغيره بالنجاسة، وليس لذلك حدٌّ مقدَّرٌ، والله أعلم.
فصل
* عن
شهر رمضان هل يصام بالهلال أو بالحساب والقياس
[ق 57] إذا حال دونه غيم أو غيره؟
والجواب: إذا رأى الناسُ الهلالَ ليلة الثلاثين من شعبان أو أكملوا عدة
(1)
الأصل: «المثنى» تحريف. وجاء على الصواب في «الفتاوى» : (20/ 518، 21/ 501). وهو: نصر بن فتيان بن مطر النهرواني، أبو الفتح، الحنبلي (ت 583)، شيخ أهل العراق، المعروف بابن المَنّي، نسبة إلى المن، وهو وحدة وزن معروفة. به تخرج ابن قدامة المقدسي والحافظ عبد الغني. ترجمته في «الذيل على طبقات الحنابلة»:(2/ 354 - 366). وكناه المؤلف هنا وفي موضع من «الفتاوى» : (20/ 518)«أبو محمد» والذي في المصادر «أبو الفتح» .
(2)
كتب بعدها «في» وعليها أثر الضرب.
شعبان ثلاثين، وجبَ عليهم الصوم باتفاق العلماء أئمة الإسلام، ولا يجب الصيام قبل ذلك عند عامّة السلف والخلف، لا في الغيم ولا في الصحو.
والإمامُ أحمد لم يكن يوجب الصيام ليلةَ الغيم، ولكن استحبّ ذلك اتباعًا لابن عمر وغيره من الصحابة، ولكن أوجب صيامَه طائفةٌ من أصحابه، وهذا القول لم يُنْقَل عن أحدٍ من السلف. وآخرون من أصحابه نهوا عن صيامه نهي تحريم أو تنزيه، كأبي الخطاّب وابن عقيل وأبي القاسم بن منده وغيرهم، وهذه رواية ثانية
(1)
عنه. وهذا قول مالك والشافعي.
وكثير من الصحابة والتابعين والعلماء كانوا يصومون يوم الغيم على طريق الاحتياط لا على طريق الإيجاب. ومذهب مالكٍ وأبي حنيفة: يجوز صوم يوم الشك مع الصحو والغيم. وكثير منهم ينهى عن صومه في الصحو والغيم، وكثير منهم كان يصومه في الغيم دون الصحو، وهو المشهور عن أحمد، وعنه رواية أخرى: أنه لا يصوم إلا مع الناس، وقال: لا يصوم وحده لكن يصوم مع الجماعة، يدُ الله على الجماعة. وهذه الرواية أظهر؛ لما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون»
(2)
.
(1)
الأصل: «ثابتة» تحريف.
(2)
أخرجه الترمذي (697)، والدارقطني (2180)، والبيهقي (4/ 252) وغيرهم. من طريق عثمان بن محمد، عن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة. وقال الترمذي: حسن غريب. ورواه أبو داود (2324) من طريق أيوب السختياني، عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة، ورواه ابن ماجه (1660) عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. وفي إسناده اضطراب. وانظر «تنقيح التحقيق»:(3/ 225 ــ 227) لابن عبد الهادي.
والشهر اسم لما يشتهر، والهلال اسم لما يستهلّ به الناس، فما لم يشتهر ولا يستهل لا يكون شهرًا ولا هلالًا، وقد بُسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع
(1)
.
وقد ثبت في السنة وآثار السلف أنه لو انفرد برؤية هلال ذي الحجة لم يقف بعرفات وحدَه، ولكن يقف مع الناس، فكذلك الصوم والفطر على هذه الرواية، فإذا رأى الهلال وحْدَه لم يصم، ولم يُستحبّ له الصوم وحده بل يُكره، وهذه رواية منصوصة [ق 58] عن أحمد بن حنبل، وهي أرجح في الدليل.
والعلماء لهم فيمن انفرد برؤية هلال الصوم والفطر ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره.
أحدها: أنه يصوم وحده ويفطر وحده سرًّا، كقول الشافعي.
والثاني: أنه
(2)
يصوم وحده ولا يفطر إلا مع الناس، وهو المشهور عن أحمد ومالك وأبي حنيفة.
(1)
انظر «الفتاوى» : (25/ 126 ما بعدها).
(2)
كتب بعدها: «لا» ثم ضرب عليها.
والثالث: أنه لا يصوم إلا مع الناس ولا يفطر إلا مع الناس، وهذا أرجح الأقوال. ومن رجح الاستحباب زعم أن هذا القول أقيس الأقوال، فإن ما شُكَّ في وجوبه لم يجب، لكن يستحب فيه الاحتياط، كما لو شك في وجوب الزكاة أو الحج أو الكفارات أو الطهارة أو غير ذلك؛ فإن الاحتياط فيما شك في وجوبه مشروع وليس بواجب، ولكن مالك يوجب الطهارة إذا شك هل أحدث، والجمهور يستحبون الطهارة ولا يوجبونها.
لكن من هؤلاء من يجزم بنيّة رمضان، كإحدى الروايتين عن أحمد، ومنهم من يجزم بنيّة شعبان، فإن صادف رمضان أجزأه، وهو قول أبي حنيفة، ومنهم من يصومه بنيةٍ فيقول: إنه إن كان من رمضان فهو من رمضان، وإلا فهو تطوع، وهذا هو الذي نقله المرُّوذي عن أحمد، وهو اختيار الخِرَقي في «شرح المختصر»
(1)
، ذكره عنه أبو يعلى في تعليقه
(2)
، وهو أحد الأقوال لمن يختار صيامه
(3)
.
والجمهور الذين
(4)
ينهون عن صومه يجيبون عن هذا بأن النبي
(1)
انظر «المغني شرح مختصر الخرقي» : (4/ 339) لابن قدامة، و «شرح الزركشي»:(2/ 565).
(2)
التعليق لأبي يعلى في الخلاف، وانظر كلامه في «الروايتين والوجهين»:(1/ 254)، وانظر «الفتاوى»:(25/ 100) للمؤلف.
(3)
الأصل: «من» ولعل الصواب ما أثبت. وبعد «صيامه» كلمة: «الوريقة» . ولعلها إشارة إلى وريقة كانت في أصله مكملة للنص، فأبقاها الناسخ مقحمة.
(4)
الأصل: «الذي» .
- صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا»
(1)
.
وقال: «لا تقدّموا رمضان بيوم ولا بيومين»
(2)
.
وقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العِدَّة»
(3)
.
قالوا: فقد نهى عن الصيام قبل الرؤية أو إكمال العدة، ونهى عن استقباله باليوم، والذي من فعله أن الاحتياط في ذلك غير مشروع؛ لأن في ذلك مفسدَة، وهي
(4)
الزيادة على المشروع، والاحتياط الواجب يغير وتفرق [ق 59] واختلافها
(5)
، وهذه المفاسد راجحة على المصلحة بالاحتياط، قالوا: لأنّ الاحتياط إنما يكون مع الشكّ في الوجوب، ونحن نجزم أنَّ الله لم يوجب علينا أن نصوم إلا شهرًا، والشهر متعلّق برؤية الهلال، فما لم يشتهر ولم يستهلّ به لم يوجبِ اللهُ صومَه، فلا احتياط مع الجزم بانتفاء الوجوب. والله أعلم.
(1)
أخرجه البخاري (1900)، ومسلم (1080) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري (1914)، ومسلم (1082) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري (1906)، ومسلم (1080) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه. ولفظه:«لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمّ عليكم فاقدروا له» .
(4)
الأصل: «وهو» .
(5)
كذا العبارة في الأصل، فربما وقع فيها تحريف أو سقط.