الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقصرون الصلاة خلفه وخلف أبي بكر وعمر، وكان يقرُّهم على ذلك، ولم يقل لهم: أتمّوا صلاتكم إنا قوم سفر. [و] لا خليفتاه من بعده.
وإنما رُوِي أنه قال ذلك لما صلى بهم بمكة عام الفتح. وكذلك عمر قال ذلك لأهل مكة في نفس مكة.
وأما بعرفة ومزدلفة فلم ينقل أحدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف، مع توفّر الهِمَم والدواعي على نقل مثل ذلك لو وقع. ولو كان أهل مكة يقومون حين السلام يصلون ركعتين آخرتين لكان هذا مما يظهر لكل الناس، وكان مثل هذا مما يمتنع في الشريعة والعادة أن لا ينقله أحد.
فهذه سنة معلومة قطعًا: أن المسافر يقصر في مقدار بريد، وهو أقل من يوم، والكتاب والسنة مطلق، فما كان في العادة سفرًا أفطر فيه وقصر، وإن أقام بالبلد أيامًا، فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الفتح عشرة أيام يفطر وهو في نفس مكة، وأقام نحو تسعة عشر يومًا يقصر، وأقام بتبوك عشرين يومًا يقصر، وبسط هذا له موضع آخر. والله أعلم.
وقال أيضًا:
وأما
رفع اليدين في الصلاة
مع كل تكبيرة حتى في السجود، فليست هي السنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها، ولكن الأئمة متفقة على أنه يرفع اليدين مع تكبيرة الافتتاح.
وأما رفعها عند الركوع والاعتدال من الركوع، فلم يعرفه أكثر فقهاء
الكوفة، كإبراهيم النخعي، وأبي حنيفة، والثوري، وغيرهم.
وأما أكثر فقهاء الأمصار وعلماء الآثار، فإنهم عرفوا ذلك؛ لما استفاضت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كالأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد، وهو إحدى الروايتين عن مالك. فإنه قد ثبت في "الصحيحين"
(1)
من حديث ابن عمر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ولا يفعل ذلك بين السجدتين.
وثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم في "الصحيح" من حديث مالك بن الحويرث
(2)
، وأبي حُمَيد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم أبو قتادة
(3)
، وهو معروف من حديث علي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وعددٍ كثير من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
.
وكان ابن عمر إذا رأى من يصلي ولا يرفع يديه في الصلاة حَصَبه
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (735)، ومسلم (390).
(2)
أخرجه البخاري (737)، ومسلم (391).
(3)
هو في البخاري (828) مختصرًا، وأخرجه مطولا أبو داود (730).
(4)
انظر أحاديثهم في كتاب "رفع اليدين في الصلاة"(ص 8 - 26 - بتحقيقي) لابن القيم.
(5)
أخرجه الحميدي في "مسنده"(627)، ومن طريقه البخاري في "رفع اليدين"(ص 53).