الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مسألة: في الجهر بالنية والتكبير والدعاء
، ومسائل أخرى]
(1)
مسألة: في جماعة يصلُّون بمسجد من بعض المساجد، هل على الإمام الجهر بالتكبير أو النية؟
أو على الإمام الجهر بالدعاء، أم السرّ أفضل؟
وهل المصافحة بعد العصر والصبح مستحبة، أم لا؟
وهل يجوز التبليغ خلف الإمام إذا كانوا صغيرًا وثلاثة
(2)
؟
وهل تعليم الصبيان جائز في المسجد أم لا؟ أفتونا.
الجواب: الحمد لله.
ليس على الإمام الجهر بتكبيرٍ ولا لفظ نية باتفاق المسلمين، ولا يستحب له ذلك أيضًا، لكن التكبير عليه أن ينطق به، وأما النية ليس عليه أن ينطق بها أيضًا باتفاق الأئمة، وليس في ذلك نزاعٌ إلا وجهٌ ضعيفٌ لبعض المتأخرين، بل أئمة الدين متفقون على أن المأموم ليس عليه أن ينطق بالنية، لا في طهارة، ولا في صلاة، ولا صيام، ولا يجوز ذلك، بل تنازع العلماء في استحباب التلفظ بالنية، فمن أصحاب أبي حنيفة
(1)
في الأصل كتب في أول المسائل: "باب النية". وتركته لأني انتقيتُ من المسائل ما ليس مطبوعًا، ولأن المنتقي لم يلتزم بالترتيب الفقهي.
(2)
كذا في الأصل.
والشافعي وأحمد من استحب ذلك، قالوا: بأنه أوكد. ومن أصحاب مالك وأحمد وغيرهما من كره التلفُّظ بالنية؛ لأنه بدعة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولأن النية من أعمال القلوب فقط، ولأن ذلك من جنس العبث، وهذا أصح.
وبكل حال [65] فأكثرهم ينهى عنه
(1)
. والمصرّ على ذلك يستحقّ التعزير. والله أعلم.
* مسألة:
(2)
وأما الدعاء في الصلاة، فالسنة المخافتة به إلا ما كان في ضمن القراءة في صلاة الجهر، ودعاء القنوت ــ حيث يجهر به ــ والتأمين.
وأما بعد الصلاة، فالسُّنَّة هو الذِّكْر المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما دعاء الإمام والمأمومين جميعًا، فلم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن من العلماء من استحبه، ومنهم من لم يستحبه بعد الفجر والعصر، كما أنَّ منهم من كره للإمام القعود بعد الصلاة، ولم يستحب القعود [و] لا الذكر، ولا الدعاء، وكلا القولين مخالفٌ للسنة، فإن السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي الدعاء في صلب الصلاة، والذكر بعد الصلاة، والداعي يناجي ربه، فدعاؤه وهو يناجي ربه أحبّ من دعائه بعد انصرافه من مناجاته.
(1)
بعده في الأصل: "باتفاق العلماء" وهي مقحمة. وكتبت فوق السطر وعليه علامة التصحيح هذه الجملة: "وتكبير ما ينهى عنه باتفاق العلماء". ولم يتبين لي وجهها.
(2)
هذه المسألة بقية جواب السؤال السابق. ووقع مثله في بقية المسائل الآتية.
ودعاء الرجل بعد الصلاة سرًّا جائزٌ، والذين استحبوا للإمام أن يدعو بعد الصلاة قالوا: يدعو سرًّا إلا أن يكون في الجهر مصلحة لتعليم بعض المأمومين، وذلك أنَّ الأصل في الدعاء أن يكون سرًّا، كما قال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]. وقال تعالى: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: 3]. ولهذا قال مَنْ قال من السلف: رفع الصوت بالدعاء بدعة.
وأما الذِّكر فتارةً يُسَنُّ الجهر به، كالأذان والتلبية، وتارةً لا يسنّ.
* مسألة: وأما المصافحة عقيب الصلاة، فبدعةٌ لم يفعلها رسول الله ولم يستحبها أحدٌ من العلماء.
*
(1)
وأما التبليغ خلف الإمام لغير حاجة، فبدعةٌ
(2)
مكروهة باتفاق الأئمة، فإنه لم يكن بلالٌ يبلِّغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان الخلفاء الراشدون
(3)
يبلّغ أحدٌ خلفهم. ولهذا اتفق الأئمة على أن الإمام هو الذي يُسنّ له الجهر بالتكبير.
كما ذكروا في كتب المذهب، قالوا: إن المأموم يبلغ للحاجة، [و] استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته لمَّا خرج فصلى جالسًا كان
(1)
قبله في الأصل: "الجواب" مقحمة.
(2)
الأصل: "بدعة". وانظر للمسألة "مجموع الفتاوى": (23/ 400 ــ 403).
(3)
الأصل: "الراشدين".
أبو بكر يُسْمِع الناسَ التكبير؛ لأجل مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وخفاء
(1)
صوته، وهذا أصل في تبليغ بعض المأمومين لحاجة.
وأما إذا أمكن الإمام أن يجهر بحيث يَبْلُغ صوته المأمومين، فهذا هو السنة، وتبليغ المأمومين حينئذٍ مكروهٌ.
وتنازع العلماء هل تبطل صلاة المبلِّغ؟ على قولين في مذهب مالك وأحمد وغيرهما، لا سيما إذا كان المبلّغ لأجل ذلك يرفع صوته قبل الإمام، ويمدّ صوتَه بحيث لا يسبِّح في الركوع ولا في السجود، ولا يطمئن في الركوع والسجود والاعتدال لأجل اشتغاله بمدّ صوته، [فمن جهر]
(2)
لأجل هذه البدعة، فقد ترك ما أُمِر به من الطمأنينة المفروضة، ومن التسبيح الواجب في أحد القولين، ودخل في المسابقة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسَه رأس حمار"
(3)
.
وهذا مما لا يشك
(4)
في أن فاعله عاصٍ آثم، بل وصلاته باطلة على أصح القولين عند العلماء.
(1)
رسمها في الأصل: "وخفى". والحديث أخرجه البخاري (712)، ومسلم (418) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
الأصل: "فهي تكون" تحريف، فلعل العبارة كما أثبت.
(3)
أخرجه البخاري (691)، ومسلم (427) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
رسمها في الأصل: "يشد".
وأما تعليم الإمام للمأمومين وغيرهم ما أمر الله به ونهاهم، فإنه
(1)
فرضٌ على الإمام باتفاق [66] المسلمين. وإذا غلب على ظنّ الإمام أن غيره لا يقوم بهذا الفرض صار فرض عينٍ عليه يأثم بتركه. وقد نصَّ الأئمة على مثل ذلك في الصلاة، حتى قالوا أيضًا: إذا رأى من يسابق الإمام، أو من نسي في صلاته ولم يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر صار شريكًا له في الإثم.
ولهذا جاء في الحديث: "ويلٌ للعالم من الجاهل، وويلٌ للجاهل من العالم، فويلٌ للعالم إذا سكت عن تعليم الجاهل، وويلٌ للجاهل إذا لم يقبل من العالم"
(2)
.
والحديث: "إن الخطيئة إذا خفيت لم تضرّ إلا صاحبها، وإذا أُعْلَنت الخطيئة فلم تُنْكر ضرَّت العامة"
(3)
.
فإذا لم يأمر بالصلاة
(4)
التي هي عمود الدين، وإقامة واجباتها،
(1)
الأصل: "فإن".
(2)
أخرجه الديلمي في "الفردوس": (4/ 395) عن أنس رضي الله عنه. قال العراقي في "المغني": (1/ 143): بسند ضعيف. وانظر "الضعيفة"(4756).
(3)
أخرجه الطبراني في "الأوسط"(4767) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. قال الهيثمي في "المجمع": (7/ 528): "فيه مروان بن سالم الغفاري وهو متروك". وأخرجه البيهقي في "الشعب"(7196)، وأبو نعيم في "الحلية":(5/ 222) وغيرهم من قول بلال بن سعد.
(4)
الأصل: "الصلاة بالصلاة".
استحقَّ العذاب بذلك، فإن تضييع الصلاة من أعظم المنكرات، كما قال تعالى:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} . وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4 - 5].
فهؤلاء كانوا يصلون، لكن أضاعوا واجبها، ولَهَوا
(1)
عنها، كالوقت والطمأنينة، ومتابعة الإمام وغير ذلك، كما ثبت في "الصحيح"
(2)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تلك صلاة المنافقين، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقر أربعًا
(3)
لا يذكر الله فيها إلا قليلًا". فجعله منافقًا مع كونه يصلي؛ لكونه ضَيَّع الوقت والطمأنينة.
* فصل: وأما تعليم الصبيان في المسجد بحيث يؤذي
(4)
المسجد؛ فيلوّثونه ويرفعون أصواتهم فيه، ويشغلون المصلّي فيه، ويضيِّقون عليه، فهذا مما يجب النهي عنه، والمنع منه، والله أعلم.
(1)
الأصل: "وينهو" ولعل صوابه ما أثبت.
(2)
صحيح مسلم (622) من حديث أنس رضي الله عنه.
(3)
الأصل: "أربع".
(4)
الأصل: "لا يؤذي"، والصواب حذف "لا".